الفتح العربي الإسلامي للعراق، ووضعه في العصر الراشدي: لما فرغ خالد بن الوليد[ر] من أمر الردّة[ر] في اليمامة، تلقى الأمر من الخليفة أبي بكر[ر] بالتوجه إلى العراق لفتحها، وذلك في المحرم سنة 12هـ/633م، فسار من اليمامة إليها، وحاصر الحيرة وفتحها صلحاً مقابل تسعين ومئة ألف درهم، وأن يكون أهلها عيوناً للمسلمين، فكانت هذه أول جزية[ر] حملت إلى المدينة المنورة[ر] من العراق. توجه خالد بعدها لقتال هرمز في الأبلة في معركة ذات السلاسل، فانتصر وقتل هرمز، واستولى على الأبلة، وتلا ذلك عدة معارك حقق خالد فيها نصراً مؤزراً، ثم طلب الخليفة أبو بكر من خالد أن يدع العراق، ويمد جيوش الشام.بعد وفاة أبي بكر ندب عمر بن الخطاب[ر] الناس مع المثنى، فجرت بينه وبين رستم معركة الجسر التي جرح المثنى فيها، وتوفي بعد ذلك. وقد هيأت هذه المعركة لمعركة القادسية[ر] التي اجتمع ملوك الفرس فيها، لقتال جيوش المسلمين، واسترداد ما فقدوه، واستخدموا فيها الفيلة. فدعا الخليفة جميع الرؤساء وذوي الشرف من القبائل العربية، وأمرهم بالاستعداد للتوجه إلى العراق، وأمّر عليهم سعد بن أبي وقاص[ر] الذي قاد معركة القادسية في المحرم من سنة 14هـ/شباط 635م في أربعة أيام مشهورة، هي يوم أرماث، ويوم أغواث، ويوم عماس، ويوم القادسية الذي تم فيه النصر المؤزر للمسلمين، وسارت البشائر إلى المدينة لتخبر الخليفة بالنصر العظيم، تم إثرها فتح العراق، والتخطيط لبناء الكوفة والبصرة.عيّن عمر بن الخطاب للعراق خيرة الولاة، ومسح أراضيها، وحدد عليها الخراج. ولما تولى عثمان بن عفان[ر] الخلافة، أخذ بعض أهالي الكوفة مآخذ عليه، وانضموا إلى الثوار، وكان لهم دور في قتله.تولى علي بن أبي طالب[ر] الخلافة بعد عثمان فخرج عليه أصحاب الجمل مطالبين بالثأر للخليفة المقتول، وتوجهوا إلى البصرة، فلحق بهم علي، وخاض مع الخارجين معركة الجمل[ر] في 10جمادى الآخرة 36هـ/5 كانون الأول 656م، فانتصر عليهم، ثم عاد إلى الكوفة، واتخذها مقراً لحكمه، فانتقل بذلك مركز الثقل السياسي وقوة الدولة إلى العراق.أصبحت العراق في خلافة علي مركزاً للصراع بينه وبين معاوية، ونشبت بينهما عدة معارك على رأسها معركة صفين[ر] التي انتهت بالتحكيم، وظهور الخوارج[ر] الذين أصبح لهم دور كبير في إثارة المشاكل في العراق، فقاتلهم علي في النهروان، ثم كان التحكيم الذي انتهى لصالح معاوية فرفض عليّ النتيجة، وأراد التوجه لقتال معاوية، فتثاقل أهالي العراق عن حمل السلاح. ومالبث علي أن اغتيل على يد عبد الرحمن بن ملجم[ر] أحد الخوارج، وتنازل ابنه الحسن[ر] عن الخلاقة لمعاوية سنة 41هـ/661م, وسمي هذا العام بعام الجماعة.العراق في خلافة الأمويين[ر]: حين تولى معاوية الخلافة انتقل مركز الخلافة من العراق إلى الشام، وأصبح أكثر العراقيين معارضين للحكم الأموي، وكانوا يرون أن الأمويين ظالمون ومغتصبون للخلافة، وأنهم أخذوا الأموال لأنفسهم واستخدموها لتثبيت سلطانهم، وحرموا الناس منها، واتخذت معارضتهم شكلاً عمليّاً، فاستخدموا السيف تارة والدسائس تارة أخرى لإسقاط الحكم الأموي. وقد يكون سبب هذه الثورات حرمان العراق من المركز الأول بين أقاليم العالم الإسلامي الذي تمتع العراقيون به في خلافة علي، يضاف إلى ذلك أن أكثر العرب الذين قطنوا العراق من قبائل الردة الذين رفضوا قيود الدولة الأموية، كما أنهم سكنوا في الكوفة والبصرة، فحافظوا فيهما على الأساليب التي حملوها معهم حين خرجوا مهاجرين وفاتحين.