إدريس جالو
كاتب من بوركينا فاسو مقيم في السودان
يخطئ من يظن أن الحرب بين الإسلام وأعدائه قد وضعت أوزارها، كما يكون مخطئا من يتصور أن أعداء الإسلام قد سكتوا عنه، بعد أن تحالفوا ضد أهله فغلبوهم، وقسموهم إلى أمم بعد أن كانوا أمة واحدة، فالحقيقة أن أعداء الإسلام يدبرون ليل نهار لمحاربته، ويعتقد المنصرون أن الإسلام هو العقبة القائمة في طريق تقدم التبشير بالنصرانية في إفريقيا، فقد قدم المنصرون في إفريقيا للتلاميذ في المدارس لاسيما في عهد الإستعمار مبادئ هدامة، وذلك لما يعلم المنصرون من خطر هذا الدين على مخططاتهم التي يرسمونها على أساس قتل معاني الإنسانية؛ حتى تموت مشاعر الناس ويضيع وجودهم، فالتنصير بدأ في غرب إفريقيا بمجيء الأوربيين اليها، وقد مرت عملية التنصير في تلك المنطقة بثلاث مراحل أساسية وهي كما يلي:-
المرحلة الأولى من (1445-1790) :
فهذه المرحلة بدأت على يد البرتغاليين، وهي أول دولة نالت إستقلالها في غرب أوربا، وبعد أن اكتملت وحدتها السياسية وضعت لها أهدافا للسيطرة على إفريقيا، ومن هنا بدأت في الكشوفات الجغرافية للاستفادة من الذهب الذي سمعت كثيرا بأنه يوجد في إفريقيا، وكذلك بجانب دافع التنصير؛ والذي كان هدفا هاما للقضاء على المسلمين في الأندلس وشمال إفريقيا، وقد اهتم (هنري الملاح) ولي عهد البرتغال بجمع المعلومات الجغرافية لبدء مرحلة الكشوف الجغرافية، كما وصف هذا الأمير بأنه كان كاثوليكيا متعصبا ومتحمسا لنشر النصرانية على المذهب الكاثوليكي.
كانت أوربا قد أحست بأن القضاء على المسلمين بعد الحروب الصليبية ليس بالأمر السهل، ولذلك فكرت بالسيطرة الإقتصادية والسياسية والعسكرية على المسلمين حتى تتمكن من هزيمتهم ونشر النصرانية بينهم، لذلك كان التنصير هدفا بارزا من أهداف الكشوفات الجغرافية.
وبناء على ذلك أصدر البابا في روما قرارا لدولة البرتغال بأن تبدأ مرحلة التنصير، وأنه على استعداد بأن يرسل مع كل سفينة مبشرين للقيام بهذه المهمة، ولذلك أخذت كل سفينة متجهة إلى غرب إفريقيا عددا من القسس لنشر المسيحية هناك، خاصة على المذهب الكاثوليكي، ومن هنا بدأ العمل التنصيري في غامبيا وغينيا بيساو وسيراليون وغيرها من مناطق غرب إفريقيا، وفي هذه المرحلة برزت عدة نتائج تميزت بخصائص أهمها:-1/ارتبطت البعثات التنصيرية بالنظام الملكي الحاكم في البرتغال، وهي تخرج بأمر الملك وتعتمد في تمويلها على الدولة.
2/ اعترض المنصرون عوائق اللغة والطقس والأمراض ومقاومة السكان لهم في كثير من الأحيان
3/ عدم استجابة القبائل الإفريقية للحملات التنصيرية بتعارضها مع ما يدينون به، كما أن الإنسان الإفريقي لم يرغب في النصرانية حيث نظر إليها على أنها ديانة الرجل الأبيض المتكبر، الذي يظن أنه أحسن منهم.
4/ كان الإسلام عائقا وسدا منيعا أمام حركة التنصير الصليبية؛ حيث أن الإسلام كان ثابت الأركان داخل القارة.
تميزت هذه الفترة باحتكار البرتغاليين للتنصير إلى أن دخل العنصر الإسباني الآخر، وبدأ دورهم التنصيري في منطقة غامبيا، ولكنهم لم ينجحوا في مهمتهم للأسباب المذكورة أعلاه، إضافة إلى مضايقات البرتغاليين لهم؛ إذ اعتبروهم جواسيس وأنهم لم يأتوا للتنصير وإنما لأسباب أخرى، وعندما شعر البابا بخطورة الخلاف بين الدولتين أصدر قرارا بابويا بأن ينحصر نشاط البرتغال التنصيري فى شرق المحيط الأطلسي، وأن ينحصر النشاط الإسباني في غرب المحيط الأطلسي.
وهذه المرحلة لازمها الفشل في غرب إفريقيا على الرغم من طول الفترة.
