الفصـل السابـع : أدوات السياســـة النقديـــة المبحـث الأول : الأدوات الكميـة للسياسة النقدية. المبحث الثاني : الأدوات الكيفية )النوعية( للسياسة النقدية. المبحث الثالث : الأدوات الأخرى للسياسة النقدية. المبحث الرابع : تقييـم أدوات السياسـة النقديـة. خلاصة واستنتاجات. الفصل السابع : أدوات السياسة النقدية تمهيد : يطلق على الأجهزة المسؤولة عن إدارة شؤون النقد والائتمان مصطلح السلطات النقدية، وهي تتكون من البنك المركزي والخزينة العمومية ووزارة المالية، ويعتبر البنك المركزي المسؤول المباشر عن رسم وتنفيذ السياسة النقدية، ويقوم باستخدام أدوات لتحقيق أهداف مرسومة، ويمكن أن نصنف هذه الأدوات إلى أدوات كمية التي سنتناولها في المبحث الأول، وأدوات كيفية ) نوعية( التي سنتعرض لها في المبحث الثاني وأدوات مباشرة وأخرى مباشرة نتناولها في المبحث الثالث، كما نتناول في المبحث الأخير تقييما لكل هذه الأدوات . المبحث الأول : الأدوات الكمية للسياسة النقدية ينصب عمل الأدوات الكمية أو وسائل الرقابة الكمية إلى التأثير في حجم الائتمان الذي تقدمه البنوك وبغض النظر عن أوجه استعمالاته، ويستطيع البنك المركزي أن يؤثر على حجم السيولة النقدية التي تمتلكها البنوك وفي نسبة هذه السيولة إلى الودائع، باستخدام مجموعة من هذه الوسائل الكمية وهي سياسة معدل إعادة الخصم، وسياسة السوق المفتوحة، وتغيير نسبة الاحتياطي القانوني وستناول كل أداة على حده فيما يلي : المطلب الأول : سياسة معدل إعادة الخصم أولا : ماهية سياسة معدل إعادة الخصم وتأثيره يقصد بمعدل إعادة الخصم الفائدة التي يخصم بها البنك المركزي الأوراق المالية والتي تقوم بخصمها البنوك التجارية لديه للحصول على احتياطات نقدية جديدة تستخدمها لأغراض الائتمان ومنح القروض للمتعاملين معها من الأفراد والمؤسسات . (1) وتعتبر هذه السياسة من اقدم الأدوات التي استخدمتها البنوك المركزية لرقابة الائتمان وكان بنك إنجلترا أول من طور معدل الخصم كوسيلة للسيطرة على الائتمان بداية من سنة 1847 ثم سار البنك المركزي تدريجيا خلال هذه الفترة على وضع يجعله « الملجأ الأخير للإقراض » وفي فرنسا سنة 1857 وفي الولايات المتحدة سنة 1913 (2) أما في الجزائر فلم تستخدم إلا في 1/01/1972 . وتختلف الأوراق المالية القابلة للخصم من بلد إلى آخر إلا أنها تحتوي بشكل عام على ما يلي (3) : - السندات التجارية التي يكون أجل استحقاقها لمدة معينة )مثلا تسعين 90 يوما( وقد يشترط أن تكون متمتعة بثلاثة ضمانات ) وجود ثلاثة توقيعات ساحب، ومسحوب عليه، ومستفيد ( كالكمبيالات . - سندات الخزينة التي قد يشترط أن تكون ذات أجل محدد . - أوراق مالية ممثلة لقروض قصيرة الأجل . - سندات ممثلة لقروض متوسطة الأجل . - سندات محركة لسلف على الخارج ذات أجل متوسط أو طويل . ثانيا: تأثير معدل إعادة الخصم يرتبط تحديد معدل الخصم بظروف سوق القروض، فإذا أرادت السلطات النقدية التوسع في منح القروض فإنها تلجأ إلى تخفيض معدل الخصم للتأثير على حجم القروض أو الائتمان المقدم من البنوك التجارية لعملائها، وعندما تريد تقييد حجم الائتمان فإنها تلجأ إلى رفع معدل الخصم، ومن ثم فإن هذه السياسة تؤدي إلى التأثير في المقدرة الإقراضية للبنوك إما بالزيادة أو النقصان بالشكل التالي : أ- فعندما يرفع البنك المركزي معدل إعادة الخصم فإن البنوك التجارية تلجأ بدورها إلى رفع معدل خصمها للأوراق المالية، كما ترفع سعر الفائدة على قروضها الممنوحة مما ينتج عنه انخفاض في طلب القروض من عملائها لأن تكلفة الاقتراض تصبح مرتفعة، وبالتالي ينكمش حجم القروض الممنوحة من البنوك التجارية ومن ثم التأثير في حجم عرض النقود،وإن ارتفاع معدل الخصم سيؤدي إلى تشجيع أصحاب الإدخارات على زيادة ودائعهم المختلفة بالبنوك التجارية للحصول على معدل فائدة مرتفع، ومن ثم فإن انخفاض منح القروض للأفراد والمؤسسات سيؤدي إلى انخفاض حجم النقد المتداول بسبب انخفاض المقدرة الإقراضية للبنوك، وانخفاض تفضيل السيولة لدى الجمهور لارتفاع معدل الفائدة، كما ينخفض في نفس الوقت الميل للاستثمار لانخفاض الطلب على النقود للاستثمار ولا يقتصر دور معدل إعادة الخصم على التحكم في الائتمان في الداخل فحسب بل يمتد أثره ليشمل قطاع التجارة الخارجية إذ أنه عن طريق تغيير معدل إعادة الخصم، يمكن للبنك المركزي جذب رؤوس الأموال الأجنبية عندما يكون ميزان المدفوعات يعاني من عجز كما يمكن له أن يخفض من تدفقها إذا كان ميزان المدفوعات يحقق فائضا.(1) ب-عقد تخفيض معدل الخصم فإن هذا سيؤدي إلى حصول عكس النتائج السابقة في حالة رفعه وتكون كما يلي : 1- زيادة توسع البنوك التجارية في منح الائتمان بسبب زيادة المقدرة الإقراضية لها . 2- انخفاض معدلات الفائدة من قبل البنوك التجارية سيؤدي إلى زيادة طلب الأفراد والمؤسسات على الاقتراض بسبب انخفاض تكلفة القروض الممنوحة لهم . 3- زيادة طلب البنوك التجارية على الاقتراض من البنك المركزي . 