موقع البرهان

شهدت الأعوام الأخيرة نشاطات إيرانية مثيرة للشبهات وانتشارًا كثيفًا للمظاهر الشيعية في سوريا، شمل غالب محافظات البلاد... وارتفعت حالات اعتناق المذهب الشيعي فيما قدره البعض بالآلاف... وزاد عدد الحوزات بشكل غير مسبوق... وانتشر دعاة التشيّع في المدن والقرى وسط تغاضي الجهات الرسمية... وبدأت إيران تلعب دورًا كبيرًا في تمويل بناء المستشفيات والحسينيات، وإعداد برامج تعاونية وثقافية لإدخال اللغة الفارسية إلى عدد من الجامعات السورية...

هذه المظاهر وغيرها دقت لدى الطرف السني ناقوس الخطر خشية على مستقبل أهل السنة في بلد غالبيته العظمى ينتمون لهذا المذهب، بخلاف الطائفة الحاكمة علوية المذهب.. وإزاء هذا الخوف العقدي والديني يذهب البعض إلى تخوف آخر ينتمي لعالم السياسية، مضافًا إليه البعد الأمني، فيما التقت الأطراف الشيعة والعلوية على نفي "الظاهرة" من أساسها واعتبرتها مجرد مثقافة..

من رحم هذه المقابلة تأتي التساؤلات: ما حقيقة ما يقال عن التشيّع في سوريا؟ هل يشكّل بالفعل ظاهرة مقلقة للسنة؟ وهل الظاهرة ذات بعد عقدي أم سياسي؟ وهل نشهد عما قريب "حزب الله السوري"؟ هل تسعى إيران بالفعل لهلال شيعي يقوّض الوجود السني وينافسه؟

ظاهرة التشيّع ولغة الأرقام:

نتوقف في البداية عما يقال عن ظاهرة التشيع في سوريا من خلال لغة الأرقام والدراسات العلمية الموثقة، وهو ما قامت به حركة العدالة والبناء السورية المعارضة، التي قالت في موقعها على الشبكة الإلكترونية إنها ترقب عن كثب هذا الموضوع؛ ولذا فقد عهدت إلى جهة أكاديمية مستقلة متقنة للبحث العلمي للقيام بدراسة حول هذه القضية كشفت عن مجموعة من الحقائق:

ـ التشيع بدأ في عهد الرئيس السابق حافظ الأسد من خلال السماح للشيعة باحتلال ما يسمى بالمقامات السنية (السيدة زينب، عمار بن ياسر، والسيدة رقية، وحجر بن عدي)، وتأسيس مراكز تبشير شيعي فيها بدعم من ملالي إيران والمراجع الدينية العراقية (الشيرازية).

ـ حافظ الأسد كان حريصًا على تشييع الطائفة العلوية لإخراجها من عزلتها الفكرية والاجتماعية وليس لأسباب دينية، وفي هذا السياق كان يدعم باستمرار التيار الشيعي في الطائفة العلوية.

ـ الرئيس السابق كان حريصًا على عدم تسييس التشيع وتصدير أفكار الثورة الإيرانية إلى سوريا، ففي الوقت الذي كان يدعم التحول العلوي باتجاه العودة إلى أصله الشيعي كان يكبح فيه عمل المؤسسات الإيرانية ويخضعها للمراقبة والتقييد.

ـ تحوّل التشيع الديني إلى تشيع سياسي في عهد الرئيس الحالي بشار الأسد، ودعم التشيع السياسي أمنيًا وسياسياً؛ مما أدى إلى انتشار غير مسبوق للحوازات التعليمية والمؤسسات الدينية، ودللت على ذلك بإنشاء ما بين عام 2001 وعام 2007 في منطقة "السيدة زينب" قرب دمشق أكثر من 12 حوزة شيعية، وثلاث كليات للتعليم الديني الشيعي، أي أنه خلال ست سنوات فقط تم إنشاء ثلاثة أضعاف ما أنشئ خلال ربع قرن.

