ولد كارل روجرز في أوك بارك Oak Park، مقاطعة إلنوي Illinois (شيكاغو)، وأتم دراسته في علم النفس في جامعة كولومبيا ومعهد توجيه الطفل. عمل عالم نفس على امتداد اثني عشر عاماً في خدمة الإغاثة الاجتماعية والنفسية للأطفال في روشستر Rochester، ثم درّس، وعلى التوالي، من عام 1940 إلى عام 1963، في جامعات أوهيو Ohio وشيكاغو ووسكونسن Wisconsin.استحدث روجرز طريقة مبتكرة في العلاج النفسي تتعارض والتحليل الكلاسيكي (التقليدي) الذي يطلب من العميل (المعالَج) أن يتمدد على أريكة بوصفه مريضاً، ويبدأ بمخاطبة ذاتية وmonologueلانهاية لها، في حين يجلس المحلِّل النفسي غير المرئي على رأس الأريكة، ويعمل على تسجيل ما يرويه المعالَج، ولا يتدخل إلا نادراً وبطريقة حيادية بعيدة عن التعاطف الإنساني. ولكن روجرز بالمقابل كان يتحدث مع مرضاه ويجلس على كرسيه أمام مكتبه وجهاً لوجه مع مريضه وكأنه يتبادل معه حديثاً عادياً ساعياً إلى أن تكون المناجاة حديثَ الند للند، وفي جو من التعاطف والمساواة، فقادته أبحاثه، منذ ذلك الحين، إلى مزاولة تلك المعالجة النفسانية في الإرشاد اللاتوجيهي، وتوصل إلى التحقيقات التالية: إن العلاقات الإيجابية والبناءة هي تلك العلاقات التي يتواصل فيها المعالج النفسي مع المعالَج، ويبدي ثقته به وحسن تفهمه له.يتَّبع تطور العلاج النفسي خطة معينة، ذات خواص محدودة:في أثناء العلاج النفسي تتحول آراء المعالَج في نفسه من أفكار مهيمنة سلبية إلى أفكار مهيمنة إيجابية، ويزداد اعتباره لذاته، ويصير لطيفاً وأكثر اندماجاً بالمجتمع، وتتوحد بنياته structures الأساسية، وتزول حالاته العصبية، ويتقبل بصورة أفضل حالات الانفعال، والصدمات، ويتعامل مع العالم الخارجي بموضوعية، وتتكيف شخصيته بصورة أفضل مع الأوضاع المهنية والتدريبية، وتغدو شخصيته أقل توتراً.كان روجرز يطمح إلى أن تمتد طريقته في العلاج النفسي غير الموجه لتتناول المشكلات الإنسانية الأخرى مثل تكوين البالغين، والتعليم، والقضايا الصناعية والسياسية. وتتمثل نظرية روجرز الشخصية توليفة من علم الظاهريات (الفينومينولوجيا)، والتصورات الرئيسية المكونة لنظريته:1ـ الكائن العضوي: وهو الفرد بكليته.2ـ المجال الظاهري: وهو مجموع الخبرة.3ـ الذات: وهي الجزء المتمايز من المجال الظاهري وتتكون من نمط للإدراكات والقيم الشعورية بالنسبة للـ (أنا) وضمير المتكلم I or Me.ويمتلك الكائن الخصائص الآتية:ـ أنه يستجيب ككل منظَّم للمجال الظاهري حتى يشبع حاجته.ـ أن له دافعاً أساسياً واحداً وهو أن يحقق ذاته ويصونها ويعززها.ـ أنه قد يرمِّز خبراته لتصير شعورية، أو قد ينكر عليها الرمز بحيث تظل لاشعورية أو قد يتجاهلها كلية.وللمجال الظاهري خاصية أن يكون شعورياً أو لاشعورياً، وذلك على حسب ما إذا كانت الخبرات التي تكّون المجال تحولت إلى رمز أم لا.أما الذات وهي المفهوم النواة في نظرية روجرز عن الشخصية، فلها خصائص عديدة منها:1ـ أنها تنمو من تفاعل الكائن مع البيئة.2ـ أنها قد تمتص قيم الآخرين وتدركها بطريقة مشوهة.3ـ نزوع الذات إلى الاتساق.4ـ سلوك الكائن أساليب تتسق مع الذات.5ـ الخبرات التي لا تتسق مع الذات تدرك بوصفها تهديدات.6ـ قد تتغير الذات نتيجة للنضج والتعلم.وقد أبرز روجرز طبيعة هذه المفهومات  وعلاقاتها المتداخلة في سلسلة من تسع عشرة قضية.ابتكر كارل روجرز،في عام 1938، أسلوب العلاج المركز على العميل (المريض) client-central therapy، وتطور هذا العلاج حتى عام 1980، ورأى روجرز في هذا الأسلوب ليس مجرد علاج نفسي، إنما هو طريقة للعلاقات الإنسانية. واستعمل روجرز مصطلح العميل أو «الزبون» بدلاً من مصطلح المريض لتأكيد وجهة نظره في أن العلاج ليس نموذجاً طبياً أو إجرائياً للتغيير، وأن الشخص الذي يسعى للمساعدة هو شخص مسؤول وقادر على التوصل إلى اكتشافات وقرارات محدودة, مؤكداً بذلك أن العلاج هو من أجل المريض وليس وسيلة لنظريات المعالج الطنانة، وأن على العميل أن يعبر عن إرادته الشخصية ويأخذ زمام السيطرة على حياته ويحاول خلق واقعه.اتجه روجرز في علاجه نحو ضرورة تجنب التدريب التقني للمعالِج والاعتماد بدلاً من ذلك على خصائص معينة فيه وهي:1ـ صدق المعالِج وتوافقه مع المريض » العميل ».2ـ قبول المعالِج للمريض كاملاً وتقديره تقديراً إيجابياً غير مشروط.3ـ التعاطي الحساس والدقيق في فهم مشاعر المريض ومعانيه الشخصية.وعليه فإن الأسلوب العلاجي بهذه الطريقة يحتوي على عمليتين الأولى من جانب المعالج، والأخرى من جانب العميل.تطورت طريقة روجرز وتحولت من مجال الإرشاد في المجال التربوي إلى مجال العلاج النفسي، وتحولت تطبيقات العلاج من الأشخاص العاديين إلى المصابين بأمراض نفسية وحتى العقلية. ووجدت هذه الطريقة مجالات تطبيقية كثيرة مثل: الإرث المدرسي، والتوجيه المهني، والإرشاد الزوجي، والعلاقات الاجتماعية، والتصرفات الحضارية والدولية والسياسية. وأكدت الأبحاث على الأفراد والجماعات ممن عولجوا بهذا الأسلوب، سواء في المستشفيات أم في خارجها، أن هذه الطريقة ذات فائدة، وأن التفاعل بين المعالِج والمريض يؤدي إلى زيادة في إدراك الفرد لذاته ويصير موضوعياً وأقرب ما يكون إلى ما يريد أن يكون، ويقدر نفسه بصورة أعظم، ويصبح أكثر تقبلاً للتجربة الصريحة، وأقل ميلاً لكبتها أو التغاضي عنها، ومع قبوله لنفسه كما هي، يغدو أكثر استعداداً لقبول الناس والتشبه بهم والتوافق معهم. وأثبت هذا الأسلوب العلاجي فعاليته في جميع الحالات التي تتطلب نمواً شخصياً للفرد أو في العلاقات بين شخص وآخر.

المراجع

الموسوعة.العربية

التصانيف

التربية والفنون   تربية وعلم نفس