التربية البدنية Education Physique et Santaire هي إحدى مكونات التربية العامة، وتهدف إلى تقوية صحة الإنسان ونموه الجسدي السليم. وتسهم التربية البدنية في إطار تناسبها وتناسقها مع جوانب التربية الأخرى، كالعقلية والجمالية والجنسية والتعليمية في نمو الإنسان نمواً متكاملاً.وتعود أصول التربية البدنية إلى العصور الأولى من تطور البشرية، فقد عرفت أنواع مختلفة من اللعب والمسابقات التي تعيد إنتاج عمليات العمل، كالصيد والدفاع، وأسهمت الشعائر في تدريب الجسد على التحمل والصبر وتقويمه. هذه الصفات كانت مطلوبة في تلك العصور لأهميتها الحياتية. فقد ارتبطت التربية البدنية بتربية الصفات الإدارية في صراع الإنسان مع الطبيعة ومع خصومه من الأعداء. كانت التربية البدنية أمراً مهماً في اليونان القديمة كما في ألعاب الأولمبياد ورومة. وقد اهتم بها الحكام لإعداد الشباب للواجبات العسكرية وواجبات المواطن. ثم تناقص الاهتمام بالتربية البدنية في المراحل الأولى من عهود الإقطاعية في البلدان الأوربية في القرون الوسطى، ويعزى ذلك إلى انتشار المسيحية الداعية إلى (التنسك، والزهد، وفناء الجسد). أما في المراحل المتقدمة من عهود الإقطاعية فقد عادت التربية البدنية لتزدهر وتدخل في تربية أبناء طبقة النبلاء والفرسان. وقد حثّت التربية العربية الإسلامية في أوائل عهدها على التربية البدنية إذ دعت إلى ممارسة ركوب الخيل، والسباحة ورمي السهام، والمبارزة والنزال «المصارعة» إضافة إلى ممارسات الصلاة يومياً.وازداد الاهتمام بالتربية البدنية في عصر النهضة في أوربة، فقد افتتحت في إيطالية في بداية القرن الخامس عشر الميلادي مؤسسة اهتمت بالتربية البدنية أدارها ورعاها المربي الإيطالي فيتيرينو دي فيلتره Vitterino De Filtre، وطرح فرانسوا دابليه (1494-1553) F.Rabelais وميشيل دي مونتين (1533-1592) M.De Montaigne في فرنسة أفكاراً حول ضرورة التربية البدنية باتحادها مع التربية العقلية. ونظر إليها آموس كومينسكي المعروف باسم كومينوس[ر] (1592-1670) J.A.Komensky (Comenius) في كتابه «فن التدريس العظيم» Didactica Magna الذي وضعه بين عامي (1633 و1638) بوصفها جزءاً مهمّاً وأساسيّاً من العملية التعليمية، وفي كتابه «مدرسة الأمومة» (1632) Informatorium skoly Maternske خصّص للتربية البدنية مكانة كبيرة وربطها بالتربية الصحية والتغذية، ونظام الأطفال الصحي وتدريباتهم وتمريناتهم وبرامجهم الصحية، ودعا إلى مزاولة التربية البدنية في مرحلة مبكرة من العمر. وقد أولى الفيلسوف الإنجليزي جون لوك (1632-1704) John Locke التربية البدنية اهتماماً خاصاً في كتابه أفكار حول التربية (1693) Some Thoughts Concerning Education، إذ رأى أن مهمتها الرئيسية تقوية أجسام الأطفال وتلبية حاجاتهم الطبيعية للحركة. وأشار جان جاك روسو (1712-1771) J.J.Rousseaue في كتابه «إميل أو عن التربية»  (1762) Emile ou de L’education إلى أهمية استخدامها في إطار التربية العقلية، وفي تعليم الأطفال أصول العمل والى أهميتها الخاصة في تربية النساء. وقد تأسّست في ألمانية في القرن الثامن عشر (بتأثير أفكار روسو) مدرسة «حب الإنسان والأخلاق الخيّ» Philanthropic School التي انبثقت عنها منظومة تمرينات رياضية من أبرز ممثلي هذه المدرسة فيت (1763-1836) Fitt، وغوتس ـ موتس (1759-1839) J.Guts - Muths والكسندر باين (1818-1903) A.Bain وبستالوزي[ر] (1746-1827) J.Pestalozzi وشبيس (1810-1853) الذي طوّر هذه التمرينات لتدخل في إطار المدرسة (التمرينات العددية والحركات الحرة