ـ استمرار ظاهرة احتلال المقامات، وظهور ذلك كنمط جديد لتأسيس مراكز للتبشير الشيعي، مثل مقام "السقط: محسن بن الحسين" في حلب، والسيدة سكينة بنت علي في منطقة داريا قرب دمشق، وزين العابدين في طيبة الإمام في حماة.

ـ بعد عدد من عمليات المقارنة أمكن للدراسة أن تصل إلى وضع جدول يوضح الانتشار جغرافيًا وديموجرافيًا، في إطار تحديدات زمنية تسهّل فهم الانتشار وتفسيره.

المتشيعون ونسب التشيع حسب الطوائف:

  • عدد المتشيعين الإجمالي في سوريا في الوسط الاجتماعي السني وحده (ضمن المجال الزمني 1919-2007) هو 16000 كحد أقصى، منهم 8040 تشيعوا في الفترة بين 1999-2007، أي بنسبة 50% من مجموع المتشيعين السنة السورين تشيعوا في عهد بشار الأسد.

  • مجموع المتشيعين من كل الطوائف في الفترة (1919-2007) هو 75878، يتوزعون كالتالي: نسبة المتشيعة من السنَّة هو 21%، ونسبة المتشيعة من الإسماعيليين هي 9% ونسبة المتشيعة من العلويين هي 70%.

معدلات الانتشار:

تعتبر الفترة الذهبية للتشيع هي الفترة الممتدة بين 1970-2007، وما قبلها لا يعتبر التشيع ظاهرة، فعدد السُّنة الذين تشيعوا في عهد حافظ الأسد (أي في الفترة 1970-1999) يقدر بـ 6960 كحد أقصى، وعدد السنَّة الذين تشيعوا في الفترة 1999- 2007 يقدر بـ 8040 كحد أقصى.

وعلى هذا الأساس فإن المعدل السنوي للتشيع في الوسط السني حتى ما قبل عام 1970 كان 20 شخصًا في السنة، وفي عهد حافظ الأسد 1970-1999 كان المعدل 232 سنيًا في السنة، أي أنه تضاعف قرابة 12 مرة عن الفترة التي سبقته، وفي عهد بشار الأسد ضمن الفترة 1999-2007 فإن معدل الانتشار كان 1005 سنيًا سنويًا، أي أن المعدل السنوي تضاعف عن عهد الأسد الأب بما يعادل 4.3 مرة، وتضاعف بـ51 مرة عن معدل ما قبل 1970.

وبالنظر إلى الطوائف الأخرى، كما تقول الدراسة، فإن إجمالي عدد المتشيعين في عهد حافظ الأسد هو 52596 سوريًا من مختلف الطوائف؛ وبالتالي فإن معدل الانتشار السنوي في عهد الأسد الأب كان 1753 شخصاً في السنة، أما في عهد بشار الأسد تشيع 22282 شخصًا من إجمالي الطوائف (السنة والعلوية والإسماعيلية)؛ وبالتالي فإن المعدل السنوي لانتشار التشيع في مختلف الطوائف السورية هو 2785 في السنة، ووفقًا لهذا الحساب فإنه يعني أن نسبة التشيع من مختلف الطوائف زادت في عهد حافظ الأسد عما قبله بـ 89 مرة، وفي عهد بشار الأسد تضاعفت النسبة 1.6 مرة عن عهد أبيه، و142 مرة عما كان في 1970 فما قبل.

غير أن الملاحظ، كما تذكر الدراسة، هو أن تزايدًا غير اعتيادي طرأ على نسب التشيع من السُنّة، ففي ثماني سنوات فقط تشيع ما يزيد على ضعف وثلث الضعف عن عدد الذين تشيعوا في ثلاثين سنة خلتها.

التطور في معدل التشيع:

أما عن التطور في معدل التشيع فقالت الدراسة: معدل التشيع في مختلف الطوائف الآن هو 2785 سوريًا في السنة منهم 1005 سنيًّا، وعلى فرض استمرار هذا المعدل وثباته فإنه خلال عشرين سنة سيكون عدد المتشيعين السوريين حوالي 550 ألفاً، ولكن عدد السكان في سوريا سيكون وقتها قد تجاوز الثلاثين مليونًا، وحتى لو تضاعف هذا المعدل ثلاث مرات فإن عدد المتشيعة في سوريا سيصل إلى مليونين خلال عشرين سنة، وخمسمائة ألف خلال خمس سنوات، وهذا يعني أن خطر التغيير الديموجرافي في سوريا غير وارد بعدُ في المدى المنظور من الولاية الثانية لبشار الأسد على الأقل.

تفريس برعاية حكومية..قلق دائم للسنة:

ورغم رمزية أعداد السوريين الذين يختارون المذهب الشيعي واستمرار محدودية هذا الرقم قياسًا لعدد السكان، كما ذكرت الدراسة، إلا أن الظاهرة بدأت تشكل هاجسًا مقلقًا، خصوصاً لدى رجال الدين السنة الذين راح بعضهم يتحدث صراحة عن خطة إيرانية إقليمية لنشر المذهب الشيعي و"تفريس سوريا".

فهيئة علماء المسلمين في سوريا كانت أول اللافتين لهذا الخطر، قائلة إن الحكومة حاربت منذ أيامها الأولى التديّن في سوريا بشكل عام بحجة أن التدين يناقض مبادئ العلمانية والمجتمع المدني، ولكن وبعد سنوات قليلة اتضح أن هذه الحكومة تحارب المذهب السني دون غيره.

وأشارت إلى أن الحكومة تحارب المتدينين من أهل السنة بكافة الوسائل بداية من منعهم من إطلاق لحاهم إلى منعهم من أداء الصلوات في المساجد بحرية، إلى حظر حرية تدريس الدين في المساجد، وحرمان رجال الدين المسلمين السنة من مرتباتهم وحقوقهم المالية والقانونية؛ بقصد إفقارهم وإذلالهم، وانتهاء بملاحقة علماء الدين السنة والتنكيل بهم، وهذه الإجراءات صاحبها إجراءات عدوانية أخرى بحق بقية أبناء الطائفة الإسلامية السنية لدفع أتباع الإسلام السنة إلى هجر بلادهم وتركها، أو التخلي عن هويتهم ودينهم، والبقاء دون هوية ودون معتقد ديني؛ تمهيدًا لمرحلة أخرى أكبر وأعم وأعمق لتحقيق الإلغاء والاستئصال لهذه الطائفة السنية، كانت هذه الحكومة تعد لها بتأنٍ وإصرار، ولقد بدأت بتنفيذها بفاعلية منذ خمسة أعوام.

وعن الأساليب المتبعة في محاربة السنة ونشر التشيع قالت الهيئة: إن ذلك يتم بتصيّد شباب حديثي السن من طلبة الجامعات وخريجي بعض المعاهد الإسلامية التي يديرها عملاء الحكومة فغسلوا أدمغتهم مستخدمين المال والنساء، وسواها من الأساليب القذرة؛ لإغرائهم باتباع الدين الخميني، ثم استخدموا هؤلاء الشباب مصايد للإيقاع بشباب غيرهم بنفس الأساليب ؛مستغلين فقر وحرمان هؤلاء الشباب الذي افتعلته الحكومة لتجعله وسيلة لتسهيل مهمة دعاة التشيع.

كما أن الحكومة سهّلت لأتباع الدين الخميني فتح مدارسهم 'الحوزات' في كل المدن السورية، كما سهلت وتسهل لهم بناء معابدهم 'الحسينيات' في مدن سورية وفي أحياء سنية لا تكاد تجد فيها شيعيًا واحدًا ،ويتزامن ذلك مع حملة شعواء تشنها على ما تبقى من مدارس وهيئات علمية دينية إسلامية سنية.

