خالد أحمد عثمان
في يوم الأحد 11/5/1431هـ الموافق 25/4/2010م، نشرت جريدة الوطن خبراً مفاده أن السوق المالية في السعودية لم تشهد خلال الربع الأول من العام الجاري إقبالاً كبيراً على إصدار الصكوك الإسلامية، حيث أصدرت شركة واحدة وهي شركة دار الأركان صكوكاً بقيمة 450 مليون دولار (1.7 مليار ريال)، إلا أنه من المتوقع أن تنمو الصكوك كثيراً في الأشهر التسعة الباقية بعد اعتزام ثلاث شركات سعودية طرح صكوك بقيمة 13.7 مليار ريال (3.7 مليار دولار).
وتنوي شركة الجبيل للتكرير والبتروكيماويات (المملوكة لشركتي أرامكو السعودية وتوتال الفرنسية) إصدار صكوك بقيمة 998 مليون دولار، فيما تعتزم شركة الكهرباء السعودية طرح صكوك بقيمة سبعة مليارات ريال، فيما ستطرح شركة الأولى صكوكاً بقيمة ثلاثة مليارات ريال.
ولم تشهد منطقة الخليج في الربع الأول سوى إصدارين للصكوك أحدهما من نصيب دار الأركان وهو الإصدار الخليجي الأكبر، والآخر كان من نصيب البنك المركزي البحريني الذي أصدر ستة صكوك بقيمة 174 مليون دولار لتصبح الحكومة البحرينية الدولة الوحيدة في الخليج التي أصدرت صكوكاً هذا العام.
وتراجعت قيمة الصكوك الإسلامية التي تم إصدارها في منطقة الخليج بنسبة كبيرة بلغت 81 في المائة في الربع الأول من العام الجاري مقارنة بالربع الرابع من العام الماضي بعد أن شهدت السوق إصدار صكوك بقيمة 625 مليون دولار (2.34 مليار ريال).
بعد قراءة هذا الخبر وجدت نفسي أعود مرة أخرى إلى الكتابة عن الحاجة إلى إصدار قانون في السعودية ينظم ويحكم صكوك الاستثمار الإسلامية بجميع أنواعها، إذ سبق أن دعوت إلى إصدار هذا القانون في مقالات نشرت في جريدة الاقتصادية وكان آخرها بتاريخ 4/7/1430هـ الموافق 27/6/2009م، ولعل من المفيد أن أوجز هنا أبرز ما قلته في هذا الشأن وذلك على النحو التالي:
1- إن الأوراق المالية أياً كان نوعها ليست سندات أو عقوداً عادية وإنما هي صكوك قابلة للتداول ولها علاقة وثيقة بحركة الاقتصاد الوطني ونموه الذي يعتمد على حجم الاستثمارات التي ترتبط بدورها إلى حد بعيد يجذب ما تتطلبه تلك الاستثمارات من فوائض مالية لدى الأفراد، عن طرح أوراق مالية مناسبة، الأمر الذي يتطلب توفير الحماية القانونية للمستثمرين في هذه الأوراق، ولذلك فإنه لا يجوز لأي شركة أن تصدر أو تسوق سندات أو صكوكاً قابلة للتداول لمواجهة احتياجاتها التمويلية أو لتمويل نشاط معين أو عملية معينة أو لأي غرض آخر إلا بموجب نظام قانون يحدد الأحكام والشروط العامة لهذا النوع من الأوراق المالية والإجراءات الواجب اتباعها لإصدار هذه الأوراق وكيفية تداولها وحقوق والتزامات الجهات المصدرة والمستثمرين كما أنه يجب ألا تترك قواعد تنظيم إصدار الأوراق المالية أياً كان نوعها وأغراضها وطرحها للاكتتاب العام لاجتهادات الجهات المصدرة لها، بل لا بد من أن تكون محكومة بنظام يصدر طبقاً للإجراءات القانونية المرعية.
2- إنه لا يكفي أن تكون هذه الصكوك متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية لسببين، الأول إن الشريعة الإسلامية الغراء جاءت بمبادئ عامة وقواعد كلية بشأن معظم المعاملات المالية، ولذلك كان من الطبيعي أن تصدر اجتهادات متباينة للفقهاء المسلمين حول المسألة الواحدة، وتركت قواعد الشريعة السمحة لولي الأمر الحق في أن يختار الرأي الفقهي الذي يراه مناسباً ومحققاً للمصلحة العامة، وأن يضع التنظيمات التفصيلية، في إطار مبادئ الشريعة وقواعدها العامة، على النحو الذي يتلاءم مع ظروف الزمان والمكان ومصالح البلاد والعباد.
