كانت مفاجأة للعراقيين في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب أن يروا منشورات على جدران المنازل (والمؤسسات) وفي الساحات وهي تحذرهم من (أفاعي المخابرات الإيرانية) المرسومة بالعلم الإيراني، فاتحة أفواهها تريد ابتلاع خارطة العراق، وفي المنشورات وجوه بائسة حزينة لعراقيين، فضلاً عن أسماء 7 أو 8 شركات هي واجهات للمخابرات الإيرانية، والمتداول أن جهاز المخابرات العراقي هو الذي صمم المنشورات، ووزعها على نطاق واسع.

وليس مما يعنينا هنا البحث في مرجعية المخابرات العراقية، إذ هي تقوم بالفعل بعمل وطني - مع أنه محدود النتائج - لأسباب يشترك فيها الأمريكان من جانب، والحكومة العراقية من جانب آخر، بل الذي يعنينا في هذا المجال هو المنشور الذي أثار تساؤلات لدى كل من اطلع عليه.

العراقيون جميعاً، بل الجن والإنس كلهم؛ يعرفون حجم التغلغل الإيراني وخطورته، ولهذا فإن الاقتصار على إيراد أسماء 7 أو 8 واجهات للمخابرات الإيرانية تعمل في العراق هو أمر مثير الدهشة، فالمعلومات المتداولة تشير إلى وجود أكثر من 300 واجهة بين شركة ومؤسسة و(منظمة مجتمع وطني) تشرف عليها قوة القدس، ويوجه عملها العميد قاسم سليماني، ونائبه احمد فروزونده، وقسم من هذه الواجهات خصص لها مجلس النواب جلسة من جلساته بتاريخ 26112007م ليقدم لها منحاً مالية بلغت قيمتها أكثر من مليارين وربع المليار دينار، ومن هذه المؤسسات التي استفادت من المكرمة النيابية (جمعية براثا الخيرية)، و(جمعية مكتبة الإمام الخوئي)، و(مؤسسة الإمام المهدي عج)، و(رابطة الثقلين)، علماً أن هذه الواجهات خلطت عمداً مع مؤسسات اجتماعية وثقافية مستقلة محدودة التأثير لذر الرماد في العيون.

بل يعلم الأمريكان ومخابراتهم، وجهاز المخابرات العراقية، وكل من يحسن القراءة والكتابة في العراق وفي غير العراق؛ أن في الحكومة نفسها عملاء لـ"اطلاعات" ولقوة قدس، وفي مجلس النواب، وقد كشفت أسماءهم الحركية ورتبهم، وأرقام رواتبهم التسلسلية، ومقدارها بالتومان.

مؤسسة واحدة باسم محمد باقر الحكيم تبلغ ميزانيتها 12 - 15 مليون دولار شهرياً، فهل عزيز الحكيم وابنه عمار من الصناعيين المنتجين الكبار لينفقوا هذا المبلغ شهرياً، وفي أغراض ظاهرها الإغاثة، وباطنها أشياء أخرى، ومعظم الشركات المرتبطة بـ"اطلاعات" وقوة القدس ليست قانونية، وهي غير مسجلة، ولا تخضع لأي نوع من أنواع الرقابة.

كيف يطلب من العراقي الأعزل الذي تطارده المليشيات ليل نهار أن يقاوم هذه الواجهات، وهل هذه المهمة الجسيمة مستحيلة على المخابرات الأمريكية والعراقية، فتطارد الذين يشرفون على هذه الواجهات ويديرونها، وتعتقلهم وتظهرهم على قناة (العراقية) مثلاً التي بارك الأمريكان خرقها لحقوق الإنسان العراقي وهي تظهر شيوخاً وشباباً ملتزمين ليعترفوا بجرائم لم يرتكبوها بالتهديد باغتصاب الأخوات والبنات والزوجات، هل يعجز الأمريكان ومخابراتهم ومخابراتنا عن هذه المهمة فيحيلونها إلى أصحاب الوجوه الحزينة البائسة المرسومة على المنشور؟


المراجع

مجلة العصر

التصانيف

قصص