4- زيادة كمية النقود في الاقتصاد وبالتالي زيادة المعروض النقدي . ثالثا : فعالية معدل إعادة الخصم : تعتبر سياسة معدل الخصم من أهم الأساليب التي كانت تتمتع بأهمية خاصة منذ بداية ظهورها إلى عام الحرب العالمية الأولى, وذلك لحصول البنوك التجارية على احتياطات نقدية مهمة عندما تقوم بإعادة خصم الأوراق المالية التي تكون بحيازتها لدى البنك المركزي، ولكنها بدأت تميل إلى التراجع بعد الحرب العالمية الأولى, ولكن خلال الثمانينات والحرب العالمية الثانية وكذلك بعض السنوات التي تلت الحرب انسحبت سياسة معدل إعادة الخصم إلى الوراء وهذا يعود إلى عدة أسباب منها : 1- كان ينظر إلى أسلوب تعديل معدل إعادة الخصم على أن زيادته ترفع سعر الفائدة كتكلفة تؤخذ بعين الاعتبار في نظر رجال الأعمال، ولكن هذه النظرة لم تثبتها الدراسات والأبحاث التي قام بها الباحثون في إنجلترا والولايات المتحدة، وأن تكاليف الاقتراض تعتبر ضئيلة جدا من مجموع تكاليف الإنتاج خاصة القروض القصيرة الأجل، كما أن التغيرات التي تحدث في أسعار الفائدة بسبب تغير معدل إعادة الخصم تكون في مجال محدود، وكل هذا يقلل من فعالية هذه السياسة في السيطرة على الائتمان ومن ثم على العرض النقدي .(1) 2- تعرضت الطرق المصرفية والمعاملات في أسواق النقد لعدة تطورات منذ العشرينات، وكذا الاتجاه نحو الائتمان التجاري في حساب مفتوح واعتمادات مصرفية، وأصبح استخدام الكمبيالات أقل فأقل كأداة لتمويل التجارة الداخلية، وبسبب تزايد تمويل التجارة الخارجية عن طريق الاعتمادات المصرفية والتسويات بالسحب عند النظر ( الاطلاع ) أو التحويلات البرقية أصبحت الكمبيالات الأجنبية أيضا مستخدمة على نطاق أقل بكثير.(2) 3- إن سياسة معدل إعادة الخصم أصبحت محدودة التأثير بسبب: - يعود التحكم في كمية النقود إلى البنوك التجارية، ويتدخل البنك المركزي لاحقا لأنه ملزم بانتظار البنوك للتقدم إليه لتحريك ما تمتلكه عن طريق سياسة معدل إعادة الخصم . - النظام غير متناسق لأنه يسمح بإدخال النقود ولكنه لا يسمح باسترجاعها . - تباطؤ عمل هذه السياسة يمنع التحرك لمتابعة أكثر للمعدل.(3) 4- قد لوحظ في السنوات الأخيرة أن معدل إعادة الخصم لدى البنوك الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية يرتفع عندما ترفع البنوك التجارية معدل الخصم، وينخفض عندما تقلل هذه البنوك معدل الخصم، وفسرت هذه الظاهرة على أساس أن تغير معدل إعادة الخصم إنما جاء ليكون على وفاق أو على صلة قوية بسعر الفائدة في السوق، وفي كندا يتغير معدل إعادة الخصم كل أسبوع ليتبع تغير أسعار الفائدة على أذونات الخزانة التي تصدرها الحكومة ومن مظاهر التناقض أن معدل إعادة الخصم يكون أعلى بنسبة ربع في المائة من سعر الفائدة على هذه الأذون . (1) 5- ليس بمجرد رفع معدل إعادة الخصم سوف تحجم البنوك على إعادة خصم أوراقها لدى البنك المركزي لأنه قد يقدم رجال الأعمال على خصم أوراقهم لدى البنوك التجارية حتى ولو كان المعدل مرتفعا، وبالتالي تبقى البنوك أيضا تقوم بهذه العملية لدى البنك المركزي طالما أن رجال الأعمال يتمتعون بتفاؤل كبير وتسود بينهم توقعات للحصول على أرباح كبيرة فيقبلون على الاقتراض رغم ارتفاع أسعار الفائدة على القروض، كما يحدث العكس عندما ينتشر التشاؤم بانخفاض أرباحهم، وفي هذه الحالة يحجمون على الاقتراض حتى ولو كانت أسعار الفائدة منخفضة. ومما تقدم أن فعالية سياسة معدل الخصم تتوقف على عدة عوامل منها : 1- مدى اتساع سوق النقد بوجه عام وسوق الخصم بوجه خاص وهذا يتطلب معاملات كبيرة بالأوراق التجارية. 2- مدى لجوء البنوك التجارية إلى البنك المركزي في كل مرة بمعني عدم وجود موارد إضافية تعتمد عليها البنوك التجارية . 3- مستوى النشاط الاقتصادي الموجود داخل الدولة. ومهما لقيت سياسة معدل إعادة الخصم من معارضة أو قبول لها فإنها تبقى لها أثرها المعنوي على البنوك التجارية, فكلما تحرك هذا المعدل إلى الارتفاع أو الانخفاض فإن البنوك تأخذه بعين الاعتبار، وفي الوقت الحاضر أصبحت هذه السياسة مجرد مؤشر للبنوك التجارية عن اتجاه السلطات النقدية فيما يتعلق بسياسة الائتمان (2) المطلب الثاني : سياسة السوق المفتوحة 1- تعريف سياسة السوق المفتوحة : يقصد بسياسة السوق المفتوحة تدخل البنك المركزي في السوق النقدية ببيع وشراء الأوراق المالية والتجارية بصفة عامة والسندات الحكومية بصورة خاصة بهدف التأثير على الائتمان، وعرض النقود حسب الظروف الاقتصادية السائدة، وهي من أهم أدوات السياسة النقدية في الأنظمة الرأسمالية(3) وكان أول من استخدم هذه السياسة هو بنك إنكلترا كوسيلة إضافية بهدف جعل معدل إعادة الخصم فعالا سنة 1931، وكانت تستعمل باعتبارها مجرد وسيلة تدعيمية بهدف جعل أسعار خصم البنوك المركزية أكثر فاعلية، وبمرور الزمن أصبح تطبيق هذه العمليات الطريقة الرئيسية للسيطرة على الائتمان، وفي بعض الأحيان تستعمل كأداة مستقلة. عندما يرغب البنك المركزي في علاج التضخم يتدخل في السوق النقدية عارضا أو بائعا للأوراق المالية ) كأذون الخزانة (, وذلك بهدف امتصاص قيمتها النقدية، وتكون في المقابل البنوك التجارية هي المشترية لهذه الأوراق، وبالتالي تنخفض سيولتها، ومقدرتها الاقراضية إذا كان غرض البنك المركزي هو تقييد الائتمان ومحاربة التضخم، وعندما يقوم البنك المركزي بشراء هذه الأصول التي تعرضها البنوك التجارية، فتحصل على مقابلها نقودا مما يرفع من سيولتها وهو ما يزيد من مقدرتها الاقراضية إذا كانت رغبة البنك المركزي هي التوسع في الائتمان . 