جوزيف بروز تيتو Josip Broz Tito، رجل دولة وقائد عسكري ورئيس جمهورية يوغسلافية سابقاً. ولد في إحدى القرى الكرواتية القريبة من «زغرب»، حينما كانت بلاده خاضعة لامبراطورية النمسة والمجر، وكان الابن السابع لأسرة فقيرة كادحة، إذ كان والده صانع أقفال، وقد عمل تيتو كغيره من أبناء القرية في مهن مختلفة من راعٍ إلى خادم وعامل في أحد المطاعم، إسهاماً منه في إعالة أسرته الكبيرة، ولم تتح له الفرصة للالتحاق بإحدى المدارس الرسمية، ومع ذلك فقد عوض هذا الأمر بالتحاقه بمدرسة ليلية تلقّى فيها علومه الأولى.في عام 1910، انتسب تيتو إلى الحزب الديمقراطي السلوفيني، وشارك إلى جانب والده في الحرب العالمية الأولى، وقد أسرته القوات الروسية وبقي في المعتقل حتى عام 1920، ثمّ عاد إلى وطنه، كانت مدة الأسر محطته الأولى على طريق النضال من أجل مستقبل بلاده. حمل تيتو أفكار ثورة أكتوبر وأهدافها في الحرية والمساواة بعيداً عن العصبيات القومية والعرقية، وقد خبر عن كثب مشكلات مجتمعه وتطلعاته، فنذر نفسه لتحقيق آماله، وفي المقدمة توحيد بلاده ورفع مكانتها الدولية. وفي عام 1928، اتُّهم بالتآمر على النظام الملكي، وزُج به في السجن حتى عام 1934، ولكن السجن لم يحد من طموحه أو يقلل من عزيمته. وفي عام 1934، انتُخب تيتو عضواً في اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب الشيوعي اليوغسلافي، وعمل بين عامي 1935 و1936 في موسكو عضواً في الحركة الشيوعية العالمية، وفي عام 1937 عاد إلى يوغسلافية وترأس الحزب الشيوعي اليوغسلافي.شارك تيتو في الحرب الأهلية في إسبانية (1936-1939) ضد ديكتاتورية «فرانكو»، ولمّا احتلت القوات الألمانية بلاده، قاد حرب عصابات كبرى على النازية بين عامي 1941 و1945، وتميز تيتو بالجرأة والشجاعة. ولمّا انتهت الحرب العالمية الثانية برحيل الألمان وطرد الملك اليوغسلافي «بطرس»، مُنح تيتو لقب مارشال، وشغل حتى عام 1952 منصب رئيس لجنة الدفاع القومي اليوغسلافي، وتقلد منصب رئيس الوزراء بعد أن نجح في حل الخلافات العرقية في يوغسلافية، وفي عام 1953، انتُخب رئيساً لجمهورية يوغسلافية الاتحادية. كما شغل منصب رئيس البرلمان اليوغسلافي «فينسا»، ورئيس اتحاد العمل الاشتراكي الشعبي اليوغسلافي. وفي عام 1966، صار أميناً عاماً للحزب وقائداً عاماً للجيش والقوات المسلحة حتى وفاته عام 1980، وقد مُنح وسام بطل الاتحاد اليوغسلافي ثلاث مرات (1944-1972-1977).إن تسلم تيتو السلطة في يوغسلافية لم يوقف الفتن فقط، وإنما نقل بلاده إلى مرحلة الاستقرار، ومن ثمّ إلى مساندة حركات التحرر العالمية. ولم يكن النهج الاشتراكي الذي سلكه تقليداً للآخرين أو تابعاً لهم، وإنما كان ذا طابع وطني بعيداً عن النظريات الجاهزة، وينسجم مع مصالح المجتمع اليوغسلافي وأهدافه. ورد ستالين على هذه الاستقلالية بطرد تيتو من منظمة الكومنترن «الأممية الثالثة»، ومن جهته فإن تيتو وقف موقفاً مناوئاً للسياسة الستالينية، ونادى بتعدد الطرق للوصول إلى الاشتراكية، واستمر في سياسته المرتبطة، أولاً بمصلحة بلاده وتأييد فكرة التعايش السلمي بين الأنظمة المختلفة في العالم ثانياً، وعُرفت هذه الرؤية الجديدة باسم «التيتوية» Titoism، واستخدمها السوفييت لنعت الشيوعية اليوغسلافية بالتراجعية. وما لبث الاستخدام أن توسع ليشمل كل التيارات الشيوعية التي نادت بتعدد الطرق إلى الاشتراكية وضرورة الحفاظ على الاستقلالية الوطنية، ومع أن العلاقات مع السوفييت صارت أفضل بعد رحيل ستالين، فقد بقيت سياسة تيتو مستقلة عن الاتحاد السوفييتي (سابقاً)، مستغلةً حقائق توازن القوى في أوربة، وإقامة علاقات وثيقة مع دول العالم الثالث، وكان من نتائج هذه السياسة اللقاء مع الزعيمين نهرو وجمال عبد الناصر، وانعقاد مؤتمر باندونغ، ومن ثمَّ ظهور حركة عدم الانحياز التي أسهمت في سياسة الحياد الإيجابي التي تبناها هؤلاء الزعماء وفي مقدمتهم تيتو.وعلى الصعيد الداخلي، ازدهرت يوغسلافية طوال مدة رئاسته، مما جعل بعض المتابعين للأوضاع في يوغسلافية يتوقعون تعرض التجربة التيتوية للخطر بعد وفاته، ولاسيما فيما يتعلق بالنزعات الإقليمية والقومية في الولايات الاتحادية التي ربما تطالب بالاستقلال والانفصال، وهذا ما حدث بالفعل.اتخذ تيتو موقفاً داعماً للحق العربي بشكل عام وللقضية الفلسطينية بشكل خاص كصديق للعرب من جهة، وانسجاماً مع مبادئه في تبني حق الشعوب المناضلة في سبيل تحقيق وحدتها وتحررها من كل أشكال السيطرة والتبعية والاستعمار. وفي عام 1980، وقع تحت تأثير المرض مدة أربعة أشهر، ورحل قبل أيام من عيد ميلاده الثامن والثمانين ليفقد العالم برحيله شخصية قيادية متميزة تركت بصماتها الواضحة على مسيرة نضال الشعوب لتحقيق أهدافها وطموحاتها في القرن العشرين.

المراجع

الموسوعة.العربية

التصانيف

العلوم الإنسانية   التاريخ   جغرافيا