بوروس فريدريك سكنر B.F.Skinner عالم نفس أمريكي من مواليد سكهانا في بنسلفانيا. أسهم في تقدم علم النفس التربوي، وعلم النفس التجريبي، فكرمته رابطة علم النفس الأمريكي American Psychology Association، ثلاث مرات في حياته، الأولى عام 1958، إذ منح جائزة الإسهام العلمي المتميز، وجاء في بيانها عنه «أنه عالم غني الخيال ومبدع، يتصف بموضوعية عظيمة في الشؤون العلمية، وبالحرارة والحماسة في الصلات الشخصية. اختار السلوك الإجرائي البسيط موضوعاً، فتحدى التحليلات البديلة للسلوك، وقد أنتج، وقائع حرة بوصفه للسلوك وصفاً متماسكاً زاد من القدرة على التنبؤ بسلوك العضويات، من الفأر إلى الإنسان، وضبطه...». وسع سكنر مفهوم السلوكية التي طرحها واطسون[ر] Watson، وناقش التحليل النفسي الذي طرحه فرويد[ر] Freud، وانتقد النظرية المعرفية التي طرحها جيروم برونر[ر] Bruner. وكُرّم مرة ثانية عام 1971، كما عدته مجلة «التايم» The Time الأمريكية أعظم عالم نفس معاصر عمل في السلوك الإنساني. وكان التكريم الثالث عام 1990 قبيل وفاته، ثم أصدرت رابطة علم النفس الأمريكي عدداً خاصاً من مجلتها إحياءً لذكراه بعد وفاته.تعلم سكنر في بنسلفانيا، ونال الإجازة باللغة الإنكليزية، ثم أكمل دراسته العليا فنال شهادة الدكتوراه في علم النفس التجريبي من جامعة هارفر عام 1931، ودرّس بعدها في مينسوتا وإنديانا وهارفرد، وتقاعد عام 1974، واستمر أستاذاً ممارساً في جامعة هارفرد حتى وفاته. أصدر كتابه الأول عن «سلوك العضويات» عام 1938، ميّز فيه بين طرح بافلوف[ر] Pavlov للسلوك الاستجابي (الانفعالي) والسلوك الإجرائي (الإرادي) الذي تبناه سكنر مستخدماً نظرية التعزيز في تقوية السلوك الإجرائي عند التعلم، أي بإعطاء المكافأة بعد العمل، والذي ينطبق على النشاط الحركي للجسم، ولاسيما نشاط العضلات المخططة، متجنباً وضع فرضيات عن بواطن العقل. وصمم صندوقاً تجريبياً لتدريب الفئران (الجرذان) وصندوقاً تدريبياً آخر لتدريب الحمام، عن طريق تدريب كل فأر أو كل حمامة على حدة بنشاطها الحر أولاً، ثم تعزيزه بعد قيام المتدرب بالاستجابة القريبة من الصحيحة، ليتوصل أخيراً إلى تحقيق أهداف التدريب السلوكية. وكتب عام 1951 مقالة بعنوان «كيف تعلم الحيوانات» نشرها في مجلة Scientific American. وفي عام 1948 ألف رواية سماها والدن الثانية Walden 2 وهي تصور فرضي وطوباوي لقرية أمريكية يعيش أفرادها حياة معاصرة، وفق نظريته في الإشراط الإجرائي، وضبط السلوك بالمعززات الإيجابية، بأقل قدر من المعوقات، والقهر. وقامت جماعة من مريديه بتحقيق هذا التصور الافتراضي في قرية Twin Ox من عام 1967 حتى عام 1973، ثم زال هذا التنظيم الواقعي، لمخالفته البيئة والواقع الفعلي، وأصدر كتاباً عنوانه «العلم والسلوك الإنساني» Science and Human Behavior عام 1953، وكتب، عام 1954، مقالة في مجلة جامعة هارفرد عنوانها «علم التعلم وفن التعليم» طرح فيها ضرورة إقامة الجسور بين علم التعلم وفن التعليم، ونفذها بعد ذلك بعرض تقانة التعليم الذاتي المبرمج في الخمسينات والستينات من القرن العشرين. وانتشرت هذه التقانة بعد معاناة المجتمع الأمريكي من صدمة السبوتنك Sputnik، أي من إرسال الاتحاد السوفييتي أول قمر اصطناعي للفضاء، عام 1957، وكان الحل المقترح هو التقدم بالتعليم. وأصدر، عام 1957، كتابه عن «السلوك اللفظي» الذي وسعه ليشمل كل سلوك يتم فيه الاتصال والتعزيز للنشاط اللغوي، ولقي هذا الكتاب معارضة من نعوم تشومسكي[ر] Chomsky، صاحب النظرية البنيوية التوليدية في اللغة، ولكن سكنر دافع عن تقانة «هندسة السلوك» وأصدر كتابه «ما بعد الحرية والكرامة» Beyond Freedom and Dignity عام 1971، عالج فيه قضايا حياتية معاصرة مثل تدهور البيئة، وتزايد السكان، واستخدام العقاب في الحياة، وتكوين الثقافة، والقيم. وركز فيه على تكنولوجيا ضبط السلوك للحيوان والإنسان بالأساليب الجذابة والمشجعة، وتنظيم البيئة بحيث تكون ميسّرة للإنسان، لأن التحكم بالبيئة يسهم في التعلم بالإشراط الإجرائي، ويمكّن المتعلم من اصطفاء الاستجابة المناسبة، كما أصدر كتاباً مبرمجاً بعنوان «تحليل السلوك» Analysis of Behavior (بالاشتراك مع هولاند)، وكتاباً آخر في «تكنولوجيا التعليم» Technology of Teaching، وترتيبات التعزيز Contingencies of Reinforcement ، وكتاب «تمتع بشيخوختك» Enjoy your Old Age، بالاشتراك مع إحدى تلميذاته، عام1978، وعالج فيه مشكلات الشيخوخة، بأسلوب مبسط، مثل مشكلة النسيان والخرف عند المسنين المسمى مرض الزهايمر[ر]، وظاهرة الاكتئاب[ر]، وضرورة الاستعداد للموت.