أطلق المستشرق النمساوي شلوتزر Schlözer اسم الساميين The Semites في عام 1781م على شعوب جنوب غربي آسيا وهم: الأكَّديون[ر] والبابليون[ر]، والآشوريون[ر]، والآموريون (العموريون) والآراميون[ر]، والكنعانيون، والعبريون، والعرب. وقد استمد هذه التسمية من نص توراتي في سفر التكوين، الإصحاح العاشر، ورد فيه ذكر أولاد نوح الثلاثة:سام وحام ويافث، حيث وجد أن عابر وآشور، وآرام، ويقطان (قحطان)، أي العبريين والآشوريين والآراميين والعرب، هم أبناء سام بن نوح. وأكدت ظواهر لغوية أساسية في لغة هؤلاء قرابة الشعوب المذكورة، وكذلك عاداتها وتقاليدها وشرائعها ودياناتها، إضافة إلى الموطن الواحد والمتصل بين آسيا الصغرى في الشمال، والبحر العربي في الجنوب، وجبال إيران والخليج العربي في الشرق، والبحر المتوسط والبحر الأحمر في الغرب. وقد أقام الساميون مناطق شهدت حضاراتهم ودولهم المتتابعة في بلاد الرافدين (العراق والجزيرة السورية اليوم)، وسورية القديمة (بلاد الشام). وشبه الجزيرة العربية. ويرى أكثر الباحثين أن موطنهم الأصلي كان في شبه الجزيرة العربية، ثم خرجت منها دفعات كبيرة من الهجرات الجماعية، كانت تفصل بين الواحدة والأخرى ألف سنة تقريباً. ووصلت تلك الهجرات تباعاً إلى شمالي شبه الجزيرة العربية، ولاسيما البادية السورية التي كانت مركز تجمع للقبائل البدوية السامية المهاجرة من الجنوب، ثم كانت تنطلق منها باتجاه الشرق إلى الجزيرة السورية، شرق نهر الفرات، ومنها إلى شمالي العراق أو إلى الجنوب الشرقي بمحاذاة نهر الفرات، إلى بلاد بابل وكذلك إلى شمالي سورية وجنوبيها وغربيها على امتداد الساحل الشرقي للبحر المتوسط.الشعوب الساميةظهرت الشعوب السامية، حسب الاصطلاح، تاريخياً، في الألف الثالث قبل الميلاد، وهي:ـ الأكّديون (الأكاديون): وسُمّوا كذلك نسبة إلى عاصمة دولتهم «أكد» Agade (في لغتهم) التي أقامها الملك صرغون (سرجون) (شَرّوكين في المصادر الأكدية) عام 2340ق.م تقريباً ويُعْتَقد أنهم جاؤوا من البادية السورية عبر مدينة ماري التي أقاموا فيها مدة من الزمن، وكانوا أول من وحّد بلاد الرافدين، وفرضوا سيطرتهم على شمالي سورية، ونشروا لغتهم السامية، والكتابة المسمارية المقطعية، وقد بقيت لغتهم بفرعيها البابلية والآشورية ولاسيما اللغة البابلية لغة المراسلات والدبلوماسية حتى حلت محلها اللغة الآرامية في نهاية الألف الثاني قبل الميلاد.ـ الأموريون (أو العموريون): ويمثلون الهجرة السامية الثانية، التي انطلقت كذلك من قلب البادية السورية، عند جبل البشري، قبائل بدوية باتجاه بلاد الرافدين وشمالي سورية وغربيها. وعندما استقر بهم المقام في تلك المناطق في بداية الألف الثاني قبل الميلاد، توصلوا إلى تأسيس دول مشهورة في بلاد الرافدين، فقد قامت على يدهم الدولة البابلية القديمة (الأولى) التي كان أشهر ملوكها حمورابي[ر] (1792ـ1750ق.م) في جنوبي بلاد الرافدين، والدولة الآشورية القديمة في عهد الملك شمشي أدد (1815ـ1782ق.