بليز باسكال Blaise Pascal رياضي وفيزيائي وفيلسوف وكاتب فرنسي. ولد في مدينة كليرمون فيران (فرنسة). ماتت أمه وهو في سن الثالثة. فاضطر أبوه إلى التفرغ لتربيته وشقيقتيه. ولما ظهرت علائم النبوغ المبكر على باسكال، أراد الأب أن يكون معلمه الوحيد، فلم يرسله للتعلم في المدارس التي كان يسيطر على أفضلها اليسوعيون[ر].كان باسكال الأب قاضياً، وتنتمي أسرته إلى «نبلاء الثوب» (القضاة والموظفون الكبار) الذين كانوا يتنافسون على السلطة مع «نبلاء السيف» (القادة والفرسان) فنشأ الابن في بيئة مثقفة، وهو يرى في بيته علية القوم من العلماء والمفكرين، عاصر حكم لويس الثالث عشر ووزيره القوي ريشيليو وكذلك حكم لويس الرابع عشر. كما عاصر كبار المفكرين والكتاب الفرنسيين مثل ديكارت وكورنييي وموليير ولافونتين، أنشئت آنذاك أول أكاديمية فرنسية «المجمع الأدبي الفرنسي» (1635) Accadémie Français.وعلى الأمراض المتعددة التي استحكمت بجسمه، برع باسكال في الرياضيات ودرس وحده كتاب إقليدس. وألّف رسالة في المقاطع المخروطية بزَّ فيها سابقيه ولما يتجاوز السادسة عشرة من عمره. وقد أسس حساب النهايات وحساب التكامل، ويعد أحد مكتشفي حساب الاحتمالات. وكان للاستقراء الرياضي الذي اعتمد عليه منهجاً في البحث أثر مهم في تطور الرياضيات الحديثة. اخترع أول آلة حاسبة، وسجل اختراعه عام 1649، وهو الإنجاز الوحيد الذي قام به في مجال العلوم التطبيقية. وكانت طريقته الهندسية في الرياضيات مختلفة عن طريقة ديكارت الجبرية.أما في مجال الطبيعيات فقد رسخ باسكال مفهوم التجربة، ومهد لظهور الوضعية Positivism. وكان يرى أن المسائل الطبيعية لا تحل باستنباط نتائج من مبادئ عامة للفكر بل بالتجربة. ولم يعتقد، كما فعل ديكارت، بمنهج واحد يطبق على جميع الموضوعات. وما إن بلغه خبر اكتشاف توريشللي لتجارب الأنابيب الكاشفة للضغط الجوي، حتى عكف في مدينة روان على تنويع التجربة نفسها سواء من حيث الأواني المستخدمة أو من حيث الشروط الطبيعية. فقد أجرى تلك التجارب مراراً على مستوى سطح البحر وعلى سطوح المنازل أو أبراج الكنائس أو قمم الجبال، فرأى أن الزئبق ينخفض في الأنابيب بنسبة الارتفاع عن سطح البحر. وقد كان اكتشافه للخلاء المطلق مناقضاً لأفكار أرسطو وديكارت. وتوفي باسكال قبل أن يبلغ الأربعين من العمر.جمع باسكال بين العلم والدين، وعاش حياته باحثاً عن القداسة أكثر من بحثه عن الفلسفة. وفي غمرة الإصلاح الديني[ر] في أوربة أشرك باسكال نفسه في النزاعات الدينية القائمة، فقد انحاز لجماعة «بور رويال» على اليسوعيين. وحاول تأليف كتاب لإقناع الهراطقة بضرورة اعتناق الدين، ولكن هذا الكتاب نشر بالاعتماد على القصاصات التي لم يمهله الأجل في تطويرها لإنجاز عمله، فكان أن نشرت بعد وفاته بعنوان «الخواطر». وقد قرأ كتب الإصلاحيين الفرنسيين الذين حاولوا استلهام التيار الأوغسطيني. وكان جانسنيوس صديق سان سيران مرشد دير بور رويال قد ألّف كتاباً بعنوان «الأوغسطيني»، لتدعيم هذا الاتجاه في الزهد والحكمة. ولم يتفق هذا التيار مع الجانب العملي والاجتماعي ـ السياسي لليسوعيين.