2- تأثير سياسة السوق المفتوحة : تحدث هذه السياسة أثرا مباشرا على كمية الاحتياطات النقدية الموجودة لدى البنوك التجارية وسعر الفائدة . فإذا قام البنك المركزي بشراء كمية من الأوراق المالية، ويدفع مقابلها نقدا للبنوك التجارية، فترتفع الاحتياطات النقدية لها، وبالتالي تستطيع أن تقوم بعمليات الإقراض مما يؤدي إلى انخفاض سعر الفائدة بسبب زيادة الطلب على الأوراق المالية, كما أن زيادة عرض النقود تحدث انخفاضا في سعر الفائدة , مما يرفع من حجم الاستثمار والدخل والعمالة . وهذا عندما يتبع البنك المركزي سياسة نقدية توسعية للخروج من حالة الركود، أما في حالة التضخم فإن البنك المركزي سيعمل على الحد من الائتمان، وامتصاص العرض النقدي الفائض, وذلك باتباع سياسة نقدية انكماشية، فهو يدخل إلى سوق الأوراق المالية بائعا للأوراق المالية، فتدفع البنوك التجارية ثمنها نقدا فتنخفض الاحتياطات النقدية للبنوك التجارية , وبالتالي تقل قدرتها على منح الائتمان مما يقلل من حجم الاستثمار والدخل والعمالة وتنخفض أسعار السندات ويرتفع سعر الفائدة . 3 – فعالية سياسة السوق المفتوحة هناك دلائل واضحة على تفوق سياسة السوق المفتوحة على غيرها، وذلك نظرا لما تتمتع به من خصائص منها : 1- إن عمليات السوق المفتوحة تكون بيد البنك المركزي للسيطرة على الائتمان, كما أن المبادرة للدخول في السوق المفتوحة بيعا أو شراء تعود إلى البنك المركزي . 2- يستطيع البنك المركزي القيام بعملية شراء للأوراق ويتبعها بعملية بيع كبيرة خلال فترة قصيرة، بالإضافة إلى قدرته على القيام بعملية إعادة الشراء وهذا يجعله يتمتع بمرونة كبيرة للتحكم في الائتمان, وبالتالي التحكم في المعروض النقدي في فترة قصيرة من الوقت . 3- إن الاستعمال المستمر لهذه الأداة لا يعقب آثارا في التوقعات (1) وكما تؤدي إلى انخفاض سعر الفائدة عندما يقوم بعملية الشراء للأوراق، وهذا الانخفاض يؤدي إلى إنعاش الاقتصاد . إلا أن نجاح سياسة السوق المفتوحة يتوقف على وجود أوراق كافية في السوق للدرجة التي تجعل البنك المركزي يؤثر على السوق في حالة البيع أو الشراء, وفي حالة الانكماش قد لا يتحقق الهدف من ذلك عندما يدخل البنك المركزي السوق مشتريا للسندات وترتفع الاحتياطات النقدية للبنوك التجارية وتزداد مقدرتها الإقراضية ,ومع ذلك فإن الطلب على القروض قد لا يكون كبيرا للخروج من ظروف الانكماش بسبب حالة التشاؤم التي تسود رجال الأعمال، كما أن انخفاض أسعار الفائدة لا يعتبر عاملا محفزا للاستثمار عندما تكون معدلات الأرباح فيها منخفضة، وعندما يسود التفاؤل في السوق المفتوحة فإن التأثير المعنوي لبيع البنك المركزي لأوراقه المالية لا يتحقق على أي سياسة انكماشية . يتطلب تطبيق هذه الأداة توافر سوق مالية واسعة ومنظمة، وخاصة في البلاد التي تسعى للتنمية، ومن ثم فإن الالتجاء إلى هذه السياسة أمرا مستحيلا في معظم الأحيان (2) وسبب ذلك هو ضيق أو انعدام الأسواق النقدية والمالية، وعدم انتشار استخدام الأوراق التجارية وأذون الخزينة مما يجعل هذه العمليات تحدث تقلبات شديدة في أسعار تلك الأوراق مما يؤدي إلى اهتزاز المراكز المالية لبنوك الدول النامية . المطلب الثالث : سياسة تعديل نسبة الاحتياطي الإجباري 1- تعريف سياسة تعديل نسبة الاحتياطي الإجباري نسبة الاحتياطي الإجباري هي إلزام أو إجبار البنوك التجارية بالاحتفاظ بنسبة معينة من التزاماتها الحاضرة على شكل رصيد دائن لدى البنك المركزي ويمكن للبنك المركزي أن يقوم بتغيير هذه النسبة بقرار منه عند اللزوم (3) . وظهرت هذه الأداة الذي تسمى متطلبات الاحتياطي المتغير كأداة للسياسة النقدية لأول مرة في الولايات المتحدة من خلال تعديلات مناسبة في قانون الاحتياط الاتحادي في سنة 1933 و1935 (4) ولقد كان استخدام هذه الأداة بصورة عامة كوسيلة بديلة أو إضافية لممارسة الرقابة على عرض النقود, ولم يبق الهدف من هذه الأداة هو حماية المودعين من الأخطار التي تتعرض لها البنوك, ولكنها أصبحت وسيلة هامة تستعمل للتأثير على السيولة النقدية, وبالتالي على المقدرة الإقراضية للبنوك التجارية حسب أهداف السياسة النقدية . 2- تأثير سياسة الاحتياطي الإجباري : إن مقدرة البنك التجارية الاقراضية تعتمد على ما يمتلكه من سيولة أو احتياطات نقدية التي يكون أساسها حجم الودائع التي يستقبلها من عملائه، وهذه السيولة التي تكون بحوزة البنوك التجارية لا تجمد في خزائن البنوك ولكن تقوم باستخدامها كالقيام بإقراضها أو استثمارها في شراء الأوراق المالية والتجارية، ولكنه في نفس الوقت حتى لا تقع البنوك التجارية في أزمة سيولة يجب أن تحتفظ بنسبة معينة لدى البنك المركزي من أصولها النقدية لمواجهة طلبات السحب المتوقعة من أصحاب الودائع, وتحدد من طرف البنك المركزي, فعندما تظهر في الاقتصاد تيارات تضخمية فإن البنك المركزي يقوم برفع نسبة الاحتياطي النقدي الإجباري، وأحيانا يتوصل الأمر بالبنك المركزي إلى زيادة رفع هذه النسبة إلى الحد الذي تقوم البنوك التجارية باستدعاء بعض القروض مما يؤثر على حجم النقود المتداولة, وبالتالي التأثير على عملية خلق النقود وانخفاض حجم الائتمان .