غلاء فاحش .. ورواتب في مهب الريح .. والتزامات ما أنزل الله بها من سلطان
العيد عيادة .. ودعوة للفرح والتكافل الاجتماعي
- استطلاع/ خالد حسان ثابت تصوير / عادل العريقي ..
- في الماضي كانت فرحة العيد تمتد لأسابيع كثيرة .. اليوم لم تعد فرحة العيد تتواجد إلا في عيون الأطفال وبعض المتفائلين بالحياة رغم قساوتها.. في الماضي كان العيد يأتي كضيف خفيف الظل.. ولا يرحل حتى يعطي وعداً قاطعاً بلقاء آخر أكثر فرحاً وأكثر جمالاً.. اليوم كل شيء تغير .. صار العيد رغم قداسته سلسلة من الهموم والأحزان وعبئاً ثقيلاً من المتطلبات والالتزامات .. ولأننا على بعد أيام من عيد الأضحى المبارك يتوجب علينا أن نقف لبرهة لنتساءل ولو من باب الفضول .. لماذا لم نعد نشتاق لقدوم العيد؟ ولماذا نجد أنفسنا مرغمين على اغتيال عصافير الفرح وتحويلها إلى دمىً ومظاهر ما أنزل الله بها من سلطان.؟
قنبلة موقوتة
بداية الحديث عن ثياب العيد وكيف تحولت بحكم طبيعة الحياة وتعقيداتها العصرية إلى قنبلة موقوتة لا تلبث أن تنفجر في وجوه أفراد أي أسرة دفعة واحدة فتشتعل وتشعل معها المنازل «صياح.. وخناق.. ودموع واشتباكات» بحيث يخير أرباب الأسر بين أمرين لا ثالث لهما إما الرضوخ لطلبات الأم والأبناء أو اعلان العصيان المدني وتحويل منزل العائلة إلى حقل ألغام أو ثكنة عسكرية تحت القصف المكثف.
«أم هشام» واحدة من ذلك النوع من النساء اللواتي يرفضن استقبال العيد دون أن يعددن له عدته..
وعدة العيد عند «أم هشام» كثيرة ولا تكاد تنتهي غير أن الثياب أبرز ما تحرص عليه إذ ترى أنها ليست أقل من الأخريات وأبناؤها كذلك ليسوا أقل من غيرهم.. ومع ان زوجها موظف عام ودخله على قدر الحال الا أن ذلك لا يعني لهاشيئاً.. ولذلك فهي تبدأ بإعلان حالة الطوارئ منذ وقت مبكر حتى تعطي زوجها الفرصة الكافية لتوفير قيمة الكسوة لها ولأطفالها الأربعة.. واذا حدث ولم يستطع الزوج توفير ما طلب منه فالويل بانتظاره.
راتب في مهب الريح
ومع أن أي موظف لا يجد غير الراتب سبيلاً لشراء كسوة العيد الا أن كثرة العيال أو مذاقهم الخاص أو عناد الأم قد يتسبب في ضياع الراتب بأكمله مقابل شراء كسوة العيد فقط.. يقول الحاج اسماعيل:52 عاماً في العيد المنصرم وجدت نفسي محاصراً بطلبات زوجتي وأبنائي.. وما ان استلمت راتبي الذي تم صرفه مقدماً حتى ذهبت معهم إلى السوق لشراء الكسوة، وهناك حدثت المفاجأة..
حيث عدنا بالثياب المطلوبة ولكننا لم نعد بشيء من الراتب، وبحسرة شديدة يردف «انها الأسعار الغالية من جهة.. والموضة من جهة ثانية.. والفشخرة» الكذابة من جهة ثالثة.. لقد استقبلنا العيد بثياب، زاهية ولكنها بجيوب فارغة حتى اضطررنا إلى الدين.. والآن هاهو عيد الاضحى المبارك على الأبواب واذا لم أكن على قدر الموقف فإن ما حدث سابقاً قد يتكرر على أية حال.
بدائل متوفرة
ارتفاع الأسعار اذاً وعدم الرضا بالمعقول هو ما يوقع الكثير من الأسر في «حيص بيص» المطالب العيدية غير أن ثمة آليات وبدائل متوفرة تأخد بها بعض الأسر للقفز على هذا الأمر واستقبال العيد بوجه بشوش وبقلوب ممتلئة بالرضا والسعادة.. «ابتسام» موظفة بسيطة وأم لولدين وثلاث فتيات تحرص على أن تعيش فرحة العيد مهما تكن المنغصات حيث تؤكد أن القناعة كنز لا يفنى وانها مفتاح السعادة على اختلاف الظروف والأزمان..
