هَوى لِفَقدِكَ رُكنَ الشَرقِ وَاِحرَبا 
يا كامِلَ مَن يَسلي بَعدَكَ العَرَبا 
كُلُّ المَصائِبِ يَفنى الدَهرُ شِرَّتَها 
إِلّا رَداكَ فيفنيِ الدَهرِ وَالحِقَبا 
كُنّا نُرجيكَ لِلجَلِيَّ تَذَلُّلَها 
فَاليَومُ مَن يَنبَري لِلخُطَبِ إِن وَثَبا 
تَلَقّى النَوازِلَ بِالأَفعالِ صادِقَةً 
وَالناسُ في الخُطَبِ تُسدي القَولَ وَالخُطَبا 
رَدَّت مُصيبَتَكَ الأَرزاءُ هينَةً 
مِن بَعدِها وَغَدَت أَكبادُنا صُلبا 
هَيهاتَ تَدَّخِرِ الآماقَ سائِلَةً 
مِنَ المَدامِعِ تَبغي بَعدَكَ الصَبَبا 
لَو كُنتَ مَعَ حاتِمِ الطائِيِّ في زَمَنٍ 
ما نالَ في الكَرَمِ الإِسمِ الَّذي كَسَبا 
نَداكَ بِالعَينِ مَشهودٌ وَنائِلُهُ 
هَيهاتَ نَعلَمُ مِنهُ الصِدقَ وَالكَذِبا 
قَد كُنتَ تَهوي مِنَ الأَخلاقِ أَسمَحَها 
لِقاصِدٍ وَمِنَ العَلياءِ ما صَعُبا 
لِلَهِ دَركُ سَبّاقاً لِمَكرُمَةٍ 
كَالسَيفِ مُنصَلِتاً وَالسَيلُ قَد زَعَبا
يا أُمَّةَ سَكَنَت أَكنافُ عامِلَةٍ 
وَأَوطَنَت شِعفاتُ العِزِّ وَالهَضَبا 
هَل عِندَكُم قَومَنا عَن كامِلِ خَبَرٍ 
فَقَد أَتانا نَبا أَن قَد نَأى وَنَبا 
اللامِعِ الرَأيِ إِن يَدجُ الزَمانُ بِكُم 
وَالخالِفُ الغَيثِ إِن تَستَبطِئوا السُحُبا 
كانَت عِيالاً عَلَيهِ مِنكُم زُمَرٌ 
مَن كانَ مِنهُم يَتيماً راءَ فيهِ أَبا 
كانَت بِكامِلِكُم أَرجاءَ عامِلِكُم 
تَتيهُ عَجَباً عَلى الدُنيا وَلا عَجَبا 
قالوا عَميدَ بَني النُصارِ قُلتُ لَهُم 
بَل رُكنِ كُلِّ اِمرِئٍ في يَعرُبٍ اِنتَسَبا
لَو أَنصَفتَ حَقَّهُ أَفناءُ عامِلَةٍ 
مِنَ البُكا رَقَّ فيها الصَخرُ وَاِنتَحَبا 
لَهفي عَلى كامِلِ الأَوصافِ كَيفَ ثَوى 
ذاكَ المُحَيّا ظَلامَ الرَمسِ وَاِحتَجَبا 
لَهفي عَلى البَدرِ قَد غابَت مَطالِعُهُ لَهفي
عَلى البَحرِ ذي الأَمواجِ قَد نَضَبالَهفي عَلى السَيدِّ الغَطريفُ تُحرِمَهُ 
طَوائِفٌ طالَما اِستَكفَت بِهِ النُوَبا 
لَهفي عَلى الكامِلِ الفَذِّ الَّذي فَقَدَت 
بِهِ الوَرى المَثَلُ الأَعلى لِمَن وَهَبا 
عَلى الَّذي لَو قَضَيتَ الدَهرَ تَصحَبُهُ 
لَم تَلقَ إِلّا الوَفا وَالصِدقُ وَالأَدَبا
تَقرا عَلى وَجهِهِ آياتُ شيمَتِهِ 
وَتَنثَني قائِلاً سُبحانَ مَن كَتَبا 
أَخٌ أَشُدُّ بِهِ أَزري لِنائِبَةٍ 
وَلا أَعِزُّ عَلَيهِ إِخوَتي نَسَبا
وَلَو عَقَدنا عَلَيهِ كُلِّ شارِقَةٍ 
مَناحَةً ما قَضَينا بَعضَ ما وَجَبا 
لَكِنَّما المَوتُ حَتمٌ لا يُحيكَ بِهِ 
حَزَنٌ وَلا عارِضُ للدَمعِ مُنسَكِبا 
زَعَمتُ أَنّي أُعزيكُم بِمَوعِظَتي 
فَيا تَرى مَن يُعَزّيني بِمَن ذَهَبا 
وَإِنَّما نَحنُ طَرّاً رَكبَ قافِلَةٍ 
وَكُلُّنا شارِبُ الكَأسِ الَّذي شَرِبا 
يا رُبَّ أَمطَرَ ثَراهُ كُلَّ غادِيَةٍ 
تَخضَلُّ مِنها بِقاعٌ حَولَهُ وَرُبى 
آتَيتُهُ كَرَمَ الأَخلاقِ مُنقِبَةً 
فَكُن كَرماُ عَلَيهِ رَبَّنا حَدِبا 

 

اسم القصيدة: هَوى لِفَقدِكَ رُكنَ الشَرقِ وَاِحرَبا.

اسم الشاعر: شكيب أرسلان.


المراجع

adab.com

التصانيف

شعراء   الآداب