تحمل كلمة توندرة Tundra معانٍ عدة. فتوندرة -هي من أصل لابي Lappish، نسبة إلى قبائل اللاب التي تسكن شمالي روسية وشمالي فنلندة- تعني السهول المستنقعية، وقد استخدمت لوصف السهول المستوية والمتموجة الخالية من الأشجار في المناطق القطبية. لكنها تعني باللغة الفنلندية الأرض الجدباء الخالية من الأحياء النباتية والحيوانية، والتي ليس شرطاً أو بالضرورة أن تكون سهولاً مستوية، وإنما قد تكون مناطق جبلية أو هضاباً عالية. وزيادة على ذلك، فهي أبرد المناطق الخالية من الأشجار خلواً تاماً. لذلك فإن كلمة توندرة تعني الأقاليم التي تتسم بالفقر أو ندرة الأحياء داخل المناطق القطبية وشبه القطبية.يقع نطاق التوندرة بين النطاق القطبي الجليدي في الشمال وإقليم التايغا[ر] في جنوبه، في نصف الكرة الشمالي، ويشمل مساحات واسعة على سواحل المحيط المتجمد الشمالي، في شمالي أوراسيا وشمالي أمريكة، كما تدخل ضمن نطاق التوندرة بعض جزر القطب الشمالي.لا يحتل نطاق التوندرة مساحات تُذكر في النصف الجنوبي للأرض، وذلك لسيطرة المحيطات هناك، إذ لا تُرى سوى جزر مبعثرة كجزر الفوكلند[ر] ويُلاحظ أن نطاق التوندرة هنا، وبسبب البرودة وغلبة مساحات المياه على اليابسة، يتقدم شمالاً حتى خط عرض 50 درجة، بينما في النصف الشمالي للكرة الأرضية، لا يتعدى خط العرض 60 درجة. أما منظر التوندرة العام، فهو مكوّن من منحدرات صخرية وأودية عميقة وسطوح منبسطة تكسوها على الغالب الحصويات، إضافة إلى منخفضات ذات تصريف رديء، وسهول فيضية واسعة، وفيوردات (خلجان جليدية الأصل غمرتها مياه البحار) كبيرة وجزر ذات تضاريس صخرية وساحل بحري متأثر جداً بالحت الجليدي.يتميز نطاق التوندرة (الواقع في النطاق المناخي شبه القطبي) ببرده القارس، إذ لا تزيد درجات الحرارة في تموز وآب وسطياً على 10 و12 درجة مئوية (التوندرة الجنوبية)، بينما تنخفض إلى 5 درجات مئوية في التوندرة الشمالية، ولا ترتفع الحرارة لأحر شهور السنة على 15 درجة مئوية في أي مكان من هذا النطاق. ويلاحظ أن درجات الحرارة في الشتاء (كانون الثاني وشباط) كثيراً ما تنخفض إلى -10 و-20 درجة مئوية. وفي أواسط القارات تنخفض أكثر من ذلك. ولا تزيد درجات الحرارة الأعلى على +10 درجة مئوية. أما المدة التي تزيد فيها الحرارة المتوسطة على +5 درجة مئوية فإنها تراوح بين 70 يوماً في الشمال و90 يوماً في الجنوب. أما كمية الهطل فهي قليلة، ثلجية في الشتاء الذي يمتد من ثمانية إلى عشرة أشهر، ومطرية في الصيف، وعموماً تراوح كمية الهطل ما بين 200 و400مم سنوياً، وفي بعض الأماكن لا تزيد على 150مم/السنة، وذلك في أعماق القارات. أما كمية التبخر فأدنى من الهطل بشكل كبير وقليلاً ما ترتفع إلى نصف الهطل، بسبب شدة البرودة، وهذا يعني أن الرطوبة الجوية عالية، وتراوح ما بين 70 و90%. والرياح في منطقة التوندرة شديدة، مما يزيد من قسوة الظروف البيئية للنطاق، مما تعطيه لوحة مميزة فريدة، لا نرى مثيلاً لها في النطاقات الأخرى. وبتحليل الأحوال المناخية لمنطقة التوندرة يُلاحظ أنه لا يوجد فيها نظام متجانس، فمثلاً يُلاحظ اختلاف المناخ من مناخ محيطي قطبي ذي شتاء ليس شديد البرودة وصيف معتدل نسبياً، كما هو الحال في شمال أوربة، إلى مناخ قاري قطبي ذي شتاء قارس بارد وصيف بارد، وهذا ما يميز المناطق الشمالية لسيبيرية.