إن القرآن الكريم كما اتضح من الاقتباسات السابقة دعوة للسلام العالمي، وعلى مستوى الحياة المؤقتة والأبدية، ودعوة لأداء حقوق الآخرين على الرغم من الاختلاف في الدين. وفيه حث لمن يقرؤه بفهم كاف على التمسك بالمبادئ الأخلاقية العالية وحسن التعامل مع الناس جميعا، بل والإحسان إليهم، والحرص على سعادتهم في الدنيا والآخرة.

يقول الله تعالى في القرآن الكريم: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم، ومن يتولّهم فأولئك هم الظالمون). (الممتحنة: 8-9)

وفي القرآن الكريم حث على أداء حق الرحم وحق الوالدين وإن كانا غير مسلمين. فالله تعالى يقول: (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا، وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما، إليّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون). (العنكبوت: 8) وكذلك يقول تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إليّ المصير.

وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا). (لقمان: 14- 15؛ وانظر صيني، حقيقة العلاقة ص 55-68) وفي القرآن الكريم ما يؤكد حرص الإسلام على الحفاظ على كرامة الإنسان، وما يحث على العزّة التي لا غرور فيها، ويثني على القوة التي لا اعتداء فيها على الآخرين.

وفي القرآن الكريم تاريخ كفاح النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وصفات من عادوه من أجل دعوته وكيف صبر على الأذى والاعتداء عليه وعلى أتباعه حوالي ثلاثة عشر عاما، ثم أذن الله له بالدفاع عن النفس ومعاملة المعتدين بالمثل.

لقد جرت في العالم حروب كثيرة بين مختلف العصبيات والديانات والوحدات السياسية. واستخدمت هذه الأطراف المتحاربة شتى أنواع الإرهاب، منها: العنف والتدمير والقهر النفسي والروحي والذهني... فهل جميع هؤلاء إرهابيون أم إن العبرة بالدوافع؟ هل هي عدوانية، أم دفاعية؟ إن جميع الدول لديها مدارس وأكاديميات عسكرية وأمنية وجيوش، وتحرص على تدريب جنودها على الاستعمال الماهر لهذه الآلات والوسائل المدمرة.

والدول المتطورة ماديا وتقنياً في العالم هي الأكثر تقدما في تطوير الأسلحة المدمرة بالجملة وهي التي تبيعها للشعوب الأخرى. وتعتز هذه الدول وتفاخر بأن لديها أقوى الجيوش في العالم وأنها تمتلك مراكز أبحاث متقدمة تقوم بتطوير أكثر الأسلحة تدميرا. فهل نقول بضرورة إلغاء المدارس والمؤسسات الحربية كلها؟ وهل جميع هذه الدول تشجع الإرهاب أو الإرعاب العدواني؟ وهل جميع الدول التي تنمي قواتها العسكرية بحرص شديد هي دول تشجع الإرهاب والإرعاب العدواني؟ بالطبع. لا.، فالإنسان العاقل لا بد أن يستعد للدفاع عن نفسه إذا واجه ظلما أو اعتداء. والقوانين كلها سواء منها الإلهية أو الوضعية تمنح الإنسان حق الدفاع عن النفس والمال والعرض والدين.

وإذا كان تدريس القرآن الكريم، يزرع الحقد والتطرف لأنه يتضمن جزءا من قصص الصراع بين المسلمين الأوائل ومن عادوهم فكذلك تدريس تاريخ الأمم جميعها. فهل نمنع جميع الشعوب من تدريس تاريخها، مع ما فيها من قصص الحروب الطاحنة الداخلية وبينها وبين الشعوب الأخرى، وذلك بحجة أن هذه الدروس تغذي روح العصبية والتطرف؟ بل هناك أفلام وأشرطة فيديو عن أحداث الحروب العالمية، وعن حروب خيالية بين الشعوب المختلفة وبين الفئات المختلفة من المواطنين في البلد الواحد.

فهل ينبغي منع هذه الأفلام الوثائقية لأنها تغذي روح التعصب والتطرف بين الدول أو الشعوب التي اشتركت فيها، مع أنها تعبر عن أحداث حقيقية جرت في الواقع؟ أم هل الأفضل تشويه الواقع وبناء العلاقات الدولية على أسس من الخيال والأحلام الجميلة؟ وهناك نصوص في الكتب المقدسة عند أصحاب الديانات الأخرى، لو تم تجريدها من سياقاتها، لأمكن اعتبارها نصوصا تشجع على "الإرهاب" العدواني.

ومثال ذلك في العهد القديم "متى أتى بك الرب إلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها لتملكها وطرد شعوبا كثيرة من أمامك ...سبعة شعوب أكثر وأعظم منك ودفعهم الرب إلهك أمامك وضربتهم فإنك تحرمهم. لا تقطع لهم عهدا ولا تشفق عليهم ولا تصاهرهم." (الكتاب المقدس: العهد القديم، التثنية، 7: 1-2؛ سفر التثنية، 20: 10-18) وأيضا "فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال. وكل امرأة عرفت رجلا مضاجعة ذكر اقتلوها.

لكن جميع الأطفال من النساء اللواتي لم يعرفن مضاجعة ذكر أبقوهن لكم حيات."( الكتاب المقدس: العهد القديم، الأعداد، 31: 17-18.)، ومثاله من العهد الجديد: "أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فأتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدامي." (الكتاب المقدس: العهد الجديد، لوقا، 19: 26-27). فهل نقول إن هذه الكتب المقدسة تشجع "الإرهاب" والعنف العدواني؟ وهل نلغي هذه النصوص من تلك الكتب؟ بالطبع، لا. فالنصوص المقدسة، خاصة، لابد من فهمها في ضوء سياقاتها المناسبة.


المراجع

موسوعة نسيج

التصانيف

اسلام   الدّيانات   العلوم الاجتماعية