فريدريك أنغلز Friedrich Engels فيلسوف ومفكر اجتماعي ألماني. ولد في مدينة بارمن من مقاطعة رينانيه الصناعية، من أسرة غنية متدينة. أظهر في دراسته الأولى تفوقاً في تعلم اللغات الأجنبية، واكتسب معرفة جيدة في التاريخ والرياضيات والفيزياء، ولكنه قطع دراسته في عام 1837 نزولاً عند رغبة والده الذي فرض عليه ممارسة التجارة، فأقام في بريمن من عام 1838 حتى عام 1841 يتدرب على تسويق القماش، وأتاحت له إقامته الجديدة التحرر من جو العائلة الديني المتزمت، ودخل ميدان الحياة السياسية وهو في التاسعة عشرة من العمر، وراح يكتب للصحافة مقالات ينتقد فيها التزمت الديني، والمدرسة التاريخية. أيد في بداية حياته السياسية حركة البورشنشافت (اتحاد الطلبة) القومية، لكنه تخلى عنها بسبب تعصبها للنزعة الجرمانية، ثم اتجه نحو النزعة الليبرالية الديمقراطية بتأثير حركة «ألمانية الفتاة» لكنه تخلى عن هذه الحركة بسبب سطحية كتَّابها، وتحول إلى اليسار الهيغلي عام 1840 تحت تأثير قراءته لدافيد فريدريخ شتراوس (1808-1874). وفي أيلول 1841 ذهب إلى برلين لتأدية الخدمة العسكرية، واستمع هناك إلى محاضرات الفيلسوف «شيلينغ» حول «فلسفة الوحي» التي نقد فيها مذهب هيغل، فرد عليه أنغلز في مقالين نقد فيهما مذهب شيلينغ مدافعاً عن مذهب هيغل. وفي عام 1842 أُنشئت الجريدة الرينانية ذات الاتجاه البرجوازي الليبرالي، فنشر أنغلز فيها سلسلة مقالات كانت في إطار تفكير الشباب الهيغليين الذين تحولوا إلى ملاحدة متحررين. ولكن أنغلز تجاوزهم بدعوته إلى الانتقال من النظري إلى العملي، وبتأكيده أن تغيير الواقع لا يتم بالنقد وحده بل بالفعل. بعد أن أنهى خدمته العسكرية أقام في إنكلترة من عام 1842 إلى 1844.إبان إقامة أنغلز في إنكلترة بنى علاقات جيدة مع قادة الحركة العمالية الإنكليزية «الحركة الشارتية» (الإحسان) ومع قادة الحركة الاشتراكية (روبرت أوين) وقرأ كتابات المفكرين الاقتصاديين الإنكليز والفرنسيين (آدم سميث. ريكاردو، مِل، برودون، فورييه) وتحول إلى الشيوعية. وفي طريق عودته من إنكلترة إلى موطنه تعرَّف في باريس كارل ماركس في صيف 1844. ولما طُرد ماركس من باريس 1845 وأقام في بروكسل لحق به أنغلز في العام نفسه هارباً من ملاحقة السلطات الألمانية له بسبب نشاطه الشيوعي. ومن أجل تدعيم تصوراتهما المشتركة بالوقائع، سافر الاثنان إلى إنكلترة والتقيا قادة الحركة العمالية فيها، وقادة الشارتية وقادة «رابطة العادلين». وفي عام 1846 أسس مع ماركس «لجان المراسلة الشيوعية» بهدف إقامة الصلات الدائمة بين الاشتراكيين الألمان والفرنسيين والإنكليز، وتحرير الطبقة العاملة من إطارها القومي، وتحقيق الوحدة في آرائها. وفي مطلع 1847 انتسب أنغلز مع ماركس إلى رابطة العادلين فرع لندن، واشتركا في حزيران من العام نفسه في مؤتمر الرابطة الأول، وغيّرا اسم الرابطة إلى «عصبة الشيوعيين» كما غيَّرا شعارها القديم: «كل الناس إخوة» إلى الشعار الجديد: «يا عمال العالم اتحدوا»، وأقر المؤتمر رأيهما بأنه لا يجوز أن يبقى في الرابطة غير الشيوعيين. وفي كانون الأول 1847 حضر الاثنان المؤتمر الثاني للعصبة في لندن، وبعد مناقشة لمبادئ الشيوعية التي