شخصيات المسرحية


الرئيس: رجل في الخامسة والستين من العمر، مربوع القامة، قوي البدن وشكله الخارجي وملامحة التي تدل على أصوله الهندية الظاهرة بوضوح تضيف على شخصيته بعض من العنفوان والكبرياء، يبدو عليه من طريقة تحركه بخفة بأنه رياضي، مظهره الأنيق وتسريحة شعره المصبوغ باللون الأسود لا تدل على عمره بتاتا، يرتدي بذلة زرقاء داكنة فوق قميص ابيض ناصع وقد تحلى بكرافتة زرقاء مخططة بلون رمادي على شكل أمواج متتابعة.

الفونسو: رجل في الأربعين من العمر ضعيف البنية مقوس الظهر، شائب الشعر، أصلع الجبهة، غائر العينين ووجنتيه بارزتين حتى لنرى عظام الفكين بوضوح، ورغم ظهوره ببذلة نظيفة وذقن حليقة وشعر ممشط، فمظهره الخارجي يدل على رجل مريض ومنهك وكأنه على حافة الموت.

سفير أمريكا، بعض المستشارين والحراس والمزينين وحفنة من الجنود الامريكين ببدلاتهم المموهة

المشهد الأول: في القصر


غرفة الرئيس في القصر الجمهوري في إحدى جمهوريات الموز في أمريكا اللاتينية حيث نرى طاولة مكتب كبيرة تحتل الجهة الأمامية للغرفة، وضع عليها عدد من المصنفات ومقلمة فاخرة مع ريشة ودواة للحبر وقد وضع إلى جانبها علم صغير مثبت على حامل خشبي وكتاب سميك للإنجيل، وخلفها مقعد وثير من الجلد البني الغامق، ونرى في الصدر خلف المكتب ستائر مخملية خمرية اللون مطرزة بخيوط خضراء داكنة، أمام مكتب الرئيس مقعدين بمساند خشبية منجدة بمخمل اخضر فاخر، وعلى الجدار من اليمن علقت صورة كبيرة للرئيس ببذلته العسكرية وبجانبها وضع علم البلاد بالحجم الكبير مثبت على صارية مذهبة، وعلى الجدار المقابل من ناحية الشمال نرى مكتبة فخمة مليئة بالكتب وعلى إحدى رفوفها صمدت بعض الكؤوس والنياشين العسكرية، في منتصف الغرفة نجد لوح من الزجاج السميك مثبت على قائمتين على شكل مسدس رشاش وسيف، وعليها وضع صينية من الخزف الصيني الفاخر تحتوي إبريق من الشاي وفنجانين وقربة للسكر وملعقة صغيرة مذهبة بمقبض من الزمرد.

يدخل الرئيس إلى غرفة مكتبه وقد بدا عليه الامتعاض والتوتر وهو يصيح بمساعديه

الرئيس: أين هو احضروه لي ؟

احد مساعديه يخرج مسرعا لينادي على احد الحراس: احضر الرجل

الرئيس: هذا لا يعقل، أبلغت به الصلفة والجراءة ليتحدث إلى كبار الزعماء بالعالم لكي استقبله والحضور ها هنا لمقابلتي،...؟ أن يأتي لي بقدميه،؟

احد الحراس يدخل مستأذنا وبرفقته رجل هزيل في الأربعين من العمر، رث المظهر وعلامات التعب بادية عليه وكأنه لم ينم منذ أيام

الرئيس: اجلس،... ها أنت أخيرا أمامي ماذا تريد؟

الرجل وهو ينظر إلى الرئيس بشيء من الخنوع وهو يرتجف: أنا ااانا يا سيدي الرئيس لم ....

