أسدل الليل خيوطه، ولم يعد في المقهى إلا نفر قليل،،، هناك زبون جالس إلى مائدته الخالية إلا من كوب ماء، تارة يسبح في تفكيره وأخرى يلقي نظرة جامدة من عينيه المتعبتين على فضاء المقهى... هذا صاحبها يراجع حساب اليوم والنادلان مستندان إلى احدي الأعمدة يتجاذبا أطراف الحديث وهذا آخر يقف بالباب يلعب يعبث ببعض الدراهم في جيب سرواله فيتصاعد صداها.

انتاب علي شعور لماذا لا أطلب من الحاج عملا،،،؟؟؟؟ صحيح جربت حظي

مرتين في إحدى الحانات، وانتهى بي المطاف في كل مرة بعد عراك كاد يودي بي إلى السجن أو إلى حتفي،،،، أمام بطالتي أعيش على النشل والمقامرة الحقيرة... زفر زفرة قوية جعلته يشرب ما تبقى من كوب الماء... الحياة شاقة محفوفة بالمخاطر في سبيل لقمة عيش مريرة، خصوصا مرض الوالدة الذي يتطلب الدواء الباهظ الثمن باستمرار، لم يكن لا سعيدا ولا راضيا، كأنه ينتظر معجزة تنتشله من وهده إلى حلم يصبح حقيقة.

قصد الحاج بدون مقدمات،،،

- مساء الخير سيدي المعلم…

رفع رأسه منفلتا من حسابه وأفكاره

- مساء الخير ولدي هل من مساعدة؟ ...

- قررت العمل عندك، اعني أن تضمني إلى عمالك

اتسعت عينان الحاج ولاح فيهما بريق خاطف...

- كيف أشغلك وأنت قررت، بل بهذه الثقة والجرأة؟...

- توسمت خيرا،،، ولأنه العمل الوحيد الذي أتقنه وأحبه ،،، وهو يخلخل شعره الثائر بأصابعه النحيلة... لا تهتم بمظهري سوف أغيره، جربني سيدي كسند وأظن أنني انفع سندا،

اظهر الحاج أسارير وجهه وقال،،،

- ستحتل المكانة التي تليق بك قريبا إنشاء الله، أراك في بحر الأسبوع القادم الذي يصادف أول الشهر.

حضر في الموعد المحدد بهندامه النقي وشعره المصفف، تسلم مهامه... وحثه الحاج على أن يكون عند حسن الظن به، وان يستغل تجاربه ومواهبه إلى أقصى حد في شغله، هز علي رأسه بحياء قائلا ،،، كما تشاء بإذن المولى

كان كعادته يمسح ويلمع طاولات المقهى، حتى رأى ظل شخص ينعكس على إحداهن فرفع رأسه فوجد رجلا واقفا أمامه بقامته الطويلة وبذلته الراقية، ينبعث من عينيه نور حاد، سرت في جسده النحيل قشعريرة رعب، كأن صاعقة حلت عليه، رفع بصره إلى هذا الواقف كالجلمود و قال بصوت خفيف

• السلام عليكم سيدي...

رد عليه الرجل السلام، ذهل علي من وجع المفاجأة هامسا،،، نذير شؤم ،،،، أه ربي تذكرت ،،، نفسه الذي اعترضت سبيله وسرقت محفظته وهاتفه الخلوي...

• تفضل بالجلوس سيدي... لا داعي للكلام،،، تبت وعدت إلى رشدي واهتديت للعمل الحقيقي ولقمة العيش النظيفة ،،، ولم تعد شكوى أمي وإخوتي الأربع تأرق ني...

سبح الرجل بخياله قليلا ثم قال له،،،

• ما هو اسمك يا فتى؟

• علي،،، اسمي علي ،

ثم أكمل الرجل حديثه قائلا

• أنا سعيد انك تبت و عدت إلى جادة صوابك،،،، سوف أتنازل عن الشكاية التي سجلتها ضدك... لكن عدني أنك لن ترجع للشر من جديد،

ابتسم علي،،، ربما كانت فسحة رؤية المستقبل كما حلم به هو و الآخرون،،،،

 صباح الشرقي

المراجع

pulpit.alwatanvoice.com

التصانيف

فنون  أدب  أدب عربي   الآداب