المجدلانية Magdalenien حضارة أخذت اسمها من موقع لامادلين La Madeleine في منطقة الدوردون Dordogne في جنوبي فرنسا الذي اكتشفه منذ منتصف القرن التاسع عشر تقريباً كل من الباحثين الفرنسيين إدوار لارتيه É.Lartet وهنري بروي H.Breuil، واشتهرت بفنونها المتميزة العائدة إلى القسم الأخير من العصر الحجري القديم الأعلى. انتشرت في القسم الغربي من القارة الأوربية خاصة في الحقبة الواقعة بين 16- 10 آلاف سنة ق.م. مر المجدلانيون بثلاث مراحل تطورية هي المرحلة القديمة فالوسطى فالحديثة، وعاشوا في بيئة ومناخ باردين في القسم الأخير من العصر الجليدي ڤـيرم Würm وسكنوا في المغاور والملاجئ الصخرية، كما أنهم أشادوا مختلف أنواع الأكواخ في الهواء الطلق التي دلت عليها معظم مواقعهم، وأهمها الموقع الشهير بانسوفن Pincevent شمالي فرنسا؛ حيث كُشف فيه عن أكثر من مئة كوخ ذات أشكال دائرية، بعضها بيوت كبيرة تجاوز قطرها سبعة أمتار، ضمت أسراً كثيرة الأفراد واحتوت أيضاً على العديد من المواقد مما جعل منها منشآت سكنية باكرة هي الأندر من نوعها في العالم حتى اليوم. صنع المجدلانيون مختلف أنواع الأدوات الصوانية خاصة النصال والمقاشط والمخارز والأزاميل والأدوات العظمية كالإبر والمخارز والملاعق والعصي والخطاطيف والصنانير وغيرها من الآثار التي أتت من مختلف المواقع المجدلانية، مثل لوجيري أوت Laugerie Haute في جنوبي فرنسا ونويڤيد Neuwied في ألمانيا.عاش المجدلانيون من جمع الثمار والنباتات البرية ، كما اصطادوا الحيوانات البرية وعلى رأسها الرنة والبيزون والأسماك وخاصة سمك السلمون. إلا أن الإنجاز الأكبر للمجدلانيين كان في مجال الفنون بكل أنواعها سواء كانت ثابتة أم منقولة، والتي نُفذت بالنحت أو الحفر أو التلوين. فقد صُنّعت في هذا العصر مختلف أنواع التماثيل الحيوانية والبشرية، من الحجر أو الطين أو العظم أو العاج. ومن فنونهم المتميزة ما أصبح يُعرف بالعصي المثقوبة perforated batons التي تحمل زخارف هندسية متنوعة، والمصنعة من قرون الوعل أو العاج،عثر منها على آلاف القطع التي انتشرت على مساحات واسعة من إسبانيا إلى سيبيريا. وهناك الفنون التي نُفّذت عن طريق الحز العميق في الصخور المكشوفة، وجسدت مختلف أنواع الحيوانات، كالحصان والثور والغزال والأسماك التي ظهرت في وادي كوا Coa شمال شرقي البرتغال؛ الذي أنقذ من خطر التخريب إثر بناء سد في المنطقة، وسجل على قائمة التراث العالمي النادر. إن الإبداع الفني الأهم للمجدلانيين هو في الفنون الجدارية Parietal Art التي نُفّذت على جدران المغاور التي سكنها- جزئياً أو كلياً- المجدلانيون في منطقة البيرينيه Pyrénées خاصة في فرنسا مثل كهف لاسكو Lascaux في فرنسا وكهف ألتاميرا Altamira في منطقة الكانتابريا Cantabria في إسبانيا، إذ كشف في هذين الكهفين وغيرهما عن رسوم جدارية حملت أشكالاً حيوانية وإنسانية وهندسية وإشارات ذات دلالات ميثولوجية غامضة تشير إلى ممارسة شعائر دينية معقدة في كهوف العصر المجدلاني التي يعدها بعضهم المعابد الأولى في التاريخ. هذه الفنون لازالت تخضع لدراسات دقيقة، وتختلف آراء الباحثين حول دوافعها ووظيفتها، فهناك من يرى فيها مجرد ممارسات فنية لذاتها، ويعتقد آخرون أنها مرتبطة بطقوس السحر والصيد، ويظن غيرهم أنها ترمز إلى معاني الخصوبة والجنس أو غير ذلك. مهما يكن فإنها فنون متطورة ذات أبعاد ودلالات عميقة لدى الذين نفذوها، وتدل على وصولهم إلى درجة عالية من التطور الاجتماعي والروحي.في نهاية العصر الجليدي الأخير، منذ نحو 10 آلاف سنة حصل تحول مناخي مهم، وبدأ الطقس يميل إلى الدفء ورحل حيوان الرنة إلى المرتفعات الأكثر برداً في أوربا الشمالية، رافق ذلك انتهاء الحضارة المجدلانية الرائعة التي مثلت «العصر الذهبي» لمجتمعات ما قبل التاريخ الأوربية التي دخلت العصر الحجري الوسيط (الميزوليت Mesolithic) الذي يمثل مرحلة جديدة أقل إبداعاً وغنى من سابقتها المجدلانية.
المراجع
الموسوعة.العربية
التصانيف
العلوم الإنسانية فلسفة