العودة: نحن أمام ظاهرة "تشيع سياسي":

وإذا كانت هيئة علماء المسلمين السنة قد رأت ظاهرة التشيّع في صورتها العقدية فإن الداعية السعودي البارز الشيخ سلمان العودة، المشرف العام على "مؤسسة الإسلام اليوم" السعودية، لفت إلى الشق السياسي من الظاهرة، واصفًا إياها بأنها "لعب بالنار" في بلاد الشام.

وقال العودة: هناك انتشار كبير للمد الشيعي في بلاد الشام وسوريا على وجه الخصوص، وفي عدد من بلاد العالم الإسلامي، وأعتقد أن جزءًا من هذه الظاهرة يمكن أن نقول عنه إنه "تشيّع سياسي"، بمعنى أنه ولاء للحضور السياسي لإيران، ولكن هذا لا يمنع أن يكون هناك آخرون يخلطون بين الجانب السياسي والجانب العقائدي.

وأوضح العودة "أن التشيع انتشر في بلاد الشام بطرق ملتوية تستخدم الوسائل المادية لدعوة الناس لاعتناق المذهب الشيعي، مما أدى إلى انتشار الحسينيات، ومحاربة كل من يقف في طريقها".

وتطرق العودة إلى الخلافات بين الشيعة والسنة قائلا:إن الاختلافات بين الشيعة والسنة ليست من جنس الاختلاف بين الحنفي والشافعي أو الحنفي والحنبلي، بل الاختلاف بيننا وبين الشيعة في الأصول، بل وفي أمور كثيرة فيما يتعلق بالإمامة والعصمة ومصادر التشريع.

وأضاف: أنا لا ادعوا إلى التصادم معهم ولكن من واجبنا التصدي لأمر بين واضح.

العبدة: خطورة التبشير الشيعي ليس من كونه نشاطًا دينيًا صرفًا بل في كونه جزءًا من فعل سياسي

يلتقي أنس العبدة، رئيس حركة العدالة والبناء السورية، في رؤيته مع ما ذكره العودة؛ فيقول: حتى الآن وفي إطار المدى المنظور فإن خطر التغيير الديموجرافي في سوريا بسبب التشيع غير وارد، لكن الخطر السياسي والأمني وارد بقوة، والخطر الأمني ليس على الشعب السوري فحسب بل على النظام نفسه، فالأقلية الشيعية موالية لإيران مولاة سياسية وعقدية، وعندما تتغير المصالح مع إيران وتتبدل العلاقات؛ عندها علينا السؤال: ما الدور السياسي والأمني الذي يمكن أن تلعبه جماعة إيران في سوريا؟

ويضيف العبدة: خطورة التبشير الشيعي في نظرنا ليس من كونه نشاطًا دينيًا صرفًا، بل في كونه جزءًا من فعل سياسي يتعلق بتغيّرات القوى التي أصابت المنطقة، والتطورات التي لحقت بالمحور السوري ـ الإيراني في ظل التهديدات الجدية التي تعصف بنظام الأسد بعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وقيام المحكمة الدولية.

وعن مخاوفه يقول: إننا ننظر بعين القلق إلى ما يمكن أن يحدثه هذا التشييع من آثار سياسية وأمنية سلبية على الشعب السوري بكافة فئاته وشرائحه، خاصة مع اقتران هذا الفعل السياسي والأمني بنمو متزايد ومطّرد للنفوذ الإيراني في الشأن الداخلي السوري، وما يمثل ذلك من تهديد للوحدة الوطنية وللنسيج الوطني وللهوية الثقافية والتراثية لشعب عريق كالشعب السوري.

وينوّه العبدة إلى أن الخطر الأمني وارد بقوة، فمن المهم ملاحظة أن تركيز التبشير الشيعي في رقعتين جغرافيتين أساسيتين: الساحل السوري ومنطقة الجزيرة، وهذا يدل على أن هاتين الشريحيتن مرشحتان للعب دور رئيس في حماية النظام والدفاع عنه.

