1. الفرق العقلية

وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام وانقطاع الوحي بدأ بعض الأفراد بنشر بعض هذه المذاهب الباطلة فهذا معبد بن خالد الجهني أول من تكلم في القدر فقال "لا قدر والأمر أنف" وقد أخذ ذلك من رجل نصراني من أهل العراق أسلم ثم تنصر اسمه "أبو يونس سنسويه" من الأساورة .

وقد أخذ عن معبد هذا غيلان الدمشقي وهو الذي نشره بين المسلمين وقتل من أجله وقد أنكر عليهم مذهبهم هذا وتبرأ منهم المتأخرون من الصحابة كعبد الله بن عمر وجابر بن عبدالله وأبي هريرة وابن عباس وأنس ابن مالك وعبدالله بن أبي أوفى وعقبة بن عامر الجهني .

وأساس فكرة القدرية إنكار القدر وإن للإنسان مطلق الحرية في أفعاله لا سلطان لأحد على إرادته وعلى النقيض من ذلك نشأت فرقة أخرى تقول بأن الإنسان مجبور في أفعاله لا اختيار له ولا قدرة كالريشة المعلقة في الهواء... وتسمى تلك الفرقة بالجبرية.

ونشأت فرق أخرى كثيرة بعد هذا كان من أهمها: فرقة المعتزلة التي أخذت برأي معبد الجهني من إنكار القدر وأضافت إليه آراء أخرى سنذكرها فيما بعد.ولم تزل العلوم العقلية تنمو وتتسع مع توسع الفتوح الإسلامية وكثرة ترجمة كتب البلاد المفتوحة فتعددت المشارب وتنافست تلك الفرق على المناظرات فيما بينهم والجدل.

فإذا علماؤهم لا يتحدثون إلا عن المنطق وحدوده وقضاياه وأقيسته فألفت الكتب وعقدت المناظرات وكثرت المناقشات والمجادلات فإذا بمؤلفاتهم تغص بالمصطلحات الفنية كالجوهر والعرض والهيولي والصورة والقياس والقضايا السالبة والموجبة وقاوم هذا بعض أئمة المسلمين ممن لم يكن له اطمئنان إلى هذه الفلسفة وإلى ألفاظها ومصطلحاتها ولكي ندرك مقام العقل في خضم هذه المعارك العلمية ينبغي لنا أن نقول أن العقل لم يسلم من مذهب التضاد الذي ساد بين تلك الفرق فذهبت فرقة إلى امتهان العقل واحتقاره واعتقدوا في بعض البله – مع تركه لمتابعة الرسول في أقواله وأفعاله وأحواله – أنه من الأولياء وفضلوهم على متبعي طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم .واستدلوا لمذهبهم هذا بما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ((اطلعت على الجنة فرأيت أكثر أهلها البله)) وبحديث ((أكثر أهل الجنة البله))

ويجيبنا الغزالي عن سبب ذمهم للعقل "فإن قلت فما بال أقوام من المتصوفة يذمون العقل والمعقول فاعلم أن السبب فيه أن الناس نقلوا اسم العقل والمعقول إلى المجادلة والمناظرة بالمناقضات والإلزامات وهو صنعة الكلام فلم يقدروا على أن يقرروا عندهم أنكم أخطأتم في التسمية إذ كان ذلك لا ينمحي عن قلوبهم بعد تداول الألسنة به ورسوخه في القلوب فذموا العقل والمعقول وهو المسمى به عندهم" . ولعل بطلان مذهب هذه الفرقة ظاهر إذ أنها لا تستند إلى شرع ولا إلى عقل وإلى هذا يرجع فيما أرى سبب عدم اشتهارها فلذا لم يهتم بها أحد من العلماء.

أما أنها لا تستند إلى شرع فإن جل ما استندوا إليه الحديثان السابقان وهما ضعيفان أما الأول فلأن في سنده مصعب بن ماهان قال في التقريب

صدوق عابد كثير الخطأ، وفيه أيضاً أحمد بن عيسى الخشاب قال ابن عدي له مناكير ثم ساق له هذا الحديث.أما الحديث الثاني فقال ابن عدي منكر وقال المناوي "ووجه ضعفه ما قاله الهيتمي أن فيه سلامة بن روح وثقه ابن حبان وغيره وضعفه أحمد بن صالح وغيره وقال ابن الجوزي "لا يصح" وقال الدراقطني تفرد به سلامه عن عقيل وهو ضعيف" .

ثم إنه لا يراد بالأبله – الذي لا عقل له – بل المراد به الغافل عن الشر المطبوع على الخير . وأما أنها لا تستند إلى عقل فلمنافاتها له وإسقاطها لقيمته. وكما قلنا أن بطلان مذهب هذه الفرقة ظاهر لا يحتاج إلى طويل جدال وإنما ذكرته لإعطاء صورة عن تفاوت المذاهب في تلك الفترة في كل أمر مهما كان وضوح الحق فيه.هذا ما ذهبت إليه تلك الفرقة. وذهبت فرق أخرى إلى المبالغة في تقديس العقل وإعطائه أكثر من حقه في مقابلة الأمور والاعتقادات الشرعية.

وأكثر من اشتهر عنها هذه الطريقة فرقة "المعتزلة" حتى أطلق عليهم المستشرقون اسم "العقليين" لذا فإني أعتبر هذه المدرسة المدرسة العقلية الأولى – كما ذكرنا سابقا – وهي المدرسة العقلية القديمة بالنسبة للمدرسة العقلية الحديثة موضوع بحثنا. نظراً للصلة بين المدرستين ينبغي لنا أن نلم بالقديمة دراسة تاريخها وأصولها ومناهجها حتى يتسنى لنا أن نعرف مدى ارتباط المدرستين ببعض وجوه الشبه ووجوه الاختلاف بينهما.

المراجع

الفرق العقلية

التصانيف

عقيدة