م)،كما قامت في الوقت نفسه دول لهم في سورية، في ماري (تل الحريري اليوم) على الفرات الأوسط، ومملكة يمحاض (يمخد) وعاصمتها حلب، وفي قطنا (تل المشرفة اليوم شمال شرقي حمص) وفي ألالاخ (تل العطشانة، قرب أنطاكية اليوم)،وقد ذكرتهم المصادر السومرية باسم «مارتو» والمصادر الأكدية باسم «أمورّو»، وتحمل العبارتان معنى «الغرب». وسادت تسمية «الأموريين» بمعنى «الغربيين» لتلك القبائل البدوية التي وصلت بلاد الرافدين الجنوبية من جهة الغرب حيث البادية السورية.ـ الكنعانيون: يجعلهم كثير من الباحثين فرعاً من الأموريين، وبعضهم يجعل الأموريين فرعاً منهم، ويسمونهم الكنعانيين الشرقيين. والكنعانيون هم الساميون الذين سكنوا السواحل السورية منذ الألف الثاني قبل الميلاد، وأقاموا فيها دويلات تبدأ في أغاريت[ر] شمالاً، وتمتد إلى الجنوب، حيث قامت دويلات مدن تجارية، من أشهرها أرواد وجبيل وصيدا وصور، وينتسبون إلى كنعان، أحد أبناء حام، كما جاء في سفر التكوين التوراتي، أو أن اسمهم مشتق لغوياً من مادة «كنع، كنخ»، بمعنى «انخفض» لأنهم كانوا يفضلون السكن في المناطق المنخفضة على المناطق الجبلية والمرتفعة. وتدعى فلسطين في كتاب العهد القديم «أرض كنعان» نسبة إلى سكانها الأصليين، بينما أطلق الاغريق تسمية «الفينيقيين» على الكنعانيين، واسم «فينيقية» على المنطقة الساحلية الممتدة بين أرواد وعكا، وتأتي هذه التسمية من اللون الأحمر الأرجواني الذي كان تجارهم يصبغون به أشرعة سفنهم، إذ كانت كلمة فينيقيا Phoinike في الإغريقية تدل على «اللون الأرجواني»، وهو لون مميز كانوا يحصلون عليه من حيوان البحر القشري المُريق (موركس) Murex المتوافر قرب شواطئهم.ساد الفينيقيون البحر المتوسط، وأنشؤوا المستعمرات الكثيرة على سواحله وعلى جزره المتعددة في النصف الأول من الألف الأول قبل الميلاد، وجابهوا الإغريق، وحدّوا من طموحاتهم، ومن بعدهم الرومان الذين صاروا ألد أعداء قرطاجة التي أقامها الفينيقيون في منطقة تونس اليوم، وصارت امبراطورية تضم كل المناطق الإفريقية الشمالية غربي مصر، إضافة إلى قسم كبير من شبه جزيرة إيبريا. وقامت ثلاث حروب طويلة بين الرومان وقرطاجة [ر. الحروب البونية]، انتهت بانتصار الرومان على قرطاجة وتدميرها في الحرب البونية الثالثة، عام 146ق.م، أما المدن الكنعانية (الفينيقية) فكانت تقاسم جيرانها من الأشقاء الساميين قدرهم في مقاومة الطامعين في سورية من المصريين والميتانيين والحثيين والآشوريين، ثم من الكلدانيين والفرس والإغريق والرومان.وقد برع الكنعانيون (الفينيقيون) في التجارة حتى صاروا أشهر من عرف التاريخ القديم من الشعوب البحرية المتاجرة، كما برعوا في الملاحة البحرية وبزّوا معاصريهم فيها، وكانوا أول من وصل إلى الجزر البريطانية من شعوب الشرق القديم، وأول من دار حول القارة الإفريقية، وصنع الزجاج الرائع، وبرع في صناعة السفن.ـ الآراميون: وهم الدفعة الثالثة من الهجرات السامية من شبه الجزيرة العربية. وكانت البادية السورية نقطة انطلاقهم الواضحة في النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد، ومن جبل البشري على الأرجح، حيث اقتفوا أثر أشقائهم الآموريين من قبل. وكان انتشارهم باتجاه الشمال والشرق، فوصلوا بلاد آشور في شمالي بلاد الرافدين والمناطق الوسطى منها، وجنوبيها. كما قصدوا شمالي سورية ووسطها(حيث يجري نهر العاصي) وجنوبيها، وجاوروا أشقاءهم الكنعانيين، ولم