الهوغنوت Huguenot اسم أطلق على بروتستنت فرنسا (معتنقي مذهب كالڤن Calvinisme) في القرن السادس عشر. اشتقت كلمة هوغنوت من كلمة إيغنوس eiguenotz المأخوذة من الكلمة الألمانية Eidgenossen، وتعني الجماعة التي ترتبط فيما بينها بقسم معين. تسربت الأفكار اللوثرية إلى فرنسا عبر الإنسانيين ورجال الدين، الذين اعتنقوا أفكار مارتن لوثر Martin Luther، وذلك في عهد الملك الفرنسي فرانسوا الأول François I ت(1515-1547م)، الذي لم يكن ضمنياً معاكساً لهذا الاتجاه الفكري، فقد قام بمحاباة البروتستنت، وهؤلاء لم يطمحوا بداية إلا إلى دين أكثر صفاءً، ولكن ازدياد أعدادهم واستفحال خطرهم، وقيامهم بإلصاق منشورات تهاجم الصلاة الكاثوليكية في باريس وعدد من المدن الفرنسية عام 1534م دفع السلطات الفرنسية إلى البطش بهم، فتفرقوا وكان من بينهم جان كالڤن[ر] Jean Calvin، الذي كان قد تحول عن الكثلكة منذ العام السابق. اتبع الهوغنوت المبادئ الكالفنية المتضمنة عدم الاعتراف بسلطة البابا، وتفوق الإيمان على الأعمال الطيبة، وعد الإنجيل المصدر الوحيد لجميع التعاليم النصرانية. قدم كالڤن بطريقة منظمة تعاليم البروتستانتية في كتاب «مجموعة مبادئ النصرانية»، الذي نشر في مدينة پال بسويسرا عام 1536م. وقد نظم الحكومة الكنسية بصورة منفصلة عن الحكومة المدنية، فكان أول قائد بروتستنتي في أوربا ينادي باستقلال الكنيسة الجزئي عن الدولة.ملاحقة الهوغنوت واضطهادهمبدأت حملات ملاحقة الهوغنوت واضطهادهم منذ عهد الملك فرانسوا الأول؛ إذ أعدم عام 1545م ثلاثة آلاف من أتباع الهوغنوت، وأرسل قسماً آخر للعمل في التجديف، وتم بيع أطفالهم عبيداً للأتراك، وفي العام التالي أُحرق الإنساني العامل في الطباعة ايتيين دولي É. Dolet في الساحة العامة.وقد نظم الملك هنري الثاني Henri II عمليات اضطهاد الهوغنوت وقهرهم، إذ أوجد محكمة خاصة (الغرفة الحارة)، وأصدر ستين حكماً بالموت في مدة حكمه البالغة اثنتي عشرة سنة، ولكن بالرغم من أساليب القمع والاضطهاد المختلفة فقد انتشرت الكالڤنية في فرنسا، التي ضمت عام 1561م أكثر من ألف كنيسة.الحروب الدينية 1562ـ 1589مبعد اعتناق الصناع والتجار المذهب الكالفني تبناه العديد من النبلاء الفرنسيين، وشكلوا حزباً قرر ألا يخضع لأساليب القهر والإرهاب، وأن يدافع بحد السيف عن المذهب الجديد، وبالمقابل وقفت في وجههم فئة من نبلاء الكاثوليك تدعمهم الدولة والملك. وقد أخفقت محاولة الملكة كاترين دي مديتشي Catherine de Médicis تنظيم حوار بين الطرفين في بواسي Poissy، وترافقت تلك الأزمة الدينية مع أزمة اقتصادية في فرنسا، وسعى كل من الهوغنوت والكاثوليك إلى الدفاع عن معتقداتهم من جهة، وإلى الحصول على السلطة من جهة ثانية، فاستعانوا بقوى أجنبية لتنفيذ ذلك، حيث سلم الهوغنوت ميناء الهافر إلى الإنكليز، واستنجد الكاثوليك بإسبانيا. وقد دارت بين الطرفين ثماني حروب دينية تخللتها فترات سلام. ويمكن تمييز ثلاث مراحل لهذه الحروب. امتدت المرحلة الأولى من مذبحة واسي Wassy عام 1562م إلى مذبحة سان بارتلمي Saint-Barthélemy ت1572م، التي تم فيها قتل ألفين من الهوغنوت في باريس، وامتدت المرحلة الثانية من عام 1572 إلى عام 1584م وانتشرت الفوضى في أنحاء كثيرة من البلاد. أما المرحلة الثالثة والأخيرة فقد استمرت من عام 1584 إلى عام 1589م، وقتل فيها الملك هنري الثالث Henri III الذي أوصى لهنري دي نافار الهوغنوتي بالعرش قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.