المر حلة الثانية1790-1840م:
تميزت هذه المرحلة بدخول منافسين آخرين غلب عليهم المذهب البروتستانتي، وقد شهدت الفترة دخول أمريكا في هذا المجال، كما شهد القرن الثامن عشر في أوربا ازدياد النقد على تجارة الرق، وظهرت طائفة تدعو إلى إبطال هذه التجارة، كما أن الثورة الصناعية أدت إلى اختراع آلات حديثة لا تحتاج إلى أيد عاملة؛ مما أدى إلى تفشي العطالة بين ذوي الأصول الإفريقية، ورآهم الأروبيون بأنهم يشكلون خطرا على أمن المجتمع، ولذلك جاءت الدعوة لتحرير الرقيق، كما ظهرت جمعية الأصدقاء؛ ومن أبرز أعضائها قرنبل شارب، وتوماس كلاركسون؛ وقاد هؤلاء حملة من داخل البرلمان البريطاني تنادي بإلغاء تجارة الرقيق، وقد أفلحوا في حمل البرلمان البريطاني على إصدار قرار سنة 1807م بتحرير الرق في بريطانيا، إذاً؛ نتيجة لتفشي العطالة وخاصة بين ذوي الأصول الإفريقية، وحلاً لهذه المشكلة؛ ظهرت فكرة إعادتهم إلى أوطانهم في غرب إفريقيا، وقد ساندت الكنيسة هذه الفكرة التي كانت تدعو لها جمعية الأصدقاء، وفي نهاية القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر كانت أهم الإرساليات التي أرسلت إلى غرب إفريقيا تشمل الجمعيات التالية:- الجمعية اللندنية التنصيرية، الجمعية الكنسية التنصيرية، جمعية الكتاب المقدس البريطانية وغيرها من الجمعيات التي انطلقت من الجامعات في غرب إفريقيا، وقد نشاط هذه الإرساليات إلى مناطق الأرقاء، وفي سنة 1787م وصل إلى سيراليون مجموعة 350 من الأرقاء المحررين ومعهم قسس من جمعية الكتاب المقدس، وأنشئوا مدينة خاصة بهم في سيراليون تسمى مدينة قرانفيل التي استبدل فيما بعد إلى مدينة فريتاون، كما استمدت الكنيسة قوتها التبشيرية من هؤلاء المحررين الغرباء؛ حيث كانوا غريبين في طباعهم ونظام حياتهم ولغتهم عن مجتمع سيراليون المحلي، ولذلك لم يستطيعوا الإندماج في ذلك المجتمع، فكان العائد التنصيري حينئذ -بهذا السبب ول-بغيره خاصة تمكن الإسلام- في داخل سيراليون ضعيفا جدا.
المرحلة الثالثة:- 1840-1890م :
وتميزت هذه المرحلة بخاصية قيام الكنائس الإفريقية المستقلة المعتمدة على نفسها في الإدارة والتنظيم، حيث وضح أن الكنيسة الأوربية المعتمدة على القساوسة البيض لا يمكن أن تنجح في تنصير الأفا رقة لاختلاف البيئة واللغة، ولعدم تحمل البيض الطقس، ومن هذا المنطلق فكرت الإرساليات المسيحية في قيام كنائس وإرساليات إفريقية ذات منهج إفريقي يدار بالأفارقة ويرتقي بمستواهم التنصيري، ذلك أن الأفارقة هم أنسب من يقوم بهذا العمل، وقد شملت هذه التجربة كل إفريقيا، وهنا سنذكر ثلاث تجارب في مناطق غرب إفريقيا كأمثلة وليس للحصر وهي:-
سيراليون:-
بدأت الكنيسة الإنجليزية البروتستانتية هذا العمل في سيراليون؛ حيث بدأت في تدريب المنصرين الأفارقة، كما استعانت الكنيسة بطبقة الكريول؛ وهم المحررين من الرقيق المذكور آنفا لتنفيذ هذه المهمة، وتغير الأسلوب بأن أدخلت الكنيسة نظام التعليم المدني الحديث بجانب تعليم الإرساليات الأساسي، وكان الهدف من ذلك هو رفع مستوى الأفارقة المنصرين اجتماعيا وثقافيا وماديا، ورغم كل هذه الجهود فقد كان الفشل نصيبهم بفضل الإسلام، وخاصة في مجال التعليم؛ حيث حرص المسلمون على تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن منذ الصغر قبل مجيء هؤلاء المنصرين، ولكن سيراليون اليوم تعتبر مركزا لهذه الإرساليات استغلالا للحالة التي تمر بها سيراليون، ويأتي على رأس هذه المنظمات منظمة (ايه-ام-اس) البروتستانتية؛ والتي لها نشاط واسع في العا صمة فريتاون وضواحيها، وتمتلك عددا كبيرا من المدارس والمستشفيات العامة والمتخصصة في مجالات الإعا قة والطب البديل والرمد، كما يوجد نشاط واسع لمنظمات "الميوديست" التي تتركز في الإقليم الجنوبي الشرقي، وإرساليات (اس-دي- اي) فضلا عن النشاط المحموم لمنظمة شهود يهوه؛ التي تستطيع بإمكانياتها المالية الوصول إلى المناطق النائية التي لا يستطيع نظراؤها الوصول إليها، كما تستغل غياب الأزواج المسلمين عن منازلهم في وقت الدوام الرسمي مستغلة حالة الفقر والأمية لدى الزوجات لإغرائهن بمزايا التنصير عبر توزيع الهدايا والأطعمة والسلع الأساسية عليهن، مرفقة بمجلات وصلبان، وكذلك مجلات تنصيرية شهرية ويومية مثل اليقظة وبرج المراقبة.