ويبدو أن اهتمامات سكنر كانت موسوعية شملت التعليم والتدريب والصحة وهندسة السلوك، والعلاج السلوكي للأمراض النفسية، وكلها تدور حول ضبط السلوك بأساليب جذابة لكل من الحيوان والإنسان، مع تجنب استخدام المصطلحات الافتراضية الشائعة في الثقافة الغربية المتأثرة بالحضارة اليونانية والثقافة اليهودية ـ المسيحية، فلا يستخدم الاستبطان، ومصطلحات اللذة والألم، بل التعزيز. وعني بالربط بين السلوك الخرافي وتشكيل السلوك بالتعزيز، واللزمات التي يمارسها الإنسان من دون سبب ظاهر، مثل حل مسألة رياضية عند العلماء، وحك الرأس وغمزات العينين، وغيرها من اللزمات الشاذة التي يقوم بها الإنسان العادي دون قصد. وطبق مفهومه في السلوك الخرافي على كل من الحيوان والإنسان، فالحمامة ترفرف بجناحيها دون سبب ظاهر، أو تنظف ريشها لأنها حصلت على المعزز قبل ذلك.والإنسان يرتاد أماكن حصل فيها على المكافأة والتعزيز، وينتقل هذا السلوك إلى الآخرين.واهتم بتقانة التعلم الذاتي المبرمج وفق الطريقة الخطية، والتي عارضها آخرون بالطريقة التفريعية. ولكن التعليم المبرمج الذي انحسر انتشاره في العالم في أواخر السبعينات من القرن العشرين، عاد للانتشار في أوائل الثمانينات باستخدام الحاسوب الشخصي كآلة تعليمية متكاملة وصار شائعاً في الربع الأخير من القرن العشرين، وكذلك بالحاسوب الشبكي الذي صار شائعاً في أوائل القرن الحادي والعشرين. ونشر سكنر عام 1986 مقالته عن «العودة إلى التعليم المبرمج» Programmed Instruction Revisited، وفي عام ،1990 نشر مقالته «هل يستطيع علم النفس أن يكون علم العقل؟» كما عُني بمعالجة الأمراض النفسية بأساليب جذابة مثل مرض الفصام[ر] والـ «ألزهايمر» والاكتئاب، ببيان دور التعزيز في المعالجة. إلا أن البحوث الطبية الحديثة وجدت هرمون الدوبامين[ر] الذي يفرزه الدماغ، أساساً لمصطلح التعزيز، لأنه يزيد من احتمال الحدوث بوجوده. واعترف سكنر بأنه لم تكن الإمكانات التقانية لدراسة نشاط الدماغ متوافرة في حياته، وكذلك عمليات التفكير الناشئة عنه. وظهر أثر الدوبامين في الإدمان، والتعلم، والدين ، كما أشارت مجلة «تايم» عام 1997.وأسهم سكنر بمنع العقاب الجسدي في ولاية كاليفورنيا، وإلغاء عقوبة الإعدام في بعض الولايات الأمريكية، مما يؤكد حرصه على التحكم بالسلوك بأساليب جذابة. ويذكر أن أهم إنجازاته هو وضع جداول التعزيز Schedules of Reinforcement في ترتيبات زمنية، أو في ترتيبات مرافقة للعمل والسلوك. وبحث علاقة جداول التعزيز بسلوك الإدمان على القمار، والتدخين، والخمر، والمخدرات، ويشرح بعض أساليب علاج هذا الإدمان. ويمكن الجمع بين التقنيات السلوكية والمعرفية والطبية في علاج هذه الإدمانات.ويستخدم اليوم مصطلح «برمجة السلوك» الذي يشابه «برمجة الحاسوب»، وكلاهما يضع برنامجاً لضبط سلوك الآلات والإنسان، على الرغم من اختلافهما بالتعقيد في سلوك الإنسان.ويكرر سكنر اهتماماته، في مؤلفاته العديدة، بكرامة الإنسان بإعطائه المعزز الإيجابي المناسب، شريطة ألا يتحول إلى رشوة، أو عمل غير أخلاقي، أو يؤدي على المدى البعيد إلى نتائج غير مقبولة، أو مؤلمة. ويعزو التعزيز السلبي إلى مفهوم الحرية أو التخلص من الإعاقات والمكاره، وبذلك فإن الجمع بين التعزيز الإيجابي والسلبي يمكِّن الإنسان من الحرية والكرامة والإبداع، لأن كل نجاح يؤدي إلى مزيد من النجاح، وكما يقال في الأمثال العربية «الخير بخير» و«المال يجر المال». وهي معززات عامة يحسن بالإنسان استخدامها لرفاهيته وسعادته.وهكذا فإن تأثير بوروس سكنر يبقى كبيراً في القرن الحادي والعشرين.
المراجع
الموسوعة.العربية
التصانيف
التربية والفنون تربية وعلم نفس