يعيش العالم اليوم تنامي مقاومة العولمة ونتائجها التفقيرية للشغيلة وشعوب بلدان الجنوب من طرف العديد من القوى وهو ما يطرح ضرورة على النساء وحركاتهن الانخراط الواسع والفعّال في هذه الحركية ذلك أنهن الأكثر تعرضا لهذه النتائج إلى الحدّ الذي يمكن التحدّث معه عن تأنيث الفقر كظاهرة عالمية.
I. تأثيرات العولمة على وضع المرأة العاملة 1) لقد عملت الدول الرأسمالية الكبرى على فرض حالة انسياب في حركة البضائع والرأسمال بدعوى حريّة التجارة وذلك في سبيل غزو أسواق بلدان الجنوب من ناحية وتحقيق شروط ملائمة لنشاط رأس المال في هذه البلدان من ناحية أخرى حيث: - توفير يد عاملة كثيفة من ضمنها النساء - توفير يد عاملة بخسة والتي تمثلها اليد العاملة النسائية بشكل بارز. - الاستثمار في قطاعات وصناعات ملّوثة للبيئة غير مقبول تواصلها في البلدان الرأسمالية الكبرى فيقع تصدير هذه القطاعات إلى بلدان الجنوب. ما يلاحظ في هذه القطاعات هو أنها تقوم في جانب كبير على تشغيل النساء ويطرح هنا سؤال لماذا؟ ذلك أن اليد العاملة النسائية تستجيب لشروط الاستغلال القصوى 2) شروط عمل النساء في القطاعات تتسم بــــ: - أجور متدنية ما يميزها كونها أقل من الحدّ الأدنى الذي حددّته القوانين على الرغم من أنّ هذه الأخيرة تكرّس بطبعها الاستغلال وتخدم مصالح الرأسمال الأجنبي وهو أحد مظاهر التمييز الجنسي المكرّس ضدّ النساء. - ساعات العمل تتجاوز عادة الحدّ الأقصى المحددّ قانونا حتّى وتحت صيغ عديد ة يقع إجبار العاملات العمل لمد{ة تتراوح بين 9 ساعات إلى 12 ساعة كما يقع إجبارهن على العمل في العطل وأيام الآحاد والأعياد بدعوى ضرورات التصدير دون موافقتهن من ناحية ودون احتساب تلك الساعات كساعات إضافية وفقا للتحديد القانوني من ناحية أخرى. ففي إطار تشجيع السلط على الاستثمار الأجنبي واستجلاب رأس المال الأجنبي وفرت له كل التسهيلات والضمانات الممكنة وعلى رأسها غياب الضمانات القانونية والاجتماعية للعاملات – الطرد لمجرد الحمل، عدم التمتع بإجازة الأمومة كاملة للحاضنات، الحرمان من ساعة الرضاعة، عدم التمتّع بالإجازة المرضية، وعدم التعويض لهن عنها، عدم تمكينهن من الترسيم وما يترتّب عنه من مزايا وذلك من خلال سياسة العقود الشغلية المؤقتة والمنفصلة فضلا عن انتشار البطالة الفنية وتلاعباتها. - الابتزاز الجنسي الرخيص وعمليات التحرش الجنسي اليومية والمتواصلة بشكل شبه آلي خاصة وأن المسؤولين المباشرين والمالكين هم عادة من الرجال وفي هذا الإطار أسست جمعيتنا الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات مركز نشط مختص في التصدّي لكل أنواع العنف المسلط على النساء ومن ضمنه مشكل التحرّش الجنسي ويستقبل هذا المركز عديد النساء اللواتي تعرضن إلى هذا النوع من العنف. - غياب ومنع عملي لبعث أطر تمثّل العاملات وتدافع عن مصالحهن على الرغم من أن دستور البلاد والقوانين لا تمنع ذلك لكن وبإسم تشجيع الاستثمار الأجنبي عادة ما منعت العاملات من ممارسة ذلك الحق في محاولة لتفريقهن وجعل مشاكلهن فردية وليست جماعية. مما تقدم يتبين لنا أن العولمة وان كانت تدفع نحو المزيد من توسيع الإفقار العام للمجتمع كتعبير داخلي عن حالة الاستقطاب العالمي بين المركزة المتزايدة للثروة من ناحية والتعتيم المتزايد للفقر من ناحية أخرى فإن الأمر يتخذ أبعاد أعمق وأوسع وأكثر خطورة وبربرية بالنسبة للنساء حيث يتعمّق الفقر والإملاق ويظهر ذلك خاصة في الأثر التهميشي للعولمة تجاه النساء. II. العولمة والتهميش الإجتماعي للنساء. إن الحركة العامة للعولمة تقوم على التهميش المتواصل لبلدان الجنوب لصالح بلدان المتروبول الرأسمالي وتهميش الأرياف لصالح المدن وتهميش أحزمة الفقر بالضواحي لصالح العواصم ومراكزها. والمتمعن في هذه الحركية يقف دون عناء عند غياب المرأة في المركز وحضورها البارز في الهامش. إن هذه الحركية العامة وجدت ترجمتها وحركتها الداخلية في مجتمعنا في مظاهر عدّة من أهمها حركة هجرة واسعة عمقت تهميش النساء: - هجرة