جون ديوي John Dewey فيلسوف ومربٍ أمريكي وهو صاحب مذهب الأداتية Instrumentalism الذي ينظر إلى المفاهيم والقوانين والنظريات والأفكار بوصفها مجرد أدوات ووسائل لحل المشكلات.ولد جون ديوي في ولاية «فرمونت» والتحق بجامعتها في الخامسة عشر من عمره، وبعد تخرجه في عام 1879 نشر أول بحث له في الفلسفة قوبل بالثناء مما شجعه على احتراف الفلسفة بجامعة ميتشغن ثم عُيِّن رئيساً لقسم الفلسفة وعلم النفس والتربية في جامعة شيكاغو، وفيها نادى (بالتربية التقدمية) وقد أنشأ مدرسة تجريبية لتطبيق نظريته الجديدة. وعلى الرغم من أنه أثبت قابليتها للتحقق إلا أن القائمين على شؤون الجامعة لم يوافقوا عليها مما اضطره للاستقالة من العمل والسفر إلى جامعة كولومبيا حيث استمر بالعمل في كلية المعلمين فيها إلى أن وصل إلى سن التقاعد في عام 1930.رفض ديوي المعرفة القبلية وانتقد بشدة أصول المذهب التجريبي التقليدي الذي يعيد الخبرة إلى انطباعات حسية، وكذلك التربية اليونانية التي شهدت برأيه أعمق تناقض في التاريخ التربوي بين التربية العملية النافعة التي تحققها الطبقة المستعبدة والتربية لحياة الفراغ التي تسعى إليها الطبقة الحرة.وقد أكد ديوي على النظرة الطبيعية للإنسان وضرورة الاهتمام بالمعرفة التربوية واحترام ميول التعلم الذاتية ومراعاة الفروق الفردية وتنمية خبراته وإعداده للمشاركة في الحياة الاجتماعية، ودعا للأخذ بالمنهج التقدمي، وهو عنده منهج النشاط الذي يعكس الفلسفة التربوية التقدمية التي تنظر إلى الفكر على أنه أداة لإعادة تكوين الوجود الخارجي، والأفكار عنده إيحاءات لما يمكن أن نؤديه في عالم الواقع من عمليات إجرائية تحول الموقف المشكل إلى موقف محلول الإشكال، وإلى المعرفة على أنها التنسيق بين ما نصادفه من عوامل متنافرة في موقف معين.أسهم ديوي في أنشطة بارزة منها:ـ تنظيم اتحاد المعلمين غير اليساريين.ـ تأسيس اتحاد الحريات المدنية للأمريكيين.ـ تأسيس جمعية أساتذة الجامعات الأمريكيين.ومن أشهر مؤلفات جون ديوي:«الخبرة والتربية»، «الديمقراطية والتربية»، «المنطق ـ نظرية البحث»، «البحث عن اليقين»، «تجديد الفلسفة»، «الطبيعة الإنسانية والسلوك البشري»، «التربية والتغير الاجتماعي».ففي كتابه «الخبرة والتربية» يوضح ديوي طبيعة الخبرة ويعدها تياراً متصلاً يرتكز على عوامل بيولوجية وثقافية معاً ويؤدي كل جزء منها إلى الجزء الذي يليه وحل كل مشكلة يعين على حل المشكلات الراهنة في عالم دائم التطور، ومهمة المدرسة عنده هي نقل التراث الثقافي إلى الجيل الجديد وتوفير البيئة المساعدة لتكوين الخبرات الجديدة، والتربية الحديثة عنده والتعبير عن الذات وتنمية الفرد والنشاط الحر بدلاً من فرض قواعد النظام الخارجي والتعلم عن طريق الخبرة بدلاً من التعلم عن طريق الكتب والمدرسين.وفي كتابه «الديمقراطية والتربية»، يبين ديوي أهمية المنهج التقدمي في تحقيق ديموقراطية التربية وهو منهج يسعى إلى تنظيم المعلومات المنقولة وإدماجها في خبرة المتعلم.وتبقى المشكلة الأساسية في التربية التقدمية هي في حسن انتقاء المادة الدراسية وتنظيمها وكيفية استخدامها وتأمين البيئة المثيرة والمجدية تربوياً حيث يقول: «وأياً كانت البيئات فهي بيئات مصادفة من حيث عملها التربوي ما لم تنظم عمداً بالنظر إلى أثرها التربوي». ومن هنا كانت المدرسة هي الأقدر على تحقيق التربية المقصودة مستفيدة من سمات الطفل (عدم قدرته على الاعتماد على نفسه، ومطاوعة الشخصية الإنسانية، وما تحمله البيئة الاجتماعية من أعراف وتقاليد وسلوك وقيم) في تحقيق وظيفتها التربوية.وفي كتابه «المنطق - طريقة البحث» آثر ديوي أن يطلق على منطقه الجديد اسم نظرية البحث ليعارض بها سائر النظريات المنطقية الأخرى وبخاصة المنطق الأرسطي وقانون التناقض، إذ يعرض ديوي في هذا الكتاب وجهة نظر في المنطق تلائم العصر وهو بذلك يعبر بها عن رأي البراجماتيين الذين هم عنده من ألصق الجماعات الفلسفية الحديثة بتيار العلم لأنهم يرون أن الإنسان لا يأخذ في التفكير إلا إذا صادف موقفاً مشكلاً يدفعه إلى التغيير لإزالة التنافر وفض الإشكال. والمعرفة عنده هي التنسيق بين ما نصادفه من عوامل متنافرة في موقف معين.