مرسوم نانت L’ Édit de Nantes ت1598مأصدره الملك هنري الرابع Henri IV، الذي نزل عن البروتستنتية عام 1593م، ودخل إلى باريس وبعد ذلك أعلنت المقاطعات الأخرى الولاء له. تضمن مرسوم نانت عفواً عن الهوغنوت الثائرين، ومنحهم حرية العبادة في أماكن معينة نص عليها الاتفاق مثل قلاع النبلاء، وأعطى الهوغنوت الحقوق المدنية والاجتماعية نفسها الممنوحة لغيرهم، وأكد لهم الحماية القانونية، وسمح لهم بإقامة الحاميات في مئة وخمسين مدينة مثل لاروشيل La Rochelle، وسومير Saumur ومونبلييه Montpellier.تجدد اضطهاد الهوغنوتبعد وفاة الملك هنري الرابع تولت ماري دي مديتشي الوصاية على لويس الثالث عشر Louis XIII البالغ تسع سنوات من العمر، وقد قلق الهوغنوت من تقرب ماري دي مديتشي من الإسبان، وبدؤوا بتنظيم صفوفهم وتقوية مراكزهم الحصينة، وقد تمردوا على الملك عام 1620م، وقاموا بثورة في منطقة بريتانيا Brittany، ولكن الملك حاصرهم، وانتهت هذه الحرب بإصدار مرسوم آله Alés عام 1629م، الذي نص على حرمان الهوغنوت من الامتيازات السياسية مقابل الإبقاء على حريتهم الدينية كاملة.كون الهوغنوت مع بقية البروتستنت في فرنسا أقلية، حيث بلغ عددهم نحو مليون شخص، وظلوا موالين للحكومة، ولكن الملك لويس الرابع عشر Louis XIV الكاثوليكي قرر التصدي لهم وسعى من عام 1661 إلى عام 1679م إلى إعادتهم إلى الكاثوليكية بطريقة الإقناع أو بمنحهم الأموال، إلا أنه في المرحلة الممتدة من عام 1679 إلى عام 1685م بدأ سياسة العنف والاضطهاد تجاههم، وأسكن الجنود عند عائلاتهم لنهبها وتعذيبها، وفي الوقت نفسه ألغى المحاكم المشتركة، ومنع الزواج بين الكاثوليك والهوغنوت، وهدم كنائسهم، وحظر عليهم الوظائف العامة، وألغى أخيراً مرسوم نانت عام 1685م. ومنذ ذلك الوقت منع الهوغنوت من ممارسة شعائرهم، وأجبر رجال الدين على الهجرة من فرنسا.نتيجة لذلك هاجرت أعداد كبيرة من الصناع والتجار؛ مما أدى إلى تراجع بعض المهن والصناعات في فرنسا، وقد لاذ الكثير من الهوغنوت بالفرار إلى إنكلترا وألمانيا وهولندا وسويسرا وأمريكا، حيث قدموا خدمات كثيرة في ميادين الحياة الصناعية والمدنية هناك. وبعد وفاة لويس الرابع عشر قامت الكنيسة الكالفنيه بتنظيم نفسها مرة ثانية.الحرية الدينية مع الثورة الفرنسيةعشية الثورة الفرنسية نادى المفكرون بإيقاف التعصب الديني ومنح الفرد حرية العبادة، حيث شهد الجميع تعصب الاكليروس الكاثوليكي، الذي لم يعد يأخذ إلى حد كبير بالاتجاهات التي تدعو إلى التسامح الديني نحو المذاهب الأخرى؛ لذا فقد أصبح هذا الاكليروس هدفاً للنقد الشديد من قبل عدد من كبار مفكري ذلك العصر، مثل ڤولتير Voltaire. وقد أظهرت الجمعية التأسيسية إبان الثورة الفرنسية ميلاً إلى التسامح الديني، وأصدرت عام 1789م قراراً يقضي بإلغاء جميع القوانين التي تحد من حقوق البروتستنت واليهود، فكفلت لهم بذلك حقهم في تولي مختلف المناصب المدنية والحربية، كما تضمنت وثيقة حقوق الإنسان - التي ألحقت بالدستور الفرنسي عام 1789م - منح الحريات الدينية للجميع، وبذلك حصل الهوغنوت على حقوقهم كاملة منذ ذلك الحين.
المراجع
الموسوعة.العربية
التصانيف
العلوم الإنسانية التاريخ جغرافيا