أسهم باسكال بكتاباته ومواقفه في الدفاع عن مذهب بور رويال في السنوات 1662-1664. ورأى أن المسيحية تفرض «أن نحيا لله وحده». وكان يرى مثل والده أن العقيدة موضوع إيمان لا تبحث بالعقل. ولهذا السبب فقد استنكر باسكال عبث مرسوم رومة الذي أدان غاليليو[ر]. وحاول باسكال الاستغناء عن الميتافيزيقة لأن براهينها على وجود الله معقدة ولا تعطي يقيناً ثابتاً. فالله محبة وعزاء، وليس موضوعاً للمنطق والبرهان.وكان منهج باسكال في الدين يتلخص في قوله إن الإيمان المسيحي يرضي جميع حاجات الإنسان ولا يناقض العقل.وإذا كانت غاية الدين هي في الأساس حيازة الفضيلة، فإن على الإنسان ألا ينسى أن النعمة الإلهية هي التي تساعده على البحث عنها. وقد فرق باسكال بين «روح اللطف» و«الروح الهندسي». فالأول موضوع وجداني، ومبادئه لا تكاد تحصى، ولا توضع في صيغة محددة لأنه خارج عن مجال العقل. أما الروح الهندسي، فإنه يتناول المبادئ المحدودة التي يدركها كل عقل متنبه، ويحسن استخدامها بمجرد تطبيق قواعد الاستدلال. ويبدو أن هذا التفريق بين عالمين مختلفين هما عالم العقل وعالم الروح، قد قاد كَنت Kant فيما بعد إلى التفريق بين العقل النظري والعقل العملي.وقد اشتهر باسكال بحجته لإثبات المعاد ووجود الآخرة، وتحدى بفكرة «الرهان» الملحدين، ورأى أنهم الخاسرون في النهاية، فبالإيمان: «إذا كسبتم كسبتم كل شيء، وإذا خسرتم لم تخسروا شيئاً. فإن كان هناك آخرة تكسبون وتكسبون كل شيء، وإذا لم يكن هناك آخرة فلن تخسروا شيئاً، فالأَوْلى إذن أن يراهن المرء على ما هو مضمون المكسب على كل حال». ويرى عبد الرحمن بدوي أن هذه الحجة قد ذكرها الغزالي في كتابه «إحياء علوم الدين» وفي كتب أخرى. وهو ينسب الصورة الأولى لهذه الحجة إلى الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. فيقول: «قال علي رضي الله تعالى عنه لمن كان يشاغبه ويماريه في أمر الآخرة: إن كان الأمر على ما زعمت تخلصنا جميعاً، وإن كان الأمر كما قلتُ فقد هلكتَ ونجوت». والشائع أيضاً أن هذه الحجة قد لخصها أبو العلاء المعري في هذين البيتين:قال المنجم والطبيب كلاهمالا تُحشر الأجساد قلت إليكماإن صح قولكما فلست بخاسر                أو صحَّ قولي فالخسارُ عليكماومع أن باسكال كان رائداً من رواد الفكر العلمي في القرن السابع عشر، فقد عده مؤرخو الفلسفة من مؤسسي الوجودية الحديثة. وذلك لانصباب جهده على الإنسان ككائن قلق مخلوق للموت. وقد أعيد الاعتبار إليه، بعد خروجه عن الإطار الضيق للفلسفة المذهبية، لأنه لم يرس دعائم مذهب محدد، كما هي الحال لدى ديكارت صديقه ومعاصره، ولم يخلف إلا شذرات من أفكاره وخواطره. فهو أقرب إلى سقراط منه إلى أي فيلسوف آخر، ذلك أنه سعى دائباً إلى تطبيق الشعار القائل: «اعرف نفسك بنفسك».

المراجع

الموسوعة.العربية

التصانيف

العلوم الإنسانية   فلسفة