وفي كتابه «البحث عن اليقين» يناقش ديوي آراء الفلاسفة اليونانيين الذين قالوا بالثنائية في الطبيعة البشرية، والتي تقوم على وجود علوم نظرية تتصل بالعقل وهي مجال إعجاب وتقدير، ومهن وحرف وهي مجال ازدراء وتحقير، ويحلل الآثار الكثيرة التي تركتها هذه الفلسفة في التربية مبيناً الجهد الكبير الذي يبذله المدرس، والوقت الذي يستغرقه في سبيل قمع الأنشطة الجسمية وإبراز الأنشطة العقلية.ويربط ديوي في تحليله لآراء الفلاسفة بين العملية التربوية والطبيعة الإنسانية، فبقدر فهمنا للطبيعة الإنسانية يتحقق فهمنا للعملية التربوية.كما يبين ما نادت به الفلسفة حول فكرة تقسيم العالم إلى عالمين إذ يقول:«ثم تميز تدريجاً عالمان: أحدهما أعلى يشتمل على القوى التي تحدد مصير الإنسان في جميع الأمور الهامة ....أما الآخر فيشتمل على الأمور الدارجة التي يعتمد فيها الإنسان على مهارته الخاصة وما له من بصيرة يملكها بالفعل».«فالرياضيات مثل أعلى من المعرفة العقلية الخالصة لها في ذاتها كيان وطيد وقيمة». «والنحو والخطابة مثلاً - عندما نبحث في الكلام وتفسير الأدب وفن الإيقاع - كان أعلى من الحدادة والنجارة».وفي كتابه «تجديد الفلسفة» يتناول ديوي بالبحث والتحليل خصائص الطبيعة الإنسانية مؤكد أنها طبيعة متغيرة وليست فطرية جامدة، إنها قابلة للتطور والتحسن.ويعقد ديوي مقارنة بين الإنسان الهمجي والإنسان المتحضر لبيان أثر البيئة في نوع التغيير ومداه فيقول: «لنفرض أن كليهما يعيش في صحراء مجدبة فإن الهمجي يخضع للأجواء التي تكتنفه وينفعل بها إلى أقصى حد ممكن، على حين لا يؤثر هو فيها إلا أقل تأثير، فهو يتلقى الأمور التي حوله كما هي وبالشكل التي يجدها عليه فباستغلال بعض الكهوف واستخدام بعض الجذور وبعض البرك أحياناً يستطيع أن يعيش عيشة هزيلة خطرة قلقة ليس فيها أي مجال للاطمئنان. أما الإنسان المتحضر فنراه يمضي إلى الجبال البعيدة ويقيم السدود على مجاري المياه، ويكوّن الخزانات، ويحضر الترع، ويرسل مياهها إلى ما كان من قبل صحارى قاحلة».وهكذا فعملية البحث عند ديوي سير متصل مستمر خلال الحياة، الغاية منه أن يغير ما هو قائم إلى صورة جديدة تخدم أغراض الإنسان إزاء مشكلاته التي تعترضه.وفي كتابه «الطبيعة الإنسانية والسلوك البشري» أكد ديوي أهمية العملية التربوية في مرحلة الطفولة وضرورة استغلال إمكانيات الوليد البشري المختلفة وما تتسم به من مطاوعة الشخصية ومرونتها فهو يقول: «فالكبت ليس معناه الإبادة، وليست لنا القدرة على محو الطاقة النفسية أكثر من قدرتنا على محو ما يعرف بالأشكال الفيزيقية، فإذا لم تنفجر هذه الطاقة النفسية ولم تنحرف فإنها تتجه إلى الداخل، وتعيش حياة تحتية متصلة مصطنعة ... والنشاط المكبوت هو سبب كل أنواع الأمراض العقلية والأخلاقية».والسلوك الإنساني هو نتاج التفاعل بين الطبيعة الإنسانية وبين البيئة الاجتماعية، إنه وظيفة اجتماعية تجمع بين الذات الإنسانية والبيئة المحيطة بها في تفاعل مستمر.«ومهما كانت جريمة المجرم فإن هذا لا يعفينا من مسؤوليتنا عن النتائج التي حصلت له و للآخرين نتيجة الطريقة التي عاملناها بها».وفي كتاب «التربية والتغير الاجتماعي» يؤكد ديوي أن التربية لا تنفصل عن المجتمع وأنها عامل هام من عوامل التغير الاجتماعي وهي ليست كالمرآة تعكس الضوء ولا تولده، إنها تحتل مركز القيادة فيه وتقوم بدور فعال ونشيط في توجيهه. وللمدرسة، وهي المؤسسة التربوية المقصودة، دور في إعداد الأفراد وتوجيههم وإكسابهم مفاهيم جديدة وتعريفهم بما حولهم ليكونوا جديرين بتحمل المسؤولية.أوجد ديوي في كل أعماله ومؤلفاته منهجاً جديداً في تناول المشكلات، معبراً بذلك عن وجهة النظر البراغماتية التي تقوم على النظر إلى النتائج على أنها اختبارات لابد منها للدلالة على صدق القضايا والنظر إليها على أنها عمليات يمكن إجراؤها وكل مشكلة تكون بداية وهذه البداية يسميها ديوي موقفاً، والموقف بتعريفه هو كل شيء قائم في الوجود الخارجي.لقد عارض ديوي في فلسفته المذهب التجريبي كما عرفه هيوم، والمذهب العقلي كما عرفه كنت وكذلك الفلسفة الهيغلية.وبالمقابل فإن آراءه الفلسفية والتربوية تعرضت إلى الكثير من النقد وخاصة من قبل برتراند راسل الذي عارض البراغماتية في جعلها القضية وسيلة أدائية وفي إصرارها على جعل النفعية هي الغاية.
المراجع
الموسوعة.العربية
التصانيف
التربية والفنون تربية وعلم نفس