قدمها أنغلز، كُلف مع ماركس كتابة «البيان الشيوعي»، فأنجزاه معاً في مطلع كانون الثاني 1848. في ربيع العام نفسه كتبا «مطالب الحزب الشيوعي الألماني»، وأسسا الاتحادات العمالية في ألمانية وأوكلا إليها نشر الفكر الشيوعي. وبعد إخفاق ثورات 1848- 1849 في بلدان أوربة، وخاصة ألمانية، شرعا في الخمسينات بتفهم أسباب إخفاق الثورة، فعمقا مفهومهما لها وأخضعا نظريتهما لتطوير جوهري تالٍ. وفي عام 1864 أسهم أنغلز مع ماركس في تأسيس الأممية الأولى، وشغل منصب عضو في مجلسها العام في عام 1870. وبعد سقوط كومونة باريس (1871) ركز جهوده مع ماركس في العمل على وحدة الطبقة العاملة، ودحض دعوة برودون وباكونين الفوضوية الرامية إلى إبعاد الطبقة العاملة عن النضال السياسي. وفي المؤتمر الخامس للأممية الأولى 1872 اشترك أنغلز مع ماركس في فضح التيارات البرجوازية الإصلاحية، واليسارية المتطرفة الانعزالية التي تحاول السيطرة على قيادة الطبقة العاملة. وبعد وفاة ماركس سنة 1883 أخذ أنغلز على عاتقه قيادة الطبقة العمالية العالمية، ولفت انتباهها إلى ضرورة تحالفها مع الفلاحين المستَغَلين، وتابع في النصف الثاني من الثمانينات نضاله من أجل إبعاد ما أسماه بـ«الانتهازيين» عن قيادة الطبقة العاملة، ولهذه الغاية ألح أنغلز على الماركسيين الألمان والفرنسيين بضرورة تشكيل الأممية الثانية، ونجح في ذلك، فانعقد المؤتمر الأول لهذه الأممية في تموز 1889، وقاد فيه نضال الماركسيين ضد الفوضويين والانتهازيين واستمر يقود الطبقة العمالية العالمية بالممارسة والفكر حتى وفاته.أسهم أنغلز في صياغة النظرية الماركسية بأركانها الثلاثة: «المادية التاريخية، والاقتصاد السياسي، والشيوعية العلمية». ففي أثناء إقامته في إنكلترة تنبّه أنغلز إلى دور الطبقة العاملة، ودور العامل الاقتصادي في سيرورة التاريخ، فتخلَّى عن أيديولوجية الشبان الهيغليين، وانتقل إلى الفهم المادي للتاريخ، وإلى الشيوعية العلمية قبل اجتماعه بماركس، وكان ماركس بدوره إبان إقامته في باريس قد توصل إلى ما توصل إليه أنغلز. وفي عام 1843 كتب أنغلز مقاله المهم «مخطط لنقد الاقتصاد السياسي» من وجهة نظر المادية التاريخية وبين فيه أن النظام الرأسمالي يؤدي إلى فوضى الإنتاج والأزمات الاقتصادية، وقد وصف ماركس المقال آنذاك بأنه عبقري، لأنه كشف له أهمية الاقتصاد السياسي في سيرورة التاريخ، وأنغلز هنا، في مرحلة انطلاق فكرة المادية التاريخية يقوم بدور المعلم لماركس. وفي صيف 1844 التقى أنغلز ماركس في باريس، وتحاورا طويلاً ووجدا أنهما قد توصلا إلى تصور مادي للتاريخ وإلى الشيوعية، كل بمفرده، وبطريقه الخاص. وعزما على التخلي عن الهيغليين الشبان وضبط تصوراتهما الخاصة، ونشرها مشتركة، فكتبا معاً كتاب «العائلة المقدسة» الذي صدر في شباط 1845، ونقدا فيه الهيغليين الشبان جماعة «برونو باور» ومذهبهم في «النقد النقدي» وأشارا إلى أن الحياة الإنسانية، والفاعلية الإنسانية هما العامل الفاعل في سيرورة التاريخ. والموضوعات التي أثارها الكتاب تشير إلى بداية امتلاكهما لمبادئ المادية التاريخية التي سيطورانها لاحقاً كل منهما على انفراد: أنغلز في كتابه «حالة الطبقة العاملة في إنكلترة» (1845)، وماركس في «الأطروحات عن فويرباخ»، ثم مشتركين معاً في «الأيديولوجية الألمانية».