يحتكوا أو يختلطوا بهم، بل أقاموا كيانات مستقلة في بلاد الرافدين وسورية، وهي دويلات دعيت نسبة إلى مؤسسيها من شيوخهم الأوائل، فحملت أغلبيتها كلمة «بيت» ومنها «بيت زماني» عند المجرى العلوي لنهر دجلة، و«بيت بحياني» عند منابع الخابور، و«بيت داكوري» و«بيت أموكاني» في جنوبي بلاد الرافدين، و«بيت عديني» عند مجرى الفرات جنوبي كركميش (جرابلس اليوم)، و«بيت أجوشي» في مناطق حلب. وممالك «يأدي» (سمأل) عند سفوح الأمانوس، و«حماه»، و«آرام صوبا» عند وادي البقاع، و«آرام دمشق» وغيرها من الدويلات الصغيرة التي لم تتوصل في تاريخها إلى وحدة سياسة تجمعها للوقوف في وجه الغزاة، ولاسيما الآشوريين الذين كانوا يكيلون الضربات المتواصلة لها، ولكنها كانت تضطر أحياناً إلى التحالف، عندما يظهر قائد آرامي قوي يستطيع إقناع أقرانه بتشكيل حلف يتصدى للغزو الآشوري، كما حدث في معركة قرقر (شمالي حماة) عام 853ق.م،عندما قاد ملك دمشق الآرامي تحالف القوى السورية (من الآراميين والكنعانيين) ضد غزو الملك الآشوري شلما نصر الثالث.كانت لغة الآراميين الذين عملوا في التجارة، كأشقائهم الكنعانيين (الفينيقيين)، سهلة التركيب والكتابة، فانتشرت في مختلف أنحاء المشرق العربي وعلى أطرافه، وصارت لغة دولية ما يزيد على الألف سنة، وكان أهل تدمر والأنباط العرب يتكلمونها ويكتبون بها حتى حلت اللغة العربية محلها. وقد تفرعت إلى لغات متعددة، ومنها اللغة السريانية. ومازال سكان ثلاث قرى في جبال القلمون في سورية يعرفون الآرامية، في معلولا وبخعة وجبعدين.دُعِي الآراميون نسبة إلى جدهم «آرام»، كما تقول التوراة وهو عندهم من أبناء سام. وكانت الشعوب المجاورة تدعوهم بأسماء مختلفة قبل أن يتحضروا ويؤسسوا دويلاتهم، ومن تلك الأسماء «الأخلامو» و«السوتو». ثم طغت تسمية «الآراميين» عليهم ومازال عدد كبير من الأماكن والمدن في بلاد الشام يحمل أسماءً آرامية الطابع.وهناك شعوب سامية تنتسب إلى هذه الشعوب الرئيسة التي ذكرت، ومنها الأدوميون والمؤابيون والعمونيون، وكانت إقامتهم في شرقي الأردن ولغتهم الكنعانية، والمندعيون ولغتهم الآرامية، وهم صابئة العراق، والإبلويون وهم أهل إبلا الذين لم تُحَدّد هويتهم وقرابتهم من أشقائهم الساميين بعد.دياناتهم وأساطيرهماشترك الساميّون في عبادة آلهة واحدة، يأتي في مقدمتها الإله «إيل» الذي يوجد في أسماء الأعلام والأمكنة من مثل بابل، وهي «باب إيل»، وفي الأسماء المعروفة إسماعيل (يِشْمَعْ إيل)، وحزائيل وسواه. ويُعَدّ «إيل» الإله الأب وخالق الخلق، حتى صار بمرور الوقت اسماً دالاً على الألوهية عامة، ويعني «الإله» وصار الأكديون، ومن بعدهم البابليون والآشوريون يجعلون رمزه المسماري (ويُقرأ إيلُ) امام أسماء الآلهة جميعاً، كما كان السومريون يكتبون «دينِجر»، أي «الإله» أمام أسماء آلهتهم السومرية.وكان إله الشمس وإله القمر إلهين مشتركين عند الساميين كلهم، ويحملان تسمية مشتركة، ولاسيما إله الشمس «شمش» الذي هو إله العدل والحكمة، أما إله القمر فقد يختلف اسمه عندهم، فهو «سين» في بلاد الرافدين وحضرموت اليمن، و«إلمقه» و«عم» و«ود» في اليمن كذلك، ولم يكن له أثر يذكر في سورية الغربية. وثمة إله الزهرة وهي أنثى في بلاد الرافدين وسورية، واسمها «عشتار» أو عشترت، ولكنه مذكر في اليمن، حيث يدعى «عثتر» وعشتار إلهة الحب والجمال، ولكنها في الوقت نفسه إلهة الحرب والقتال وأخذت دورها الإلهة عنات في أغاريت.