والسبب الثاني أن القانون الذي نطالب بتشريعه لتنظيم إصدار وتسويق وتداول هذه الصكوك، يعد في الواقع تطبيقاً للقواعد العامة المقررة في الشريعة الإسلامية، فإصدار هذا النظام أمر لازم وضروري فهو الذي يحدد أنواع هذه الصكوك وأغراضها، كما يحدد الجهة المختصة بالتدقيق والتأكد من توافق هذه الصكوك مع أحكام الشريعة الغراء، كما يحدد شروط وإجراءات إصدارها وتداولها، ويحدد أيضا القواعد المنظمة لعلاقة حملة الصكوك والجهات المصدرة لها، ويحتكم إليه أصحاب الشأن عند الخلاف وتلتزم الجهات القضائية بتطبيقه على القضايا التي تعرض عليها بشأن هذه الصكوك. وكل دول العالم التي لديها أسواق مالية منظمة لا تسمح بطرح وتداول أوراق مالية إلا إذا كانت منظمة ومحكومة بقانون.
وانتهيت إلى القول بأن قرار مجلس هيئة سوق المال بالموافقة على طرح وتداول صكوك قبل استصدار نظام خاص بها، يفتقر إلى المشروعية القانونية، وطالبت هيئة السوق المالية بأن تعد مشروع نظام شاملا ينظم ويحكم صكوك الاستثمار بجميع أنواعها ورفعه إلى مجلس الوزراء لاتخاذ ما يلزم بشأن إقراره.
وأود في هذا المقال أن أضرب بعض الأمثلة لتوضيح وجهة نظري، فأقول لو افترضنا أننا بصدد صكوك مضاربة لتمويل نشاط أو مشروع معين، فقد اختلف الفقهاء المسلمون حول تقييد المضاربة بأجل معين، فمنهم من أجاز تحديد زمن المضاربة كالحنابلة والحنفية، ومنهم لا يجيز ذلك كالشافعية والمالكية، لأن التأقيت في نظرهم يفسد المضاربة، كما اختلف الفقهاء حول كيفية احتساب الأرباح وإجراء القسمة، فالحنفية يرون وجوب خصم رأسمال المضاربة من الأرباح وتسليمه لصاحبه قبل إجراء القسمة وإلا كانت القسمة باطلة، بينما يجيز الشافعية توزيع الأرباح ولو لم يتسلم صاحب المال رأسمال المضاربة شريطة ألا يكون هذا الأخير متمثلاً في سلع، أما المالكية والحنابلة فيرون وجوب جبر الخسارة والتلف أولاً تم توزيع الأرباح حسب الاتفاق، ولا يجيز بعض الفقهاء للمضارب أن يتصرف في نصيبه من الأرباح قبل إجراء القسمة، بينما يجيز بعضهم الآخر ذلك على أساس أن المضارب يعد مالكاً لحصته في الأرباح بمجرد ظهورها.
وفي تقديري أنه ليس من سبيل إلى حسم هذه المسائل وغيرها من المسائل الأخرى الخلافية إلا بصدور نظام يتبنى الرأي الفقهي الأكثر ملاءمة لمصالح العباد بشأن كل مسألة ليكون قاعدة عامة واجبة الاتباع والتطبيق.
ولعل من المناسب أن أشير هنا إلى أن جريدة الاقتصادية نشرت بتاريخ 30/4/1431هـ الموافق 5/4/2010م مقتطفات من تقرير أصدرته (الجزيرة كابيتال) حول الصكوك الإسلامية تضمن الإشارة إلى أن الصكوك على الرغم من أنها أكثر شعبية من سندات القروض التقليدية إلا أنها غير مستغلة بالشكل المناسب من قبل الشركات السعودية لأسباب عديدة منها التفاوت في تفسيرات أحكام الشريعة الإسلامية في قضايا رئيسة تحكم إصدار الصكوك وعدم وجود إطار تنظيمي ملائم وموحد.
ومن جهة أخرى، فإنه ليس من المستساغ أن نواجه فراغاً تشريعياً في هذا المجال، بينما دولة أوروبية مثل فرنسا توشك أن تسن تنظيماً قانونياً ملائماً للسندات الإسلامية بهدف اللحاق ببريطانيا في جذب أنشطة قطاع التمويل الإسلامي، الذي يقدره بعض الخبراء بنحو تريليون دولار على أقل تقدير.
ولذلك فإنني أكرر المطالبة بسد هذا الفراغ التشريعي وأجدد هنا الدعوة إلى هيئة سوق المال السعودية بأن تسعى إلى استصدار هذا النظام فلا تترك هذه الصكوك دون قانون ينظمها ويحكمها من شتى جوانبها المختلفة.
المراجع
موسوعة نسيج
التصانيف
اسلام الدّيانات العلوم الاجتماعية