الفتن: جمع فتنة, وهي الابتلاء والامتحان والاختبار, ثم كثر استعمالها فيما أخرجه الاختبار للمكروه, ثم أطلقت على كل مكروه أو آيل إليه, كالإثم, والكفر, والقتل, والتحريق وغير ذلك من الأمور المكروهة .

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من أشراط الساعة ظهور الفتن العظيمة التي يلتبس فيها الحق بالباطل فتزلزل الإيمان حتى يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً, ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً.

كلما ظهرت فتنة قال المؤمن: هذه مهلكتي ثم تنكشف، ويظهر غيرها فيقول هذه هذه, ولا تزال الفتن تظهر في الناس إلى أن تقوم الساعة.

ففي الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم, يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً, ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً, القاعد فيها خير من القائم, والقائم فيها خير من الماشي, والماشي فيها خير من الساعي, فكسروا قسيكم, وقطعوا أوتاركم, واضربوا سيوفكم الحجارة, فإن دخل على أحدكم فليكن كخير ابني آدم)) رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم في (المستدرك) .

وروى الإمام مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم, يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً, أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً, يبيع دينه بعرض من الدنيا)) .

وعن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها قالت: ((استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فزعاً، يقول: سبحان الله، ماذا أنزل الله من الخزائن، وماذا أنزل من الفتن، من يوقظ صواحب الحجرات - يريد أزواجه لكي يصلين - رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)) .

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة, فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم. وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها. وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها. وتجيء الفتنة فيرقق بعضها بعضاً. وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه. فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر)) رواه مسلم .

وأحاديث الفتن كثيرة جداً فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الفتن, وأمر بالتعوذ منها, وأخبر أن آخر هذه الأمة سيصيبها بلاء وفتن عظيمة, وليس هنالك عاصم منها إلا الإيمان بالله, واليوم الآخر, ولزوم جماعة المسلمين, وهم أهل السنة وإن قلُّوا, والابتعاد عن الفتن والتعوذ منها, فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن)) رواه مسلم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه .

ظهور الفتن من المشرق:

أكثر الفتن التي ظهرت في المسلمين كان منبعها من المشرق من حيث يطلع قرن الشيطان. وهذا مطابق لما أخبر به نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم, فقد جاء في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستقبل المشرق يقول: ((ألا أن الفتنة هاهنا, ألا أن الفتنة هاهنا, من حيث يطلع قرن الشيطان)) رواه الشيخان وفي رواية لمسلم أنه قال: ((رأس الكفر من هاهنا, من حيث يطلع قرن الشيطان))

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دعا النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا, وبارك لنا في شامنا ويمننا, فقال رجل من القوم: يا نبي الله, وفي عراقنا، قال: أن بها قرن الشيطان, وتهيج الفتن, وأن الجفاء بالمشرق)) .

قال ابن حجر: (وأول الفتن كان منبعها من قبل المشرق، فكان ذلك سبباً للفرقة بين المسلمين، وذلك مما يحبه الشيطان ويفرح به، وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة) .

فمن العراق ظهر الخوارج, والشيعة الروافض, والباطنية, والقدرية, والجهمية, والمعتزلة، وأكثر مقالات الكفر كان منشؤها من المشرق من جهة الفرس المجوس كالزردشتية, والمانوية, والمزدكية, والهندوسية, والبوذية، وأخيراً وليس آخراً القاديانية, والبهائية إلى غير ذلك من المذاهب الهدامة.

وأيضاً فإن ظهور التتار في القرن السابع الهجري كان من المشرق, وقد حدث على أيديهم من الدمار والقتل والشر العظيم ما هو مدون في كتب التاريخ، وإلى اليوم لا يزال المشرق منبعاً للفتن, والشرور, والبدع, والخرافات, والإلحاد, فالشيوعية الملحدة مركزها روسيا والصين الشيوعية وهما في المشرق، وسيكون ظهور الدجال, ويأجوج ومأجوج من جهة المشرق، نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

المراجع

موسوعة الدرر السنية

التصانيف

تصنيف :عقيدة