والتوندرة غنية جداً بمياهها السطحية المنتشرة على هيئة أنهار وجداول وبحيرات، وللمستنقعات مكانة بارزة هنا، كذلك فإن المياه الباطنية غزيرة وقريبة من السطح، بسبب وجود ظاهرة تجمد التربة (ميرزلاتا) Merzlotta.أما التربة، فإنها تتكون في ظل ظروف تتصف بالحرارة الشديدة الانخفاض، وبالفيض الرطوبي، وبقلة كمية بقايا النباتات والعضويات المتساقطة فيها سنوياً وببطء تحللها. وتسبب الرطوبة العالية انخفاض قيم التبخر الكامن، كما أن وجود طبقة الميرزلاتا التي تمد التربة بالرطوبة، تحد من تطورها وتعمقها. كل ذلك يساعد على ظهور عمليات الإرجاع الكيماوية في ترب التوندرة، تلك العمليات التي تقوم بإرجاع مركبات الحديد، فتظهر أكاسيد حديدية تدخل في تركيب المعادن الغضارية، وتعطيها ألواناً مميزة خضراء أو زرقاء ذات قوام هلامي gelly، وذلك في الأفق B الطيني، والذي يرمز له هنا وفي الترب المستنقعية بحرف G، فلا تتأثر الطبقة G بعمليات الغسل بسبب وجود هذه الأكاسيد، كما أنها ذات تفاعل حامضي معتدل (pH56)، ولقلة فعالية الدورة العضوية وفعالية التحول والتفسخ العضوي في التربة، تقل نسبة الدبال فيها، فتراوح نسبته بين 1-3%، كما في المناطق الجافة جداً. وللبرودة الشديدة فإن تحلل البقايا النباتية يتم بصورة بطيئة جداً، الأمر الذي يؤدي إلى تكوّن اللبد (التورب Peat).ويتميز الغطاء النباتي في التوندرة بقلة عدد الطوابق النباتية التي لا تزيد على ثلاثة طوابق، هي:1- الشجيرات ذات الأوراق المتساقطة، والمكوّنة من أشجار الصفصاف القزميSalix Palaris  وشجيرات Alnus Crispa، والتي ترسم حدود الغابات المعروفة بالتايغا.2- النباتات العشبية وبعض الشجيرات الصغيرة الأوراق، وهذه الشجيرات يراوح ارتفاعها بين 3و5م، وتعيش دائماً في السفوح والمناطق المقابلة لسطوع الشمس، ومن هذه الحشائش والشجيرات بَتُولا قَزَمة Betula Nana والعِنَبيَّة Vaccinum.3- الأشكال العشبية ذات المظهر المتجانس تقريباً، والمكوَّنة من حشائش وأعشاب متجانسة من النجيليات، خاصة في مناطق الترب التي تتلقى إشعاعاً شمسياً يسمح بارتفاع طفيف في درجة الحرارة، ومن الأنواع النباتية السُعادى Carex وعشبة الكلأ Poa والخشخاش القطبي Papaver وبعض الأنواع من الحزازيات.