هود عليه السلام
بعدما نجا الله نبي الله نوح وقومه وأنزلهم على الفلك، ولم يبق سوى ذرية نوح عليه السلام ومن بين ذرية نوح كان سام وينتسب إليه العرب وينتسب إليه بنو اسرائيل، ومن أحفاد سام جاء سيدنا هود عليه السلام.
هود ابن سام ابن نوح وقومه هم عاد
فهو هود ابن عبد الله بن رباح بن عاد بن عوث ابن ارم ابن سام ابن نوح عليه السلام، ومن هنا يسمى قوم هود عاد، وأيضًا يسمون إرم لأنهم أجداد هود عليه السلام.
وقوم عاد كانوا يسكنون منطقة اسمها الأحقاف وهذا مثبت في سورة الأحقاف نسبة للمكان الذي كانت تسكنه عاد، والأحقاف تعني جبال الرمل وكانت في اليمن بين عمان وحضرموت بأرض مطلة على البحر يقال لها الشحر في اليمن.
يقول الله سبحانه وتعالى: " واذكر اخا عاد إذ أنذر قومه في الأحقاف" ويعني هود في مكانهم بالأحقاف.
عجائب قوة قوم هود عاد
وكانوا يتفنون في صناعتهم بمساكنهم وكانت أحب المساكن إليهم الخيام، لكنها لم تكن خيام عادية ولكن خيام ضخمة جدا يتفنون بها ويتفاخرون بها.
وقال الله عنهم: " ألم تر كيف فعل ربك بعاد؟ ارم ذات العماد " العماد يعني العواميد الضخمة التي كانت بخيامهم.
يقول الله عن تفننهم وصناعتهم : " ارم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد".
حيث تفننوا في الصناعة والمساكن والشوارع حتى كانت تروى عنهم العجائب فكانت لهم مساكن السهول يسكنون في الخيام وكانوا يصنعون القصور في الجبال، مع أنهم كانوا يسكنون السهول لكن عبث ولعب.
وكانت لهم شوارع ضخمة في مدنهم حتى يبالغ بعض الرواة أن أسوارهم كانت من ذهب وفضة، والله أعلم.
لكن بالتأكيد الذي جرى في عاد لم يجر في أي مكان آخر، " لم يخلق مثلها في البلاد " بلغوا من الحضارة والصناعة الشيء الهائل العظيم.
عاد كانوا قوم من العرب العاربة
وكانوا عربا أي يتكلمون اللغة العربية وهود عليه السلام عربي. جاء ذلك في حديث يرويه ابن حبان في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدث أبا ذر عن الأنبياء فقال في الحديث: " منهم أربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك يا أبا ذر".
والعرب الذين جاءوا قبل اسماعيل عليه السلام يسمون العرب العاربة ومن أشهرهم عاد وثمود وجرهم وأميم ومدين وقحطان وغيرهم هذه أشهر القبائل العربية العاربة الذين جاءوا قبل اسماعيل عليه السلام.
أما العرب المستعربة الذين جاءوا بعد اسماعيل عليه السلام من ذرية اسماعيل عليه السلام، واسماعيل لم يكن عربي ولكنه كان كنعاني لكنه لما وضعه أبوه في مكة وخالط العرب فصار منهم وصار من أفصحهم حتى يقولون كان أفصح العرب ومنهم جاءت فصاحة العرب وفصاحة النبي صلى الله عليه وسلم.
قوم عاد أول من عبدوا الأصنام بعد وفاة نوح
بعد نوح والطوفان والقضاء على البشر في كل الأرض بدء البشر ينتشرون من المنطقة التي سكنها نوح من شمال الشمال جنوب تركيا ومنها انتشر الناس في فلسطين والشام ومنها انتقلوا إلى الجزيرة وعاد وصلوا إلى جنوب الجزيرة.
والجميع كانوا موحدين إلى أن جاءت عاد وسوس لهم الشيطان مع تطاول المدة فبدءوا يعبدون الأصنام مرة أخرى.
فهم أول من عبد الأصنام بعد الطوفان قوم عاد، رغم أن الله أمدهم بالضخامة، وجاء ذلك في القرءان ويصفهم المفسرون أنهم بيض طوال ضخام، فآدم عليه السلام كان ستين ذراع في السماء، أما عاد فكانوا بهذا الطول تقريبا.
قوم عاد كانوا ضخام طولهم يصل لستين ذراعا
يقول الله عن ذلك في الكتاب: " واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة، فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون".
عاد حكمت بعد نوح عليه السلام، وزادهم في الخلق بسطة اجسامهم ضخمة ووصف الله سبحانه وتعالى الحضارة والتطور العمراني على لسان هود حيث قال: " أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ " الريع هو المكان المرتفع والآية المعجزة الشيء العجيب، فكانوا يصنعون القصور على رؤوس الجبال، فيقول لهم أنتم تسكنون السهول وتصنعون القصور على رؤوس الجبال من أجل اللعب.
"أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ". والمصانع قيل أماكن الصناعة وقيل عنها مآخذ المياه مصارف المياه وقيل عنها أنها القصور الضخمة.
عاد تتكبر على البشر وتكفر بالله
" (129) وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ" وصلت بهم القوة أنهم مسيطرين على كل البشر في ذلك الوقت.
" (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134)" أي أنهم كانوا يمتلكون كل أسباب الحضارة والنعيم لكنهم لم يحمدوا الله سبحانه وتعالى.
يقول الله: " فأما عاد فاستكبروا بالأرض بغير الحق " أي لما وصل عندهم هذا الأمر وسيطروا على البشر بدءوا يتكبرون، بدلا من حمدالله عصوه ودائمًا الكبر هو أساس البلاء منذ معصية ابليس عليه لعنة الله.
بعثة نبي الله هود إلى قوم عاد
" وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون، قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين، قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين، أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم، واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوع وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون".
ذكرهم بالنعم العظيمة لكنهم ضلوا وظل هود عليه السلام يدعوهم فقال لهم أنهم يعبدون الأصنام ويشركون بالله، وأمرهم بالاستغفار والتوبة حتى ينعم عليهم بالمطر ويزيدهم قوة إلى قوتهم.
فدعاهم ودعاهم وماذا كان رد عاد ؟
بدءوا يسخرون منه كما سخر قوم نوح من نوح فقالوا له أنت سفيه وقالوا له إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء يعني بعض الأصنام أصابك بالضرر، وقالوا لهم كذلك أنهم يكذبون بالآخرة بسبب ترفهم في الحياة الدنيا ( وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ولئن أطعتم بشرًا مثلكم إنكم إذًا لخاسرون أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون هيهات هيهات لما توعدون إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين).
رفض عاد الابتعاد عن عبادة الاصنام بالاضافة لرفضهم الوعظ للعودة لدين الله
ووصلوا إلى مرحلة حيث قالوا : " قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين. إن هذا إلا خلق الأولين. وما نحن بمعذبين". فأصروا إصرار كامل على التكذيب ولما وصلوا لهذا الأمر تحداهم قال لهم : " قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون" نفس القولة التي قالها نوح لقومه، تحداهم بأن يجمعوا أنصارهم ولا تعطوني مهلة ( لا تنظرون) ثم دعا الله سبحانه وتعالى " قال ربي انصرني بما كذبون".
قال عز وجل: " عما قليل ليصبحن نادمين".
عقاب الله يحل على قوم عاد بالريح
كيف عاقب الله قوم عاد ؟ عذبهم الله سبحانه وتعالى بالريح، وهي رياح ليس كمثلها في التاريخ وانقطع عنهم المطر وبدأت الثمار تموت والأشجار تموت وبدءوا يطمعون في المطر ويطمعون وفي يوم من الأيام حينما أراد تعذيبهم الله إذ أقبلت سحابة سوداء عليهم.
فلما رأوا المطر عارضا مستقبل أوديتهم، قالوا هذا عارض ممطرنا، جاءت الغيوم وفيها المطر.
يقول الله: " بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم، تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يُرى إلا مساكنهم" دمرت الريح كل شيء ومصانعهم وما بقى عندهم إلا المساكن التي كانوا نحتوها في الجبال.
" كذلك نجزي القوم المجرمين" ووصف الله سبحانه وتعالى هذا التدمير بآيات كريمات فقال: " وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم " تفتت كل شيء فالرميم هو الرماد، التراب المكسر فدمرت كل شيء.
ويقول تعالى: " كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر؟ إنا أرسلنا عليهم ريح صرصر في يوم نحس مستمر تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر" أعجاز النخل: جذوع النخل، منقعر: ليس لها رأس أي نخلة بدون رأس.
كانت الريح تأخذ الواحد منهم على ضخامته فتطير به فتدقه في الأرض فينفصل رأسه عن جسمه ويترك جسدا بدون رأس " كأنهم أعجاز نخل منقعر فكيف كان عذابي ونذر".
"وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتيًا سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسومًا" حسمت الأمر والحسم القطع أي قطعت الأمر قطعا " فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية".
ونجا الله سبحانه وتعالى هود، فكانت الريح تصيبهم كلهم إلا المكان الذي يتواجد فيه هود ومن معه، قيل كان في حظيرة ومعه بهائم وحيوانات، ومن آمن به وكل شيء حوله يتحطم ولم يمس المؤمنين شيئًا فسبحان القادر عز وجل.
فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۖ وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72) سورة الأعراف.
ويقول تعالى : وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58) وَتِلْكَ عَادٌ ۖ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) وَأُتْبِعُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ ۗ أَلَا بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ. ( سورة هود.
وكانت هذه نهاية عاد وعاش المؤمنون في هذا المكان ومات هود عليه السلام ودفن في حضر موت، ومرت الأيام وعاد الناس مرة أخرى إلى الكفر بوسوسة من إبليس اللعين، وجاء هذه المرة نبي الله صالح عليه السلام.