جلست داخل اريكة داخل غرفتي و انا افور غضبا و حنقا من كل شيئ,و كان الحياة ثقل انا مرغم على حمله و المضي به,من يحملنا على العيش ما دمنا لا نريد؟لكن ما الذي لا يعجبنا في الحياة؟..جلت بنظري في الغرفة فوقع على جهاز التسجيل ... بجانبي,اخذت شريطا و ركبته بالجهاز فانطلق صوت:

(..مونامور.....) فلم تمر الدقيقة حتى ازددت حنقا و ضيقا:(ما هذا الغناءالساقط؟؟ انه اشبه بنباح الكلاب منه بالغناء,اف له و لمن يصنعه من بني الجهلة..) ازلت الشريط و رميت به جانبا بعد ان زادني غضبا لغضبي و مللا لمللي...فاذا بعيناي تقعان على شريط ام كلثوم(اراك عصي الدمع) انها قصيدة رائعة بكلماتها و نظمها,و حثما هي احسن من الشريط السابق. ظلت ام كلثوم تغني لحوالي خمس دقائق قبل ان يعاودني الحنق من جديد و لم يكن فارقني بعد. نزعت الشريط و اوقفت جهاز التسجيل..هذه الحياة لا شيء,نظام رتيب,اريد فعل شيء,فلا اعرف ما هو..اود الذهاب الى مكان ما,فلا اعرف اين هو..اريد فقط ان اعرف ماذا يحصل لي؟لماذا اليوم بالضبط؟لماذا اليأس يحيط بي,و الحيرة تلفني؟ حسنا. ربما لم يقم الغناء بتهدئة اعصابي و التسلية عني,فلاجرب القراءة اذن فهي احب الي من الغناء,و لا بد ان تخفف عني هذا الضيق.. اخذت رواية من روايات نبيل فاروق البوليسية كنت قد قراتها سابقا و اعجبتني...اه..لقد تعبت من قراءتها و انا ما ازال في الصفحة الثالثة,لقد مللتها هي الاخرى فانا اعرف احداثها كلها..وضعتها جانبا هي الاخرى و قررت الانصات للصمت,فقط الصمت,و قد خيم على الغرفة تماما بعد تعطيل جهاز التسجيل. لم استطع الجمود في مكاني,اعصابي متوثرة,الدم يفور في عروقي حتى كأني بركان,الغضب يعقد ما بين حاجبي,التعب يشلني,اطرافي تتحرك,يدي تعربد في كل مكان حولي,تثور بغير قصد مني,احسست بالضيق و الملل من كل شيء حولي,حياتي الرتيبة, تعاستي المستبدة,لا شيء جميل,لا شيء يمنحنا السعادة التي نريد,كم اود فقط لو اجد شرحا حقيقيا لهذه الكلمة<<السعادة,ما هي السعادة؟ان نضحك و نلعب؟ان نكون ذوي اموال و جاه؟ان نسيطر على الاخرين؟ان نملك ما نريد؟...<<الله اكبر الله اكبر..اشهد ان لا اله الا الله....انطلق الاذان ليضع حدا للصمت الرهيب,كان مرتلا اجمل من اي غناء في العالم,حلوا نغمته تنزل بقلبي بردا و سلاما,فتهدئ الاعصاب و تسكن فوران الدم بداخلي,احساس بالسكينة غمرني و انا انصت لنداء صلاة المغرب:<<حي على الصلاة..حي على الفلاح...,كم وددت لو يستمر,لو يعاد من البداية و يستمر الى ما لا نهاية,شعور بالارتياح ينبعث من كلماته,بدا اعذب من الغناء و القراءة معا, و استطاع ان يغمرني بالسكينة و يهدئ البركان بداخلي,لكنه فجر في الاخير الدمع في عيني, و ذكرني باشياء كنت قد غفلت عنها,ذكرني بصباي و انا طفل يتنافس و اصدقاءه في من سيبقى اطول وقت ممكن في المسجد و من سيصلي احسن صلاة,و من سيقوم صباحا هو الاول و يوقظ الاخرين معه,ثم فترت الهمة و تفرقت عن اصدقائي,لكني اتذكر اليوم و قد مر زمن طويل على العودة,فبعد ان كنت ملازما للمساجد,و كان الامان يتدفق نهرا من بحر في قلبي,و بعد ان كنت احب قراءة القران,و اداء الصلاة رفقة الجماعة,صرت اليوم استعذب ام كلثوم و لا ابالي,لم يعد للاذان تاثير علي و لا للقران عذوبة لدي,انا طاغ..انا مجرم..انا..انا عاصي... زادت هذه الخواطر من المي و زادت من السيل على خدي و كان هذا بداية الرجوع للسعادة.


المراجع

مملكة القصص الواقعية

التصانيف

قصص