أما حيوانات نطاق التوندرة، فتتمثل بالفقاريات الكبيرة، إذ تأتي إلى هذه المنطقة في بداية فصل الصيف قطعان كبيرة من الرنة Rangifera  Arcticus التي تتجه في فصل الخريف إلى الجنوب. أما الطريق الذي تتبعه الرنة في ذهابها وإيابها فهو ليس طريقاً واحداً، إنما هو طريق متعرج، إذ تتبع أماكن الغذاء والماء الضروري لها أثناء رحلتها. والرنة مصحوبة دائماً في هجرتها وفي عودتها بأعدائها من الذئاب Canis Lupus، إضافة إلى الدب القطبي وثور المسك Ovibus Moschatus. وثور المسك يسود في توندرة أمريكة الشمالية، إضافة إلى حيوانات أخرى، أهمها اللاموس من القوارض، وتسكن هذه القوارض الجهات المعاكسة للأشعة الشمسية، التي تتكون عليها طبقة ثخينة من الثلج، وتستخدم هذه الحيوانات الثلج من أجل حماية صغارها من الذئاب، وهذه الحيوانات مستهلكة كبيرة للنباتات. ومن القوارض الأخرى الموجودة هنا الأرنب الأبيض Lepus  timidus والمرموط ذو الرأس الأسود Macrmota  camtschatica، أما آكلات الحشرات فأهمها حيوان السوركس Sorex.تهاجر الطيور في منطقة التوندرة في الشتاء نحو الجنوب، وتعود في فصل الصيف وتتكاثر في منطقة التوندرة. أما عودة هذه الطيور فيكون في بداية فترة إزهار النباتات، وأحياناً نجدها تبحث عن النباتات تحت طبقة الثلج، وتتصف التوندرة بغناها بأنواع خاصة من الطيور البحرية مثل الأوز والبط الأحمر Aythia والبجع Cygnus. وهذه الأنواع من الطيور ليست كثيرة الأنواع بقدر كثافة عدد أفرادها، إذ تتجمع بأعداد لا تحصى في فصل الصيف حول المستنقعات والبحيرات والتجمعات المائية للتوندرة، ويكون وجودها في هذا الوقت مكملاً للمظهر الجغرافي العام. ومن أهم الأنواع الأوز الأبيض Anseralbifrons والأوز ذو الرقبة السوداء Branta bernical وتتعرض هذه الطيور أكثر من غيرها لعمليات صيد جائر دائماً.ومن أنواع الطيور الأخرى طيور القبرة مثل القبرة اللبسونة Calcarius lapponicus والقبرة ذات الأذنين Eremphila alpestris وطيور البطريق Penguin، فضلاً عن الصقر Falco Peregrinus الذي يتغذى على الطيور المائية والقوارض. وليس في منطقة التوندرة زواحف كثيرة، وهناك نوع من السحالي في سخالين هو Lacerta Vivipara، ومن الحشرات هناك البعوض بأعداد كبيرة، إضافة إلى أنواع كثيرة من الفراش الذي يصل إلى خط العرض 80 درجة شمالاً.وبيئة نطاق التوندرة، كما هي فقيرة بكثافة الأحياء النباتية والحيوانية، فهي فقيرة أيضاً بالسكان. ويعتمد سكانها في حياتهم على الحيوان، ويستخدمون الزحافات في الانتقال. وهم في ترحال دائم بشكل مجموعات صغيرة العدد وراء الصيد، فحياة سكان التوندرة كفاح دائم ضد الطبيعة. وتقسم التوندرة إلى منطقتين رئيسيتين هما:1- توندرة أوراسية: تبدو التوندرة في أوضح صورها في شمال قارة أوراسية ممتدة من شمال النروج حتى أقصى شمال شرق روسية الاتحادية، وهي في آسيا أعظم اتساعاً منها في أوربة، ومع أن توندرة شمال أوربة وغرب البحر الأبيض يغلب عليها المظهر الجبلي، فإنها إلى الشرق من البحر الأبيض تسودها المظاهر السهلية، حتى أقصى شمال شرقي روسية الاتحادية، إذ تتركز هناك في جبال شوكوت في شبه جزيرة تايمير، وتبرز مرتفعات برانغة.