زادت حدة ثورات العراقيين حين بايع معاوية لابنه يزيد[ر] بولاية العهد، والتهب الوضع بعد قتل جيوش يزيد الحسين بن علي[ر]. وكان مقتله الوقود الذي زاد في فتيل اشتعال المعارضة الشيعية لحكم بني أمية. وأصبح العراقيون يتحينون الفرص للوقوف في وجه الأمويين، ولم يكن تأييدهم خلافة عبد الله بن الزبير[ر] إلا تعبيراً عن سخطهم على البيت الأموي، كما نشط الخوارج وكثرت ثوراتهم في العراق واستشرى أمر العصبية القبلية، وثار الموالي وانضموا إلى ثورة المختار بن أبي عبيد الثقفي[ر]، وإلى ثورة عبد الرحمن بن الأشعث[ر]، ثم انضموا إلى الدعوة العباسية، وبرزت في العراق العصبية للقطر العراقي في مقابل محاولة الخلفاء الأمويين وولاتهم، فرض سياسة الشام على العراق، وتقوية جند الشام فيه.عمل الأمويون على تعيين ولاة أشداء في العراق، وأعطوهم صلاحيات واسعة، وكلفوهم القضاء على الثورات، وكان الخلفاء يمدونهم بالرجال والأموال إذا استدعت الظروف ذلك.وكان عدد من ولاة الأمويين من قبيلة ثقيف[ر] أمثال المغيرة بن شعبة[ر] والحجاج بن يوسف الثقفي[ر]. كما استعملوا سياسة: فرّق تَسُدّ، إضافة إلى تكليف شيوخ القبائل أمور قبائلهم، وتوزيع المقاتلين من كل قبيلة في فرق مختلفة بحيث لا يقاتل أبناء القبيلة في فرقة عسكرية واحدة، وتعيين قادة هذه الفرق من أتباع الولاة، فأصبح بذلك ولاء فرق الجيش للدولة لا للقبيلة التي ينتمون إليها.كان للعراق دور كبير في الفتوح زمن الأمويين، فقد أرسل الحجاج قتيبة بن مسلم الباهلي[ر] لفتح ماوراء النهر، ومحمد بن القاسم الثقفي[ر] للسند، وسقطت الخلافة الأموية على يد دعاة العباسيين سنة 132هـ/749 ـ 750م، وقامت الخلافة العباسية. واجهة قصر عباسي في بغدادالعراق في خلافة العباسيين[ر]: قامت الخلافة العباسية إثر نجاح دعوة قامت في العصر الأموي، وامتدت من سنة 98هـ/716ـ 717م إلى 132هـ/749م، بدأت سرية وانتهت إلى العلن، مستغلة أوضاع الأمويين عامة، وأوضاع المشرق الإسلامي خاصة بسكانه العرب والموالي. وقد ساعد على نجاحها عوامل متعددة، على رأسها السرية وحسن التنظيم. وعندما أعلنت الدعوة سنة 129هـ/747م بدأت حروب الدعوة, وتمكن العباسيون من ضم المشرق بكامله, وأجزاء من العراق. وكانت معركة الزاب التي جرت بين العباسيين والأمويين في 11 جمادى الثانية 132هـ/26 كانون الثاني 750م معركة فاصلة انتهت بانتصار العباسيين، فكانت بداية النهاية للخلافة الأموية، تمكن العباسيون بعدها من ضم بلاد الشام، ولاحقت جيوشهم مروان بن محمد إلى مصر، حيث قتل هناك في 27 من ذي الحجة 132هـ/7 آب 750م. فسقطت الدولة الأموية، وخضعت مناطق العالم الإسلامي للخلافة العباسية التي كانت قد أعلنت في الكوفة في ربيع الأول 132هـ/تشرين الأول 749م، واتخذت العراق مركزاً لها، ثم بنى الخليفة المنصور[ر] مدينة بغداد[ر] التي اتخذها عاصمة له، وبقيت كذلك طوال فترة حكم العباسيين، باستثناء الفترة التي أصبحت فيها سامراء[ر] عاصمة الخلافة. وعلى الرغم من قوة العراق والمشرق في خلافة العباسيين، فإن قبضتهم على أقطار المغرب العربي والأندلس ضعفت، مما أدى إلى انفصاله تدريجياً عن الخلافة العباسية، كما تأثرت العراق بالحضارات الشرقية في النظم الإدارية وفي الملابس والاحتفالات.