اما الإله «بعل» فهو الإله الأكثر شهرة وشعبية عند الساميين، ويعني «الرب، السيد» من حيث المادة اللغوية، وهو إله الغيوم والطقس والصواعق والخصب والأمطار، ومازال يحتفظ في بلاد الشام عند المزارعين في تصنيفهم الأراضي إلى مروية، وبعلية، وهي التي تعتمد على هطول الأمطار. وقد عرفه الأكديون باسم «بِل» وقدسوه، كما أعطاه الآراميون تسمية أخرى وهي «حَدَد»، أو «هدد»، والأكديون سمّوه «أدّو» أو «أدَد»، وفي إبلا اتخذ صيغة «هدّا». كما عبد الساميّون آلهة محلية كثيرة نعرفها من كتاباتهم، وأخرى ليست سامية، بل لشعوب احتكوا بها، ولاسيما الساميون في بلاد الرافدين الذين قدّسوا الآلهة السومرية بأسمائها، من مثل إله الفضاء «إنليل»، وهو كبير آلهتهم، و«إنكي» إله الحكمة، وإنْ أعطوه اسم «إيا». وعرف الأموريون في سورية وبلاد الرافدين الإله «دَجَن»، وهو إله الحبوب، و في أسمائهم المركبة، وهو في أغاريت والد بعل.حفل الأدب عند الساميين بالأساطير التي ابتدعوها بأنفسهم، أو اقتبسوها، ولاسيما ساميو بلاد الرافدين، عن السومريين جيرانهم وشركائهم في بلاد بابل، وحوروها إلى حد كبير لتتناسب والعصر الذي دُوِنت فيه وأفكار أهله وآراءهم. وكانت الأساطير تصاغ على شكل قصائد تُنْشد خلال ممارسة الطقوس الدينية، وفي الاحتفالات الرسمية، وكان ثمة من يتقمص شخصيات أبطال الأسطورة، كما كان يجري في بابل في عيد رأس السنة الذي كان يستمر عدة أيام. وكانت الأساطير ذات موضوعات تتعلق بالخلق (أو التكوين)، والخلود والموت، وعالم السماء، والعالم الأسفل (الجحيم). والعلاقة بين الإنسان والآلهة والطوفان، وصراع الآلهة، والعقاب الإلهي، ولم تكن أساطير الخلق تهتم بخلق الكائنات، والأدوات الضرورية للحياة فحسب، بل كانت تهتم كذلك بتنظيم الكون بعد صراعات قاسية مع قوى الفوضى أيضاً.تُعد قصة الخلق عند البابليين التي تُعرف بأول ألفاظ السطر الأول باسم «إنوما إليش» أي «عندما هناك في الأعالي» من أجمل الأساطير السامية التي تتحدث عن عملية خلق الكون وعناصره وكائناته على يد الإله السامي الشاب «مردوك (مردوخ)»، بعد صراع عنيف مع قوى الفوضى تتزعمه الآلهة الأولى، الإلهة الأم «تيامت»، كانت نتيجته لمصلحة مردوك الذي بقر بطنها بعد أن ملأها بريح السموم، وقسمها نصفين، وجعل نصفها الأعلى سماءً، ونصفها الأسفل أرضاً وعيّن في السماء حرساً، ونظم ماءها، وأرسى الأرض وجبالها ودجلة والفرات. وتتابع الأسطورة تفاصيل العملية في أسلوب ملحمي رائع. وتروي أسطورة بابلية أخرى قصة خلق الإنسان الأول الذي كانت الغاية منه خدمة الآلهة وتأمين الغذاء والشراب لها. ولكن كبير الآلهة «إنليل» ينزعج من ضجيج البشر وصخبهم فيأمر بإفنائهم عن طريق إرسال الطوفان عليهم بعد أن ابتلاهم مرات ومرات بالمجاعة وإرسال العواصف من دون جدوى. وتعرف هذه الأسطورة باسم «أسطورة أتراخاسيس»، وقد ضمت إليها الملحمة المعروفة باسم غلغامش فيما بعد، وصار اسم بطل الأسطورة «أوتا نبشتم». وحسب الأسطورة ينجو بطلها من الطوفان مع زوجته، وتقرر الآلهة نقله إلى جزيرة بعيدة، وتمنحه وزوجته الحياة الأبدية، ويصير أبناؤهما أجداد الأجيال البشرية الجديدة.