انعقدت العديد من الندوات والمؤتمرات التى تطالب بتمكين المرأة للحصول على حقوقها وتفعيل دورها، وحفزها على المشاركة في معالجة مختلف القضايات، وإبداء الرأي في جميع شؤون المجتمع، ولايتم ذلك إلا بالقضاء على القيم الاجتماعية التي تتحيز للرجال على حساب النساء، إلا أن بعض الأقلام قد تجاوزت حدود ما أمر الله به كما تناست الفوارق البيولوجيه والنفسية والجسدية التي اختص الله بها الرجل، والصفات البيولوجية التي اختص بها المرأة.

وقد أكد العلماء على وجود اختلافات بين مخ الرجل ومخ المرأة في قدرات كل منهما، ففي إحدى الدراسات التي أعدتها مجموعة من الباحثين في جامعة كاليفورنيا، ونشرتها مجلة ساينس ديلي الطبية أسفرت عن وجود اختلافات بين الجنسين تقع في كل أجزاء المخ، أي في المناطق التي تتحكم في اللغة والذاكرة والعاطفة والرؤية والسمع والتخيل، وقد صرح الدكتور لاري كاهيل بأن كشف هذه الفروق يساعد على التوصل إلى تخصيص أدوية خاصة بالنساء، وأخرى خاصة بالرجال لأمراض الزهايمر والعظام والاكتئاب والإدمان والإجهاد، كما أشار إلى أن مخ النساء يحتوي على عدد من الخلايا التي تتحكم في العواطف والذاكرة والقدرة على التخطيط والتعلم.

إلا أنه في الوقت الذي يرى فيه البعض أن المرأة يجب أن تتساوى مع الرجل في كل الحقوق، وأن تتولى كافة المناصب، وتمارس كل الأنشطة التي استأثر بها الرجل لعدم وجود اختلافات بينهما، فإننا نرى فريقاً آخر من الرجال لا يبيح للمرأة أن تتجاوز حدود ما تسمح به الأعراف والتقاليد السائدة في المجتمع وقد رأينا كيف تحولت قضية الصحفية السودانية لبنى حسين إلى حدث عالمي، حيث اتهم الكثير من القيادات النسائية في العالم السودان بالانتماء إلى العصور الوسطى بعد أن أصدرت المحكمة حكماً بجلدها لارتدائها البنطلون تشبهاً بالرجال، وتوالت بيانات الإدانة من منظمة العفو الدولية باعتبار أن الجلد هو تعذيب من قبل الدولة السودانية للمواطنين، كما اعتبرت منظمات حقوقية أخرى القانون الذي ينص على الجلد متعارضاً مع الدستور السوداني نفسه مما أسفر عن تدهور صورة السودان في مجال حقوق الإنسان.

وقد وصفت لبنى حسين قضيتها في مقال نشرته بصحيفة الجارديان البريطانية بقولها إنها حين تصلى لله، فإنها ترجو منه ألا تتعرض بناتها لما تعرضت هي له، وطالبت بإلغاء مثل هذه القوانين الجائزة، هذا في الوقت الذي أثارت قضية ارتداء النقاب في المؤسسات التعليمية والمدن الجامعية في مصر العديد من التعليقات بعد أن طالبت بعض الأقلام النساء بعدم ارتداء النقاب لأنها عادة لايوجد لها أصل في الشريعة الإسلامية.

وفي الحقيقة أن غياب منظومة القيم المستمدة من ثقافتنا الإسلامية والعربية يسبب الدعاية التي تمجد النموذج الغربي وتسعى لطبع المرأة العربية المسلمة وفقاً لهذا النموذج كان وراء انهيار الأسرة المسلمة بسبب تشبه النساء بالرجال مخالفة بذلك لحديث الرسول الله صلى الله وعليه وسلم الذي لعن المترجلات من النساء، كما لعن المخنثين من الرجال وهو ما يتعارض مع النص الشرعي وينزع عن المرأة المسلمة الحياء لقوله صلى الله وعليه وسلم "إذا أراد الله أن يهلك عبداً نزع منه الحياء" ذلك أن الحياء هو الذي يشكل خيطاً يجمع حبات الأخلاق، فإذا قطع الخيط انفرطت حبات المسبحة، وقلة الحياء تأتي من موت القلب والروح، فكلما كان القلب أكثر حياة كان الحياء أتم.

