اتصل أحدهم بالشيخ المطلق عضو هيئة كبار العلماء خلال برنامج تلفازي يستفتيه عن امكانية تهيئة مصليات مستقلة خارج المسجد للعمال الذين يؤمون المسجد للصلاة ويتميزون يثيابهم المتسخة ورائحتهم المنفرة, وهل تجوز معاملتهم معاملة من يأكل البصل والثوم، فلا يستحب ذهابه للمسجد لتنفيره الملائكة وجموع المصلين؟
بالطبع السؤال على المستوى المحلي سيمر بسلاسة ولن يستوقف أحدا, بل غالبية المتابعين قد يستحسنون هذه الفكرة ويرون منها تنظيما عمرانيا يتوافق مع غرف العمال وغرفة السواق أو الخادمة وطعامهم وشرابهم والحيز الذي يتحركون فيه بمعزل عن بقية فئات المجتمع, هذه الممارسة العنصرية اليومية والتي تقترب إلى حد التسليم والعرف الذي لا يناقش هانحن ندخلها للحيز الفقهي وبلا وعي منا( ستشرعن العنصرية ) وستدخل بنياننا الفقهي على جناح فتوى تجعلها ممارسة شوفينية عنصرية تحت مظلة شرعية.
والتاريخ الإسلامي يحتشد بنماذج في نفس السياق على سبيل المثال خلال أحد العصور الإسلامية الفاطمية زمن الحاكم بأمر الله عندما كانوا يجعلون أهل الذمة يرتدون ملابس معينة كي يعرفوا ولا يختلطون في عموم المجتمع الإسلامي. ويفسر (المقريزي) في كتابه سر تسمية الأقباط بالعظمة الزرقاء يعود للعام 1011م عندما أجبر الحاكم بأمر الله كل قبطي أن يعلق صليباً خشبياً وأمر في البداية أن يكون طول الصليب في البداية شبراً، ثم أصدر أمراً آخر بأن يكون طوله ذراعا ونصفا، ولا يقل وزنه عن 5 أرطال مختوم بخاتم رصاص عليه اسمه ويعلقوه في رقابهم بحبل من الليف, وذلك ليعزله عن الاندغام في المجتمع.
فكرة الهوامش والرقيق والغرباء والطارئين في مجتمعاتنا مازالت موجودة في أذهاننا، وخبايا الوعي. فلم نتخلص منها سوى من ثلاثة أجيال, لذا هي تظهر وتحقق وجودها على طبقة العمالة وتطوقهم بأنواع من الممارسات تجعلهم يقتربون من طبقة الرقيق الذين أسروا داخل عبودية عقد العمل.
ولكن المفارقة في الموضوع كيف تصل الفتوى لمشايخنا الأفاضل وقد حسمت
بل وصلت وهي تتأبط جوابها وتحتاج بصمته فقط, ولا يدري السائل أن اتخاذ فتوى البصل والثوم كوسيلة لمنع العامل البسيط من الحضور للمسجد إلا ممارسة عنصرية تحاول أن تظهر للوجود من خلال فتوى في أمر كان القرآن قد حسمه بقوله:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء ).
المساجد المستقلة للعمال ستكون فضيحة عنصرية أمام جميع العالم والعهود والمواثيق الدولية التي وقعت عليها المملكة فيما يتعلق بحقوق الانسان وحوار الحضارات.
لكن لنا ان نتخيل هنا كم الاجتهادات المتعصبة ضيقة الأفق المتورطة بفكر عنصري ضد الآخر ضد المختلف وضد المرأة وضد الضعيف من الممكن أن تتسلل إلى مدونتنا الفقهية؟ وكم من الجماعات المصابة ببارنويا التطوير والتغيير من الممكن أن تستنطق من النصوص الدينية ما يلائم أجندتها المغلقة, ومن ثم تهرع بها للحصول على المصداقية والفتوى من شيخ حجة كبير, ومن ثم ترتد وتستعملها سوطا على ظهر المجتمع سواء في معرض كتاب أو جنادرية أو سواها من المناسبات التي تشرعن بها العنصرية ضد النساء وفق نظرة سطحية وضيقة.
شيخنا الكريم المطلق لم ينسق لحماس السائل كفكف جموح وتطرف طالب الفتوى, وطلب منه أن يعود بالذاكرة إلى أجيال قليلة إلى أزمنة الفقر والندرة وضيق ذات اليد, عندما كان الصابون أعجوبة والشامبو مجرد حكاية خرافية, وأعاد الموضوع جميعه إلى مظلة الأخوة الإسلامية, وقال له لا أحد يمنع العمال بيوت الله.
وبالتأكيد ومن نفس السياق لا أحد يمنع أماء الله بيوت الله أو يمنعهن من المشاركة في الفضاء العام سواء للعمل أو لقضاء حوائجهن وإنهاء أوراقهن أو ارتياد الأنشطة الفكرية أو الثقافية.
لكن الفكر الضيق المتعصب يظل مصرا على أن يتحقق على أرض الواقع بأي سبيل وعبر أي طريق.
المراجع
موسوعة نسيج
التصانيف
فنون تصنيف :أدب تصنيف :أدب عربي
|