وتتحدث أساطير بابلية عدة عن صراعات بين الآلهة نفسها، ومن أشهرها أسطورة الإلهة السومرية «إنانا» والإله «دوموزي» التي ترجمت إلى الأكدية، وغياب الإله دوموزي وهو «تموز» عند الساميين، وحلول القحط مكان الخصب في أثناء غيابه، وعودة الحياة والخصب بعودته ورجوعه من العالم السفلي، حيث كان عليه أن يحل محل زوجته إنانا (عشتار) وهي الأسطورة المعروفة عند الكنعانيين، وعلى وجه الخصوص في أغاريت، تحت اسم أسطورة «بعل وعنات»، حيث يتمكن «بعل» من انتزاع زعامة الآلهة الأوغاريتية من «إيل» ويتصدى للإله «موت»، ولكنه يقع صريعاً أمامه، حتى تهرع أخته وحبيبته «عنات» إلى نجدته ومصارعة الإله موت والانتصار عليه فيعود إلى الحياة، وتعود معه الخصوبة إلى الأرض بعد غيابها إثر موته، وتهطل الأمطار، وتكثر الغلال وتتكاثر الأنعام وتبدأ الدورة الزراعية الاعتيادية. ولاشك في أن أسطورة بعل وموته ثم عودته على الحياة لا تفسر الدورة الزراعية السنوية التي تنتقل بين الخصب والجفاف التي تمر بها أراضي المنطقة السورية خاصة، وهي المناطق التي تعتمد على أمطار الخريف والشتاء، ثم الربيع فحسب، بل تسعى لتفسر ما يحدث من انقطاع وانحباس للأمطار يصل إلى سبع سنوات أحياناً، الأمر الذي عايشه الكنعانيون بأنفسهم، ونجد في قصة يوسف في التوراة وفي القرآن الكريم، ما يؤكد ذلك في سنوات القحط، السبع العجاف.ولعل ملحمة «غلغامش» البابلية من أشهر الملاحم الأسطورية السامية، وإن كانت في فكرتها الأولى سومرية، لكن الصيغة البابلية السامية هي التي ذاعت في الشرق القديم، وترجمت في صيغة قصائد شعرية إلى اللغة الحثية والحورية. وقد حُفظت في اثني عشر رقيماً، وتشتمل على نحو ثلاثة آلاف بيت. وتروي الأسطورة قصة الملك غلغامش القوي الذي خلقت له الآلهة نداً، إنساناً وحشياً، اسمه إنكيدو، الذي يصبح صديقاً له بعد أن كان عليه أن يصرع غلغامش في معركة المواجهة، ويخوض معه مغامرات ضد عفريت غابة الأرز، وضد الثور السماوي الذي يخلقه إله السماء، تلبية لرغبة ابنته عشتار التي رفض غلغامش حبها، فأرادت الانتقام منه، فيدفع إنكيدو الثمن بسبب تماديه في إهانة عشتار، فتحكم الآلهة عليه بالموت. فيبدأ غلغامش بالخوف من الموت وكيفية النجاة منه والبحث عن الحياة الأبدية، ويصل إلى جده «أوتو نبشتم» بطل قصة الطوفان، بعد مغامرات وأهوال يتعرض لها. فيشير أوتونبشتم عليه أن يأكل عشبة الحياة التي يجدها في أعماق البحر. ولكن الحية تسرقها منه وتبدل جلدها فيضيع تعبه سدى، ويعود كغيره من البشر الذين قدر عليهم الموت. إن ملحمة غلغامش من الأساطير الإنسانية الأولى التي تمجد الصداقة بين الرجال، وتؤكد تفتح الفكر السامي على إيجاد إجابات مقنعة عن مسائل لم يكن الإنسان يجد لها جواباً، وفي مقدمتها مسألة الموت المحتوم الذي قدره الآلهة على البشر.خلف ساميو بلاد الرافدين أساطير كثيرة تم الاطلاع عليها، ولم يعثر على أساطير تماثلها من حيث الكم عند ساميي بلاد الشام بعد، على الرغم من أهمية الأساطير الكنعانية، والأوغاريتية منها خاصة.