وتؤكد حقائق الدين الإسلامي أن الرجل والمرأة يتمتعان بالحقوق نفسها كما ذكرت المستشرقة الألمانية سيجريد هونكة، وعلى المرأة العربية أن تتحرر من النفوذ الأجنبي فلا ينبغي أن تتخذ المرأة الأوروبية أو الأمريكية قدوة تحتذى بها، وعليها أن تتمسك بهدي الإسلام الأصيل، وأن تسلك سبيل الحق من السلف الصالح لأنهن عشن منطلقات من قانون الفطرة اللاتي ُفطرن عليها، وأن تلتمس المعايير والقيم العربية الأصيلة وفقاً له، وأن تكيف هذه المعايير والقيم مع المتطلبات العصر الضرورية ، وأن تضع نصب عينيها رسالتها الخطيرة المتمثلة في كونها أما لجيل الغد العربى الذي يجب أن يعتمد على نفسه.

وبهذه القوة والمنطق تحدثت امراة ألمانية عن فقه التحرير الإسلامي للمرأة، وتحرير نساء المسلمين على أرض فلسطين، وهو حديث يمثل قمة الوعي النسائي الذي يستحق التأمل والدراسة والتبني والاستلهام، كما يستحق أن تباهي به المرأة العربية بصفة عامة، فلا يخدعها حديث هؤلاء الذين يسعون لإفساد المرأة والأسرة المسلمة.

وتؤكد الآيات القرآنية والأحاديث النبوية أن مساواة المرأة بالرجل في مختلف جوانب الحياة التي لاتتعارض مع طبيعتها هي البدهيات التي أبرزتها حقائق الدين الإسلامي، فقد اشتركت النساء مع الرجال في اقتباس العلم بهداية الإسلام، فكان منهن راويات للأحاديث النبوية والآثار، يرويها عنهن الرجال، وكان منهن الأديبات والشاعرات والمصنفات في العلوم والفنون المختلفة، وقد كانت أمهات المسلمين بمثابة معلمات للنساء ومفتيات لهن، بل كان الرجال حتى الخلفاء يرجعون إليهن فيما يستشكل عليهم من الأحكام الشرعية، كما لم يمنع الإسلام المرأة من ممارسة حقها في العمل، كما شرع الإسلام حق المرأة وحق الرجل في الميراث بقدر الأعباء التي يتحملها كل طرف في الإنفاق على الأسرة، وأعطاها حق اختيار شريك حياتها دون قسر أو فرض شخص معين عليها.

وإذا كانت ثمة ممارسات خاطئة في بعض المجتمعات الإسلامية ضد المرأة فإن هذا يتنافى مع أصول الدين وثوابت العقيدة لأن الإسلام أوصى برعاية النساء وقد بين الله الغاية المنشودة من الحياة الزوجية حين قال تعالى "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا ًلتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة "وأمر الله بالمعاشرة الطيبة بين الطرفين فقال في ذلك "وعاشروهن بالمعروف" وقد أعطى رسول الله (ص) القدوة في حسن معاملة النساء، فكان يداعب زوجاته ويلاعبهن تطييباً لقلوبهن، وقال (ص) في ذلك "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم".

وهذا يعني أن العنف ضد المرأة ليس خلقاً إسلامياً، بل هو من عادات الجاهلية الأولى حين كان العرب آنذاك يقومون "بوأد البنات" في بعض القبائل، ولما جاء الإسلام حرم ذلك، ونهى على مرتكبي ظلمهم انطلاقاً من قوله تعالى "وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به، أيمسكه على هون أم يدسه في التراب، ألا ساء ما يحكمون"، ولم تزل هذه الظاهرة لها رواسبها في بعض البيئات التي تحرم النساء من حقوقهن التي فرضها الله في القرآن.

وتشير بعض الدراسات إلى أن الإساءات النفسية ضد المرأه قد تصل إلى حد حرمان الأم من رعاية أبنائها، والإهانات والازدراء، والتهديدات، والعيش تحت الخوف والإرهاب داخل المنزل، فإذا أضفنا إلى ذلك العنف الجنسي الذي يتمثل في الإجبار وعدم مراعاة مشاعر المرأة واحتياجاتها، وكذلك العنف الاقتصادي الذي يتمثل في الحرمان من الإنفاق عليها وإجبارها على العمل لسد احتياجاتها، ولمواجهة هذه الظاهرة فإنه لابد من الاهتمام بتعليم المرأة، والدعم المجتمعي لها، ومساواتها مع الرجل في الحقوق والواجبات.

وفي الحقيقة أن كثيراً من الدلائل والبراهين تشير إلى أن وضع المرأة في العالم العربي في حاجة إلى تغيير في الثقافة السائدة في هذه المجتمعات، ويحتاج جهد ووقتاً لأن النظرة إلى المرأة يجب أن تتغير بعد أن تعلمت، وأصبح لها مكانة علمية وعملية، وعلى وسائل الإعلام أن تمتنع عن عرض المرأة كسلعة في الإعلانات، وتغيير صورتها في الأعمال الدرامية والمنوعات.