وعن المخاطر الإستراتيجية يلفت العبدة النظر إلى أن الأقلية الصغيرة جدًا لا تملك طموحات سياسية، بقدر ما تملك طموحات اجتماعية، لكن عندما تكبر فإنها بالتأكيد سيكون لها طموحاتها، فإذا ارتفعت نشاطات التشيّع فمن الممكن أن تنتقل إلى معدلات كبيرة جدًا قد تصل إلى عشرة أضعاف، وهذا يجعل السيناريو مختلفًا، إذ من الممكن حينها أن تصل أعداد المتشيعين إلى ما يزيد عن مليون متشيع، وهذا سيجعل الأقلية الشيعية بحجم الأقلية الكردية، وبما أن امتداد الشيعة الديموجرافي يتركز أساسًا في العراق ولبنان، البلدان اللذان يمثلان الجزء الأهم من الهلال الشيعي، فإن المتشيعة السوريين قد يقومون بتشكيل أحزاب مسلحة تأثرًا بأشقائهم في العقيدة (حزب الله وفيلق بدر وجيش المهدي)، فإن حصل هذا فإنها ستكون بالتأكيد متأثرة بالميلشيات الشيعية المذكورة، وكلها تعتبر أحزاب متشابهة من جهة نظرتها وولائها السياسي لإيران دون أوطانها.

الخطر قد لا يكمن هنا فحسب، والكلام للعبدة، فماذا لو تم تشكيل حزب مسلح بمعونة رسمية من النظام السوري وبالاستعانة بخبرات حزب الله اللبناني، ثم موِّه شكليًا بأشخاص من المجتمع السني وتم إطلاق يده على حدود الجولان؟ هل من الممكن أن يتكرر سيناريو حزب الله فيصبح حزب الله السوري متحكماً في القرار السوري الداخلي على سوريا، كما يستولي شقيقه حزب الله اللبناني على قرار لبنان ويعيق إرادة الأكثرية اللبنانية، ويصبح النفوذ الإيراني في سوريا حقيقة أبدية؟

الزحيلي: ما يجري في سوريا عدوانًا على السنة:

الدكتور وهبه الزحيلي، أستاذ الشريعة والأصول في الجامعة السورية والمفكر الإسلامي المعروف، عبر عن استيائه من تلك الأوضاع واصفا إياها بـ"العدوان".

وقال الزحيلي: "لم يصل أمر الدعاية الشيعية في سوريا إلى درجة الظاهرة، ولكنه حركة دءوبة تستخدم فيها المستشارية الإيرانية في دمشق الإغراءات المادية من مال وبيوت وسيارات من أجل جلب الناس إلى اعتناق التشيع".

وأوضح الزحيلي أن هذه الحركة التي تتم بسرية كاملة والتي تقابل بصمت رسمي، قد تزعج السوريين في المستقبل، وقال: "لقد تحدثنا مع علي خامنئي في طهران واعتبرنا ما يجري في سوريا عدوانًا لا بد من إيقافه، إذ كيف يتم الحديث عن الوحدة والحوار وفي المقابل يتم دفع الأموال للناس كي يغيروا مذاهبهم".

وأكد الزحيلي أن عملية التشييع أمر واقع ولا يمكن أن يخفى على كل ذي بصيرة، وذكر أن مئات من السوريين في دير الزور والرقة ودرعا وغوطة دمشق قد استجابوا فعلا لإغراءات المستشارية الإيرانية وتشيعوا.

أكرم البني: لا يوجد نظام يسلّم قاعدته الاجتماعية الحزبية أو الدينية حتى لحلفائه:

الكاتب السوري المعارض أكرم البني يصف الحديث عن ظاهرة التشيع في البلاد بأنه سياسي أكثر مما هو مفاضلة بين مذهبين وأيهما أفضل من الآخر، ويذهب بالحديث إلى وجهه سياسية اجتماعية، فيقول: ليس من مصلحة النظام تشجيع التشيع في سوريا، فهو من الممكن أن يستفيد من العلاقة الجدية مع إيران، وليس من مصلحته أن تذهب قاعدته الاجتماعية من عنده لأطراف إيرانية.

