الشاعر زكي مبارك
حبّكم أنجبته أيام حرب صبحها في سناه ليل بهيم
لا يصون الحليم فيها نهاه ساحة الحرب ليس فيها حليم
حبّكم صيغ من أمان وخوف فهو نار يهفو عليها النسيم
حبكم خدعة السلام أشاعوا قبل يومين أنها تسليم
كان ما كان وانقضت صبوات ثائراتٌ في إثرها صبوات
كان عهد الهوى وثيقاً فأودى بوثيق الوفاء هذا الشتات
قد سكبنا الدمع العزيز عليكم وعلى القبر تسكب العبرات
أدمعي إن سكبتها في غرام فهي في شرعة الهوى صلوات
أتروني عرفت ما كان منكم وقصيدي في عتبكم تلميح
إن يومي بذلك الثغر يوم أنا فيه مقاتل وجريح
مطرٌ هاطلٌ وبأسٌ شديدٌ وقتالٌ ومدمعٌ مسفوح
لن تروني أموت ما مات قلبٌ صادق في الهوى ولا مات روح
كذبٌ ما سمعت من صدق عهدي ليس للثائر المجرّح عهد
إن أكن في هواك أخلفت وعداً فلقد ضاع فيك وعد ووعد
خاتلٌ أنت فاحترس من عقابي كل ختل له عقاب وردّ
محنتي فيك والجروح قصاصٌ لم تُسَدّد ديونها السود بعد
ليلة الثغر ليلية كربتني وليالي الجوى عناءٌ وكرب
كلما قلت غاب عني دجاها أجّ من طيفها قتال وضرب
أعين الغيد لا تروم سلاماً إن تسليمها المهذّب حرب
باطل باطل حديث أناس زعموا أن شرعة الكون حبّ
أيّ عهد ترى وعندك أني في حياة الغرام والوجد طفلُ
ليلة الثغر أفقدتني رشادي إن بعض الجنون في الحب عقل
لن تراني إلا غريماً أثيما وثبهُ في هواك خبل وقتل
لا تحاول ضلالةً في غرامي ليس لي في الضلال والمكر مثل
أعلن الصلح واطمأنت سيوف ظامئات إلى حمى الأغماد
واستطار الهوى فأعلن حربا بين سود العيون والأكباد
حربنا لم تقف لميحة طرف من قديم العصور والآباد
كل حرب لها بشائر صلح غير حرب سعيرها في فؤادي
أنت من أنت لا أسميك رفقاً بك يا سهد أعين الرقباء
أنت في خاطري خيال لطيف كالخيال المكنون في الصهباء
لا تخل أنني جفوتك زهداً في عذابي ولوعتي وعنائي
إنني قد كتمت حبك خوفا من فضول العذال والسفهاء
أعلن الصلح بين قوم وقوم أين صلح العيون صلح القلوب
دارت الحرب بين قلبي وحبي إن حرب الهوى أمضّ الحروب
كل خطب يهون إلا خداعا يصطليه متيّم من حبيب
أنا أذنبت في اشتياقي إليكم إن صدق الغرام بعض ذنوبي
أقبل الصلح هكذا قال ناس يلبسون الغروب ثوب الشروق
صلحهم خاتل ضميراً وعينا كاشتمال العدو ثوب الصديق
إن يخونوا فما خيانة روح سقطت سقطة الهوى في طريقي
مكرهم في هواي شارة حربٍ تؤذن الروح بالتهاب الحريق
أنت من أنت والسياسة غيبٌ هي رجم الظنون بعد الظنون
إنهم صوّروك نور ضميري إنهم صوّروك نار شجوني
أين ألقاك أين لا أين إني حائر الروح في شعاب الحنين
حبّنا مات فابك أنت عليه غاض دمعي وغاب عني أنيني
قال قومٌ وقلت أنت سلاما فعليكم تحيتي وسلامي
إنّ تسليمكم عليّ بشير بالجميل النضير من أيامي
ليت ما قد سمعت يؤنس روحي ويروّي الظمآن من أحلامي
ليتني أغتدي وأمري أمرى في ودادي وفي مرير خصامي
يا جمال الجمال هذا رقيبٌ أزرق العين يا جمال الجمال
لا تصدّق كلامه في اتهامي إنه يمترى ضروع الخبال
أمر هذا الرقيب يلغيه أمرٌ منك يا فتنة العصور الطوال
لم أجد قبل محنتي فيك ليثا يأخذ الأمر عن عيون الغزال
مرأة الحرب كيدها أبديّ من هنا قيل إنها هيجاءُ
مرأة الحرب أخطبوط عنيفٌ كل أسنان ثغرها عوجاء
لم أجد مرأة حميدا جناها في سبيل الفناء هذه النساء
حرّةٌ تلك إن سمعتم فقولوا حرَّةٌ يعتلى عليها الإماء
أقبل الصلح أيّ صلحٍ أجبني أبهذا الوجود يعقدُ صلحُ
أنا والحب يغتلي في فؤادي من عتابي عليك وخزٌ وجرحُ
لست أنسى أمانياً فيك ضاعت لا تصدّق إن قيل في الحب صفح
غافر الذنب ليس يغفر ذنبا لحبيب جناه كيد وشُحُّ
أقبل الصلح إنهم سطّروه في سجل مرقّم الصفحات
وتنادوا بأن عهداً جديداً يأمر الناس بالذي هو آت
شبح الحرب لن يعود إليكم فتناسوا ما كان من هنوات
واذكروا أنكم غدوتم جميعاً في ظلال الخيرات والثمرات
شبحُ الحرب لن يعود فما لي ألمح الحرب فوق كل مكان
آسرت شامتٌ يقهقه جهراً وأسيرُ يغتابُ صرفَ الزمان
أمركم للهوى كما صار أمري إن خوفي مُرُّ الجنى من أماني
أنا اسرفتُ في الرجاء فأمسى خيب هذا الرجاء إحدى الأماني
يا جمال الجمال أنت قصيدٌ من رحيق الصبا وهذا قصيد
لا تقل بالذي يقال حديثا ليس في الكون سيد ومسود
كل عصر به ظلام وصبح وظباء تسطو عليها أسود
لا تحاول فرارة من نبالي أنت أشهى الصيود مما أصيد
أقبل الصلح ذاك قول عجيب لم يؤشّر عليه ذاك الرقيب
قد شمتنا بكم شمتنا فتوبوا وإلى مشرع الندامة ثوبوا
زملاء وهم لنا رقباءٌ باسهم في قتالنا مرهوب
يلعن اللَه حقبة من زمان عاش فيها الأديب وهو غريب
قلمي والحياة جزرٌ ومدّ ومساءٌ يمضي فيأتي صباح
زمنُ الحرب ليس عهد كفاح في عهود السلام يرجى الكفاح
زمن الحرب أمره لأناس هم كشابٌ جهادُهنّ نطاح
قلمي أنت مشرط وزماني طبّه من جواه هذا السلاح
يا فؤادي شهدت حربين فاقنع بالذي قد شهدته من خطوب
وتعال استمع لآهات روح هو من صدق حبه في كروب
إن عيشي تغتاله خطراتٌ هي رمى العيون حبّ القلوب
أنا يا قلب لا أبالي زماناً ضاع حظى منه وضاع نصيبي

المراجع

adab.com

التصانيف

شعراء   الآداب