فهي بقدر ما تحرص على أن تشتري لأبنائها كسوة العيد بقدر ما تحرص على أن تكون هذه الكسوة على قدر الحال وبحسب ماهو متوفر لديها من امكانيات.. «ابتسام» لا يهمها ما سيقوله الآخرون أو ما سيلبسونه أو من أين اشتروا ثيابهم وبكم.. وهل هي مواكبة للموضة أم لا.. كل ما يهمها هو ان توفر لأبنائها ثياباً جديدة وتعيش معهم أيام العيد في سعادة وهناء وهي تنظر بلهفة وارتياح إلى الفرح وهو يطل من أعينهم التي تفيض طهراً وبراءة..
جفاء
لماذا إذاً لا نفرح بالعيد أو نشتاق إليه؟ «أم أفراح» عاملة في مركز اتصالات ، ترى ان كثرة الالتزامات من أسباب هذا الجفاء.. وهي لا تحمل العيد كمناسبة المسئولية..
انما المسئولية تقع على عاتق الناس الذين يحملون العيد ويحملون أنفسهم فوق ما يطيقون.. ،واذا كان ثمة من يتحمل المسئولية فهم التجار الذين لا يراعون ظروف أغلب العائلات وإمكانياتها البسيطة وكل ما يطمحون إليه هو الربح الخيالي ولو على حساب الآخرين.. تقول «أم أفراح» هذه الأىام على سبيل المثال بدأت غالبية المحلات تعلن عن بضائعها وسلعها الجديدة.. وبالمقابل تعلن عن تخفيضات هائلة في الأسعار لكن الحقيقة غير ذلك تماماً فمن يقرر الدخول إلى هذه المحلات سيجد ان ثمة كروت تعريفية بأسعار كل سلعة عليها رقمان.. الأول السعر القديم.. والثاني السعر الجديد لكنه اذا ما رجع إلى حجم امكانياته وقدرته على الشراء فسيكتشف على الفور ان هذه الأسعار هي أكبر من امكانياته وبخاصة إذا كان الشخص موظفاً أو عاملآً أو ما شابه ذلك.. أو كان لديه عدد كبير من الأطفال.. ومع ذلك لابد من طرح سؤال في غاية الأهمية ماذا لو لم يكن هناك تخفيضات في مثل هكذا محلات؟
كبش العيد
كبش العيد .. وما أدراك ما كبش العيد..
انه على حد تعبير أمين شرف «سائق حافلة» تضحية لا أضحية.. ذلك ان رب الأسرة يتوجب عليه أن يضحي بثلثي راتبه اذا كان موظفاً أو بأغلب ما استطاع توفيره من مال اذا كان عاملاً على باب الله.. من أجل شراء كبش واحد لا يكاد يطعم أفراد الأسرة أياماً عدة.. أمين يتساءل: هل من الضروري أن يدخل الكبش ضمن التزامات العيد ليقاسم أفراد الأسرة في رزقهم؟
واذا كان ولابد فلماذا لا يتم توفير كباش أو عجول من الداخل أو الخارج ولكن بأسعار مناسبة وفي متناول الجميع؟ غير ان السؤال الأهم: متى تصبح أي أسرة غير مكلفة بالأضحية ومستحقة لها من الآخرين.. كبش العيد اذا تحول من وسيلة للتقرب إلى الله والتطهر من الذنوب.. والآثام إلى مشكلة تقوم الدنيا ولا تقعد من أجلها حتى يحلها الزوج أو يذهب الزوج والزوجة كل منهما في اتجاه.. أمين يؤكد أنه شخصياً حتى هذه اللحظة لم يوفر ثمن أضحية العيد .. وبشيء من الدعابة يردف: حتى أىام قلائل كان كل ما أعمل حسابه في هذه الدنيا هو رجل المرور مخافة أن أرتكب أي خطأ فأقع في يده.. اليوم أصبح رجل المرور بالنسبة لي رجل غلبان وبحاجة للرحمة والشفقة.. لقد تحول رجل المرور إلى حمل وديع فيما أصبح كبش العيد هو ذلك الوحش الذي يوشك أن يفترسني اذا لم أكن مستعداً له.
