الإمام ناصر بن مرشد بن مالك أبي العرب اليعربي، رأس الأئمة اليعاربة ومؤسس دولة عُمان الحديثة، أصله من قبيلة يعرب، إحدى قبائل اليمن التي استوطنت عُمان منذ القديم، ولد بالرستاق، المدينة الروحية عند علماء المذهب الإباضي، وبها نشأ وتلقى علومه على يد شيوخها وقضاتها، وفي العقد الثالث من عمره تألق نجمه وحمدت سيرته، لفت بنزاهته وتدينه أنظار العلماء ورؤساء القبائل بالوقت الذي كانت تواجه فيه البلاد ظروفاً محلية ودولية صعبة في ظل الأسرة النبهانية التي كثرت مفاسدها وأرهقت الأهالي بالمظالم والمغارم، فكانت بين أفرادها حروب داخلية طاحنة، ألجأت بعضهم إلى الاستعانة بالفرس الذين احتلوا صحار، في حين لجأ آخرون منهم إلى الاستعانة بالقوات البرتغالية التي كانت موجودة في مسقط ومدت نفوذها فيما بعد إلى صور وقريات، الأمر الذي حوّل عُمان إلى ساحة صراع استنزفت قواها البشرية ومواردها الاقتصادية وانتهى الأمر بتقسيمها إلى مناطق على كل منطقة حاكم أو أمير، فاجتمع أهل الحل والعقد من العلماء وشيوخ القبائل سنة 1624 في مدينة الرستاق وبعد التداول اتفق الجميع على اختيار ناصر بن مرشد اليعربي إماماً على عُمان، فقبل ذلك بعد تردد، واستهل حكمه بإخراج البلاد من محنتها، فحقن الدماء وأزال من نفوس المتخاصمين ما كان يعتورها من سخائم وإحن، وقضى على العناصر الموالية للفرس والبرتغاليين، وشرع بتوحيد البلاد فدانت له بالطاعة والولاء ولم يبق خارجاً عن سيطرته سوى المناطق الساحلية التي كانت خاضعة للفرس والبرتغاليين، فأعد الخطط لاستعادتها. وقام بإعداد جيش كبير من أبناء القبائل العُمانية على طريقة الجيوش الإقطاعية التي كانت سائدة في أوربا إبان العصور الوسطى، ودعمه بجيش نظامي من عناصر شتى وجهزه بأفضل الأسلحة المتوفرة وشيّد القلاع والتحصنيات في المواقع المهمة وشحنها بما يلزم من المؤن والعتاد وباشر عملياته العسكرية بالهجوم على القواعد البرتغالية ومن ساندها من الأمراء المحليين في كل من صور وقريات ومسقط ومطرح وصحار، فهزمهم في أكثر من موقعة واسترد بعض المواقع المهمة، ثم مالبث أن استولى على صور وقريات وفرض على من بقي فيها من البرتغاليين شروطاً قاسية بموجب صلح طلبوا عقده مع الإمام، ثم توجه إلى جلفار (رأس الخيمة) وفيها وقتذاك قلعتان حصينتان تخضع الأولى لسيطرة القوات البرتغالية، وتخضع الثانية وهي المعروفة بقلعة الصير للنفوذ الفارسي، وبعد مواجهات دامية تمكن الإمام ناصر من إحكام سيطرته على قلعة الصير، وقامت القوات البرتغالية من جهتها بفتح جبهة ثانية على الإمام بهدف تخفيف الحصار عن القوات الفارسية، لكن محاولتها باءت بالإخفاق وتمكن الإمام ناصر من السيطرة تماماً على القلعة وتحريرها من النفوذ الفارسي، ثم توجه إلى القوات البرتغالية وفرض عليها حصاراً محكماً أجبرهم على طلب الأمان والاستسلام وفق شروطه، وتم تحرير جلفار بالكامل من النفوذين الفارسي والبرتغالي بآن واحد، وقد شجعته هذه الانتصارات على إرسال حملة توجهت إلى صحار وهناك فاجأ القوات البرتغالية وحلفاءهم الفرس بموقع يعرف باسم (البدعة) وتمكن من هزيمتهم وقتل عدداً كبيراً من جنودهم وغنم كثيراً من أسلحتهم وذخائرهم واستمر جيشه في التقدم نحو مطرح إلى أن ألقى بجرانه حول أسوارها محكماً سيطرته على جميع المنافذ البرية المؤدية إليها، ولم يبق لهم سوى الواجهة البحرية فطلبوا مسالمته فوافق الإمام على ذلك مقابل شروط كان من أهمها تسليم القلاع وإزالة التحصنيات من المناطق التي يحتلونها، وفرض عليهم جزية سنوية تدفع لخزينته مقابل ضمان حرية العمل في المناطق الخاضعة لهم، ومنذ ذلك الوقت حرص الإمام ناصر على فتح منافذ عُمان البحرية وكلف مساعده وابن عمه سيف بن سلطان تطهير تلك المنافذ وتحرير ما تبقى من الموانئ الصغيرة لاستخدامها في الملاحة، فقام سيف بن سلطان الذي أدرك أهمية البحر لاستراتيجية عُمان العسكرية بالبدء بوضع النواة الأولى لقوة الدولة البحرية، وبفضل جهوده امتلكت عُمان أسطولاً ضخماً من سفن ذات أحجام مختلفة مكنت الإمام ناصراً من حماية شواطئ بلاده وطرد بقايا البرتغاليين من صور وقريات بعد معارك طاحنة. وبالاستيلاء على هاتين المدينتين امتدت سلطته لتشمل كل أقاليم عُمان باستثناء قاعدتي مسقط ومطرح اللتين تم تحريرهما لاحقاً في عهد خليفته سيف بن سلطان الذي تقلد مهام منصبه إماماً على عُمان بعد أن وافت المنية الإمام ناصراً في مدينة نزوى عقب حياة حافلة بالإنجازات العظيمة أسست لدولة امتد نفوذها على معظم سواحل إفريقيا الشرقية فيما بعد.
المراجع
الموسوعة.العربية
التصانيف
العلوم الإنسانية التاريخ جغرافيا