رمت بأوراقها فوق مكتبها.. بعثرتها.. تساقطت هنا وهناك لترسو إحداها عند قدمها.. التصقت بثوبها.. شعرت أن لهذه الورقة شأن آخر.. نزلت إلى حيث هي.. تناولتها: آآه.. خرجت من حجرتها كالضائع.. دارت في أرجاء الشقة.. لا أحد... وأخيراً.. وقفت أمام دولاب المطبخ، وانفتح جحيم عذاباتها من جديد... (ها قد نفذ ما توعد به.. خرجوا كلهم وتركوني وحدي... ) أخرجت نفساً عميقاً.. آخر.. (بالأمس رفع صوته علي .. وكاد أن يمد يده.. لماذا.. لأني طالبت بحقي في مال والدي... واليوم أقسم أن لا أخرج من البيت إلا حيث الجامعة.. ).

تتابعت أنفاسها.. احتد غضبها.. حكت أظافرها بعنف فوق دولاب المطبخ... (أي ظلم هو هذا.. لقد سئمت هذه الحياة البائسة... سئمت الركون لإملاءاته.. أكرهه.. أكرهه.. ) تساقطت دمعتها.. لم تلمسها.. لم تمسحها.. كانت تتصفح في تجمع نقاطها ذكرياتها المرة مع أخيها الأكبر.. كيف ضيق عليها بعد موت والدها بدعوى الحرص عليها.. كيف حرمها من كثير مما تحب.. كيف أحال لون الحياة الوردي الممطر إلى سواد قاتم ذي تموج أحمر... كيف أشعرها أنها كائن جرثومي اختلاطه بالجنس الآخر يفسده، وهي ذاتها حاوية نفايات لا تملك دفعاً لما يلقى فيها من أفكار خاطئة وتوجيهات ضارة.. صور شتى من الحران والألم تزدحم لتبصرها.. وكأن شيئاً ما.. هناك يثيرها.. ألوان العذاب تحاصرها.. تقيد الأمل داخلها.. بينما لحظات حرمانها من حضور زفاف أعز صديقاتها.. تطعنها.. تثير الحقد داخلها.. لماذا المنع.. لأن أحد ما لن يذهب معها. تتابعت الصور ممزقة قلبها.. مشعرة إياها بالهوان.. بالذل.. بأنها لا شيء.. لا شيء يذكر صوت حاد بدأ يدب خفية بين دهاليز عقلها.. يسيطر على تفكيرها.. يستولي على كل أجزاء كيانها.. يغلق كل الأبواب أمامها فلا شيء غيره.. لا حل سواه.... (إنه الخلاص.. إنهاء هذه الحياة القاتلة.. مجرد لحظات فقط من الألم الحاد... ثم ينتهي كل شيء.. تنتهي المعاناة بلا رجعة.. ويأخذ أولئك الأشرار درساً في الحياة لن ينسوه، أن قسوتهم كانت سبباً في قتل الآخرين.. لن يرحمهم الناس.. لن ترحمهم أمي.. لن ترحمهم ضمائرهم حين تستيقظ على مشهد الدماء فتحت الدرج بهدوء.. أمسكت بأكبر سكين.. توقفت عن البكاء.. بدأت أنفاسها تهدأ.. استدارت نحو الطاولة.. تقدمت نحو الكرسي.. جلست... (لم يجعل لي من قرار.. أغلق ل الأبواب أمامي.. لو كان وافق على زواجي من ابن خالي (خالد) لكان أراح واستراح.. لكنه هكذا.. يتلذذ بتعذيبي.. بحرماني.. بتكبيلي.. بسجني... ) قبضت على السكين بقوة.. (لكن هيهات.. الليلة سوف ينتهي كل شيء.. الليلة سوف يدرك خطأه.. سوف يندم على كل لحظة بؤس ذقتها معه... الليلة سوف يبكي) وابتسمت في حقد رفعت رأس السكين إلى رقبتها.. أدارتها.. تأملتها.. شيء ما يتسلل داخلها.. رعدة تصيب أطرافها.. تتعمق داخلها.. إنه الخوف.. (لعلي لا أموت بسرعة.. لعلي أشعر بألم السكين طويلاً... يجب أن استجمع قوتي لأموت بسرعة).. زادت نبضات قلبها.. أغرورقت عيناها.. تذكرت أمها.. أباها.. صديقاتها.. التخرج الذي سيكون بعد أشهر... طقم الثياب الجديد الذي لم تلبسه بعد.. ملك الموت.. تخيلته أمامها.. (كيف يا ترى سيكون شكله.. ؟.. كيف سينظر لي؟ من أين سيمسك بي؟).. شعور بالخطيئة دب في روحها.. منظر النار ارتسم أمامها.. وسؤال عن بعد يتكرر: أليس من طريق آخر؟.. لكن صوت الانتحار مازال هو الأقوى.. (لا مجال للتفكر.. لا مجال للتردد.. فإما أن أموت أو أقتله). استجمعت طاقتها..عاودت النظر إلى سكينها..تأكدت من حدتها.. ورفعت رأسها.. أغمضت عينها.. أغمضتها بقوة.. ابتلعت آخر ريق لها.. (آآه...) ..


المراجع

مدونة وصايا

التصانيف

قصص