(1) فمثلا إذا حدد البنك المركزي نسبة الاحتياطي بمقدار 20% فإن البنوك التجارية ملزمة بالاحتفاظ بهذه النسبة من الودائع لدى البنك المركزي، فلنفرض أن حجم الودائع يساوي إلى 1000 دج فيجب أن يودع لدى البنك المركزي 200 دج كاحتياطي نقدي، أما الباقي من حجم الودائع وهو الفرق بين ) 1000-200 ( = 800 دج . فهذا المبلغ معد للإقراض . ويمكن للبنوك التجارية خلق ودائع إئتمانية من هذه الوديعة الأصلية بمقدار أربعة أضعاف الوديعة الأصلية لأن المضاعف هو مقلوب الاحتياطي 1/20% =1/0.2 =5 ,وبالتالي فالائتمان المصرفي يتضاعف ليصبح 4000 دج من الوديعة الأصلية 1000 دج, ليكون إجمالي الائتمان المخلوق 4000+1000=5000دج، مع اقتراض عدم وجود تسرب نقدي خارج الجهاز المصرفي كما سبق وأن أشرنا إلى ذلك في فصل عملية خلق النقود. ولمحاربة التضخم فإن البنك المركزي يمكنه أن يرفع نسبة الاحتياطي القانوني إلى 25% وهذا ستيرتب عنه انخفاض المقدرة الاقراضية ونقص الودائع الائتمانية، فحسب المثال السابق إذا كانت الوديعة تساوي 1000دج كوديعة أصلية، فإن البنوك ستكون ملزمة بإيداع 25 % من قيمة الوديعة كاحتياطي لدى البنك المركزي، وبالتالي سيرتفع الاحتياطي النقدي من 200دج إلى 250دج وأما الجزء المتبقي للإقراض فسينخفض من 800دج إلى 750دج وهكذا نلاحظ انخفاضا لمقدرة البنوك على خلق الائتمان المصرفي . وعلى هذا الأساس تسعى السياسة النقدية في حالة التضخم إلى الحد من الاتفاق كوسيلة للحد من ارتفاع الأسعار، ويقوم البنك المركزي برفع نسبة الاحتياطي النقدي . أما في حالة الانكماش فإن البنك المركزي يقوم بتخفيض نسبة الاحتياطي من 20% إلى 10 % حسب المثال السابق مما يجعل مقدرة البنوك التجارية على الإقراض ترتفع من 4 أضعاف إلى 9 أضعاف الوديعة الأصلية، مع افتراض عدم وجود تسرب نقدي خارج الجهاز المصرفي وعدم وجود احتياطات أخرى, وبالتالي ينخفض الاحتياطي النقدي من 200 دج في الحالة الأولى و250 دج في الحالة الثانية إلى 100دج في هذه الحالة وهو ما يرفع من المبلغ المخصص للإقراض ليصبح 900 دج بدلا من 800 في الحالة الأولى و750 في الحالة الثانية . وهكذا فإن سياسة تغيير نسبة الاحتياطي النقدي الإجباري تساعد السلطات النقدية على التحكم في العرض النقدي لأن نسبة الاحتياطي القانوني تعمل كمنظم للمعروض النقدي . 3- فعالية أداة الاحتياطي الإجباري عند تقييمنا لفعالية ونجاح أداة الاحتياطي الإجباري نستخلص ما يلي : 1- تعتبر هذه الأداة من السياسات الناجحة في أوقات التضخم حيث أن البنوك التجارية لا تجد وسيلة للاستجابة لتعليمات البنك المركزي في المهلة المحددة لها لرفع الاحتياطي النقدي من أجل امتصاص الفائض من المعروض النقدي إلا عن طريق خفض القروض والاستثمارات وخفض حجم الودائع. أما في أوقات الكساد فإن تخفيض نسبة الاحتياطي لا تكون لها فعالية كبيرة في تشجيع طلب القروض، وسبب ذلك يعود إلى أن قدرة البنوك على خلق الائتمان واستعدادها لزيادة حجم القروض وتقديمها قد لا يقابله طلب على هذه القروض من الأفراد والمؤسسات نظرا لانتشار حالة الكساد, ولذلك يجب أن يصاحب هذه السياسة إجراءات أخرى تشجع زيادة طلب القروض.(1) 2- تعتبر هذه الأداة غير مرنة لأنها تعامل البنوك الكبيرة والصغيرة على حد سواء، كما أنها لا تميز بين البنوك التي لديها احتياطات، غير أن هذا الانتقاد يمكن الرد عليه طالما أن الهدف من رفع هذه النسبة هو تقييد حجم الائتمان ولجوء بعض البنوك إلى خفض أصولها يصب في تحقيق الهدف المسطر من السياسة النقدية . 3- إن التغيرات المتكررة في نسبة الاحتياطي النقدي القانوني-لها تأثير على وضع البنوك وقابليتها لمنح القروض واستثمار أموالها لأنه يجعل البنوك مرتبكة نتيجة لعدم التأكد من وجهة هذه التغيرات ودرجتها، ولذلك يرى فريد مان أنه يجب تثبيت الاحتياطي النقدي ثباتا دائما عند مستوى معين، ولكن يقترح البعض الأخر استعمال نسب متغيرة باستمرار لأنها توفر الاحتياطات النقدية الفائضة لدى البنوك التجارية التي تقيها آثار تغير نسبة الاحتياطي القانوني، إلا أننا نميل إلى تثبيت هذه النسبة حتى تكون البنوك التجارية على علم بها منذ البداية لأخذ احتياطها وحذرها من بداية النشاط وحتى تكون البنوك والبنك المركزي متعاونة على تنفيذ وإنجاح السياسة النقدية المرغوبة والمسطرة 4- ورغم ما يقال على أداة تغيير نسبة الاحتياطي النقدي القانوني أو الإجباري من قلة المرونة وضعف فعاليتها إلا أنها تتسم بأكثر فعالية وأقل كلفة من سياسة إعادة الخصم وعمليات السوق المفتوحة كأدوات للسياسة النقدية وخاصة في البلدان النامية نظرا لعدم توافر أسواق مالية ونقدية واسعة (1) (1)عبد الحميد القاضي، السياسة النقدية والائتمانية كأداة للتنمية الاقتصادية، مصر المعاصرة، العدد 355، يناير 1974، ص 16 . المبحث الثاني : الأدوات الكيفية للسياسة النقدية تهدف الوسائل الكمية للسياسة النقدية التي تعرضنا إليها في المبحث السابق إلى التأثير على حجم الائتمان الكلي في جميع القطاعات الاقتصادية ويكون هذا التأثير عاما دون تمييز، إلا أن هذا مضر ببعض الأنشطة الاقتصادية التي تريد الدولة تشجيعها أو الحد منها أيضا, ولذلك فإن البنك المركزي يستخدم أدواتا كيفية أو نوعية للتأثير على اتجاه الائتمان وليس حجمه الكلي, وهذه الأدوات كثيرة يمكن أن نلخصها في أداتين هما : سياسة تأطير القرض والسياسة الانتقائية للقرض، وهو ما سنقوم بشرحه في المطلبين التاليين : المطلب الأول : سياسة تأطير القرض تهدف هذه السياسة إلى تحديد نمو المصدر الأساسي لخلق النقود، بشكل قانوني وهو القروض الموزعة من طرف البنوك والمؤسسات المالية (1) ، ويسمى أيضا تخصيص الائتمان وقد استخدم هذا الأسلوب في أواخر القرن الثامن عشر كأداة للسيطرة على الائتمان من قبل بنك إنكلترا, ولم تشمل هذه الأداة تحديد المبلغ المتاح لكل طلب للقرض فقط, بل أيضا تقليص الفترة الزمنية للأوراق التجارية الصالحة لإعادة الخصم . ففي ظروف التضخم مثلا تقدم الدولة على وضع سياسة تأطير القرض، ويقوم البنك المركزي بهذه السياسة بهدف منح الائتمان حسب القطاعات ذات الأولوية والتي لم تكن سببا في إحداث التضخم, كما يقيد الائتمان نحو البعض الآخر الذي يكون سببا في إحداث التضخم، ويمكن أن تكون هذه السياسة متعلقة بمعيار أجل القروض، فقد تقيد بعض القروض سواء قروض قصيرة الأجل أو متوسطة أو طويلة الأجل . أما عندما ينتشر التضخم بحدة فإن الدولة تقدم على صياغة سياسة تأطير قرض إجبارية، فيقوم البنك المركزي بتحديد الحد الأقصى لحجم القروض الممنوحة من طرف البنوك أو تحديد معدل نمو القروض، و استخدم هذا الأسلوب كأداة للسياسة النقدية كإجراء مضاد للتضخم بشكل خاص سنة 1948 في فرنسا لأول مرة، وعادة ما تكون سياسة تأطير القرض مرافقة ببرامج استقرار للكتلة النقدية, يشمل كذلك التقليل من النفقات العمومية وتشجيع الادخارات وإصدار السندات والقيام بكل الوسائل الكفيلة بتخفيض الكتلة النقدية الفائضة (2) وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن التخفيف من حدة نظام تأطير القروض عن طريق : - تحديد العتبات التي تطبق عند تجاوزها الاحتياطات الإضافية، و تحتسب هذه العتبات أو السقوف بعد الأخذ بعين الاعتبار إلى جانب القروض الممنوحة خلال سنة معينة الزيادة التي تحدث على الموارد المستقرة . - الاستثناء من نظام الاحتياطات الإضافية لبعض القروض التي تكون معفية أيضا من الاحتياطات العادية، والاستثناء من الاحتياطات الإضافية لقروض خاضعة للاحتياطات العادية :) يتعلق هذا النظام ببعض القروض كالقروض للتصدير وللاستثمار وبعض القروض العقارية المحددة ... إلخ( وبشكل عام لم يحقق نظام تأطير القروض في البلدان التي طبقته الضبط المطلوب للقروض ) القروض للاقتصاد الوطني، القروض للخزينة ( وهذا يعود لما يلي :(1) - غياب تأثيره على القروض الموجهة للخزينة . - رغبة السلطات النقدية بعدم إجراء تقييد كبير لتمويل الاقتصاد . - معالجة انتقائية أي لم يعد فقط ضابطا كميا بل نوعيا . - لجوء المشروعات إلى الاقتراض فيما بينها أو إلى إصدار سندات دين أو حتى إلى الاقتراض بالنقد الأجنبي . المطلب الثاني : السياسة الانتقائية للقرض للقيام بسياسة تأطير القرض يقوم البنك المركزي باستخدام أدوات انتقائية للتحكم في القروض الموزعة من طرف البنوك وهي : 1- تسديد خزينة الدولة لجزء من الفوائد من أجل تكلفة القرض المتعلق ببعض أنواع التمويلات المتعلقة بالتصدير أو بالسكن أو الزراعة أو الصناعة أو المهن الحرفية , والجزء الذي تأخذه الخزينة على عاتقها يغطي الفارق بين معدل الفائدة على القرض وكلفة الموارد التي تمول القرض وقد يأخذ شكل الإعانة المباشرة من طرف الدولة . 2- إعادة خصم الأوراق فوق مستوى السقف : عندما يشجع البنك المركزي بعض الأنشطة فإنه يقوم بإعادة خصم الكمبيالات الخاصة بهذه القروض مثل قروض الصادرات حتى بعد تجاوز السقف المحدد مع استعمال معدل إعادة الخصم العادي . 3- فرض أسعار تفاضلية لإعادة الخصم : تفرض السلطات النقدية معدل إعادة خصم مفضل للتأثير على القروض الموجهة لبعض الأنشطة التي تريد الدولة تشجيعها, وهذا حسب الظروف الاقتصادية السائدة انكماشية كانت أو تضخمية . 4- سياسة التمييز في أسعار الفائدة : لعبت هذه السياسة دورا هاما في تحقيق أهداف النمو الاقتصادي وعلاج ميزان المدفوعات في كثير من الدول منها إيطاليا وفرنسا خلال النصف الأول من السبعينات (2)، حيت تقوم السلطات النقدية بتخفيض أسعار الفائدة على التمويلات المقدمة في المجالات التي تريد الدولة تشجيعها بهدف تخفيض تكاليف إنتاج معين، كما هو الحال في القطاع الفلاحي في الجزائر الذي يشهد تخفيضات متتالية لأسعار الفائدة وأسعار الفائدة على القروض المقدمة للحرفيين وأصحاب الصناعات الصغيرة، وتخفيض أسعار الفائدة على القروض المقدمة لتمويل عمليات التصدير . 5- وضع قيود على الائتمان الاستهلاكي : والغرض من وضع قيود على تنظيم أو تقييد الائتمان الاستهلاكي هو كبح الطلب على البضائع, و يستخدم هذا التقييد للتقليل من التضخم في الاقتصاد, و طبقت هذه الأداة في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1941, وكانت السلع المقصودة هي السيارات، الدراجات النارية، الطائرات، الزوارق، آلات الغسيل ,الطبخ والثلاجة والتلفزيون ... إلخ, وفي فرنسا كان الحد الأدنى للدفعة المقدمة على مشتريات التقسيط لبعض البضائع الاستهلاكية قد زاد في مارس 1969 من 20 إلى 30% و خفض الحد الأقصى لفترة التسديد من 21 إلى 18 شهرا، لكن في سبتمبر من نفس السنة زيد الحد الأدنى للدفعة المقدمة مرة أخرى من 40-50 % , و خفضت فترة التسديد أكثر إلى خمسة عشرة شهرا, وفي الجزائر فقد تم إلغاء الائتمان الاستهلاكي تماما في سنة 1970 بهدف استغلال القروض في الجانب الإنتاجي وليس الاستهلاكي . 6- تغيير الهامش الحدي على قروض الأوراق المالية : يستعمل البنك المركزي تحديد المبلغ أو الهامش الذي على المشتري أن يدفعه للبنوك التجارية عندما يريد شراء الأوراق المالية، ويعرف المبلغ الحدي على الشراء بأنه الفرق بين سعر شراء أوراق مالية بقيمة سوقية مقدارها 20 ألف دينار تتطلب قرضا بقيمة 8 آلاف دينار للحصول على تلك الأوراق، فإن المبلغ الحدي أو الهامش الحدي يساوي 12 ألف دينار أي 60% من قيمة الورقية، أما قيمة القرض الذي يجب أن يحصل عليه المشتري تساوي 40% من قيمة الأوراق, وبهذا يستطيع البنك المركزي في أوقات التضخم أن يرفع الهامش الحدي إلى 70 %. ويؤدي ذلك إلى انخفاض منح قيمة الفروض ليصبح 30 % وفي حالة الانكماش يكون العكس . 