احد المساعدين ينتهز انشغال الرئيس بتفقد بعض الأوراق على مكتبه ليهمس بإذن الرجل وقد اخذ بأحد خصال شعره دافعا برأسه نحو الأرض: اخفض نظرك أيها النذل، لا تنظر إليه عندما تتكلم،..؟

الرئيس يترك مكتبه ويقترب نحو الرجل، وقبل أن يصل إليه يسرع رجلين من امن الرئيس للامساك به من ذراعيه

الرئيس محتج: ما هذا لماذا تمسكون به هكذا ؟

احد الحراس وبشيء من التهيب والاستعداد: لحمايتك سيدي

الرئيس: اتركوه ...اتركوه أريد أن اسمع منه كل شيء،....هيا قل ماذا تريد؟

الرجل محاولا الكلام وهو يرتجف مطأطأ رأسه: انااااا ....اااناااااا.....

وقبل أن ينهي كلمته يصيح الرئيس على احد مساعديه: ما هذا دعوه يجلس تفضل يا بني تفضل لما يبدو عليك الخوف هكذا ؟....مما أنت خائف. ؟

يقود الحارسين الرجل إلى احد المقاعد محمولا ويجلسوه عليه حيث وقف كل منهم إلى إحدى جانبيه وهم متأهبون

الرئيس وهو يشد المقعد الأخر ليجلس عليه مقابلة مع الرجل: هيا لا تخف قل لي ما الذي يقلقك،...مما أنت ممتعض وثائر، ولماذا أنت هكذا خلفي منذ عشرين عاما الم تتعب،؟؟؟؟

الرجل محاولا الإمساك بركبتيه المرتجفتان وهو محني الظهر: سسسيدي .....انأأأأ

الرئيس مقاطعا: يبدو عليك بائسا جدا وخائفا،.....لماذا ؟ مما أنت خائف،

وهو ينظر ويشير إلى الحارسين بالابتعاد عنه: هيا قل لي ما الذي لا يعجبك بي وبقيادتي،.... الم تعجبك الثورة،.... الم تحقق المكاسب المرجوة لك وللملايين من أبناء هذا الشعب، الم أعطكم الأرض لتزرعوها والمصانع لتعملوا بها،...واعدت الحرية المسلوبة وطردت الأجنبي،...وبنيت جيشا قويا لحماية الوطن والذود عنه،...وصغت القوانين وأصدرت المراسيم لاحميكم واحمي البلاد من النهب والسلب والتسلط،....؟ الم تعجبك الآلاف من الكيلومترات من الطرقات المعبدة،.... وشبكة الكهرباء الحديثة وملايين الخطوط الهاتفية،.....والسدود وأقنية الري لسقاية الأراضي العطشى، وبناء المستشفيات والمدارس والجامعات وإعداد الكوادر المؤهلة.... والآلاف المؤلفة من الموظفين الأكفاء لخدمة الوطن والمواطنين،.......هه ما الذي لا يعجبك بي وبحكمي ما الذي لا يعجبك بإدارتي وحزبي حزب الشعب والأمة،....الم أعد ترتيبه وتنقيحه وإعادته إلى الحياة قويا منتصرا بعد أن كان بيد حفنة من الطغاة والعملاء والخونة،....الم تعجبك كل هذه التغيرات الكبيرة التي قمت بها منذ ثلاثين عاما،......؟ كم كان عمرك حينها ؟

وهو يربت بيده على ركبة الرجل محاولا زرع الطمأنينة لديه تابع هامسا: عشرة أعوام أليس كذلك؟ أرأيت أنت كأحد أولادي من أجلك ومن اجلهم ومن أجل أجيال كاملة من هذه الأمة فعلت ما فعلت،....حتى أحسن العناية بكم وبمستقبلكم والاهتمام بأكلكم وملبسكم ورفاهيتكم،.... قل لي ها أنت أمامي وبناء على طلبك،.....تريد مقابلتي،...... منذ عشرين عاما وأنت تلاحقني،.... تريد مناظرة معي مناقشتي بأمور الحكم والدولة، ماذا تعرف يا بني عن الدولة،...عن الحكم، عن السياسة والاقتصاد، عن العلاقات الخارجية ومصالح الدول والاتفاقيات الدولية، ماذا تعرف عن لعبة الأمم وعن أسرار الحرب والسلم،.....؟عما يجري خلف الكواليس من الدسائس،.... هل تقرأ التقارير اليومية التي تنهال على مكتبي في كل صباح، عن مئات الخونة الذين يتربصون بالوطن والمواطنين، ماذا تعرف عنهم ؟ ماذا تعرف عن المؤامرات التي تحاك في أقبية المخابرات بالدول العظمى للانقضاض على الوطن وسلبه واستعماره.