ليبيريا:-
السياسة التي اتبعتها الكنائس الإنجليزية طبقت في ليبيريا، ولكن قامت هنا الكنائس الأمريكية حيث اضطلعت تلك الكنيسة بالدور الأعظم في هذا المجال وذلك بإنشاء إرساليات كثيرة بالعمل التنصيري في غرب إفريقيا، فقد أرسلت الكنيسة الأمريكية كوادر من ذوي الأصول الإفريقية والذين تخرجوا كقساوسة أرسلتهم الكنيسة إلى ليبيريا لينشئوا الكنائس وليقوموا بالمهام التنصيرية، وقد وجدوا أرضا صالحة لأداء مهمتهم والمتمثلة في الذين جيء بهم من أمريكا ليصبحوا جزءا من المجتمع في ليبيريا في مرحلة سابقة، فقد نجح التنصير في تلك الفترة في ليبيريا أكثر من سيراليون وذلك للأسباب التالية:
1/ لم يكن وجود الإسلام في ليبيريا كمستوى سيراليون.
2/ كان عمال المنطقة أغلبهم من الزنوج الأمريكان الوافدين من أمريكا، وهم أساسا ذوي الأصول الإفريقية، وقد استفادت الكنيسة من هؤلاء في مهمة التنصير.
نيجيريا:-
كانت نيجيريا مهدا للدعوة الإسلامية حيث قامت فيها إمارات إسلامية، ثم قامت فيما بعد امبراطورية "سكتو" الإسلامية على يد الشيخ المجاهد عثمان دانفوديو؛ في الفترة ما بين 1803-1940م، ثم بدأت الحركة التنصيرية في منتصف القرن التاسع عشر في منطقة بيافرا؛ مناطق قبيلة الإيبو؛ حيث نشطت حركة التنصير بعودة بعض المحررين من الأرقاء من منطقة سيراليون ووصولهم إلى منطقة بيافرا، حيث عاد هؤلاء إلى وطنهم الأصلي في منطقة دلتا نهر النيجر، وهناك عملوا على إحياء النشاط التنصيري، وقد تركز ذلك النشاط بصورة خاصة في مدينة "ابياكوتا" النيجيرية، وكان عدد سكانها أربعين ألف نسمة وتقع في وسط قبائل يوربا، حيث أصبحت مركزا للتنصير بذهاب معظم المحررين إليها، ومن أهم الذين وفدوا إلى "ابياكوتا" القس النيجيري صمويل كرواثر؛ ولعل قصة حياته ونشاطه في نشر المسيحية في نيجيريا تمثل أكبر نجاح حققته الحركة التنصيرية في غرب إفريقيا، أما هؤلاء المحررين فقد تم تدريبهم وتعيينهم في سيراليون؛ ثم تدرجوا في المناصب الكنسية رفيعة حتى وصل بعضهم إلى منصب أسقف، واستطاعت الكنيسة في تلك المنطقة إنشاء مدارس إرساليات لتعليم الأطفال المسيحية، كما أنشأت معاهد صناعية ليكسب أهل المنطقة المعارف الصناعية مما أدى الى دعاية واضحة للتنصير؛ والتي كان أهلها وثنيين، وهذا النشاط توقف في أوائل الستينات من القرن التاسع عشر بسبب نشوب حرب أهلية في المنطقة، ونتيجة لتلك الحروب تحرك صمويل من أبياكوتا إلى لاغوس سنة 1865م، ومن ثم أصبحت لاغوس المركز الرئيسي للكنيسة، ونتيجة للنجاح الذي حققه صمويل فقد قسمت نيجيريا إلى أغلبية مسلمة في الوسط والشمال وأقلية مسيحية ووثنية في الجنوب، وفي أواخر القرن التاسع عشر اتجه الإنجليز شمالا لمحاربة الدولة الإسلامية الكبرى التي أسسها الشيخ عثمان دانفوديو منذ أوائا القرن التاسع عشر، وفعلا استطاع الإنجليز الاستيلاء على هذه الدولة؛ وأنشئوا نيجيريا الحالية بحدود المعروفة الآن عام 1903م.
وهذا كله جزء يسير من العمل التنصيري في منطقة غرب إفريقيا التي دخلها الإسلام منذ فجره الأول ، وهو -النشاط التنصيري- كذلك مع بقية دول المنطقة؛ حيث وضعت لبعض الدول خططا خاصة بهم، وهذا كله يتطلب من المسلمين الاستيقاظ للدفاع عن دينهم الحنيف في وجه حركة التنصير الشرسة التي تواجهها المنطقة منذ أمد طويل.
المراجع
شبكة المشكاة الاسلامية
التصانيف
تصنيف :فكر تصنيف :اصطلاحات تصنيف :مصطلحات دينية