7- اشتراط البنك المركزي الحصول على موافقته في منح القروض عندما تتجاوز القروض حدا معينا . 8- متطلبات الإيداع المسبق مقابل الاستيراد : يشترط البنك المركزي مسبقا للحصول على إجازات الاستيراد أو التحويل الأجنبي إيداعات مسبقة توضح من قبل المستوردين لديه وهي طريقة لتقييد الاستيراد خلال فترة العجز في ميزان المدفوعات للبلد، وقد أدى هذا الأسلوب إلى التأثير على الاحتياطات النقدية والمقدرة الاقراضية للبنوك التجارية إلى الدرجة التي أدت إلى تمويل المستوردين بهدف توفير هذه الإيداعات المسبقة، وطبقت هذه الأداة في كثير من الدول وقد استعملت لأول مرة في بعض بلدان أمريكا اللاتينية وأسيا لفترة ما بعد الحرب لكنها أظهرت عدم نجاحها في العديد من البلدان خلال السنوات الأخيرة، لأن تأثيرها كان ظرفيا ومحدودا، ورغم هذا فهو إجراء يدعم السياسات الأخرى للحد من الاستيراد الفائض عن الحاجة أومن استيراد السلع غير الضرورية . ويمكن القول بشكل عام أن هذه الأدوات الكيفية تستعمل لتجنب التأثير الشامل الذي تخلفه الأدوات الكمية، وبالتالي فهي تقوم بوضع حدود أو قيود على منح القروض لعمليات معينة، ومنحها لقطاعات مهمة في الاقتصاد الوطني, ولهذا تبدو فعاليتها في التأثير على توزيع القروض بين الأنشطة المختلفة، كما أن هذه الأدوات مكملة لأدوات الرقابة الكمية ولكن هذه الأدوات لا تتمتع بنجاح كبير، وإنما تتوقف على طالبي القروض أو المستفيدين من القروض عندما يقومون باستعمال هذه القروض في الهدف المتفق عليه مع البنك, وإلا فالنتيجة لا تكون مرضية لزيادة فعالية أدوات الرقابة الكيفية . المبحث الثالث : الأدوات الأخرى للسياسة النقدية تستخدم السلطات النقدية مجموعة من الأدوات والوسائل الكمية والنوعية للوصول إلى الأهداف المنشودة حسب الظروف الاقتصادية السائدة للبلد المعني, ويتوقف نجاح استخدام هذه الأدوات على مدى استجابة الأفراد والمؤسسات الاقتصادية والمصرفية خاصة لقبول هذه الإجراءات، وقد لا تكون كافية في بعض الظروف، ولا تظهر نجاحا كبيرا في الوصول إلى التأثير المطلوب على كمية القروض أو على اتجاهاتها وكيفية توزيعها، ومن ثم فإن للسلطات النقدية إجراءات أخرى مباشرة وهذا ما يسمى بالرقابة المباشرة, وتتنوع هذه الإجراءات كالتدخل المباشر في أعمال البنوك التجارية والإقناع الأدبي والمعنوي، ومن أهم هذه الأدوات المباشرة المستخدمة ما يلي : 1- توجيه نصائح وإرشادات مباشرة إلى البنوك والمؤسسات المالية بصفة عامة , تفصل فيها أنواع القروض المفضلة لدى البنك المركزي وتوضع سقوفا ائتمانية متعلقة بكل قطاع اقتصادي، كما أن البنوك ملزمة بتقديم تقارير دورية عن القروض الممنوحة لهذه القطاعات، وتتم دراستها من قبل البنك المركزي، وعلى هذا الأساس يمكن أن يقوم بتقديم إنذارات للبنوك التي لم تطبق التوجيهات، وقد يصل الأمر إلى حد اتخاذ عقوبات ضدها . 2- يسعى راسمو السياسة النقدية إلى التأثير على البنوك والمؤسسات المصرفية من خلال سياسة الإقناع الأدبي، أو كما تسمى أيضا بسياسة المصارحة، وتتمتع البنوك المركزية العريقة والرائدة بهيبة كبيرة في النظام المصرفي لدولة ما مما يؤهلها إلى أن تقوم بالتأثير على البنوك التجارية من خلال المقالات في الصحف والمجلات، والخطب لتغيير اتجاه هذه المؤسسات إلى الاتجاه المطلوب اتباعه لتنفيذ سياسة نقدية معينة، وتفضيل سياسات محددة دون غيرها . (1) كما يقوم بإصدار الأوامر والتعليمات للبنوك التجارية مجتمعة أو لأي بنك على انفراد بقصد إجبارها لاتخاذ مسلك معين في مزاولة نشاطها الإقراضي، كما نقوم بتحديد النسبة بين رأس المال والاحتياطي للبنوك من جهة وحماية أصولها من جهة أخرى .(2) 3- يقوم البنك المركزي بعملية التفتيش المباشر على عمليات البنوك بشكل دوري ) شهري أو نصف سنوي، أو سنوي ( حسب الحاجة لمعرفة مدى تطبيق البنوك التعليمات والأوامر الموجهة إليها من طرف البنك المركزي، كما يتلقى البنك المركزي تقارير عن أنشطة البنوك السنوية التي تبين حالة البنوك وسيولتها، وحجم الودائع والقروض بها.. إلخ 4- يستعمل البنك المركزي لتسيير شؤون النقد التشاور مع البنوك التجارية وخاصة عند صياغة السياسة القرضية أو الائتمانية للجهاز المصرفي, وذلك بالتشاور مع مسؤولي البنوك وحضورهم اجتماعات البنك المركزي التي يعتقدها دوريا أو كلما دعت الحاجة للاجتماع . وعلى العموم فإن أسلوب الرقابة المباشرة على الائتمان يكون مفيدا لعلاج التضخم أكثر من حالات الكساد لأن إلزام البنوك بالحد من التوسع في منح القروض يكون ممكنا أكثر من إلزامها بالزيادة في منح القروض (1) . كما أن أسلوب الإقناع الأدبي قد يكون ذا فائدة محدودة للدول النامية , وبالتالي فالبنك المركزي يستخدم الوسائل الأخرى مثل التعليمات والأوامر الإجبارية التي يمكن من خلالها أن تحدد معالم الطريق الذي يجب أن تسير فيه البنوك التجارية . المبحث الرابع : تقييم أدوات السياسة النقدية سنقوم في هذا المبحث بتقييم أدوات أو وسائل الرقابة الكمية والنوعية والمباشرة للتحكم في الائتمان ومنه