الرئيس وهو يهم بالوقوف: أنا على يقين بان ما كتبته عني وعن الحزب لا يتعدى كونه تجني على الحقيقة،.... أنت لا تعرف الحقيقة كاملة يا بني

وهو يعود خلف مكتبه ليشعل سيكارا كوبيا غليظا وفاخرا: أترى هذا السيكار انه من كوبا هدية،....أنا لا ادفع ثمنه، انتم تتهمونني بالثراء على ظهور أبناء الشعب،.... ويكفي أن تلتقطون بعض الصور لي بالبدلات الأنيقة ومع هذا السيكار الفاخر لتصورونني وكأنني انهب أموال الشعب لأحولها إلى دخان وبعض من أمتار من القماش الثمين،.....أنها هدية من الهند يا عزيزي هذه الأقمشة الفاخرة وهذا السجاد أفغاني وتلك الفراء النادرة من روسيا،....وهذه الخناجر والدروع المطعمة بالعاج من أفريقيا،.... وكذلك العطور من باريس والساعات والشوكولا من سويسرا هي هدايا تأتينا من أصدقائنا،....ومن ثم إلا يهمك أن يتمتع رئيسك ببعض الأناقة وحسن المظهر حتى يليق بتمثيل البلاد أمام المجتمعات المتحضرة،.... ما الذي يزعجك في كل هذا لماذا لا تنتبه إلى عائلتك وأطفالك ومقربيك،....إلى عملك وقوت يومك بدلا من ملاحقتي بالأكاذيب، الم تتعب يا رجل،....؟

الرئيس وهو ينظر إلى الرجل بشيء من الشفقة: لا يبدو عليك بأنك أنت صاحب تلك الكلمات الجارحة الجسورة القوية،.....كنت أتخيلك ضخم البنية، قوي العزيمة، حاد النظرات، وورائك جيش من المؤيدين،..... أين هم رفاقك، لا يبدو عليك صاحب حجة وشكيمة،....؟ هيا قل لي تكلم لا تخف قل كل ما يحلو لك فانا متفرغ تماما لك للاستماع إليك والى شكواك،؟

الرجل وهو يحاول أن يرفع رأسه فلا يقوى على ذلك، لقد بدا وكأنه يحرك طنا من الحجر الصلب،...

فتمتم وشفتيه ترتجفان: ااااننننااا أنا لم اقل هذا .....أنا لم اكتب أي شيء من هذا،...

الرئيس متصنعا عدم سماعه: ماذا ؟....ماذا تقول،....ارفع راسك عاليا وانظر بي ولا تخف ،....أنا لا أحب الجبناء،....كن قويا وفخورا،....حتى لا اشعر بالاشمئزاز من كل ما فعلت خلال الثلاثين عاما الماضية،....الاشمئزاز من الثقافة الحزبية، الاشمئزاز من الأناشيد الحماسية ومن الأغاني الوطنية، ومن الدورات التثقيفية لرفع معنوياتكم وإعادة الثقة إلى نفوسكم والكبرياء إلى جباهكم التي عليها ألا تنحني إلا إلى الله،.... هيا كن فخورا وتكلم وأنت رافع الرأس ولا تخف.

الرجل محاولا أن يرفع رأسه ثانية وهو ينظر إلى احد مساعدي الرئيس بخوف وقد شد بقبضتيه على ساقيه المرتجفتان: سيدي .... لا أستطيع،؟

الرئيس وهو يشير إلى مساعديه بالخروج: هل أنت خائف حقا وممن؟ .....ها نحن بمفردنا هيا قل ما عندك ولا تخف،

الرئيس وهو يصب كوبا من الشاي الساخن: أنت لابد تشعر بالبرد، ! غريب إن تبرد في أيلول ؟ لابد انه المكيف،

وهو يضع الشاي بالقرب من الرجل: تفضل اشرب الشاي وقل لي كل ما عندك،....أنا اعرف تماما شعورك بحضرتي،

وهو يقترب منه ليضع يده على كتفه بشيء من الحنان الأبوي تابع بصوت فيه بعض الدفء: هيا قلي يا رجل، قل لي كل ما عندك إذ لا يمكن أن تطلب التحدث إلي وتنتظر كل هذه الأعوام وأنت تطاردني بشتى الأكاذيب لكي تصمت،.... ها أنت أمامي قل كل ما عندك هيا،....

