بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
يرد ذكر المصلحة المرسلة وحكم الاستصلاح في موضعين من أبحاث أصول الفقه.
أولهما: في باب القياس عند الكلام عن أقسام المناسب من حيث الاعتبار وعدمه.
والثاني: عند الحديث عن الاستدلال وأقسامه.
وقد اختلفت تعبيرات الأصوليين في هذه المسألة: فمنهم من يعبر عن المصلحة المرسلة بالاستصلاح، وبعضهم يعبر بالاستدلال، وبعضهم يعبر بالمناسب المرسل.
وتتداخل هذه المصطلحات، أو التعبيرات مع بعضها البعض مما قد ينشأ لبس لدى الناظر فتختلط عليه المصلحة بغيرها.
والمصلحة هي المنفعة التي قصدها الشارع الحكيم لعباده من حفظ دينهم، ونفوسهم، وعقولهم، وأموالهم طبق ترتيب معين فيما بينهما، وهذا معناها العام أما معناها الخاص فالمصلحة يراد بها ً الوصف الذي لم يثبت اعتباره ولا إلغاؤه من قبل الشارع ً.
والمصلحة تنقسم بإضافة شهادة الشارع لها إلى ثلاث أقسام:
الأول: المصلحة المعتبرة شرعا: فهي المصلحة الشرعية التي جاءت الأدلة الشرعية بطلبها من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس وذلك كالصلاة.
القسم الثاني: المصلحة الملغاة شرعا: فهي المصلحة التي يراها العبد بنظره القاصر مصلحة، لكن الشرع ألغاها وأهدرها ولم يلتفت إليها، بل جاءت الأدلة الشرعية بمنعها والنهي عنها من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس، وذلك كالمصلحة الموجودة في الخمر، فهذا النوع من المصالح في نظر الشارع يعتبر مفسدة، وتسميته مصلحة باعتبار الجانب المرجوح.
القسم الثالث: المصلحة المسكوت عنها.
فهي التي لم يرد في اعتبارها، أو إلغائها دليل خاص من الكتاب أو السنة أو القياس، لكنها لم تخل عن دليل عام كلي يدل عليها، فهي إذن لا تستند إلي دليل خاص معين، بل تستند إلى مقاصد الشريعة وعموماتها، وهذه تسمى بالمصالح المرسلة.
و إنما قيل لها مرسلة لإرسالها أي إطلاقها عن دليل خاص يقيد ذلك الوصف باعتبار أو الإهدار.
أما الصلة بين البدع والمصالح المرسلة:
فقد وقع خلط كبير بينهما أدى ذلك إلى اعتقاد حسن بعض البدع والمحدثات في الدين، وجعل كثير من محسني البدع يستسيغون ذلك ويقولون به، محتجين بالأعمال والفتاوى التي انبنت على الاستصلاح في عهد الصحابة ومن بعدهم، وبسبب هذا الخلط لابد من إيضاح تتميز به الفوارق بين البدعة والمصالح المرسلة.
و هناك نقاط اتفاق وافتراق بينهما.
من النقاط التي تتفق فيها المصلحة مع البدعة:
1- أن كلا من البدعة والمصلحة من الأمور المحدثة.
2- أن كلا من البدعة وما ثبت بالمصلحة لا دليل على اعتبارها من جهة الشرع (أي الدليل الخاص).
أما نقاط الافتراق:
1- تعود المصلحة المرسلة عند ثبوتها إلى حفظ منفعة، وجلب منفعة، ودرء مفسدة، فتكون من الوسائل لا من المقاصد وهي وسائل تعود إلى تحقيق مقاصد الشرع، أما البدعة فإنها وإن تخيل فاعلها المنفعة فيها فإنها تعود على دين معتقدها وفاعلها بالمفاسد العظيمة.
2- أنه مر معنا أن المصالح على ثلاث أنواع:
نوع شهد الشرع بقبوله، وهذا متفق على قبوله، ونوع شهد الشرع على رده وإهداره، وهذا متفق على إهماله.
ونوع سكتت عنه الشواهد الخاصة، فإن كان ملائما لتصرفات الشرع، أو يوجد معنى لجنسه اعتبره الشارع في الجملة بغير دليل معين، ولم يناقض أصلا، أو دليلا، أو قياسا صحيحا فهو ما يسمى بالمصالح اللامرسلة.
بهذا يظهر الفرق بين البدعة والمصالح المرسلة، وأن الخلط بينهما محق للحق ومجانب للصواب وذريعة للبدع والضلالات، هذا ما أردت إيضاحه وبيانه فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.
و صلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
(راجع كتاب البدعة حقيقتها وأحكامها للدكتور سعيد بن ناصر الغامدي، وكتاب معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة للدكتور الجيزاني).
الخلاصة:
أولا: البدعة تكون في التعبدات والتي من شأنها أن تكون غير معقولة المعنى، أما المصلحة المرسلة فإنها تكون في المعاملات التي هي معقولة المعنى.
ثانيا: البدعة تكون في مقاصد الشريعة أما المصلحة المرسلة فهي وسيلة لتحقيق المقاصد.
والله أعلم.

المراجع

موسوعة " المختار الأسلامي "

التصانيف

عقيدة