ومن ثم فإنه لابد من القضاء على الموروثات الثقافية السلبية ضد المرأة، وتقع هذه المسؤولية على الأسرة ووسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية والثقافية ومؤسسات المجتمع المدني والناشطين في مجال حقوق الإنسان وصناع القرار في العالم العربي، إلا أنه لابد أيضا من وضع حد للاعتداءات المتصاعدة التي تقوم بها المرأة ضد زوجها بعد أن كشفت العديد من الحوادث عن تفشي ظاهرة ضرب النساء لأزواجهن، وعدم احترامهن لهم، واستخدامهن للأطفال كأسلحة توجهها للزوج الذي انفصل عنها وحرمانه من رؤية هؤلاء الأطفال، وزرع الكراهية والأحقاد في نفوس الأبناء ضد أبيهم.

وقد أصبحنا نرى من النساء من تستغل على زوجها وتولي وجهها عنه، أى تقع في النشوز، كما أصبحنا نقرأ عن الخيانات الزوجية وتمرد الزوجات على أزواجهن، واعتبار طاعة الزوج بمثابة نوع من الاستعباد، وتسعى بعض الاتحادات النسائية إلى منع تعدد الزوجات تحت أى ظرف، ومهما كانت الدوافع والأسباب، ومنهن من تطالب باقتسام ثروة الزوج مع زوجته دون النظر إلى ماقرره القرآن الكريم من تقسيم الثروة بين الأبناء والبنات والزوجات والآباء ليحصل كل فرد على حقه في الميراث دون تجاوز، وجاء قانون الخلع ليعطي المرأة الحق في الانفصال عن زوجها لأتفه الأسباب، فارتفعت معدلات الطلاق بصورة مخيفة بعد زواج قصير قد لايتجاوز الشهور مما أثار قلقاً اجتماعياً كبيراً.

وفي الحقيقة أن المجتمع العربي بصفة عامة لم يكن يشعر بالاطمئنان والأمن الاجتماعي إلا من خلال النسق الأسري الذي يقوم على قداسة نظام الزواج، والذي استمد مكانته من الدور الاجتماعي الذي كان يضطلع به في تحقيق الغاية العليا، وهي ضمان الاستمرار والاستقرار في إطار شرعي ديني، وتنشئة اجتماعية، ورعاية للأجيال القادمة وفقاً للقيم والعادات والتقاليد العربية والإسلامية، فكانت الأسرة مصدر الأمان والقوة، يستمد منها الفرد الطمأنية والسلام والحماية والرعاية، فيشب في حضن هذه الأسرة التي تسعى لإسعاده ورعايته لكي يصبح رجلاً أو امرأة قادرة على تحمل مسؤوليات تنشئة أجيال جديدة في ظل أسرة مزدهرة وزيجات سعيدة بدلا من الأسر المفككة والمشوشة.

وقد كان الطلاق بالأمس القريب كلمة يخشى الجميع من مجرد ذكرها، فأصبحنا نرى اليوم من يقيمون حفلات وولائم للطلاق حتى أن حالات الطلاق والخلع قد حققت في العديد من المجتمعات العربية معدلات عالية بسبب العناد، فالزوجة تريد أن تكون لها الكلمة الفصل في شؤون المنزل باعتباره مملكتها الخاصة، والزوج يرفض هذه المحاولة من زوجته، وأصبحنا نسمع من هؤلاء النسوة اتهامات للمجتمع بأسره بأنه أصبح مجتمعاً ذكورياً، فالزوجة تريد أن تكون هي الأقوى وصاحبة الكلمة والقرار في المنزل لاسيما عندما يكون زوجها فقيراً أو ضعيفاً، وليس بينها تكافؤ في المركز الاجتماعي أو الاقتصادي.

وفي الواقع أن الزوجة حين تكون صاحبة الكلمة على زوجها في حضور الأبناء فهنا تكون المأساة والطامة الكبرى لأن الأولاد سوف يخرجون للحياة في حالة حطام، وسوف تتأثر شخصياتهم بهذه السيطرة والهيمنة التي تقضي على الحب والمودة والرحمة فيصابون بأمراض نفسية وعصبية وجسدية.

وهنا يصبح من الأهمية بمكان إعادة صياغة العلاقات الزوجية التي كانت سائدة من قبل بصورة صحيحة، وإعادة روح الأسرة من خلال لغة الحوار والحب والعشرة الطيبة والابتعاد نهائياً عن الفساد، وتبادل الأدوار والمواقع حتى يتفهم كل منهما كيف يفكر الآخر، وما هي وجهة نظرة لأن الفساد سوف يولد داخل الأطفال طرفا عنيدا يتعود على فرض كلمته عند الزواج.


المراجع

موسوعة نسيج

التصانيف

اسلام   الآداب   العلوم الاجتماعية