برنيني (جيان لورنزو ـ)

جيان لورنزو برنبني Gian Lorenzo Bernini، نحات ومعمار ومصور إيطالي. ولد في نابولي، ودرس فن النحت على أبيه.وفي مطلع عام 1605 استقدم البابا بولص الخامس أباه بييترو برنيني النحات الفلورنسي (1562- 1629) إلى رومة للعمل في تزيين كنيسة سانتا ماريا مادجوري Sainte-Marie-Majeur. وفي رومة درج برنيني وترعرع في جو من النحت الاتباعي والتقوى اليسوعية. وتلقى دروسه الأولى في النحت على والده الذي اكتشف موهبته وأدرك أنها تنم عن طفل معجزة. ويروي برنيني لاحقاً أن الكاردينال توجه إلى والده قائلا : «حذار، هذا الطفل سيبزك ولسوف يكون أمهر من معلمه»، فرد عليه الأب قائلاً : «إنني غير عابئ بذلك، ففي ذلك اليوم سيكون الخاسر رابحاً. إن هذا الحب الأبوي الواضح في هذا الرد لهو بالطبع واحد من مفاتيح برنيني الشخصية، أي إن فناننا ليس فناناً كئيباً وسوداوياً مثل ميكل آنج.راح الفنان، بناء على تحريض دؤوب من والده، يتدرب اعتماداً على المنحوتات الرخامية القديمة في الفاتيكان مثل: تمثال لاوكون، وآبولون بلفدير Apollon du Belvedere وعلى الخصوص تمثال آنتينوئيس Antinous (يعرف بتمثال هرمس اليوم) هذا التمثال الذي عاد إليه الفنان  بوصفه مصدر إلهام له لكي يشكل مجموعته الأولى، وذلك بناء على ما صرح به عام 1665 في أكاديمية التصوير والنحت الباريسية، ليعود إليه ثانية ويستوحي منه مجموعة  ملاك جسر سانت آنج، وتعلم أيضاً تجميع الأشكال بتآلف متناغم من خلال الرسوم التي نقلها عن  رافايلّو وجدارية الحساب الأخير لميكلانجلو، ولا يخفى تأثر الفنان بفن التلوين عند كل من تيتسيانو[ر] Titien وكوريجيو[ر] Correge وبأجوائهما، كما كان يعود أيضاً للدراسة مباشرة عن الطبيعة محاولاً الإمساك، بوساطة المرآة أو الرسوم السريعة، بصحة التعبير والحركة وحقيقتهما، يشجعه في ذلك اقتداؤه بالفنان كارافاجيو[ر] الذي مهدت أعماله، الصغيرة منها والكبيرة، طريق  العودة للطبيعة رداً على تحويرات معاصريه النمطية، وتأثره أيضاً بتكوينات أنيبال كاراش Annibal Carrache الذي كان أول من عرض في رسومه الجدارية في رواق فارنيز Farnez هذا التوليف الجديد مابين المثل الأعلى القديم والتعبيرالواقعي. ومن هنا يأتي إلى حد ما الانقلاب الذي أحدثه برنيني في مساعي فناني أواخر عصر النهضة الذين أدخلوا على التصوير تجديداتهم من خلال دراستهم للمنحوتات اليونانية والرومانية، على حين أن برنيني جدد النحت باستلهامه من أعمال هؤلاء المصورين.لم يقف برنيني على تعلم النحت وحده، فراح، بناء على تشجيع من البابا أوربان الذي أراد أن يجعل منه فناناً بمقام ميكلانجلو، يدرس العمارة ويتدرب على التصوير حتى تجاوزت لوحاته المئة والخمسين، (يلف الغموض فقدان معظمها)، وقد ظفرت إحداها لوحة «القديسين أندراوس وتوما» بأعظم الثناء، ولو أن بعضهم فضل عليها صورته الذاتية المحفوظة بقاعة الأفتيزي ـ فتى أسمر يجنح إلى التأمل الحزين... ولكن برنيني جود أكثر من هذا في العمارة. كان برنيني يصغر ميكلانجلو سناً حين نحت وهو في سن الثالثة عشرة