مصروفات بالجملة
فؤاد سيف.. عامل سباكة.. هو الآخر لا يشعر بالاطمئنان التام فهو يحتاج إلى مبلغ كبير من المال ليعيش سعادة العيد فهو أولاً يحتاج إلى أن يشتري لأولاده وأولاد أخيه الذي توفى منذ سنوات ثياب العيد ثم كبش العيد بجانب مايتطلبه السفر إلى القرية من مصاريف.. غير ان فؤاد أشار إلى قضية قد تبدو للوهلة الأولى بسيطة وعادية لكنها قد تكون محرجة أو في غاية الصعوبة.. اذا لم يكن هناك ما يدعم ويسد هذا لجانب.. يقول فؤاد:
نحن تعودنا على أن نصل رحمنا ونذهب لزيارة الأهل والأقارب خلال أيام الأعياد وهذا أمر يتطلب مصاريف ونفقات .. فأنا لدي ثلاث أخوات متزوجات ومن أجل أن أذهب لزيارتهن يتوجب أن أحمل معي هدايا معينة بجانب كمية من القات لزوم الضيافة.. وأحياناً قد أعطيهن بعضاً من المال هذا إلى جانب العوادة التي يجب أن أدفعها عن طيب خاطر للأطفال وهذه المصاريف كلها بحاجة إلى أن يكون لدي المبلغ الكافي الذي يشجعني على السفر لقضاء الإجازة العيدية في القرية بين الأهل والأصدقاء.. مالم فسأجد نفسي مضطراً للبقاء في المدينة وتحمل الغربة والألم والسبب هو ضيق الحال وقلة الأعمال وغلاء الأسعار.
إلتزامات خاصة
أسامة عبدالغني «طالب جامعي» ليس لديه أطفال ولا هو متزوج وليس لديه أية مشكلة فيما يتعلق بثياب العيد أو كبش العيد أو حتى مصاريف السفر إلى القرية..
كل ما يهم أسامة ويؤرقه ويخوفه من قدوم العيد هو نية ثلاثة من أعز أصدقائه في الزواج خلال الاجازة العيدية.. والزواج في القرية بحسب أسامة له طقوس وعادات معينة فهو يحتاج إلى أكثر من 15 ألف ريال حال عودته إلى القرية وتقديمها للعرسان الثلاثة تعبيراً عن الدعم والمساندة وكما جرت عليه العادة.. لذلك فهو يشعر منذ الأن بحرج شديد وبخاصة انه لا يستطيع أن يطلب هذا المبلغ من والده لأن والده على قدر الحال ويكفي أنه يرسل له ما استطاع من مصاريف تعينه على دراسته الجامعية.
أسامة.. يشعر أن العيد قد لا يحمل له الفرح الذي يرجوه وهو يحمل العادات والتقاليد الاجتماعية مسئولية هذا الأمر.. ويؤكد انه كلما جاء عام جديد كلما زادت الالتزامات والمتطلبات على كاهل الأفراد والأسر وكلما شعر هؤلاء ان مساحة الفرح تتقلص وان ما اعتاد عليه الناس في الماضي تحول إلى كابوس مرعب وقيود تكبل آمالهم وتطلعاتهم للمستقبل.
أمر آخر
في المدن هناك أمر آخر يجب أن يحسب له حساب وهو الرحلات والخروج خلال الإجازة العيدية للحدائق والمتنفسات العامة..
وكل ذلك ليس بالأمر السهل ولاهو بالمجان بل هو جزء لا يتجزأ من التزامات ومتطلبات العيد حيث يرى الأخ محمد ثابت «مدرس» انه من الضروري على الأسر وهي تنفق ميزانية العيد في شراء الملابس والاحتياجات المختلفة أن تضع في حسبانها اقتطاع مبلغ معين لتمضية إجازة العيد في الحدائق وغيرها.. فمن المعروف ان كافة الأسر في المدن تقضي معظم نهارات أىام العيد في الحدائق حيث يبحث الكبار عن لحظات الهدوء والاستجمام ويبحث الأطفال الصغار عن لحظات المرح واللعب بالألعاب المختلفة.. ومثل هكذا أشياء تحتاج إلى نفقات ومصاريف.. مالم فإن العيد يكون غير مكتمل.. ويؤكد الأخ محمد انه ولعدم أخذ هذا الموضوع بعين الاعتبار كثيراً ما تحدث خلافات ومشاكل عائلية تحيل فرحة العيد إلى حزن وبكاء وتحرم الاطفال من التمتع بالاجازة العيدية كما ينبغي.
طلاق في يوم العيد
وليد «صاحب بقالة» يحكي أنه في العام الماضي وفي أول أيام عيد الاضحى المبارك صحا سكان الحارة على صراخ وعويل صادر من أحد المنازل القريبة لبقالته..