نظم العباسيون منطقة الثغور تنظيماً جديداً، فقد قسمت منطقة الثغور إلى ثغور وعواصم، وجعلت منطقة إدارية قائمة بذاتها، وأرسل العباسيون جيوشهم لقتال البيزنطيين، وكان النصر حليفهم طوال المئة سنة الأولى. وتغير الوضع في عصر كل من قادة الأتراك وملوك البويهيين، ثم عاد الوضع إلى ما كان عليه في عهد السلاجقة الذين انتصروا على البيزنطيين، وتوسعوا على حسابهم في آسيا الصغرى.ازدادت الحركات الانفصالية عن المركز بعد مضي الدور العباسي الأول وشملت مشرق العالم الإسلامي ومغربه، فتأسست دويلات كان حكامها من الفرس أو الترك أو العرب، وأدى ذلك إلى قلة الأموال الواردة إلى العراق، وظهور الأزمات الاقتصادية، كما عانى العراق في الفترة نفسها الخلافات بين الخلفاء والقوى المسيطرة على العراق، فقد نشبت خلافات بين الخلفاء وكل من قادة الأتراك والبويهيين[ر]، إضافة لما عانته من الخلافات بين هذه القوى نفسها، وتقلصت صلاحيات الخليفة، ومنطقة حكمه، حتى إنه لم يعد يسيطر إلا على بغداد وما يحيط بها.ولم تكن العراق أفضل في عهد سيطرة السلاجقة[ر] (447ـ 590هـ/1055ـ 1194م) فقد سيطر سلاطين السلاجقة على الخلفاء العباسيين وعلى العراق، وعينوا نائباً عنهم فيها، وقائداً للجيش، وعمل بعض الخلفاء العباسيين على التخلص من سيطرة السلاجقة، مما أدى إلى نشوب حروب بين العباسيين والسلاجقة على أرض العراق، وما أن سقطت دولة سلاجقة المشرق سنة 590هـ/1194م حتى أسس الخليفة الناصر لدين الله جيشاً من الفتيان لم يصل إلى المستوى المطلوب. وحاولت الدولة الخوارزمية[ر] أن تحل محل السلاجقة في بغداد، فرفض الناصر ذلك، وما لبثت أن ظهرت قوة المغول[ر] التي اجتاحت العالم الإسلامي من الشرق واحتلت مناطق متعددة، ثم حاصر هولاكو[ر] بغداد واستولى عليها، وأسقط الخلافة العباسية، وقتل المستعصم بالله آخر الخلفاء العباسيين في 14صفر 656هـ/10 شباط 1258م، وأصبحت العراق تحت سلطة المغول[ر] .العراق بعد سقوط الخلافة العباسية: حكم هولاكو وأبناؤه العراق نحو قرن من الزمن (656 ـ 740هـ/1258 ـ 1340م)، فقد أسس هولاكو دولة عرفت بالإيلخانية Ilkhäns عاصمتها تبريز تابعة للخان الأعظم في الصين، حكمت مناطق واسعة، كان العراق من بينها، فلم يعد العراق في عهد هذه الدولة مركزاً للحكم، بل أصبح يحكمها ولاة يعينون من قبل الإيلخانيين.حاول الخليفة العباسي المستنصر بالله الذي بويع بالخلافة في القاهرة من قبل الظاهر بيبرس استعادة بغداد فأخفق، وعانى المسلمون في عهد هولاكو لتعاطفه مع المسيحيين ضدهم، ولما توفي سنة 663هـ/1265م خلفه ابنه أباقا Abaka ن(663ـ 681هـ/1265ـ 1282م) الذي واجه هجمات كل من التتار[ر] والمماليك[ر] وتقرب من الأوربيين، وفسح لهم المجال لإرسال الإرساليات التبشيرية.كان أول من دخل الإسلام من حكام المغول نيكودار Nikodar ن(681ـ 683هـ/1282ـ 1284م) الذي تلقب بـ: «أحمد». إلا أن ابن أخيه أرغون Arghün ن(683ـ 690هـ/1284ـ 1291م) وقف في وجهه وتخلص منه، فكان عهد أرغون محنة للمسلمين. فقد جعل على جباية أموالهم سعد الدولة، وهو طبيب يهودي ظلم الناس. ولم يكن المسلمون في عهد أخيه كيخاتو Gaykhät ن(690ـ 694هـ/1291ـ 1295م) أفضل حالاً من وضعهم في عهده.وتولى غازان Ghäzän عرش الإيلخانية 694ـ 703هـ/1295ـ 1304م فاعتنق الإسلام السني، ولم يكن متعصباً مذهبيّاً، فانتشر الإسلام بين الإيلخانيين على المذهبين السني والشيعي.