المختلفة) ووضع بييرلينغ (1776-1839) P.Ling التمرينات السويدية المعروفة. وفي تشيكية أسس م. تيرش M.Tirsh منظومة وطنية للتمرينات البدنية، ووضع س. ديمين (1850-1917) منظومة للتربية البدنية في فرنسة تُعنى بالحركات الطبيعية والحركات التطبيقية الخاصة التي تهدف إلى تطوير القدرات الحركية للإنسان وتنـميتها. ووضع خليفته أيبر (1875-1957) Iber في بداية القرن العشرين (الأسلوب الطبيعي) وأضفى عليه صبغة عسكرية واضحة. ووضع نيلس بوك (1880-1950) N.Bouck في الدنمارك نظام الجمباز الأساسي وتمريناته لتطوير القوة والمرونة والليونة.ودعا مربون مثل بيلينسكي (1811-1848) V.Belensky واوشينسكي (1824-1870) K.Ushinsky وليسغافت (1837-1909) P.Lesgaft إلى ضرورة البدء بتربية الطفل بدنياً لكي يطرد التعب، وينعش الذاكرة، والانتباه. أما ليسغافت فقد جعل هدف التربية البدنية تنمية الطفل تنمية متكاملة وجعلها جزءاً من العمل المدرسي.ويتم النمو الجسدي السليم بتدريب أجهزة الجسد الداخلية الرئيسية، وفي مقدمتها القلب، والرئتان، والجهازان العضلي والعصبي. تؤدي هذه المهمة القيام بالتمرينات التي تؤثر في نمو الهيكل العظمي وتقوية عضلات الجسم الهيكلية المخططة. وقد يؤدي عدم ممارسة هذه التمرينات إلى عاهات من أهمها: تقوّس العمود الفقري، ونمو الجهاز العصبي بصورة ضعيفة ومضطربة. ويسهم انتظام ممارسة التمرينات الجسدية في تكيف الجسد ولاسيما الأجهزة العصبية والعضلية والتنفسية والقلبية مع العمل المكثف، إذ يتم هنا خفض هدر القوة إلى الحدود الدنيا.ويتم تطوير المهارات والخبرات الحركية وتنميتها في سياق التربية البدنية عن طريق الممارسات التدريبية المنتظمة المدروسة والموجهة. فالإنسان لا يولد مزوداً بقدرات جاهزة للحركة يستخدمها فور ولادته، لكنه يتعلم الحركات في سياق التدريب والتعليم (فهو يتعلم العدو والهرولة وغير ذلك) وتبيح ممارسة أنواع محددة من الرياضة البدنية التعبير والكشف عن القدرات البدنية الخاصة مثل القوة العضلية والقدرة الجسدية على التحّمل والمرونة والليونة واللياقة وسرعة الاستجابة وسرعة الحركة في الاتجاهات المختلفة.وتسهم التربية البدنية في تكوين القيم الأخلاقية ـ الإدارية وتنميتها للإنسان كالشجاعة والجرأة والحزم والمبادرة والبداهة وقوة الإرادة ومهارات العمل الجماعي والتنظيم والانضباط الواعي، ومشاعر الصداقة والرفاقية. تبدأ التربية البدنية في إطار الأسرة في السنوات الأولى من عمر الطفل. وتتطور وتتحسن بالتغذية النوعية السليمة والعناية الصحية والنظافة والاستحمام المنتظم وانتظام النوم واللعب في الهواء الطلق. ويتدرب على الحركات الطبيعية المطلوبة (المشي، والعدو، والوقوف، والجلوس، والقفز). وفي إطار التربية اللانظامية تسهم وسائل الإعلام (التلفاز والإذاعة) في المنزل في تعزيز أهمية هذه التمرينات البدنية وتزّود المشاهدين والمستمعين بمعلومات وتوجيهات حول أصول التربية البدنية وتوجه إلى الكبار والصغار على حد سواء، ويمكنهم ممارستها وفقاً للإيقاعات الموسيقية بما يتناسب مع قدرة أجسامهم على الحركة والسرعة. وعرفت هذه الرياضة الفنية باسم (إيروبيك EROBICX).إن الشكل الأمثل لممارسة أنواع التربية البدنية في مرحلة الطفولة المبكرة هو «أنواع اللعب المختلفة»، ولاسيما تلك الألعاب المتعلقة بالمشي والجري وقذف الكرة واللعب بالدمى وحمل الأشياء الصغيرة الحجم ومحاولته ترتيبها في أماكنها.