الصمت القاتل.. لماذا لا يخبرنا الأطفال عن التحرش؟
كاميليا حسين
نظن أننا نربي أطفالنا آمنين، وسعداء. نمنحهم كل ما نستطيعه من معرفة لحمايتهم من شرور العالم، نُحذِّرهم من السكاكين والكهرباء والنار، ومن عبور الطريق دون انتباه لإشارة المرور، ومن الغرباء بالطبع، عشرات التحذيرات اليومية من الغرباء، بينما يقبع الخطر أحيانا هنا، بالقرب منا وتحت أنظارنا؛ ربما في المدرسة أو النادي، أو حتى تحت سقف المنزل نفسه.
بينما يستكين معظم الآباء والأمهات إلى شعور بالراحة بعد التنبيهات المتكررة لأبنائهم بالحذر من الغرباء، يبدو أن للإحصائيات رأيا آخر؛ حيث يبدو أن 90% من الأطفال ضحايا الاعتداء الجنسي اعتُديَ عليهم من أشخاص يعرفونهم، 30% من هؤلاء اعتُديَ عليهم من أحد أفراد العائلة، و10% فقط تعرَّضوا للاعتداء من غرباء. لكن الصادم أن 38% فقط من ضحايا الاعتداء الجنسي من الأطفال يُفصِحون عما تعرَّضوا له.
يعتقد الكثير من الآباء أن أطفالهم سوف يخبرونهم بأي أذى يتعرَّضون له، لكن المؤسف والصادم أن الصمت عادة ما يكون خيار الأطفال. يرجع ذلك لعدد من الأسباب، من بينها مثلا الشعور بالذنب ولوم الذات، حيث يتجنَّب الأطفال الحديث عما حدث لاعتقادهم أنهم مذنبون أو أن اللوم يقع عليهم. هناك سؤال يتكرَّر في رؤوسهم: هل كان الجاني سيتوقف عمّا يفعله إذا صرخوا أو دفعوه؟ أو ما الخطأ الذي فعلوه وجعلهم يتعرَّضون لهذا؟
من جانب آخر، يعاني الأطفال من إحساس عميق بالخزي والعار، وهو ما يجعلهم في بعض الأحيان يختارون الصمت، كي يتجنَّبوا استعادة تفاصيل التجربة عند الحكي عنها. وبالطبع غالبا ما يتلاعب المعتدي بالطفل، قد يُقنعه أن أحدا لن يُصدِّقه، أو أن الطفل هو الذي سيُعاقَب. وفي بعض الأحيان، يُقنع المعتدي الطفل أنه أيضا استمتع بما حدث، أو أنه أراد حدوثه، وقد يُهدِّده كي لا يُخبر أحدا، وهو ما يجعل الطفل يخاف على حياته وحياة أفراد عائلته ويشعر بالخطر.
يشعر الطفل أيضا بالخوف من ردود أفعال والديه، هل سيُصدِّقانه إذا أخبرهما؟ وما الذي سيحدث للمُعتدي؟ هل سيُقبَض عليه أم سيبقى حرا؟ تزداد هذه المخاوف إذا كان المُعتدي من العائلة أو الأصدقاء، إذ يشعر الطفل أن إبراز سر بهذا الحجم سوف يُحرِّك حلقات سلسلة من العواقب لا يعرف مداها. بعض الأطفال يخافون من إلحاق الأذى النفسي بوالديهم، ويختارون حمايتهم من هذه الاضطرابات العاطفية وتحمُّل عبء العار واللوم والخوف وحدهم.
تلعب مكانة المُعتدي دورا كبيرا في صمت الأطفال، خاصة لو كان المُعتدي عضوا محترما في المجتمع، أو ذا مكانة دينية مرموقة، أو أحد أفراد العائلة المحترمين. وفي كل الأحوال فإن التعرُّض لمثل هذه الجرائم يُحطِّم اعتقاد الأطفال بأن العالم مكان آمن، ويُغيِّر وجهة نظرهم تجاه الحياة. تستنزف مثل هذه الصدمة طاقة هائلة، ولا تمنحهم رفاهية الخضوع للمزيد من الصدمات الناتجة عن الكشف عما أصابهم.
أما من جانب الطفل، فإن بعض الأطفال لا يعرفون أصلا كيف يخبرون الأهل بما حدث، ما الألفاظ التي يمكنهم استخدامها؟ بعض العائلات تعتبر الحديث عن كل ما يتعلَّق بالأمور الجنسية محرما، وهو ما يُشعِر الطفل بالخجل والخوف من التحدُّث. أضف إلى ذلك أن بعض المُعتدين يُقدِّمون للطفل امتيازات مادية أو هدايا، أو وضعا أفضل من الآخرين. كما يخشى البعض من تضييق والديهم أو حرمانهم من مزايا معينة إذا أعلنوا عما يتعرَّضون له.
وعموما، يعاني الطفل من اختلاط مشاعره في بعض الأحيان تجاه المُعتدي، خاصة إذا ترافق الاعتداء بشعوره بمتعة جسدية أو إثارة، ما يزيد من شعوره بالذنب والمسؤولية.
المراجع
www.aljazeera.net
التصانيف
صحة العلوم التطبيقية العلوم البحتة