ويضيف: برأيي كمحلل سياسي لا يوجد نظام يسلم قاعدته الاجتماعية الحزبية أو الدينية لحليفه، وصحيح أن النظام علاقته قوية مع إيران ولكن لا بد له في كل الأحوال من الحفاظ على خصوصيته السورية.

الأحمد: الشيع في سوريا يأتي في إطار مخطط لقيام "الهلال الشيعي":

البعد الإقليمي لم يكن غائبًا عن رؤية البعض الذي ربط بين الظاهرة والرغبة الإيرانية في تكوين هلال شيعي؛ وهو ما أشار إليه بصورة جلية الكاتب السوري الدكتور خالد الأحمد.

فبرأيه، أن التشيع في سوريا صار يدق ناقوس الخطر، الخطر على سوريا، وعلى الأمة العربية عامة، ودول الخليج العربي خاصة، وهو يربط بداية بين نظام الرئيس بشار الأسد والتشيع في سوريا، فيقول: إن التشيع إحدى نتائج ارتماء النظام الأسدي نفسه وسوريا كلها في حضن النظام الإيراني الصفوي، مشيرًا إلى أن التشيع في سوريا يأتي في إطار مخطط لقيام "الهلال الشيعي"، وهو قيام أنظمة موالية لإيران في العراق، وسوريا، ولبنان، وهو بعبارة أخرى تصدير الثورة الخمينية التي وقف العراق في وجهها ثماني سنوات متتالية.

باعوا البلد لإيران..

عن نبض الشارع السوري تحدثت مجلة "الوطن العربي" في عددها الصادر بتاريخ 12/6/2006، تحت عنوان "إستراتيجية نشر التشيع في سوريا"، منوهة في بداية حديثها إلى أن البلاد تجد نفسها اليوم محشورة بين مطرقة الضغوط الدولية وسندان الإنقاذ الإيراني؛ بعدما سلمت كل أوراقها لإيران لهذه الغاية.

وقالت إن ملفات التعاون والتنسيق بين البلدين تظهر مدى الاختراق الإيراني لسوريا، وتشكل إفرازًا للتواجد الإيراني المكثف في كل مجالات الحياة السورية، والتي أخذت شكل اتفاقيات التعاون بين البلدين مثل معاهدة الدفاع التي مكنت من وجود خبراء عسكريين إيرانيين في سوريا، واتفاقيات التعاون الاقتصادي والمالي والصناعي والسياحي والثقافي؛ وهي اتفاقيات تلحظ مساهمات مالية إيرانية ضخمة في الاقتصاد السوري تشمل بناء مصانع سيارات وأسمنت وخط أنابيب ومشاريع اقتصادية وسياحية أخرى وافتتاح فروع لمصرف صادرات إيران في سوريا.

الجانب الأكثر حساسية، برأي المجلة، يتعلق بالتسهيلات السورية وفتح البلاد أمام سائر النشاطات الإيرانية، ووصولها إلى اتهامات للنظام بتسهيل حركة التشيع في سوريا؛ وهو ما أثار حفيظة فئات من الشعب السوري راحت تتذمر من الهجوم الإيراني على بلادهم، وتصل هذه الفئات التي لا تعرف بعدائها للنظام إلى حد اتهام أركانه بأنهم "باعوا البلد لإيران".

فالمخاوف إذن انتقلت لتتعلق بمدى قدرة النظام السوري على حفظ التماسك الداخلي بعدما بدأت أولى ثمار التعاون الوثيق مع طهران تنعكس خللاً في التوازن وتهدد بإثارة حساسيات مذهبية؛ بعد أن بات ينظر إليه لدى غالبية السوريين على أنه "تحالف ديني" وليس سياسيًا أو عسكريًا فقط مع إيران، وهي نظرة تنذر في حال تجذرها وانتشارها رغم إصرار النظام على التعتيم الإعلامي الكامل عليها، بإشعال نيران المذهبية وتهديد مستقبل البلاد والنظام.