السيطرة على عرض النقود . المطلب الأول : تقييم الأدوات الكمية للسياسة النقدية تمت دراسة أدوات السياسة الكمية، والتي تسمى أيضا بالأدوات العامة وهي أداة معدل إعادة الخصم، السوق المفتوحة وتغيير الاحتياطي الإجباري, وناقشنا كيفية التحكم في عرض النقود والائتمان لكل أداة ولكن بقي تقييم هذه الأدوات ومعرقة أيها أكثر كفاءة من الأخرى بشكل منفرد وعندما تكون مجتمعة . يرى فريد مان أنه ليس من الضروري استعمال الأدوات الثلاث عندما تستطيع أداة واحدة أن تؤدي وظيفتها كاملة, لأنه ناشد تحسين أداء البنوك المركزية في السيطرة على عرض النقود والتركيز على نمو النقود حتى نتجنب آثار عمليات الخصم والتغيير في نسبة الاحتياطي النقدي (1) ، إلا أن المسؤولين في البنوك المركزية يقولون بأن عملية الخصم ضرورية لتزويد البنوك بأرصدة احتياطية للتكيف وتزويد النظام المصرفي ككل بسيولة في حالة الطوارئ . إلا أن استعمال أدوات السياسية النقدية يتطلب أحيانا الجمع بين أداتين أو أكثر للتحكم في عرض النقود والائتمان, وخاصة التنسيق بين عمليات السوق المفتوحة وسياسة معدل إعادة الخصم . عندما يرغب البنك المركزي في تخفيض الائتمان من أجل محاربة التضخم من خلال رفع أسعار الفائدة، يقوم ببيع أوراقه المالية فتقابله البنوك التجارية مشترية لها وهو ما يخفض احتياطاتها فتضطر البنوك التجارية إلى إعادة خصم أوراقها لدى البنك المركزي، ويستطيع هذا الأخير أن يقوم برفع معدل إعادة الخصم , وذلك حتى يضمن نجاح سياسته فترتفع أسعار الفائدة على القروض وعلى السندات، وهذا ما يدفع المودعين إلى الاكتتاب في السندات، و يؤدي هذا إلى انخفاض سيولة البنوك، وبالتالي انخفاض ائتمان البنوك، وأحيانا تعمل بعض البنوك على تجنب انخفاض احتياطاتها أي تجنب زيادة مديونيتها للبنك المركزي، ولكن بفعل ضغط الحاجة الذي تكون فيها هذه البنوك لإيجاد مبالغ لتسديد ديونها نحو البنك المركزي، تقوم باستخدام احتياطات ثانوية، وهذا بدوره سيخفض الائتمان ومن ثم ترتفع أسعار الفائدة . أما في حالة الانكماش فإن البنك المركزي يستطيع أن يقوم بالجمع بين أداتي السوق المفتوحة ومعدل إعادة الخصم, فيدخل مشتريا للأوراق المالية وهذا ما يجعل احتياطات البنوك التجارية، في حالة جيدة، ولكن قد لا يكون هذا الإجراء كافيا لأن البنوك التجارية قد تستخدم مبالغ من هذه الاحتياطات لتسديد ديونها إلى البنك المركزي، أوقد تقوم بشراء أصول أخرى أكثر إيرادا وقد لا تنخفض أسعار الفائدة بل ترتفع، وفي هذه الحالة يلجأ البنك المركزي إلى تدعيم ذلك بأداة أخرى وهي تخفيض معدل إعادة الخصم, وهو يؤيد طرح التنسيق بين أدوات السياسة النقدية وخاصة بين أداتي السوق المفتوحة ومعدل إعادة الخصم, نظرا لكفاءة عملهما مع بعضهما بدلا من عمل كل أداة واحدة بمعزل عن عمل الأخرى . أما أداة الاحتياطي القانوني فلا تستخدم كأداة عامة للسياسة النقدية بكثرة مثل استخدام أداتي عمليات السوق المفتوحة ومعدل إعادة الخصم, لأن تغيير نسبة الاحتياطي القانوني يربك الخطط المستقبلية للبنوك، كما أنه لا يفرق بين البنوك , وإن أي تغير في نسبة الاحتياطي القانوني يحدث تأثيرات مهمة على احتياطات البنوك مما يجعل البنك المركزي يضطر إلى استعمال أداة أخرى لمكافحة عمل أداة الاحتياطي مثل عمليات السوق المفتوحة للتخفيف من أثر تغيير الاحتياطي على الودائع وإقراض البنوك، وهذا يكون صحيحا في الدول المتقدمة لأنها تملك أسواقا نقدية ومالية متطورة، أما في الدول الآخذة في النمو فإنها لا تمتلك مثل هذه الأسواق وإن وجدت فهي غير متطورة, ولكن يمكنها التحكم في الائتمان عن طريق أداة الاحتياطي الإجباري . المطلب الثاني : تقييم الأدوات الكيفية للسياسة النقدية إن من أهم التبريرات لاستعمال الأدوات الكيفية هي تجنب التأثيرات غير المرغوب فيها التي تتولد على استعمال الأدوات الكمية, وخاصة أن تأثيراتها تكون شاملة ولا تفرق بين القطاعات والأنشطة المختلفة , كما تستخدم الأدوات الكيفية للسياسة النقدية للرقابة على الائتمان الصادر من البنوك بغرض مساعدة الأدوات الكمية لزيادة التأثير على الائتمان وتوجيهه إلى مجالات الإنتاج التي تريد الدولة تشجيعها، أو الحد من التوسع فيها . إن استعمال الأدوات الكيفية في الدول المتقدمة يختلف عنه في الدول الآخذة في النمو، ففي الأولى قد ترفع الطلب على الاستهلاك نتيجة وفرة الإنتاج، ولهذا فهي تعمد مثلا لتحريك الطلب الاستهلاكي فتشجع القروض الاستهلاكية, في حين تستخدم الدول المتخلفة أدواتا كيفية للحد من توجيه القروض لزيادة الاستهلاك وتسعى لتوجيه القروض نحو زيادة الإنتاج , وهذا قد لا يجعل هذه الأدوات ذات فعالية إلا إذا استعملت القروض الموجهة إلى المجالات المحددة لها من طالبي القروض، وإلا فإن أدوات هذه الرقابة لن تنجح في تحقيق المطلوب منها . فمن إيجابيات سياسية تأطير القرض أنها تسمح بمراقبة المصدر الأساسي لخلق النقود وبالتالي الكتلة النقدية، ولكن هذا المبدأ يعاب عليه أنه لا يسمح إلا بمراقبة مصدر واحد من مصادر عرض النقود وهو مصدر قروض للاقتصاد وهو إحدى مقابلات الكتلة النقدية ويهمل الأجزاء الأخرى ) كالقروض للخزينة، الذمم على الخارج (، ثم إن هذه الأداة خاصة فقط بمراقبة العرض النقدي ولا تهتم بالطلب على النقود، كما أن أدوات الرقابة الكيفية قد تكون مفيدة أكثر في الدول التي تتبع النظام الاقتصادي الموجه,لأنه