وكان أنغلز قد قدم في كتابه «حالة الطبقة العاملة في إنكلترة» إسهاماً مهماً في إنضاج المادية التاريخية، وبَيَّن أن العلاقات الاقتصادية ـ الاجتماعية تتحدد بتطور قوى الإنتاج الذي يسبب تحولاً للعلاقات الاجتماعية والسياسية وتحولاً للأيديولوجية التي تعكس تلك العلاقات، وتملك طابعاً طبقياً. فالفلسفة والدين والأخلاق والحقوق هي في خدمة الطبقات المسيطرة، ولا تفهم إلا في علاقاتها مع تلك الطبقات. وكل فهم للتاريخ يجعل الفكر مستقلاً عن الحياة الاقتصادية هو فهم باطل. وفي عملهما المشترك «الأيديولوجية الألمانية» الذي أنضجا فيه مبادئ المادية التاريخية، أظهر ماركس التعارض بين التصورين المثالي والمادي للتاريخ، وحلَّلا الأدوار الكبرى في التاريخ ونقدا الفلسفة التأملية: (مذهب باور، وشتيرنر) ثم نقدا «الاشتراكية الحقة» مذهب: (فويرباخ، وهِس).في الستينات والسبعينات لما انصرف ماركس كلياً لإنجاز كتابه «رأس المال» وسيطرت في أوساط العمال الألمان الاشتراكية الطوباوية، وراجت أفكار دوهرينغ بينهم، كتب أنغلز مؤلَّفه «ضد دوهرينغ» ونشره مجزءاً على صفحات الجرائد عام 1877، ثم نشره في كتاب عام 1878. وقال أنغلز عن كتابه هذا: «إنه محاولة لصياغة الطريقة الجدلية (الديالكتيكية) والنظرة الشيوعية إلى العالم التي وضعناها أنا وماركس». وقد جاءت في هذا الكتاب ـ لأول مرة ـ أقسام الماركسية الثلاثة المترابطة في وحدة عضوية. وفي المرحلة نفسها التي كتب أنغلز مؤلفه هذا، كان يخطط ويجمع مواد البحث لكتابه «جدليات الطبيعة». وبدأ العمل به عام 1877 حتى عام 1883، ولم يتوافر له الوقت لإنجازه، لأنه بعد وفاة ماركس 1883 انصرف إلى قيادة الحركة العمالية العالمية ووقع على عاتقه إتمام نشر المجلدين الثاني والثالث من «رأس المال». وكان المضمون الأساسي لكتابيه «ضد دوهرينغ» و«جدليات الطبيعة» هو صياغة نظرية المادية الجدلية. إن إسهام أنغلز في صياغة الفلسفة الماركسية إبان حياة ماركس يتجلى في أنه كان يدعّم تصورات ماركس النظرية بالوقائع الحية من اقتصادية واجتماعية وسياسية وعلمية، وكان ماركس بدوره يترجم آراء أنغلز الواقعية إلى قواعد نظرية.وبعد وفاة ماركس طوَّر أنغلز الفلسفة الماركسية، فكتب «أصل الأسرة والملكية الخاصة والدولة» ونشره عام 1884. وبه عمم أنغلز وعمق المفهوم المادي للتاريخ على أساس النتائج التي توصل إليها مورغان عالم الاجتماع الأمريكي، وكان مورغان قد توصل إلى المفهوم المادي للتاريخ بعد ماركس وأنغلز بأربعين عاماً بطريقه الخاص من خلال دراساته الأنتروبولوجية على سكان أمريكة الأصليين. وفي عام 1886 نشر أنغلز كتابه «لودفيغ فويرباخ ونهاية الفلسفة الألمانية الكلاسيكية» وبيّن فيه أثر هيغل وفويرباخ في تكوين الفلسفة الماركسية، وكشف في الوقت نفسه عن التناقض في مذهب هيغل بين جانبه الثوري (الجدل) ومنظومة مذهبه المحافظة في جوهرها، كما كشف لدى فويرباخ عن محدودية ماديته الآلية الميتافيزيقية، وعن موقفه المثالي في تفسير تاريخ المجتمع الإنساني وظواهره. وفي النصف الأول من التسعينات، اتخذ موقفاً حازماً