الرجل يأخذ بفنجان الشاي وهو يهتز وكأنه قد أصيب بزلزال محاولا أن يأخذ شفة منه وقد عادت إليه بعض من الثقة: سيدي لا اعرف ماذا أقول لك ؟

الرئيس: كيف لا تعرف وقد طلبت ذلك وأصريت كيف ؟

الرجل: سيدي لابد بأنك تخطيء الرجل، فانا لست من تتحدث عنه ولا املك أي من صفاته،

الرئيس مستعجب وهو يدقق بإحدى الأوراق أمامه: ماذا؟ ....الست أنت الفونسو

الرجل: نعم

الرئيس: ووالدك البيرتو،...ووالدتك ماريا الخونتو

الرجل: نعم

الرئيس: إذا فهذا أنت

الرجل: ولكن يا سيدي أنا لست متأهلا ولا عائلة لي ولا أولاد ومن تتحدث عنه يبدو بأنه رب أسرة. ؟

الرئيس: كيف الم تتزوج طوال هذه السنين وألم تنجب. ؟

الرجل متابعا بشيء من اليأس: وأنا لم أطاردك بكتاباتي وانتقاداتي كما تقول ولم اطلب إي مقابلة معك. ؟ !

الرئيس: كيف هل من المعقول أن تكذب وبحضور رئيسك وقائدك وكبير قضاتك، أتجرؤ على هذا ؟؟؟

وهو يأخذ بقصاصة ورق قديمة: الست أنت من كتب هذه السطور، ( إلى رئيسنا وقائد ثورتنا تحية وسلام من أبنائك الذين يحبونك ويبجلونك وبعد. سيدي الرئيس ها أنت منذ عشر سنوات بالسلطة وقد أغدقت علينا ومنذ اليوم الأول لمجيئك إليها بالوعود والتي لم يتحقق منها شيئا، والقليل اليسير التي أنجزته كان على حساب آلاف الجثث من الأبرياء الذي قتلوا ودفنوا في مقابر جماعية تحت ستار أنهم معارضون وخونه، فإذا جئت إلينا بالاستقلال فشكرا لثورتك الطاهرة الشريفة التي أنعمتنا بها وقد آن الأوان لكي تتحول البلاد إلى المدنية لنبنيها فهلا خلعت بذلتك العسكرية واستمعت إلى صوت الحق لنساهم معك في بناء الوطن، أو تستقيل لتترك البلاد حافظة الود والاحترام لك و دون أن تتلوث يديك بدماء الأبرياء، وأخيرا أشكرك سيدي الرئيس لأنك منحتنا حق قول الحقيقة وبناء على توجيهاتك رئيس الطلبة الطالب الفونسو ) هل تستطيع أن تنكر هذا ؟

الرجل: أبدا سيدي ولكن هذا حدث منذ عشرين عاما وعلى لوحة الطلبة في المدرسة وبناء على توجيهاتك بإعلان الثورة الثقافية؟

الرئيس وقد بدا عليه الذهول: اجل الثورة الثقافية، ومنذ عشرين عاما.