خارجية كانت في الغالب ذات طابع رجالي حيث وقع الإبقاء على التقليدي للمرأة (العناية بالأسرة ورعاية الأبناء مع مصادرة كلية لوجودها الفردي المستقل بما في ذلك توازنها النفسي والجنسي) - هجرة داخلية من الأرياف إلى المدن وهي نوعان: أ- نزوح رجالي بحت مع بقاء النساء في القرى والأرياف. ب- نزوح عائلي يشمل كامل افراد الأسرة بما فيها النساء * بقاء النساء في الارياف والقرى: أمام تخلف البنية الأنتاجية في الريف نلاحظ ان اليد العاملة النسائية تنخرط على نطاق واسع في - العمل المنزلي: النسيج تربية محدودة للماشية والدواجن... - العمل المؤقت: بلا أساس عمل موسمي * النزوح العائلي لأحزمة الفقر حول المدن أمام محدودية وعدم كفاية دخل الزوج فإنه عادة ما تلجا الزوجة والبنات للعمل في سبيل تحسين الدخل العائلي حيث نلاحظ ان: - جزء من النساء ينخرطن في العمل في المصانع بالشروط التي تعرضنا إليها سابقا - جزء من النساء ينخرطن في أعمال ومهن غير مهيكلة (معينات في المنازل، بائعات متجولات... الخ) - جزء ينخرطن في العمل المنزلي كالنسيج أو الحرف التقليدية بما في ذلك تربية الماشية والدواجن وهي إحدى مظاهر ترييف المدن - جزء منهن انخرط في مجال العمل بالمناولة والذي يشمل أعداد ضخمة من النساء. - مما تقدم نلاحظ أن هذه الحركة (أي النزوح أو الهجرة) وما ترتب عنها من نشاطات للنساء تتميز بكونها تعمق تهميشهن حيث نلاحظ أن الغالب على هذه الأنشطة هو: - ان عمل النساء في هذه القطاعات مؤقت وغير منتظم. - أجور زهيدة جدّا تكرّس الاستغلال الأقصى – دون تلك التي تتحصّل عليها العاملات في مصانع القطاعات المهيكلة – - غياب كلّي لأي رقابة أو تأطير قانوني أو ضمانات اجتماعية أو صحيّة حيث شروط العمل صعبة ومتدهورة: سيادة الأمية والانقطاع المبكّر عن التعليم تدهور الوضع الصحّي... الخ إذن ما تعانيه النساء من تهميش اجتماعي هو في جوهره مظهر من المظاهر البطالة المقنعة وغير المعلنة التي تكرّس تعميق الفقر وسد أبواب الارتقاء الإجتماعي. هذه البطالة المقنعة التي لا تدرج في الأرقام الرسمية إنما تعبر عن ان الخطط والبرامج والمخططات الاقتصادية والاجتماعية تعمل فعليا على تهميش هذا القطاع الواسع والأساسي من المجتمع ومن قواه العاملة النشطة وعليه فإن هذه البرامج تكرّس تأنيث الفقر أكثر فأكثر. باعتبار أن الفقر ظاهرة اجتماعية وليس قدرا محتوما فإنه وليد خيارات اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية يتخذ مظهره الأكثر فجاجة وبربرية عندما يتعلق الأمر بالنساء حيث تظهر وتتكرس الرؤية الدونية للنساء من طرف الدولة والمجتمع بما يحمله من فكر أبوي تسلّطي يعتبر الفقر أحد عوامل إعادة إنتاجه وتعميقه. هذه الخيارات لم تعد تصاغ على المستوى الوطني بل على المستوى العالمي يكرس التهميش والاقتلاع الاجتماعي كان نصيب النساء فيه الأوفر حيث اتخذ هذا الفقر طابعاه المؤنث مما أدّى إلى: - منع المرأة من حقّها في تنمية ذاتها كإنسانة فردة متفرّدة ممتلكة لذاتها ولمصيرها ولجسدها. - تنامي ظاهرة الرقيق الأبيض (البغاء) وتحويل جسد المرأة إلى بضاعة تحت إدارة وإشراف احتكارات دولية عابرة للقارات تتصرف في مليارات من الدولارات مثل بقية الشركات المعولمة لها لوبيات نفوذ على المستوى الدولي أدى إلى التفكك الأسري وغياب الأمن الإجتماعي للنساء مع تحميلها هي المسؤولية ونتائج ذلك. إن تهميش النساء إنما هو منع لجزء رئيسي من المجتمع من الإسهام الحقيقي في نهضة وتقدم وتحرر المجتمع. إن خطورة ما وصلت إليه وضعية النساء من تفقير وتهميش ناتج عن سياسات العولمة يتطلب منّا المزيد من سرعة الحركة والرد وعليه فإننا نتوجه بنداء للجمعيات والمنظمات النسوية في العالم من أجل توحيد الجهود والمقاومة ذلك أن عالمية رأس المال تتطلب عالمية المقاومة كما ان عالمية تأنيث الفقر والتهميش تتطلب بناء حركة مقامة نسائية ضد العولمة مانعة لآثارها.
المراجع
www.swmsa.net/articles.php?action=show&id=998موسوعة الأبحاث العلمية
التصانيف
الأبحاث