ويوضح أن سبب ذلك الصراخ هو شجار عنيف حدث بين صاحب البيت وزوجته بسبب خلاف حول مصروفات العيد حيث تطورت المشكلة وألقى الزوج يمين الطلاق على الزوجة مما جعلها تنفجر بالبكاء والعويل وطلب تدخل الآخرين لغرض إصلاح الأمر.
وليد يؤكد ان مثل هذه المشاكل تحدث بكثرة خلال الفترة التي تسبق العيد حيث يتعاظم الأخذ والشد بين الآباء والأمهات أو بينهم وبين الأبناء وكثيراً ما تترك الزوجة المنزل وتذهب إلى بيت أهلها أويتركها أحد الأبناء ويمضي العيد في خلاف وخصام مع والده أو والدته.
العيد عيد العافية
بالمقابل يرى الحاج عبدالله نعمان «تربوي سابق» أن العيد فرح وسعادة وسرور وانه لا مجال لتشويه هذه الشعيرة المقدسة بالتزامات ومظاهر ما أنزل الله بها من سلطان.. فهو يرى ان الزوج العاقل أو الزوجة العاقلة يجب عليهما النظر بعين الاعتبار إلى كيفية أن يعيش أفراد الأسرة جميعهم فرحة العيد دون أي منغصات بغض النظر هل كان لديهم ثياب جديدة أم لا.. فالعيد عيد العافية كما يقولون..
والمهم أولاً وأخيرآً هو السعادة الروحية والإحساس الصادق بالفرح والعمل على مشاركة الآخرين هذه الفرحة واستغلال أيام العيد لما يوطد العلاقات الاجتماعية وينمي الشعور المجتمعي بالتكافل والتعاون المشترك.
بقدر الاستطاعة
من الناحية الدينية.. ماهو العيد؟ ،ماهي مظاهره ومتطلباته؟
الشيخ نور الدين أحمد «رجل دين» يوضح ان لكل أمة أعيادها وأن المسلمين لهم عيدان هما عيد الفطر المبارك وعيد الاضحى المبارك..
الأول يأتي عقب فريضة الصيام.. والثاني يأتي عقب فريضة الحج.. وكلاهما عبادة وفرصة لنيل الرضا والكرم من الله سبحانه وتعالى.. ولأن العبادة قائمة بأكملها على التكليف والتكليف قائم على الاستطاعة والاستطاعة مبنية على السعة والقدرة على الفعل فإن المسلم مطالب بالأعمال والطاعات الواجبة في العيد كالغسل وصلاة العيدين والذبح وصلة الأرحام والتكبير وغيرها من المظاهر الدالة على العيد كالتطيب ولبس الملابس الجديدة لكنه في ذات الوقت ليس مطالباً بمايفوق قدرته وسعته من مظاهر البذخ والإسراف التي يشتهر بها كثير من الناس خلال أيام العيد وهي أمور لا يحبذها الإسلام الذي يدعو إلى التواضع والتكافل والتراحم ومساعدة الغير..
ونحن هنا ننصح المسلمين عامة وأرباب الأسر خاصة إلى الاقتصاد في نفقات العيد قدر المستطاع وعدم الانجرار وراء مظاهر الترف والبذخ والإسراف فهناك أسر فقيرة بحاجة إلى لفتة كريمة وإلى مد يد العون لانتشالها مما هي عليه ومساعدتها على توفير متطلبات أبنائها.
عبادة لا عادة
ويخلص الشيخ أحمد إلى التأكيد بأن العيد عبادة لا عادة وان على المسلم أن يقوم بأداء حق هذه الشعيرة لوجه الله وحده لاشريك له بعيداً عن الكبر والرياء وغيرها من الأمراض القلبية التي قلبت حياة الناس رأساً على عقب.. داعياً تلك الأسر التي تتحول حياتهامع اقتراب العيد إلى جحيم للإقلاع عن غلوها وعنادها والإيمان بأن تماسك الأسرة المسلمة واحترامها لبعضها البعض هو أعظم عند الله وأكبر من العيد نفسه ومن مظاهرة التي اعتاد عليها الناس.
كما لم ينس شيخنا ان يهمس في أذن التجار بكلمة حق في مثل هذا المقام وهذه الأيام بالقول: «أيها التجار.. أيها الأغنياء.. ان المال مال الله وأنتم مستأمنون عليه.. وهذا عيد الاضحى المبارك على الأبواب فاتقوا الله في اخوانكم من الفقراء والمساكين ولا ترفعوا الأسعار بمايرهق كاهل الناس.. واعلموا أنكم اليوم أغنياء بين يدي الناس فيما أنتم فقراء بين يدي الغني الحميد.
المراجع
yemeress.com
التصانيف
أعياد العلوم الاجتماعية
|