وهو يخرج قصاصة ورق ثانية من بين أوراق كثيرة متناثرة على مكتبه: وهذه الست أنت من كتبها، وهو يقرأ ( سيدي الرئيس لا نعرف نحن أولادك جيل المستقبل الذي بذلت في سبيله الغالي والرخيص لكي تؤهلنا لاستلام دفة هذا المركب،...الوطن الغالي لكي نقوده سويا لبر الأمان بعيدا عن العنف، وان أنا اكتب لك فلأنني وبصفتي ممثلا للطلبة وبناء على توجيهاتك أريد أن اكشف لك عن بعض الحقائق المؤلمة التي تمارسها ميليشياتك بتعرضنا للضرب والإهانة وفي بعض الأحيان باختفاء الكثير من زملائنا إما في السجون أو المقابر، وأرجو السماح لي بمقابلتك لتزويدك بالوثائق وشكرا سيدي الرئيس )

ثم تابع: الست أنت من كتب هذه السطور ؟

الرجل: نعم سيدي ومنذ عشرين عاما وبناء على توصيتك بعد الثورة الثقافية، وقد كتبتها أمام صورتك المعلقة على إحدى جدران الصف وكنت حالما،.... لم أكن أتصور بأنها ستصلك،....ومنذ عشرين عاما سيدي.

الرئيس: إذا صحيح انك طلبت مقابلتي،....صحيح انك تعرضت للرئاسة بالنقد والتجريح،... صحيح بأنك ومنذ عشرين عاما تطاردني ؟

الرجل: سيدي لابد بان هناك لبسا في الموضوع فانا لم اكتب سوى هذين المقالين وعلى صفحات الجريدة المدرسية وفي مدرسة نائية بعيدة في قرية بائسة في مجاهل ألامزون ولم يلتفت إليها احد وكنت في العشرين من عمري،....ولا اعرف كيف وصلتك،...؟ وأنا لم أطارد أحدا سيدي

الرئيس مستغربا: كيف؟

الرجل: لأنني من يومها كنت اقبع بالسجن القريب من هنا،.... في إحدى الأقبية القريبة جدا،....حيث استيقظ وفي كل صباح على صوت صفارات سيارات الموكب الرئاسي فأتفاءل خيرا بأنك لازلت هنا وبأنك والحمد لله تتمتع بالصحة والقوة والعافية.

الرئيس: عشرين عاما تنتظر مقابلتي ؟

الرجل بيأس: بالسجن سيدي

الرئيس متصنعا عدم سماعه: في قصر الضيافة في الجهة المقابلة حيث نستقبل اعز ضيوفنا.

الرجل: لا اعرف سيدي في قبو رطب ومظلم، مليء بالجرذان، لم أرى النور إلا منذ يومين حيث سمح لي بحمام، وبالحلاقة. ؟

ثم تابع وهو يهذي: منذ يومين سيدي عرفت بأنني لازلت على قيد الحياة لأنني كنت اشعر وكأنني انتقلت إلى العالم الأخر انتظر دوري على أبواب جهنم المظلمة دون ذنب يذكر؟

الرئيس: اتركني من دعابتك واخبرني عن سبب هذه الحملة الشنيعة ضدي وبسببك ؟؟؟

الرجل وقد بدا عليه الذهول: بسببي ؟

الرئيس: الم تكفك جمعيات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية من صحافة وأعلام وكنيسة حتى البابا تدخل من أجلك، عشرين عاما من المضايقة بسببك لماذا ماذا فعلت لك الم يشفع لي كل ما أنجزته من تعليم وتقدم وحضارة لهذا البلد لكي توقف تهجمهم علي وعلى هذا الوطن الجميل الغني الساحر في ثروته وجباله وبحاره وأهله الطيبين، تريد أن تجرفنا بأكاذيبك إلى الهاوية؟؟؟

الرجل منبهتا مما سمع وقد انعقد لسانه وشعر بان فكيه عاجزين عن الحراك للتعبير ولفهم ما يدور حوله: سيدي لا افهم ما تقول أنا لم أكن موجودا لفعل كل هذا، وأنا أحب هذا الوطن وأحب أهله ومياهه وجباله وسماءه وكل شيء فيه مثلك تماما، وأنا أأيدك وافهم مشاعرك، ولكن أنا لا أفهم لماذا هناك من يكرهك ويقف ضدك إذا ما كنت قد قمت بكل ما قمت به،... لا أفهم لماذا؟

الرئيس: لأنهم خونه ...عملاء ....محتالون وناكرين للجميل ؟

الرجل: ألا تظن سيدي الرئيس بان هناك خلل ما وراء هذا الكره،....شيئا ما لا أعرف ماذا سأسميه أغلى بكثير من كل الإنجازات التي قمت بها شيء يعطي لتلك الإنجازات قوتها وأهميتها ومكانتها، لا أعرف كيف سأشرح لك أنه كا الملاط الذي نحتاجه لبناء تلك المربعات من الطوب فهي التي تمسكه وتجعله صلبا ومتينا.

