وقد نزه نفسه في غير موضع من القرآن أن يظلم أحدا من خلقه فلا يؤتيه أجره أو يحمل عليه ذنب غيره فقال تعالى: وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا {سورة طـه: 112} وقال تعالى: قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِّلْعَبِيدِ {ق: 28-29}:، وقال تعالى: وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لِّما جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ { سورة هود:101} وفي الحديث الصحيح الإلهي: ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا)) ذلك أمر محمود منه ولا يقول أحد إن الظالم معذور لأجل القدر فرب العالمين إذا أنصف بعض عباده من بعض وأخذ للمظلومين حقهم من الظالمين كيف يكون ذلك ظلما منه لأجل القدر وكذلك الواحد من العباد إذا وضع كل شيء موضعه فجعل الطيب مع الطيب في المكان المناسب له وجعل الخبيث مع الخبيث في المكان المناسب له كان ذلك عدلا منه وحكمة فرب العالمين إذا وضع كل شيء موضعه لم يجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض ولم يجعل المتقين كالفجار ولا المسلمين كالمجرمين والجنة طيبة لا يصلح أن يدخلها إلا طيب ولهذا لا يدخلها أحد إلا بعد القصاص الذي ينظفهم من الخبث كما ثبت في (الصحيح) عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أن المؤمنين إذا عبروا الجسر وهو الصراط المنصوب على متن جهنم فإنهم يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة)) وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع والمقصود هنا أن ما يقوله القدرية من الظلم والعدل الذي يقيسون به الرب على عباده من بدعهم التي ضلوا بها وخالفوا بها الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وكذلك من قابلهم فنفى حكمة الرب الثابتة في خلقه وأمره وما كتبه على نفسه من الرحمة وما حرمه على نفسه من الظلم وما جعله للمخلوقات والمشروعات من الأسباب التي شهد بها النص مع العقل والحس واتفق عليها سلف الأمة وأئمة الدين كقوله تعالى: وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن ماء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا {البقرة:164} وقوله تعالى: فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ (57) {الأعراف:57} ونحو ذلك فإن هذه الأقاويل أصلها مأخوذ من الجهم بن صفوان إمام غلاة المجبرة وكان ينكر رحمة الرب ويخرج إلى الجذمي فيقول: أرحم الراحمين يفعل مثل هذا يريد بذلك أنه ما ثم إلا إرادة رجح بها أحد المتماثلين بلا مرجح لا لحكمة ولا رحمة ولهذا كان الذين وافقوه على قوله من المنتسبين إلى مذهب أهل السنة والجماعة يتناقضون لأنهم إذا خاضوا في الشرع احتاجوا أن يسلكوا مسالك أئمة الدين في إثبات محاسن الشريعة وما فيها من الأمر بمصالح العباد وما ينفعهم من النهي عن مفاسدهم وما يضرهم وأن الرسول الذي بعث بها بعث رحمة كما قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ {الأنبياء:107}، وقد وصفه الله تعالى بقوله: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ {الأعراف:156-157} ولو كان المعروف لا معنى له إلا المأمور به والمنكر لا معنى له إلا ما حرم لكان هذا كقول القائل يأمرهم بما يأمرهم عما ينهاهم ويحل لهم ما أحل لهم ويحرم عليهم ما حرم عليهم وهذا كلام لا فائدة فيه فضلا عن أن يكون فيه تفضيل له على غيره))
والظلم ممتنع منه باتفاق المسلمين، لكن تنازعوا في الظلم الذي لا يقع. فقيل هو الممتنع وكل ممكن يمكن أن يفعله لا يكون ظلماً، لأن الظلم إما التصرف في ملك الغير، وإما مخالفة الأمر الذي يجب عليه طاعته، وكلاهما ممتنع منه.
وقيل: بل ما كان ظلماً من العباد فهو ظلم منه. وقيل: الظلم وضع الشيء في غير موضعه، فهو سبحانه لا يظلم الناس شيئاً، قال تعالى: وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا {طه:112}. قال المفسرون: هو أن يحمل عليه سيئات غيره ويعاقب بغير ذنبه، والهضم أن يهضم من حسناته. قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء:40}، وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ {هود:102}.
المراجع
موسوعة الدرر السنية
التصانيف
عقيدة