ويزداد تعقيد تمارين التربية البدنية وتشابكها مع تقدم الطفل قبل دخوله المدرسة وتمارس تمرينات لتنمية قدرة الجسد النامي على التحمل ومقاومة المؤثرات الخارجية الضارة، وتكوين المهارات الصحيحة للحركات الأساسية المطلوبة في هذه المرحلة العمرية سرعة الحركة واللياقة البدنية، والقدرة على تنسيق الحركات وتربية السلوك الموازي لها مثل المبادرة الفردية، والانضباط وإمكانية التفاعل مع الجماعة. أما العوامل المساعدة في تنفيذ ذلك فهي: نظام الحياة الصحيح، الرعاية الصحية (المحافظة على النظافة الشخصية والاغتسال وغير ذلك). تتصف ألعاب الأطفال ببساطة موضوعها وهي تشتمل على حركات يعرفها الأطفال (بالتقليد والمحاكاة أو بالتدريب المسبق) وهي تقوم في معظم الحالات على تنفيذ المهمات التي يستطيع الأطفال القيام بها. وتغلب على هذه الألعاب صفة المتعة والتسلية، مثل لعبة الظهور والاختفاء الشائعة عالمياً تحت أسماء متعددة (منها الألعاب الإيهامية التمثيلية[ر]).أما تنظيم التربية البدنية فيتمثل في الرياضة الفنية (ألعاب الجمباز) وألعاب القوى والألعاب الرياضية المختلفة مثل كرة القدم وكرة السلّة والكرة الطائرة وكرة اليد وشد الحبل والمسابقات الرياضية الخفيفة[ر]، وقد تمارس السباحة في المدرسة، وتستخدم هذه الوسائل في إطار البرنامج الدرسي الأسبوعي، كما تستخدم في الأنشطة خارج المدرسة. ويتوقع أن تسهم التربية البدنية في عمر المدرسة إلى تحقيق أهدافها بمستويات مناسبة، ومن هذه الأهداف: 1ـ التمكن من المهارات والخبرات الحركية الحياتية المهمة مثل (المشي والجري والسباحة وقفز الحواجز والمسير الطويل والقصير وحمل الأثقال). 2ـ إتقان أحد أنواع الرياضة (بحسب الرغبة والميل). ويُعّد هذا المستوى الأكثر أهمية لأنه يشير إلى إمكانية الحكم على الحدود القصوى لدى التلاميذ لمواجهة الجهد العضلي وتحقيق الأهداف التي تستدعي استعداداً جسدياً عالياً. 3ـ التوصل إلى معرفة المؤشرات الجسدية والنفسية وتربية القيم الخاصة بالتربية البدنية.وترتبط التربية البدنية بالتربية الصحية من خلال العلاقة بين أصول الوقاية من الأمراض، والعمل على تقوية الجسد بصورة عامة، فالتربية البدنية تحتاج إلى معلومات طبية تشريحية ولاسيما تلك المتعلقة بتطوير النظام العضلي وأهمّية معرفة عمل جهاز التنفس والقلب. وقد أكدت التربية الحديثة أهمية هذه العلاقة وتكاملية جوانبها داخل المدرسة وخارجها. ومن المعروف أن التربية البدنية والتربية الصحية هما من الأهداف الرئيسية لعمل وزارات التربية في مختلف البلدان، وهناك وزارات للشباب في بعض الدول العربية تُعنى بتربية الشباب بدنياً وصحياً وتشرف على ممارسة هذه الأنشطة، وفي دول أخرى تناط هذه المهمة بالاتحادات الرياضية وبعض المؤسسات الرياضية ـ البدنية الصحية الخاصة. وتمارس مهارات في التربية البدنية والصحية في سورية في منظمات تربوية مثل: منظمة طلائع البعث، واتحاد شبيبة الثورة، والاتحاد الوطني لطلبة سورية، والاتحاد الرياضي العام. كما تسهم وسائل الإعلام في تعزيز اتجاهات المواطنين نحو التربية البدنية (عن طريق التلفاز والإذاعة والصحافة بأنواعها) كما تسهم الجمعيات الأهلية الخاصة في تطوير وتحسين التربية البدنية والصحية. فتقدم معلومات عن صحة الأم وصحة الجنين وبعد ذلك الوليد ومسألة التنشئة الاجتماعية وتوفير الأساس النفسي لدى الناشئة فيما يتعلق بالتطورات التي تطرأ على الجسد (ولاسيما في مرحلة المراهقة لكلا الجنسين)، ويبدو أن برامج التلفاز تسهم في زيادة العناية بالتربية البدنية والصحية من حيث المعلومات والمهارات لجميع الأعمار وللجنسين، ويقبل الناس على مشاهدتها.