وثمة من يضيف إلى هذه المخاوف تحذيرات من أن تؤدي مجددًا إلى إعادة صراعات الأجنحة داخل النظام السوري نفسه.

العلويون: انتشار التشيع من عدم انتشاره هي إحدى مظاهر المثقافة:

هذا ما يقوله السنة عن الظاهرة الخطرة.. والعلويون ـ الذي ينتمي إليهم النظام ـ وقفوا في الجهة المقابلة منكرين وجود تلك الظاهرة في الشارع السوري، واصفين إياها بأنها مجرد "مثقافة"، مؤكدين على البعد العقدي الذي يربطهم بالشيعة الاثني عشرية.

ذوالفقار غزال، أحد أبرز رجال الدين في الطائفة العلوية في سوريا وخطيب مسجد الإمام الحسن العسكري في اللاذقية، ونجل الراحل فضل غزال الذي كان مرجعًا مهماً في الطائفة، ينفى بصورة جازمة وجود ظاهرة تشيع بين العلويين، ويقول لا بد من أخذ هذه القضية في محورين:

أولاً: هناك عملية مثاقفة تجري بين كل الأفكار والمذاهب ليس فقط من منظور ديني، وهناك حرب ثقافية الآن، وقضية انتشار التشيع من عدم انتشاره هي إحدى مظاهر هذه المثقافة التي تجري، فلا يمكن القول إن هناك تشيعًا يجري في صفوف أبناء الطائفة العلوية لأنه لا يوجد هناك عمل منظم لهذا التشيع أو محفّز ومحرّض عليه، ومن يعتنق المذهب الشيعي فهو يفعل ذلك بناء على رؤية ذاتية لديه، وليس بناء على حملة تخاض ضد الطائفة أو مع الطائفة.

ثانيًا: نحن ـ العلويين ـ نقول عند كل مناسبة إننا جزء من الشيعة الاثني عشرية الذين انتشروا في هذا العالم، ونحن ـ العلويين ـ كان لدينا دور كبير في نشر مذهب أهل بيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعلى الأخص في سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، ودور كبير في الحفاظ على خصوصية المنطقة.

وأضاف في نهاية كلامه: أطمئن الناس أنه لا وجود لظاهرة تشيع منظمة أبدًا، والحديث عن نشاط إيرانيين ودفعهم المال للناس مقابل التشيع مبالغٌ فيه، وهذا يراد منه تفريق الجسد الواحد.

علماء الشيعة في سوريا يخرجون عن صمتهم:

خرج علماء الشيعة في سوريا عن صمتهم، حول ما يثار عن وجود "حملة تبشير شيعية" بين السنة والعلويين في سوريا، بدعم إيراني، ونفى العالمان الشيعيان البارزان في سوريا، عبد الله نظام ونبيل حلباوي، وجود "حملة تبشيرية شيعية" بين أهل السنة أو غيرهم.

وطالب حلباوي من يسوّق لهذه الظاهرة بتقديم الدلائل والوثائق على هذا الكلام حتى يتم التحقيق فيه

أما "نظام"، وهو المشرف على المؤسسات والمزارات الشيعية في سوريا، فيكتفي بتعليق مقتضب بأنه لن يكون هناك أي خطر على التسنن، وأن الشيعة ضد أن يبيع الناس عقائدهم.

السؤال الذي يطرحه نفسه الآن هو: أين سيتوقف الغزو الإيراني لسوريا؟ ولماذا ظهور ظاهرة التشيّع في سوريا، وليس ظهور ظاهرة التسنّن في إيران؟ أليس من حق أهل السنّة أيضًا أن يقوموا بالعمل على "تسنين" الإيرانيين؟ وهل تسمح الحكومة الإيرانية بمثل هذا النشاط؟

أسئلة حائرة وكثيرة في هذا الملف الشائك قد لا نجد أجوبة حاضرة عليها، ولكن ننتظر أن يجود علينا الزمن القريب بما يذهب بعض غموضها



المراجع

موسوعة الرشيد

التصانيف

أخبار