خوف على الهوية، أم تخوف من الاختلاف؟

يفهم البعض من التفتح على فكر الاختلاف دعوة إلى تفتيت الهوية، خصوصا وأن هذا الفكر يقترن لدى مسامعهم بالتفكيك والخلخلة والتعدد. وهم يخشون على هويتـ”نا” الهشة مزيدا من الهشاشة والضياع، فيردون بأن هذه الهوية هي من التفكك والتصدع بحيث ربما لم تعد تقوى على التعرض لما من شأنه أن يزيد من بلواها.

مثل هذا التخوف لا يمكن أن يصدر إلا عن سوء فهم، أو سوء تفاهم حول “فحوى” فكر الاختلاف و مرماه. ذلك أن مرمى هذا الفكر ليس الوصول إلى حدّ نعجز فيه عن كل ضم و توحيد، ولا نستطيع عنده قول أنا أو نحن. كما أن هدفه ليس الوقوف عند التنوّع الحسي ولا الاقتصار على الاختلاف الاختباري. إذ ليس المقصود اختلافا بين أطراف لا يبالي أحدها بالآخر .indifférentesليس المقصود تميّزا يعرض أمامنا أشياء مبعثرة متفرقة منفصلة، و إنما اختلافا بين أطراف يتنوع وجودها و يتباين وقد اجتمعت في الحضور ذاته.

يرمي فكر الاختلاف، ليس إلى القضاء على التفرّد وتذويب الأنا، وإنّما إلى أن يغدو التفرّد ضعيفا أمام قوّة التعدّد، والتوحّد ضيقا أمام شساعة التنوّع، والاقتصار على الأنا فقرا أمام غنى الآخر، والانطواء على الذات سدا أمام انفتاح الآفاق، والانغلاق على النّفس حدّا أمام لانهائية الأبعاد الممكنة، والاستقرار عند مقام بعينه ضياعا أمام رحابة التنقل، والاقتصار على الحاضر هزالا أمام كثافة الزمن.

ليس الهدف إلغاء الشعور بالتمايز عما ليس إيانا، ولا نفي تجذرنا التاريخي. الهدف هو إقامة تاريخ آخر”لا نتشبث فيه بإثبات نفس خالدة ترقد فينا، وإنما نتمكن من إحياء ما نحمله من أنفس فانية بين جنبينا”.

و لم لا نذهب حتى القول إن الهدف هو أن نصل إلى حيث لا تبقى قيمة كبرى للجهر بالأنا وإشهار الهوية والوحدة مقابل التنوع الذي نكون عليه.

ليست الغاية إذن تفتيت الهوية وإنما جعلها حركة وليس سكونا، خطا وليس نقطة، هجرة وليس عمارة، نسيانا وليس ذاكرة، تعددا وليس وحدة، اختلافا وليس تطابقا


المراجع

alawan.org

التصانيف

أحداث   العلوم الاجتماعية   التاريخ