حيال فكرة تحويل المادية التاريخية إلى مادية اقتصادية تزعم أن العلاقات الاقتصادية هي العامل الوحيد الذي يحدد سير التاريخ، ورداً على ذلك كتب أنغلز إلى أحد أصدقائه: «لم يؤكد ماركس ولا أنا أكثر من أن الحياة الواقعية وتحديد إنتاجها هو العنصر المحدِّد في العملية التاريخية، ومن يقل: إن العامل الاقتصادي هو العنصر المحدد الوحيد يكون قد حول تأكيدنا إلى كلام لا معنى له». ولما أشرف أنغلز على طباعة المجلدين الثاني والثالث من «رأس المال» وهما ملحقان لم ينجزهما ماركس في حياته، أضاف أنغلز دراساته وملاحظاته إلى بعض الظواهر الجديدة في اقتصاد المجتمع الرأسمالي وهي: «نشوء الاحتكارات وازدياد دور المصافق (البورصات)، وازدياد تصدير رؤوس الأموال وغيرها» وفي ذلك يقول لينين: «إن ملاحظات أنغلز هذه تدل على متابعته العميقة للتغيرات التي طرأت على شكل الرأسمالية الجديدة، الأمر الذي مكنه إلى حد معين من استباق فهم مهمات عصرنا الامبريالي».لقد أسهم أنغلز إسهاماً بالغاً في صياغة وتطوير الفلسفة الماركسية في حياة ماركس وبعدها، وبقي وفياً للمقولة المشهورة: «إن الماركسية ليست عقيدة جامدة، بل هي دليل عمل».فلسفة أنغلز1ـ المادية الجدلية: عرّف أنغلز الجدل (الديالكتيك) في كتابه «ضد دوهرينغ» بأنه: «علم القوانين العامة للحركة ولتطور الطبيعة والمجتمع الإنساني والتفكير»، والمادية، كما يرى أنغلز، لا يمكن أن تكون علمية ما لم تكن ديالكتيكية، والديالكتيك لا يمكن أن يكون علمياً ما لم يكن مادياً. وعلى هذا تكون المادية الديالكتيكية هي النظرية العلمية الفلسفية عن العالم، وهي الأساس الفلسفي للمذهب الماركسي، وهي أيضاً محاولة لوضع نظرية فلسفية متماسكة تفسر العالم الطبيعي المادي والمجتمع البشري وقوانين المعرفة الإنسانية. أما حجر الزاوية في المادية الديالكتيكية كما يرى أنغلز في «لودفيغ فويرباخ» فهو القول «بأسبقية المادة على الوعي» الذي هو نتاجها في أعلى تطور لها. فالعالم مادي وواحد، وتؤلف موضوعاته المتكثرة، «وحدة كاملة لأجسام مرتبطة تبادلياً» وحركته وتغيراته تنبع فقط من ذاته وفق القوانين الجدلية العامة الثلاثة وهي: «قانون التغيرات الكمية المؤدية إلى تغيرات كيفية وبالعكس، وقانون نفي النفي، وقانون وحدة وصراع المتناقضات»، كل هذه التعاليم عن العالم الموضوعي يربطها أنغلز بالتعاليم عن انعكاس هذا العالم في العقل الإنساني، وبهذا يجعل من المادية الدياليكتيكية نظرية في المعرفة والمنطق، والمعرفة الإنسانية ومفهوماتها هي ذات طبيعة تاريخية، وقد خضعت للتبدل والتطور من خلال الممارسة «العمل» التي خلقت الإنسان معرفياً مثلما خلقته بيولوجياً.2ـ الفلسفة السياسية: يرى أنغلز أن مشكلة الإنسان الأساسية هي مشكلة تحرره الاجتماعي، وأن الطبقة العاملة هي وحدها القادرة على حل هذه المشكلة، حين تمتلك الأدوات التي تساعدها على ذلك وهي: الحزب ـ الثورة ـ الدولة.