عملاً يمكن أن يُرى فيه منحوتة من منحوتات الماضي: تمثال أمالثه Amalthee «العنزة ترضع زيوس»، وفي سن السابعة عشرة أنجز تمثال «القديس لورانت» Saint Laurent، وفيه أكد جدارته معلماً متقناً لصنعته، وإبان انتسابه إلى حلقة البابا بورغيز الخامس (1605-1621) Borghese، ومن ثم إلى الكرادلة هواة الفن، نحت الفتى برنيني للكاردينال مافيو بربريني Mafeo Barberini (البابا أوربان الثامن لاحقاً)  تمثال «استشهاد سان سيباستيان» بين سنتي 1615و 1616 وللكاردينال مونتالتو تمثال «نبتون وتريتون» سنة 1620، ونحت لدارة الكاردينال سيبيون بورغيز Scipion Borghese، مجموعة اينياس Enee، آنكيز و أسكانيو Anchise et Ascagne يهربان من طروادة بين سنتي 1619و1620، وتمثال بلوتون وبروزربين بين عامي1621 و1622، وتمثال أبولون ودافني بين عامي 1622و1625، وأنجز أيضاً تمثال داوود بين سنتي 1623 و1624بطريقة مغايرة لداوود ميكلانجلو المتأمل الهادىء إذ نرى داوود برنيني وهو يوتر مقلاعه وقد التوى جسده اقتداءً بتمثال «بوليفيم» polypheme للنحات كاراش. إن هذه الأعمال التي أراد برنيني من خلالها منافسة النحت الهللينستي تنسينا أنها قدت من ألواح رخامية، ومع ذلك فإن برنيني قد تخلى عن كثير من وجهات النظر العزيزة عند أصحاب النزعة التكلفية[ر] Manieristes أنجزت هذه الأعمال ليقف المتلقي قبالتها وينظر إليها كمن ينظر إلى لوحة، فقدمت للمشاهد مستندة إلى جدر رواق بورغيز، وفي هذين التمثالين الأخيرين نتلمس بدايات الطراز الباروكي[ر] الذي بلغ أوج تطوره في مصلى كورنارو بكنيسة سانتا ماريا ديللا فيتوريا حيث تمثال «القديسة تيريزا لحظة انتفاضتها بالعشق الإلهي» بين سنتي (1645- 1652).لما تسنم الكاردينال بربريني كرسي البابوية باسم أوربان الثامن، عين برنيني كبير معماريي كنيسة القديس بطرس وهو في الحادية والثلاثين، وفي صدرها شيد بين عامي 1657 و1666 صرحا  خصص لاحتواء كرسي القديس بطرس رمزاً لسلطان البابوية وتمجيداً لكاتدرا بيتري إذ يعتقد المؤمنون أن الرسول بطرس كان يستعمله، وجمع من حوله أربعة تماثيل قوية الشخصية لآباء الكنيسة، ومن فوق البناء العجيب كله نثر تماثيل الملائكة بحماسة رجل يملك في ذهنه معيناً لا ينضب من الروائع. وعلى مقربة منه اختار مكاناً لمقبرة ضخمة لحبره المحبوب أوربان الثامن. وصمم الشرفات، وكثيراً من التماثيل التي تزين الركائز التي تسند القبة. وتحت القبة وضع تمثالاً ضخماً للقديس لونجينوس، وفي جناح الكنيسة أعاد تخطيط الصالة الملكية التي ترقى إلى قصر الفاتيكان مارة بأعمدة مهيبة، وذلك بأسلوب أكثر نقاء، وفي فجوة في هذا السلم الملكي أقام تمثالاً للامبراطورقسطنطين راكباً جواده وهو يطالع في السماء دعوته لاعتناق المسيحية؛ وأصبحت حرارة العاطفة في هذا التمثال قالباً احتذاه عصر الباروك. ويرى الفنان العصري في كل هذا الجهد في كنيسة القديس بطرس وما حولها إسرافاً مسرحياً ومخاطبة خداعة للحواس، أما برنيني فقد رأى فيه الأداة الخصبة لإيمان حار يصل إلى قلوب المؤمنين.