لا تقتصر مسألة ترجمة النصوص الفلسفية على ندرة ما نقل إلى العربية من الأمهات، و إنما تتعدى ذلك إلى ما عبّر عنه أحد مترجمينا الكبار عندما اشتكى بـ" أن ترجماته ولدت ميتة". ما يثير انتباه الملاحظ في هذا المجال، أنه حتى إن ظهرت ترجمات عربية جيدة لبعض الأمهات، فإنها لا تلقى استجابة في سوق التبادل المعرفي: إنها لا تدخل في شبكات فكرية وعلائق أخرى، وهي لا تثير انتقادا ولا تُستثمر ولا توظّف.
ليست قليلة الأمثلة التي تؤكد ذلك. ويكفي أن نذكر ترجمات بعض مؤلفات فرويد على يد صفوان و زيور و سامي علي، و ترجمة بعض مؤلفات لوك و روسو، إلى غير ذلك من الترجمات المهمة كرسالة سبينوزا و رسالة فتغنشتاين و حفريات فوكو..
ذلك أن ترجمة النصوص الفلسفية ليست مجرد فعل في تلك النصوص، وإنما هو تفاعل معها، انه ليس تفكيرا في تلك النصوص، و إنما هو تفكير بها. لعل هذا هو ما يفسر كون تلك الترجمة تظل عملية لامتناهية حتى داخل اللغة الواحدة. فما دام النص الفلسفي موضع فكر فهو يترجم وتعاد ترجمته. يكفي أن نذكر أقرب مثال إلينا: وهو نقل النصوص الألمانية إلى اللغة الفرنسية.
تتمخض عن ذلك نتيجتان: أولاهما أن الترجمة ليست مسألة مؤسسة. لا يمكن للترجمة، وترجمة الأمهات الفلسفية أن تسند إلى منظمات وقطاعات وزارية و"بيوت حكمة". "بيوت الحكمة" هنا هي الممارسة اليومية لمن يشتغل بالفلسفة ومن يشغل باله بها. الترجمة الفلسفية، مثل الفلسفة، همّ فكري ومعاناة من "يفلح" النصوص ويعشق اللغة ويرعى نقاءها وصفاءها.
النتيجة الثانية تتجاوز مسألة الترجمة كي تطال قضية الفلسفة ذاتها وشكل ممارستها في عالمنا العربي. فما دامت علائقنا بالنصوص الكبرى علائق فضول معرفي، فإننا سنظل نتوهم أن تملّكها يتحقق عند مجرد نقلها إلى لغتنا دون بذل جهد متواصل لانفصالنا عنها، و إذكاء حدة التوتر بيننا وبينها
المراجع
موسوعة الاوان
التصانيف
فلسفة