الأوضاع الاجتماعيةكان الساميون بداة، مثل معظم الشعوب الأخرى، ولكنهم تحضروا مِنْ بَعْدُ، وأقاموا دولاً وأنشؤوا حضارة إنسانية راقية أثّرت فيمن حولها، وأسست لحضارات تالية في الغرب والشرق، وكانت مجتمعاتهم تقوم على أساس سلطة الأب في الأسرة، وهي السلطة التي احتفظ بها من أيام البداوة. وعلى الرغم من ذلك، لم تكن سلطة الأب (البعل، كما يدعى في العربية) مطلقة، فكانت الزوجة تتمتع بمكانة اجتماعية تساوي مكانة الرجل، فهي تعمل خارج البيت ولاسيما في التجارة لحسابها الخاص، أو تنوب عن الزوج عند غيابه، ولها الحق في احترام الأبناء البالغين لها مثل الرجل، وإذا حدث خطأ بحقها يهدد الابن بالطرد وبالحرمان من الإرث. ولم يكن تعدد الزوجات معروفاً عند الساميين عامة، ولاسيما في بلاد الرافدين، ولكن كان أفراد الطبقة العليا يتخذون الإماء زوجات ثانويات لهم. وقد عالج قانون حمورابي مسألة الزواج والطلاق، وحدد شروطه، وذكر وضع المرأة العاقر التي يحق لها البقاء في بيت زوجها إن أرادت، وإلا فعليه أن يدفع لها تعويضاً بقدر مهرها، وتأخذ معها ما جلبته من بيت أبيها. ولكن المرأة، على الرغم من ذلك، لم تكن مساوية للرجل من حيث الحقوق والواجبات تماماً، ولاسيما في المجتمع الآشوري الذي كان قاسياً مع المرأة، بخلاف المرأة في سورية، ولاسيما في أغاريت حيث كانت أدنى إلى المساواة بالرجل. وكان الساميون يفضلون الأولاد الذكور على الإناث، ويتمتع الابن البكر بمزايا تفوق إخوته. ولاشك في أن الرابط القبلي انتقل من أيام البداوة إلى الحياة في المدينة، ولاسيما عند الأموريين والآراميين.وكان المجتمع يتألف من طبقتي الأحرار والعبيد، وعرف المجتمع البابلي، كما ظهر في قانون حمورابي، طبقة وسطى، كانت تدعى » الموشكينو » ولعل هؤلاء يشبهون «الموالي» في صدر الإسلام.أما العبيد فكانوا يخصون الأفراد والمعابد لا الدولة، ولهم حقوق محددة في القوانين التي جُمعت انسجاماً مع العادات والأعراف، وباستطاعتهم ممارسة التجارة بموافقة سادتهم، وكانوا يأتون عن طريق الأسر في الحروب والشراء. وكان بعضهم يصبح عبداً، إذا لم يتمكن من تسديد دين وفوائده لأحدهم كان قد اتفق معه على رهن نفسه لقاءه، وأغلبهم من الفلاحين والفقراء، ويكون ذلك موثقاً بعقد رسمي.أهميتهم التاريخية والحضاريةأدى الساميون دوراً سياسياً رئيساً في منطقة المشرق العربي القديم، إذ كانوا أول من وحد بلاد الرافدين زمن سرجون الأكدي، وأقام دولاً حضارية في سورية (إبلا وأغاريت و يمحاض وماري) وفي اليمن (سبأ). وبرعوا في الأدب والتجارة والزراعة والصناعة النسيجية والمعدنية، وفي الفنون والعلوم، وفي مقدمتها الفلك والرياضيات والطب والأدوية، وأثّروا بذلك في الشعوب المجاورة، ووضعوا أسس التقدم والحضارة الإنسانية.وظهرت في منطقتهم الأديان السماوية الثلاثة: اليهودية، والمسيحية، والإسلام. واخترعوا الكتابة الأبجدية في أغاريت، ثم في جُبيل Byblos، فدعيت هذه بالكتابة الفينيقية التي صارت أصلاً لكل كتابات العالم الأبجدية بعد أن انتقلت إلى الإغريق في الغرب، ومنهم إلى شعوب أوربا كلها، وعن طريق الآراميين وصلت إلى الشعوب الشرقية.
المراجع
الموسوعة.العربية
التصانيف
العلوم الإنسانية التاريخ جغرافيا