كان البابا إنوسنت العاشر يميل إلى الفنان بوروميني، ولكن مهارة برنيني دفعته ليطلب إليه نحت تمثال نصفي لشخصه (نحو عام 1647)، وأن يعهد إليه أيضاً بتنفيذ نافورة الأنهر الأربعة في ساحة نافونا تحت شرفات قصر بامفيلي العائلي بين عامي 1648و1651، وفي هذا العمل ذهب برنيني بمهارته التشبيهية حداً تجاوز تلك التي نراها في نافورة تريتون (1642- 1643) الموجودة في ساحة بربريني، وتعد نافورة «الأنهار الأربعة» من أعظم نافورات برنيني قاطبة. وفي ظل بابوية ألكساندر السابع (1655- 1667) نفذ  بربريني تصميم ساحة القديس بطرس (1656- 1667)، وتذكرنا هذه الساحة التذكارية العظيمة التي أعدت لاحتواء جمهور الحجيج، أثناء تلقي التبريكات، بعظمة رومة القديمة ومعابد باخوس. أما بالنسبة لكنيسة سانتا ماريا فقد عاد الفنان إلى لغته المعمارية الهادئة والرصينة التي لاتعدو اقتداء بالبانثيون مع شيء من التعديل.منحت هذه الإنجازات برنيني شهرة عالمية أهلته للمشاركة مع فنانين آخرين في مسابقة عالمية نظمها كولبير لإتمام عمارة اللوفر، فدعي إلى فرنسة في ربيع عام 1665. وبفضل صحيفة يحررها بول فريار دي شانتولو Paul Freart de Chantelou  مدير فندق الملك والمكلف بتدبير إقامة برنيني، اطلعنا بالتفصيل على ما جرى إبان إقامة الفنان التي استمرت خمسة أشهر. وقدم برنيني رسماً جديداً لقصر اللوفر أودعه ما اعتاد عليه من غلو في البراعة فجاوز في الفخامة الذوق والمال الفرنسيين، وفضلت اللجنة على تصميمه  واجهة المعمار الفرنسي بيرو Perrault الصارمة، وقفل عائداً إلى رومة يجر أذيال الخيبة بعد أن نحت للملك تمثالاً نصفياً حظي بنجاح ساحق لم تحققه مهمته الأساسية. وهنا رسم لنفسه تلك الصورة الطباشيرية الرائعة، خصل بيضاء تتراجع فوق رأس قوي البأس، ووجه خلف عليه الجهد التجاعيد والعقد، أما العينان الوديعتان بالأمس فقد صارتا جامدتين خائفتين، كأنهما تريان إلى أين تفضي مدارج المجد. ولكنه لم ينهزم بعد، فقد ظل ثلاث عشرة سنة أخرى يبني وينحت في عنف، حاداً في روحه، راسخاً في عمله، حامياً في غضبه، وحين خبت جذوته في 28 شباط من عام 1680 كان قد عمر إلى مابعد النهضة الإيطالية.تعد المكانة التي احتلها برنيني في تاريخ الفن الأوربي فريدة بحد ذاتها. ولربما لا يضاهيه بالمجد الذي حظي به إبان حياته، والسحر الذي مارسه على معاصريه من الفنانين، وجملة الأشكال الجديدة التي أسهم بها ومنحها للعمارة والنحت الغربيين، إلا ميكلانجلو. ومع هذا فإن برنيني، منذ نهاية القرن السابع عشر، صار عرضة للتشهير ومحطاً للإعجاب في آن معاً. ولئن كان الأسلوب المحاري (أسلوب معماري شاع في فرنسة في عهد لويس الخامس عش، وتميز بخطوط ملتوية تشبه أشكال المحارة والصدف) يدين لبرنيني مصدراً رئيساً للإلهام، فإن الاتباعية[ر] الفرنسية وكذلك الاتباعية الجديدة[ر] التي انتصرت في نهاية القرن الثامن عشر، تريان فيه مفسداً للذوق والمسؤول عن شطط الروكوكو[ر] وغلوه، والمتسبب في ازدراء المثل الأعلى والحط من شأنه. 

المراجع

الموسوعة.العربية

التصانيف

التربية والفنون   العمارة   فنون