ويخيم في فصل الشتاء السكون، وتختفي في توندرة أوراسية الحياة النباتية والحيوانية والبشرية. وفصل الصيف هو فصل النشاط والحركة، إذ تنشط الحياة بمظاهرها كافة، فتزدهر الحياة النباتية التي تجلب إليها العديد من الحيوانات. ويمثل حيوان الرنة عماد الحياة الاقتصادية لسكان التوندرة، فهو يؤمن كل مطالب الحياة من مأكل وملبس ومسكن، وأهميته كبيرة، سواء أكان حياً أم ميتاً. ويعتمد السكان على صيد الأحياء البحرية الكبيرة، مثل الفقمة وعجل البحر وفيل البحر، مستخدمين في ذلك القارب الجلدي الخفيف المعروف باسم كاياك، والرمح المسنن. ويقوم الكثير من أفراد المجموعات القطبية بصيد الأسماك من الأنهار، إذ يأكلونها نيئة أو مسلوقة أو مشوية. ويقدر عدد سكان التوندرة الأوراسية بنحو ستة ملايين نسمة، أغلبهم من الوافدين الأوربيين والآسيويين، الذين يقدر عددهم بنحو خمسة ملايين، والباقي من السكان الأصليين، ومن أهم المراكز العمرانية  الحديثة في أوراسية القطبية يمكن ذكر همرفست (النروج)، وأركانغلسك، وأنديْجا، وفوركانا، وكارا، ونوفي بورت، ونوردفك، وكوكورا، وبيفك (روسية).2- التوندرة الكندية: وتشغل مساحة تقدر بنحو أربعة ملايين كيلومتر مربع في شمالي كندا، وتعرف توندرة قارة أمريكة باسم الأراضي المجدبة Barren Ground ويقطنها جماعات الأسكيمو [ر]، إضافة إلى الأوربيين القادمين من جنوبي كندا حديثاً. ويقدر عدد سكان التوندرة الكندية بنحو 25ألف شخص، ثلثهم من الأسكيمو. وأسكيمو كندا صيادو بحر بالدرجة الأولى، ولذلك يتجمعون في جماعات صغيرة على طول الساحل وفي الجزر أيضاً. ويختلف الأسكيمو عن سكان توندرة أوراسية ليس في سكناهم الملاصق للبحر وحسب، وإنما في عدم استئناسهم أي حيوان غير الكلب، فحياتهم مرتبطة بما يحصلون عليه من البحر، وبخاصة عجل البحر وفيل البحر الذي يعطيهم الغذاء والزيت والجلد والعظام والعاج، ولحصولهم على هذا، عليهم البقاء حيث توجد أحياء البحر، ومن ثم فإن الأسكيمو لا يتوغلون داخل اليابسة إلا حين يرتحلون لصيد حيوان الكاريبو (الرنة الأمريكي)، بغية الحصول على جلده لصنع اللباس منه. وتتكون مساكن الأسكيمو الصيفية من الخيام المصنوعة من جلد الفقمة، بينما المساكن الشتوية فهي أكواخ مصنوعة من الجلد تسمى إيغلو Igloo. والحرفة التاريخية لمنطقة التوندرة الكندية هي بيع الفراء وتصنيعها، إلا أن موارد المنطقة من الفراء، قد هبطت كثيراً بفعل الاستغلال الكبير لحيوانات الفراء، مثل الثعلب القطبي الأبيض والأحمر، والبيغر، والليكس. وقد حاولت الحكومة الكندية تطوير سكان التوندرة، فعلمتهم تربية حيوان الكاريبو، كما كوَّنت جمعيات لتنظيم صيد الفقمة وبيع منتجاتها، كما أدخلت إلى هذا الإقليم الكثير من المنجزات الحضارية الحديثة، محسنة بذلك من شؤون التغذية والتعليم والإسكان، لسكان التوندرة الكندية.

المراجع

الموسوعة.العربية

التصانيف

العلوم الإنسانية   التاريخ   جغرافيا