في البداية تكون المشاريع ذات الأولوية معروفة، وبالتالي توجه إليها القروض، و تكون هذه الأدوات في الدول التي تتبع النظام الرأسمالي الحر عديمة الفعالية نتيجة لاستخدام القروض المحصل عليها في مجالات قد تكون غير مرغوب في تشجيعها من طرف الدولة . أما في الدول النامية فتكتسي هذه الأدوات أهمية كبيرة نتيجة لندرة رأس مال، وبالتالي استعمال الأموال فيما يخدم المشاريع ذات الأولوية كقطاع التصدير والفلاحة والسكن، مع تجنب تمويل قطاعات المضاربة والاستهلاك والقطاعات عير المنتجة، ومن ثم فإن هذه الأدوات تكون مدعمة لتوجيه الائتمان إلى المشاريع التنموية ذات الأولوية في الدولة . المطلب الثالث : تقييم الأدوات الاخرى يبدأ البنك المركزي حسب هذه الأدوات بإقناع البنوك والمؤسسات المالية بإتباع سياسة متسقة مع ما يهدف إليه من أغراض لما يمتلكه من قوة أدبية على باقي البنوك، وإذا لم تستجيب فيقوم بإصدار الأوامر والتعليمات الإجبارية على البنوك، ثم تقديم توجيهات ونصائح إلى البنوك والمؤسسات المالية وهذه التوجيهات والتعليمات تعتمد على مكانة البنك المركزي بين البنوك الأخرى, وقدرته على التأثير في الائتمان الصادر إلى البنوك التجارية , كما يتدخل في هذه السياسة محافظ البنك المركزي محاولا إقناع البنوك التجارية بكفاءة هذه الأداة، وتتوسع التشريعات المتعلقة بالبنك المركزي في البلاد النامية في منح سلطات الرقابة المباشرة على الائتمان نظرا لعدم فاعلية أدوات الرقابة الكيفية . خلاصة واستنتاجات : 1- إن الأجهزة المسؤولة عن إدارة السياسة النقدية هي السلطات النقدية المتمثلة في البنك المركزي والخزينة العمومية ووزارة المالية، ويعتبر البنك المركزي هو المسؤول المباشر عن تصميم السياسة النقدية وتنفيذها, ويستخدم في ذلك أدواتا كمية ونوعية، وأخرى مباشرة . 2- إن سياسة معدل إعادة الخصم هي من السياسات الكمية, وتعتبر من اقدم السياسات وتتلخص في تغيير هذا المعدل حسب رغبة البنك المركزي في الارتفاع أو الانخفاض وذلك وفق الظروف الاقتصادية للمجتمع، وهذا المعدل يؤثر بدوره على مقدرة البنوك التجارية على الإقراض بالانخفاض عندما يرتفع معدل إعادة الخصم, وترتفع مقدرة البنوك التجارية إذا انخفض هذا المعدل، و تتوقف فعاليتها على عوامل مثل اتساع سوق النقد، ومدى لجوء البنوك التجارية إلى البنك المركزي . 3- يتدخل البنك المركزي إما بالبيع أو الشراء للأوراق المالية في السوق المفتوحة, وذلك بهدف التأثير على سيولة البنوك إما بالارتفاع في حالة بيع لأوراق المالية، وإما بالانخفاض في حالة البيع، وتمتع هذه الأداة بفعالية كبيرة لأن عمليات السوق المفتوحة بيد البنك المركزي المسيطر على الائتمان، و يتوقف نجاحها على وجود أوراق كافية في السوق واتساع هذه السوق . 4- إن نسبة الاحتياطي الإجباري هي إلزام البنوك بالإحتفاظ بنسبة معينة من التزاماتها الحاضرة في شكل رصيد دائن لدى البنك المركزي, فعندما يظهر التضخم فإن البنك المركزي يقوم بزيادة رفع هذه النسبة, وعندما تكون حالة الانكماش فإن البنك المركزي يقوم بتخفيض هذه النسبة . 5- إن الأدوات الكيفية ) النوعية ( هي أدوات تعتمد على التأثير الجزئي في بعض القطاعات وليس التأثير الشامل فيها, فإذا رغب البنك المركزي في تشجيع بعض القطاعات فإنه يقدم تسهيلا ت تمويلية إلى هذه القطاعات ويأمر البنوك التجارية بذلك, وإذا أراد أن يحد من التمويل الموجه إلى قطاعات معينة نتيجة ظهور بعض التيارات التضخمية فيها، فيستعمل سياسة تأطير القرض والسياسة الانتقائية للقرض. 6- هناك أدوات مباشرة للسياسة النقدية تتمثل في تقديم التوجيهات والنصائح للمؤسسات المصرفية والمالية, تفصل فيها أنواع القروض المفضلة لدى البنك المركزي, كما يسعى البنك المركزي إلى التأثير على البنوك التجارية من خلال الإقناع الأدبي والمقالات في الصحف والمجلات لتغيير اتجاه هذه المؤسسات نحو الاتجاه المرغوب فيه لتنفيذ السياسة النقدية المرسومة . 7- تقيم أدوات السياسة النقدية على أساس فعاليتها، ولكنها تختلف من بلد لآخر فالبلدان المتقدمة تستطيع أن تعتمد على بعض الأدوات، وتكون لها فعاليتها وأثرها كالسوق المفتوحة ومعدل إعادة الخصم، وهذا يعود لتوفر أسواق نقدية ومالية كبيرة، ويكون فيها التعامل بالأوراق التجارية بشكل كبير و تداول الأسهم والسندات باستمرار، بينما لا يمكن أن تكون هاتين الأداتين ذات فعالية في البلدان المتخلفة نتيجة لضيق السوق النقدية والمالية، ومازالت هذه الدول تعتمد على أداة الاحتياطي الإجباري أكثر، مع سياسة تأطير القرض والسياسة الانتقائية والسياسة المباشرة للتأثير على سيولة البنوك التجارية .

المراجع

www.google.jo/url?sa=t&rct=j&q=%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A7%D8%AA+%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%AF%D9%8A%D8%A9+%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9+%D9%84%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84+%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D9%82%D8%AF%D9%85%D8%A9+doc&source=web&cd=19&ved=0CGYQFjAIOAo&url=http%3A%2F%2Fwww.9alam.com%2Fforums%2Fattachment.php%3Fattachmentid%3D654%26d%3D1230581231&ei=YIKvTCKsrBhAfO78SFCQ&usg=AFQjCNEk-t-4VfnWffFrBVsTBKcHtMD8RAموسوعة الأبحاث العلمية

التصانيف

الأبحاث