فالحزب وسيلة تحرير البروليتارية وحلفائها. وقد كتب أنغلز قبل وفاته يقول: لكي تحقق البروليتارية النصر.. يجب أن تؤسس حزبها المستقل الذي يعي نفسه بصفته حزباً طبقياً، يؤسس على وعي العمال لوضعهم الطبقي ومعارضتهم التاريخية لرأس المال. وبهذا يتحقق الشرط الأول المهم للحزب وهو كونه أممياً، وشرطه الثاني كونه ثورياً على مستويي الوعي والممارسة. هذا الحزب الذي يجب عليه أن يمتلك برنامجاً واضحاً ومستقلاً مبنياً على النظرية العلمية المناقضة لكل أشكال الأيديولوجيات البرجوازية هو الذي يمكنه أن يقود ثورة البروليتارية.أما الثورة البروليتارية فهي تغيير جذري لبنية المجتمع ونتيجة حتمية لتفاقم الصراع الطبقي. فالمهمة التاريخية لثورة البروليتارية هي حذف هذا الصراع، وذلك بإلغائها استغلال الإنسان للإنسان، وبهذا تختلف عن الثورة البرجوازية التي تحددت مهمتها التاريخية في التخلص من العوائق التي تقف في طريق التطور الرأسمالي، ويشير أنغلز في كتابه «الثورة والثورة المضادة في ألمانية» مثل ماركس إلى أن الثورة عملية معقدة، ولا يجوز المبالغة في تقويم درجة تناقضات المجتمع البرجوازي، وقد تبنى مع ماركس مفهوم الثورة الدائمة، وبيّن أن تغيير المجتمع لا يتم دفعة واحدة.وأما الدولة فيرى أنغلز أنها بناء فوقي يمتلك أجهزة قمع تستخدمها الطبقات الحاكمة (المالكة) لمصلحتها في مواجهة المناوئين لها، ويجب على البروليتارية تحطيمها عشية الثورة وتسلم السلطة، لأن الدولة البرجوازية من حيث كونها وسيلة سياسية لاستعباد الطبقة العاملة، لا يمكن أن تكون هي نفسها وسيلة سياسية لتحررها، والدولة يمكن أن تزول في آخر مرحلة من الشيوعية، لكن وجودها ضروري في المراحل الأولى للاشتراكية، لأن شروط الإنتاج الآلي تتطلب الإدارة والتنظيم من قبل الدولة التي تملك إرادة الفعل.3 ـ الفلسفة الأنتروبولوجية: وهي عنده ذات صلة وثيقة بالمفهوم المادي للتاريخ. فقد عرض أنغلز تصوراته عن الإنسان في كتابيه «أصل الأسرة والملكية الخاصة والدولة» و«لودفيغ فويرباخ ونهاية الفلسفة الألمانية الكلاسيكية»، وفي فصل واحد من جدليات الطبيعة عنوانه «دور العمل في تحويل القرد إلى إنسان». أخذ أنغلز عن فويرباخ مقولة: «إن الإنسان نتاج الطبيعة»، واهتدى بذلك إلى وعي الماهية الحقيقية للإنسان، وإلى أن الوعي غير قابل للانفصال عن الطبيعة، وأن تطور التاريخ البشري يجري على صعيد الصلة الوثيقة بين الإنسان والعالم. لكن أنغلز تجاوز أنتروبولوجية فويرباخ معتبراً أن تحقيق الماهية الإنسانية لا يتم كما يرى فويرباخ بوعي هذه الماهية، بل بالتحرير الفعلي للبشرية من كامل أغلالها. إن ماهية الإنسان عند أنغلز ليست ثابتة أو واحدة، بل يمكن القول: إن هناك نماذج من ماهيات تاريخية بحسب كل مرحلة من مراحل الأدوار الكبرى لتاريخ البشرية، فهناك نموذج العبد والسيد، ونموذج القن والنبيل، ونموذج البروليتاري والبرجوازي. فالإنسان يمتلك ماهيته بحسب الوضع التاريخي الذي يعيشه، وحتى مؤسساته التي أوجدها: الأسرة، الدولة، الملكية الخاصة، هي نتاج تطور تاريخي، وقد اكتسبت قدسيتها وشرعيتها تدريجياً في النظم الاستغلالية عبر التاريخ. إن العمل عند أنغلز هو الذي خلق الإنسان وفصله عن الطبيعة حين أوجد لديه الوعي أنه ذات مغايرة لموضوعات الطبيعة، فانتقل بذلك من الوحشية إلى الإنسية. إن تحقيق ماهية الإنسان المعاصر، كما يرى أنغلز، إنما يتم بإنشاء نظام جديد للعالم.
المراجع
الموسوعة.العربية
التصانيف
العلوم الإنسانية فلسفة