ثم خلفه أخوه أولجايتو Öldjeytü ن(703ـ716هـ/1304ـ1316م)، الذي تلقب بـ: خُدا بندة، وتحول إلى المذهب الشيعي سنة 710هـ/1310م، وحمل الناس عليه، وأدى هذا التعصب إلى نزاعات مذهبية، كما كان لذلك أثره في علاقات الإيلخانيين مع مماليك مصر. ارتبك وضع الإيلخانية بعد وفاة أولجايتو لأن ابنه أبا سعيد (716 ـ 736هـ/1316 ـ 1335م) كان قاصراً، وواجه عدة أخطار، ولما توفي لم يكن له خلف، فنشب نزاع على العرش، انتهزه الجلائريون[ر] بقيادة حسن بَزُرَك[ر] (740 ـ 757هـ/1339 ـ 1356م) الذي مكّن لنفسه في بغداد (740هـ/1339ـ 1340م) وكان حسن مسلماً سنياً دون تعصب لمذهبه.مسجد الكاظمية في بغدادخلفه في الحكم ابنه شيخ أويس (757 ـ 776هـ/1356ـ 1374م) وكان عادلاً حسن التخطيط، رعى الأدب والأدباء، واتصل بسلطان المماليك في مصر وهادنه، فتوقفت حملات المماليك على العراق. اتخذ لنفسه الألقاب، وسك السكة باسمه في بغداد. خلف خمسة أبناء وأوصى أن تكون بغداد من نصيب ابنه جلال الدين حسن (776ـ784هـ/1374ـ 1382م) وكان جلال الدين سمح الطباع، تولى بعده أخوه السلطان أحمد (784 ـ813هـ/1382 ـ 1410م).انقسمت الدولة الجلائرية في عهد أحمد إلى عدة أقسام، مما أدى إلى ضعفها وسقوطها فريسة سهلة في يد تيمورلنك (تيمور الأعرج)[ر] (795هـ/1393م) الذي هزم أحمد آخر الجلائريين، ففر والتجأ إلى سلطان المماليك في مصر الظاهر برقوق، ورفض برقوق تسليم أحمد إلى تيمورلنك، مما زاد العداوة بين المماليك وتيمورلنك. حاول أحمد استعادة بغداد من تيمورلنك عدة مرات، وبعد وفاة تيمورلنك سنة 807هـ/1405م حكم العراق ابنه ميران شاه فتمكن أحمد الجلائري من استعادة بغداد منه سنة 808هـ/1406م.لم ينعم أحمد باستعادة بغداد، إذ ما لبث أن انهزم أمام قره يوسف التركماني سنة 813هـ/1410م، وسقطت بعدها الأسرة الجلائرية، وحل محلها في العراق القره قيونلو سنة 814هـ/1411م، مع بقاء جنوبي العراق تحت حكم فرع من الجلائريين لفترة قصيرة، وظلت العراق تابعة لدولة القرة قيونلو حتى سنة 871هـ/1466م حين انهزم آخرهم أمام اوزون حسن من الآق قيونلو، ودخلت العراق تحت حكمهم. وما لبث اوزون أن انهزم أمام العثمانيين سنة 877هـ/1472م، ومع ذلك احتفظ أبناؤه بحكم العراق حتى هزيمتهم أمام الشاه إسماعيل الأول الصفوي[ر] في معركة شرور سنة 907هـ/1501 ـ 1502م، ووقعت بين الشاه إسماعيل الصفوي[ر] وسليم خان الأول العثماني[ر] خلافات أدت إلى نشوب حرب بينهما في جالديران[ر] سنة 920هـ/1514م، انتصر فيها السلطان سليم وخضعت العراق بذلك إلى نفوذ الدولة العثمانية.أهم مظاهر الحضارة: كان العراق مركز الحضارة والعلم، ولم يقتصر ذلك على العصر العباسي، وظهر في العراق عدد كبير من العلماء، من فقهاء ومحدثين ومؤرخين وجغرافيين وأدباء وشعراء وأطباء، وبنيت فيها المدارس، ومن أشهرها المدارس النظامية، والمدرسة المستنصرية، كما بنيت فيها البيمارستانات، وكانت على نوعين: ثابتة ومحمولة.شهد العراق بناء العديد من المدن الجديدة في العصر الإسلامي منها: الكوفة والبصرة وواسط وبغداد وسامراء، إضافة إلى بناء المساجد والقصور العديدة وغيرها. وتقدمت الحياة الفنية فيها كصناعة الفخار، والتزيينات في المساجد والقصور وغير ذلك.
المراجع
الموسوعة.العربية
التصانيف
العلوم الإنسانية التاريخ جغرافيا