الرئيس: هل تتصور بان هناك أهم من الطرقات المعبدة والجسور والأنفاق ومحطات توليد الطاقة حيث أضئت ابعد بيت في ابعد قرية،...هل تتصور بان هناك شيء أهم من المدارس والجامعات ومراكز البحوث التي بنيتها ومئات الألوف من المساكن الرخيصة التي أعطيتها للشعب وبقروض ميسرة،....هذا ناهيك عن الفنادق والمنتجعات السياحية،...ودور الأيتام والعجزة والمستشفيات،....أنها الجنة ذاتها ما بنيته وقمت به. ؟؟؟

الرجل: تريدني صريحا سيدي ؟

الرئيس: طبعا طالما أنت سبب كل البلاء هيا قل.

الرجل وقد استقام في جلسته وقد عاد إليه بعض الاطمئنان والهدوء: هناك شيء أهم من كل هذا سيدي

الرئيس مستغربا ومستهجنا: ما هو؟

الرجل: إنها الحرية سيدي، أنها الحرية تلك الخمائر الرائعة التي تساعدنا على هضم الطعام اللذيذ والشهي الذي تقدمه لنا ؟؟؟؟ أنها الإنزيمات التي تجعل من الفيتامينات فاعلة وذو فائدة أنها الملاط يا سيدي الذي يساعد على تماسك الجدران التي تبنيها والجامعات والجسور والأنفاق وكل حجرة من حجار هذا الوطن الغالي. ؟

ثم تابع وكأنه يحلم: أنها الحرية هي التي تثبت كل حصى وحجرة وصخرة وبناء مهما كان صغيرا أو كبيرا في هذا الوطن وبدونه يبقى البناء هشا تعصف به اضعف العواصف شانا،....؟

الرئيس: انك تهزي بلا شك لقد أنفقت المليارات لبناء هذا البلد وعلمت أطفاله وشبابه وشيوخه الحرية وحب الوطن؟

الرجل: هذا اقل ما يمكن لمن اؤتمن على ثروة هذه البلاد وخيراتها،....وماذا يهم إذا علمتنا الحرية وحرمتنا منها وعلمتنا الحب وأخذته منا وعلمتنا الإخلاص ومنعتنا عنه حتى أضحت البلاد من شرقها إلى غربها مخيمات للعزاء عن أطفال شردوا وبنات اغتصبت وافتقدت، وشباب بعد إن علمتهم أضحت مكاتبهم وبيوتهم فارغة إلا من الثكلى،... ماذا تنفع البيوت الجميلة المسكونة بالأحزان والآلام على غياب ابن أو ابنة أو زوج وزوجة،....ماذا تفيد تلك الهضاب وقد اقتلعت عنها أشجارها وافتقدت لسكانها،....أنها دائرة مفرغة تلك التي أدخلتنا بها،... ؟ تعلم الشباب تنفق عليهم ثم تطاردهم وتكمم أفواههم،....سيدي ماذا تفيد اللقمة المشبعة بالإهانة والمذلة ماذا ينفع رغيف الخبز،.... ( فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ) ،؟؟؟؟

الرئيس: أنت لابد تهزي عن من تتحدث عن بلدنا الجميلة وسكانها الرائعون أنهم يخرجون أفواجا في كل مناسبة لتحيتي والغناء لي والتصفيق لمآثري،... إلا الأيام الأخيرة التي حركت جماعاتك المريبة جماعات الخونة لتنغص علي حياتي وتقض على المواطنين الشرفاء معيشتهم،...ومن ثم لماذا لم تبذل الجهد الكافي لقول ما قلته الآن لماذا؟

الرجل هذا ما حاولت منذ عشرين عاما ولم تسمعني،....لقد وصلت متأخر سيدي وأنا أسف أسف جدا،...

