ما يحدث في العيص وبعض المدن والقرى المجاورة للتمدد الزلزالي حرك بعض الخطباء والدعاة على تأكيد أن مايحدث من زلازل متتالية إنما هو بفعل ارتكاب الذنوب والمجاهرة بها ولهذا السبب أراد الله أن يذكر عباده بقدرته فزلزل الأرض من تحت أهل العيص وماجاورهم.
هذا المنطق أراه عجيبا وتغييبا للمعارف العلمية التي غدت من بديهيات علم الجولوجيا، ذلك العلم القادر على معرفة مواقع الزلازل ورصد قوتها وتمددها وتوقع البؤر التي يمكن لها أن تثور ثورتها البركانية توقيتا دقيقا من خلال دراسة الصفائح الأرضية المتحركة واتجاه تحركاتها وعليه يمكن حساب المدى الذي يمكن أن تصل إليه قوة الزلزال أو الوقت الذي يمكن لبركان خامد أن يثور.
هذه المعرفة العلمية هي محصلة معارف متراكمة وصل إليها الإنسان من خلال الدراسة وبواسطة أجهزة علمية متقدمة وخبرات متراكمة.
وأن تقرن الزلازل أو البراكين أو ثورة الأعاصير بالذنوب والخطايا في بلد دون سواه هو قصور في المعرفة، ولو سايرنا هؤلاء الخطباء بأن أهل العيص أذنبوا فنزل بهم عقاب الله، فإن هذا العقاب كان من المفترض أن يصيب مواقع أخرى من العالم لكثرة الذنوب والمعاصي في المدن مثلا، فلماذا العيص بالتحديد؟ ومن ذا الذي قام بمعرفة حال الناس وما هم عليه من معصية حتى تزلزل الأرض تحت أقدامهم؟
كما أن الادعاء هذا سوف يسقط عندما نعلم أن المنطقة تعرضت (وكان المركز المدينة المنورة) لزلزال في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ونتذكر اهتزاز جبل أحد حينما خاطبه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:( قر أحد فإن عليك نبيا وشهيدين) أو بما معناه ..فهل كان أهل المدينة في ذلك الزمان هم أشر أهل الأرض في الجزيرة العربية حتى يقع الزلزال بأرضهم؟
وحدث الزلزال في عهد عمر بن الخطاب، ثم حدث زلزال في عام (في نفس المدينة المنورة ) 654 للهجرة، وحدثت زلازل قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم ،هذا التعاقب الزلزالي في المنطقة هو تعاقب جيولوجي في حركة صفائح الأرض في تلك المنطقة التي تعرف بالحرة، والحرة أو الحرات هي مناطق براكين وزلازل بسبب تكوينات صخورها، ولهذا السبب تعاود الزلازل المنطقة عبر فترات زمنية مختلفة ليس لأن أهل العيص أو المدينة قد ملأوا الأرض فسادا وخطايا وإلا لو كان الأمر متعلقا بالخطايا والذنوب فكثير من مدن العالم وما يفعل بها من منكرات تستوجب الخسف والمحو من على وجه الأرض.
الله وضع قوانين الأشياء من الأزل ومايحدث هو وفق القوانين الطبيعية التي وضعها الله فيما خلق.
فالأشياء مرتبطة بالقانون الكوني وليست مرتبطة بالذنوب والخطايا، فإذا كان الله يسخر الأرض وماعليها للملحدين به، فكيف لايسخرها لمن يوحده.
ولهذا نجد أن الخطباء والدعاة يفرطون ويفرطون في الحكم على الأشياء من منظور الثواب والعقاب من غير الرجوع إلى القانون الأزلي الذي وضعه الله.
وهذا دليل على أننا لانتدبر لما يحدث في الكون من معادلات وقوانين تحدث وتقع متى ماتوفر ظرفها أو شرطها، ويصبح وقوعها جالبا للخوف والتذكر والتدبر في قدرة الله على جعل ماهو ساكن متحركا وماهو متحرك ساكنا.
فقليل من العقل والتدبر أيها الدعاة ولا داعي للتنبؤ بالمفسدين والصالحين على وجه هذه الأرض.
المراجع
موسوعة نسيج
التصانيف
اسلام الدّيانات العلوم الاجتماعية