وتتناول التربية الصحية Hygienic Education علاقة الإنسان المتبادلة مع الجماعة ومع البيئة الخارجية، أي مع الشروط الحياتية والطبيعية والعلاقات الإنتاجية. وهنا تدرس المعايير الصحية للحياة والعمل وأشكال استخدامها. إن مفهوم الصحة يرتبط بالعلوم الطبية والطبيعية والاجتماعية ـ الاقتصادية.وتمارس التربية الصحية للأطفال والمراهقين باتخاذ التدابير والوسائل المتصلة بحماية الصحة وتقويتها، ورفع مستوى قدرة الأطفال والمراهقين على العمل بالاستفادة من المعلومات المنظمة في علم الصحة العامة، والصحة البيئية، وصحة التغذية، وصحة العمل والوقاية من الأوبئة المختلفة التي قد تنتشر في المؤسسات التربوية. وترتبط التربية الصحية بعلمين، هما: «علم التشّكل» Morphology، و«علم وظائف الأعضاء» Physiology.وتهدف التربية الصحية والتربية البدنية إلى تكوين معلومات ومهارات واتجاهات إيجابية لدى الأطفال والمراهقين لفهم وإدراك التصنيفات والمقولات الرئيسة لعلمي الصحة والرياضة. مما يوجد أساساً راسخاً لسلوكية مناسبة للممارسات الصحية والبدنية في إطار المدرسة والأسرة والجماعات الاجتماعية المختلفة (جماعة الأقران وجماعة العمل).إن أصول التربية الصحية قديمة العهد، لكنها صارت تسلك منحى العلم وتكوّن علماً له حيثياته الخاصة به منذ بداية القرن التاسع عشر. ففي البداية كان علماً وصفياً بُني على أساس مراقبة حالة التلاميذ الصحية وملاحظتها جرّاء الأمراض التي انتشرت في أوساطهم (مرض انحسار النظر، وانحناء «تقوس» العمود الفقري، والأمراض العصبية). ولدى البحث في أسباب هذه الأمراض تبين أنها كانت منحصرة في إطار أخطاء ارتبطت بكيفية تنظيم العملية التعليمية ـ التربوية في المدرسة، وقصور واضح لدى المربين في معرفة الأصول الصحية لسير العملية التدريسية (الإجهاد المدرسي، وتوضع الأثاث بصورة خاطئة، وعدم اهتمام المربين بوضعية الجلوس، وسقوط الضوء من زوايا مناسبة، وازدحام المدارس وصحة مرافقها وانتشار الأوبئة).انتشرت مفهومات التربية الصحية على نطاق واسع، وصارت مثار اهتمام المنظمات التربوية والصحية العالمية وغير الحكومية، وعُقدت لهذه الغاية ندوات ومؤتمرات دولية. وقد أسهمت منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونسيف بالإشراف على هذه الاجتماعات وتقديم المعونات اللازمة لذلك منها مؤتمر باريس 1947، ومؤتمر ليون 1952، واجتماعات موسعة في غرينبول 1954 وفي مدينة برلين 1957 وفي مدينة دريزدن عام 1961. كما اهتمت اليونسيف  بمسألة التثقيف الصحي والتربية الصحية في التسعينات من هذا القرن. وفي إطار برنامج صندوق الأمم المتحدة للسكان قدّمت معلومات صحية إرشادية متنوعة حول العناية بجسد الأم والطفل وتنظيم الحياة بصورة علمية مدروسة. وتسهم المدرسة في تنظيم التربية البدنية والصحية ضمن الحصص الدرسية المقررة المنهج الدراسي والخطة الدراسية والأنشطة المدرسية خارج المنهج. كما توفر الأسرة شروط النوم الصحيح والعمل الذهني والجسدي، وتحدد أوقات الاستراحة والتنزه. وفي هذا الصدد يُعد التعاون بين المدرسة والمنزل ضرورياً بهدف إيجاد التوازن في نظام الحياة اليومي الذي تتزايد فاعليته باطراد من خلال تنوع الأنشطة المفيدة للحياة وممارسة الدقة في متطلبات النظام (دقة زمن الاستيقاظ الصباحي والتمرينات الصحية والغذاء الصحي المتوازن) وتنفيذ المهمات المنزلية والدقة في مواقيت الذهاب إلى المدرسة والعودة إلى المنزل. إن تربية التزام الدقة يوّلد لدى الطفل مزايا عملية ومهارة المحافظة على الوقت والانضباط على أن يلزم بهذه الأنشطة جميع أفراد الأسرة في نظام الحياة اليومي. 

المراجع

الموسوعة.العربية

التصانيف

التربية والفنون   تربية وعلم نفس