المشهد الثاني


يدخل احد المرافقين وقد بدا عليه الهلع: سيدي عليك أن تغادر القصر فورا ، لم نعد باستطاعتنا حمايته وحمايتك لقد وصل الغوغائيين إلى أسواره ويبدو بان هناك مؤامرة كبيرة تحاك لأننا سمعنا أزيز الطائرات الأمريكية بالخارج. ؟

الرئيس بغضب: ماذا ؟...وصل بهم الحد للتآمر علي وأين البقية أين المستشارين والوزراء.؟؟؟

أحد المرافقين: لقد غادروا جميعا كل يهرب بجلده أرجوك سيدي عليك الإسراع لأنني لا أستطيع الانتظار أكثر.

الرئيس: أيها الأحمق الخائن تكلمني بهذه اللهجة أنسيت من أكون؟

احد المرافقين: أسف سيدي ولكن لا أستطيع الانتظار أكثر.

يخرج المرافق مسرعا في حين تسمع في الخارج طلقات نارية وصراخ يأتي من كل الاتجاهات

المشهد الثالث


يفتح الباب ثانية ويظهر من خلاله ثلة من الوزراء وسفير أميركا وبعض الجنود

رئيس الوزراء: سيدي لقد فعلت المستحيل وانتهيت بعد اجتماع مع اللجنة المركزية للحزب بان نطلب عون أمريكا لتامين الحماية لك ولعائلتك لمغادرة البلاد فورا

السفير الاميركي: سيدي الرئيس نحن تحت تصرفك وبناء على رغبتك سننقلك إلى جهة أمنة وكذلك جميع أفراد عائلتك

الرئيس: كل شيء مدبر إذا،...؟ انه يوم القيامة ولاشك،....

وهو يوجه كلامه للرجل: كله بسببك أيها الوغد الأحمق، ....كله بسببك.

الرجل وقد وقف مذهولا أمام كل ما رأى وسمع، فلقد كان غائبا لمدة عشرين عاما في الأقبية لا يعرف عن العالم الخارجي إي شيء،... وفجأة يشهد نهاية حكاية لم يكن يدري بأنه فاعل فيها،....وفيما كان الرئيس يخرج برفقة وزرائه والجنود التفت السفير الاميريكي إليه وهو يؤدي له تحية مليئة بالاحترام ويقول

السفير: سيدي الفونسو يسعدني التشرف بالتعرف إليكم،....انه شرف عظيم لي، الجميع بانتظارك في الخارج لإلقاء كلمة ولكن يجب أن تتهيأ لهذه المناسبة،...وهو يشير إلى فريق من المزوقين كان قد وصل لتوه مع كامل عتاده وعدته

الفونسو وقد عقد لسانه لم يتفوه بأي كلمة فلقد بدا عاجزا حتى عن الحركة حيث بدأ الحلاق بالحلاقة له ثم تعاقب عليه المسئول عن الماكياج مع كل أدواته محاولا ضخ السيلكون تحت الوجنتين الغائرتين وتلوين الشفتين المزرقتين وتجليس الرقبة بقميص قبته مدعومة بالبلاستك القاسي أما البذلة فلقد كانت اكبر بكثير مما توقعه المصممين فبادر الخياط ممتعضا وموجها كلامه للسفير

الخياط: سيدي البذلة كبيرة جدا عليه ولا وقت لدي لتصغيرها ماذا أفعل، ؟؟

السفير ضاحكا: ليس من عادتنا أن نلبس عملائنا بدلات على قياسهم انفخه قليلا ليبدو هو على قد البذلة وليس العكس،....أنها اميريكية

وفيما كانت الأصوات بالخارج تتعالى مطالبة بخروج الفونسو إلى الشرفة لتحيتهم كان هذا الأخير يبدو كلعبة العرائس تتناقلها أيدي المصممين بالتشذيب والتهذيب.

المراجع

موقع قصيمي-اللمحات العربية

التصانيف

عقيدة