أما أقسام أخبارهم فاعلم أن أصولهم عندهم أربعة: صحيح وحسن وموثق وضعيف.

أما الصحيح: فكل ما اتصل رواته بالمعصوم بواسطة عدل إمامي. وعلى هذا فلا يكون المرسل والمنقطع داخلاً في الصحيح لعدم اتصالهما وهو ظاهر، مع أنهم يطلقون عليهما لفظ الصحيح، كما قالوا: روى ابن أبي عمير في الصحيح كذا وكذا. ولا يعتبرون العدالة في إطلاق الصحيح، فإنهم يقولون: رواية المجهول الحال صحيحة كالحسين بن الحسن بن أبان فإنه مجهول الحال نص عليه الحلي في "المنتهى" مع أنها مأخوذة في تعريفه. وكذا لا يعتبر عندهم كون الراوي إمامياً في إطلاق الصحيح فقد أهملوا قيود التعريف كلها.

وأيضاً قد حكموا بصحة حديث من دعا عليه المعصوم بقول: أخزاه الله وقاتله الله، أو لعنه, أو حكم بفساد عقيدته, أو أظهر البراءة منه.

وحكموا أيضًا بصحة روايات المشبّهة والمجسّمة ومن جوّز البداء عليه تعالى، مع أن هذه الأمور كلها مكفرة، ورواية الكافر غير مقبولة فضلاً عن صحتها، فالعدالة غير معتبرة عندهم وإن ذكروها في تعريف الصحيح، لأن الكافر لا يكون عدلاً البتة.

وحكموا أيضاً بصحة الحديث الذي وجدوه في الرقاع التي أظهرها ابن بابويه مدعياً أنها من الأئمة. ورووا عن الخطوط التي يزعمون أنها خطوط الأئمة، ويرجحون هذا النوع على الروايات الصحيحة الإسناد عندهم.

هذا حال حديثهم الصحيح الذي هو أقوى الأقسام الأخرى وأعلاها.

وأما "الحسن" فهو عندهم ما اتصل رواته بالمعصوم بواسطة إمامي ممدوح من غير نص على عدالته. وعلى هذا فلا يكون المرسل والمنقطع داخلين في تعريف الحسن أيضاً. من أن إطلاقه عليهما شائع عندهم حيث صرح فقهاؤهم أن رواية زرارة في مفسد الحج إذا قضاه في عام آخر حسن، مع أنها منقطعة.

ويطلقون لفظ الحسن على غير الممدوح حيث قال ابن المطهر الحلي طريق الفقيه إلى منذر بن جيفر حسن, مع أنه لم يمدحه أحد من هذه الفرقة.

وأما (الموثق) ويُقال له: (القوي) أيضاً, فكل ما دخل في طريقه من نص الأصحاب على توثيقه مع فساد عقيدته وسلامة باقي الطريق عن الضعف، مع أنهم أطلقوا الموثق أيضاً على طريق الضعيف، كالخبر الذي رواه السكوني عن أبي عبد الله عن أمير المؤمنين، وكذا أطلقوا القوي على رواية نوح بن دراج وناجية بن أبي عمارة الصيداوي وأحمد بن عبد الله بن جعفر الحميري مع أنهم إمامية ولكنهم ليسوا بممدوحين ولا مذمومين.

وأما (الضعيف) فكل ما اشتمل طريقه على مجروح بالفسق ونحوه أو مجهول الحال .

واعلم أن العمل بالصحيح واجب عندهم اتفاقاً، مع أنهم يروون بعض الأخبار الصحيحة ولا يعملون بموجبها، كما روى زرارة عن أبي جعفر قال: إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: أطعموا الجدّة السُّدس ولم يفرض الله له شيئاً . وهذا خبر موثق. وروى سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن الكاظم قال: سألته عن بنات الابن والجدة. فقال: للجدة السدس، والباقي لبنات الابن وهذا خبر صحيح عندهم، فهم يقولون ما لا يفعلون.

ثم اعلم أن أكثر علماء الشيعة كانوا يعملون سابقاً بروايات أصحابهم بدون تحقيق وتفتيش، ولم يكن فيهم من يميز رجال الإسناد، ولا من ألّف كتاباً في الجرح والتعديل، حتى صنّف الكشي سنة أربعمائة تقريباً كتاباً في (أسماء الرجال وأحوال الرواة) وكان مختصراً جداً لم يزد الناظر فيه إلا تحيراً. لأنه أورد فيه أخباراً متعارضة في الجرح والتعديل ولم يمكنه ترجيح أحدها على الآخر .

ثم تكلم الغضائري في الضعفاء والنجاشي وأبو جعفر الطوسي في الجرح والتعديل وصنفوا فيه كتباً طويلة. ولكنهم أهملوا فيها توجيه التعارض بالمدح والقدح ولم يتيسر لهم ترجيح أحد الطرفين، ولهذا منع صاحب (الدراية) تقليدهم في باب الجرح والتعديل.

المراجع

موسوعة الدرر السنية

التصانيف

عقيدة