حرب قامت بين القوى الأوربية الكبرى بسبب صراعها من أجل السيطرة على بعض الممتلكات في أوربا والمستعمرات، وكانت بين فرنسا وحليفتها النمسا وحلفائهما من جهة، وبين إنكلترا وحليفتها بروسيا من جهة أخرى. وقد استمرت مدة سبع سنوات، وبدأت في القارة الأوربية ثم انتقلت إلى ما وراء البحار بين انكلترا وفرنسا لتشمل المستعمرات في أمريكا وإفريقيا والهند.بدأت الحرب في أوربا بتقدم فريدريك الثاني Friedrich II ملك بروسيا في سكسونيا في أيلول 1756، مما ألب عليه كثيراً من الأعداء، ففي الجنوب النمسويون، وفي الشرق الروس، وفي الغرب الفرنسيون والإسبان، وفي الشمال السويديون. أدى هذا الوضع إلى توثيق التحالف البروسي مع إنكلترا التي كانت ترغب بالدرجة الأولى في إضعاف منافستها الأولى في الحقل الاستعماري وهي فرنسا. وقد أثبت الملك فريدريك الثاني وسط هذا الحشد من الأعداء أنه يملك موهبة حربية نادرة، فبعد انتصاره في سكسونية واحتلاله مدينة درسدن، استطاع أن يحقق انتصاراً ساحقاً في روسباخ Rossbach في تشرين الثاني عام 1757 على الجيش الفرنسي - النمسوي. وفي كانون الأول من عام 1757 خاض الملك فريدريك الثاني معركة طاحنة مظفرة في لوثن Luthen ضد القائد النمسوي «دون» Daun الموجود في سيليزية، وقد جعله هذا الانتصار في مصاف القواد العسكريين ذوي الشهرة الخالدة، وقد عد نابليون بونابرت معركة لوثن بمناوراتها وحركاتها وتصميمها عملاً فنياً خالداً.وعلى الرغم من كثرة أعداء بروسيا، فإنها استطاعت بقيادة فريدريك الثاني مقاومة هجمات الفرنسيين والروس والنمسويين، وتغلغل الجيوش الروسية المرة تلو الأخرى في الأراضي البروسية واحتلالهم مدينة كولمار Colmar، واستقرارهم في بوميرانية البروسية ووصولهم حتى مدينة فرانكفورت على الأودر Frankfort-on-Oder وحتى احتلالهم في عام 1760 العاصمة البروسية برلين. لكن الروس لم يستثمروا انتصاراتهم. وأدى موت قيصرة روسيا المتشددة إليزابيث المفاجئ في 5كانون الثاني من عام 1762 إلى إنقاذ وضع فريدريك الثاني العسكري الصعب للغاية من ناحية، ومن ناحية أخرى وصل القيصر بطرس الثالث إلى حكم روسيا وكان صديقاً لفريدريك الثاني ومن أشد المعجبين به، لذلك قرر انسحاب روسيا من الحرب. وفي 15شباط من عام 1763، وتحت ضغط تهديد الأتراك لحدودها الشرقية، اضطرت امبراطورة النمسا ماريا تيريزا إلى توقيع صلح هيوبرتسبورغ Hubertsburg مع بروسيا.في هذه الأثناء كانت الحرب دائرة خارج القارة الأوربية في البحار وفي المستعمرات بين بريطانية العظمى وفرنسا، وقد بلغت ذروتها في أمريكا الشمالية خاصة، حيث حققت فرنسا في البداية عدة انتصارات ضد القوات البريطانية، في البحر المتوسط في جزيرة مينورقة في تموز 1756، في كلكتة بالهند، أمام ميناء روشفور الفرنسي وأمام لويزبرغ Louisburg في كندا.إن وصول وليم بت الثاني William Bitt II لرئاسة الوزارة البريطانية غيّر مجرى الأمور وأحدث انقلاباً حقيقياً في سير العمليات الحربية في أمريكا الشمالية، فانتصر القائد الإنكليزي الشهير وولف Wolfe على الفرنسيين، واحتل لويزبرغ مفتاح كندا، كما احتل مدينتي كويبك ومونتريال في أيلول عام1759. كما استولت القوات الإنكليزية على حصن دوكين Duquene المركز الأمامي للجيش الفرنسي على نهر أوهايو ونقطة الوصل بين كندا الفرنسية ولويزيانا الفرنسية نواة الإمبراطورية الفرنسية المحتملة في الغرب الأوسط من أمريكا الشمالية. لقد كانت خطة «بت» لتحطيم النفوذ الفرنسي في كندا تتلخص في هجوم ثلاثي يوجه من الغرب والجنوب والشرق، يقوم به القائدان الإنكليزيان وولف ومونتكالم Montcalem، وهذا ماحدث بمساعدة الأسطول الإنكليزي والتفوق السكاني الإنكليزي الهائل (2مليون إنكليزي مقابل 50ألف فرنسي تقريباً).أما في الهند فقد حقق القائد الإنكليزي روبرت كلايف Robert Clive انتصاراً كبيراً لإنكلترا هناك، فمنذ عام 1756 استولى كلايف في شمالي الهند على مدينة كلكتة، كما سيطر على السنغال، وكذلك استولت إنكلترا على جوريه Gorée في إفريقيا ومعها تجارة العبيد في غربي إفريقيا.أخيراً، ونتيجة لمعاهدة الصلح التي وُقعت في باريس بين إنكلترا وفرنسا عام 1763، والتي وضعت حداً لحرب السبع سنوات، فقدت فرنسا كندا ولويزيانة (شرقي نهر الميسيسيبي) في أمريكا الشمالية، ولم يبق لها في الهند سوى خمسة مراكز تجارية، أما في إفريقيا فقد فقدت فرنسا السنغال، ويمكن القول إن حرب السبع سنوات أدت إلى نهاية الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية الأولى. وكذلك فقدت النمسة من ناحيتها منطقة سيليزية التي ضمتها بروسيا، بعد توقيعها صلح هيوبرتسبرغ عام 1763.وهكذا فإن إنكلترا كانت الرابح الأكبر من صلح باريس عام 1763. أما النتيجة المهمة التي تمخضت عنها حرب السبع سنوات، فهي ظهور بروسيا دولة برية أوربية عظمى على القارة، ازدادت قوة مع الزمن إذ أخذت على عاتقها، بعد دحرها النمسة وفرنسا في القرن التاسع عشر، إعلان الاتحاد الألماني بزعامتها، وتتويج الإمبراطور غليوم الثاني إمبراطوراً عليها. أما فرنسا فيمكن عدّها الخاسر الأكبر لحرب السبع سنوات، فقد هُزمت على القارة الأوربية وفي المستعمرات، وضعف شأنها بعد فقدها هيبتها، مما أدى إلى خسارتها اقتصادياً بعد فقدانها مستعمراتها، ولكن هذا لم يمنع فرنسا من الانتقام من منافستها الاستعمارية إنكلترا عند انفجار ثورة المستعمرات الإنكليزية الثلاث عشرة في أمريكا الشمالية بمد هذه المستعمرات بالأسلحة والمال والرجال والدعم المعنوي الذي أدى إلى استقلالها وقيام دولة الولايات المتحدة بعد بضع سنوات من نهاية حرب السبع سنوات.
المراجع
الموسوعة.العربية
التصانيف
العلوم الإنسانية التاريخ جغرافيا