ونستون تشرشل Winston Churchill رجل دولة وكاتب وخطيب ومؤرخ بريطاني، وُلد في أكسفورد، أبوه هو اللورد راندولف هنري سبنسر تشرشل Lord Randolph Henry Spencer Churchill كان من زعماء حزب المحافظين، وأمه جني جيروم Jenny Jerome أمريكية الأصل. درس في مؤسسة هارو Harrow التعليمية، ثم في الكلية الحربية في ساندهورست Sandhurst، وعمل بعد ذلك ضابطاً في سلاح الفرسان بالهند، شهد، بوصفه مراقباً حربياً، معركة أم درمان سنة 1898 التي نشبت في آخر ثورة الدراويش التي تزعمها المهدي محمد أحمد بالسودان، وكتب تشرشل بعد ذلك «حرب النهر» الذي وصف فيه الحملة الإنكليزية المصرية لاسترجاع السودان. وشهد حرب البوير في جنوبي إفريقية بين الإنكليز والبوير بين 1899-1902، بوصفه مراسلاً حربياً لجريدة إنكليزية، وأسره البوير، ولكنه استطاع الفرار. بدأ حياته السياسية في حزب المحافظين، وانتُخب عضواً في مجلس العموم، وفي سنة 1904، انضم إلى حزب الأحرار، الذي نجح بعد ذلك في الانتخابات العامة، فعين تشرشل وزيراً للتجارة (1908-1910) ووزيراً للداخلية (1910-1911) ثم وزيراً للبحرية (1911-1915)، وفي مطلع الحرب العالمية الأولى، كان وراء حملة الحلفاء إلى الدردنيل، التي أخفقت إخفاقاً ذريعاً، فعد تشرشل مسؤولاً عن هذا الإخفاق، مما اضطره إلى الاستقالة، وحارب ضابطاً في الجبهة الغربية بفرنسة، وفي عام 1917 عينه صديقه لويد جورج Lloyd Georges رئيس الوزارة آنئذ، وزيراً للذخيرة ثم وزيراً للحربية والطيران (1919-1921)، بعد ذلك عاد إلى حزب المحافظين، وفي سنة 1924 عُين وزيراً للمالية.بقي تشرشل بين عامي 1929-1939، بلا منصب وزاري، انصرف في أثنائها إلى التأليف، فكتب «حياتي الباكرة» سنة 1930، و«مارْلبُرو» (4 مجلدات، 1923-1927: سيرة أحد أجداده المشهورين) Marlborough، قبل ذلك ولكنه لم يبتعد عن الحياة السياسية، وكانت تحذيراته من خطر الاشتراكية قد أخذت تجد لها صدى بين الإنكليز منذ سنة 1938، وكان ينتقد ويحذر من سياسة التسامح والتهدئة التي اتبعها تشامبرلِن، رئيس الوزارة آنئذ، مع ألمانية النازية.ولكن أهم مرحلة في حياة تشرشل السياسية برزت في الحرب العالمية الثانية، فقد عُين عند اندلاع الحرب سنة 1939 وزيراً للبحرية، ولما اجتاح الألمان النروج وهولندة ثم بلجيكة وفرنسة، استقال نيفل تشامبرلِن Nevill Chamberlain، معتقداً أن الحلفاء قد خسروا الحرب، وفي 10/5/1940 أصبح تشرشل رئيساً للوزارة البريطانية، وأعلن في 7/6/1940 أن بريطانية ستتابع الحرب وحدها، وتعرض بعد ذلك للوم شديد، بعد أن عجزت بريطانية عن صد الجيش الألماني في اليونان، وخاصة في جزيرة كريت، وله أثر في نشوب الحرب بين ألمانية وروسية، وبذلك تجنبت بريطانية أي غزو محتمل لأراضيها.ولما هاجم اليابانيون بيرل هاربر Pearl Harbor ودخلت الولايات المتحدة الحرب، أسرع تشرشل إلى لقاء الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت Franklin Roasevelt في فرقاطة أمريكية في الأطلسي، وقرر الرجلان توجيه الجهد الأساسي الحربي ضد ألمانية، كما وُضع ما عُرف بتصريح الأطلسي الذي أُعلن في 1/1/1941. وتجدد لقاء تشرشل مع روزفلت في مدينة كويبك Quebec في كندا سنة 1943، بعد استقالة موسوليني Mussolini في إيطالية، وتقرر مهاجمة الحلفاء لبورمة (مينمار اليوم)، ثم قصد تشرشل واشنطن، وقبل عودته إلى لندن منحته جامعة هارفرد الأمريكية لقب «دكتور شرف» سنة 1943، وألقى بهذه المناسبة خطاباً اقترح فيه إحداث مواطنة مشتركة بين الإنكليز والأمريكيين.وفي تشرين الثاني 1943، حضر تشرشل مؤتمر طهران الذي ضم أول مرة روزفلت وستالين أيضاً، وفيه تقرر الهجوم على الألمان في أوربة من الغرب والجنوب والشرق، ثم عُقد مؤتمر يالطة في شباط 1945 بين تشرشل وروزفلت وستالين، وفيه بُحثت قضايا عالمية تتعلق بتقاسم مناطق النفوذ، واتُخذت قرارات مهمة تتعلق بإنشاء هيئة الأمم المتحدة، التي تقرر إنشاؤها في دومبارتون أوكس بعد عدد من المؤتمرات التمهيدية بين الولايات المتحدة وبريطانية والاتحاد السوفييتي ثم الصين.ولما هاجم الفرنسيون المجلس النيابي بدمشق في 29/5/1945، ثم قصفوها بالمدفعية، طلب تشرشل بحزم من شارل دوغول Charles De Gaulle قائد قوات فرنسة الحرة آنئذٍ إصدار الأمر بوقف إطلاق النار، ونفذ ذلك فعلاً في 31/5/1945، وأوعز إلى القوات البريطانية بالتدخل، وطلب من دوغول الأمر بانسحاب القوات الفرنسية إلى ثكناتها (لتجنب الاصطدام بين القوات البريطانية والفرنسية)، وكان يرى ضرورة الاستفادة من ضعف فرنسة لإبعادها عن الشرق الأوسط، ومن ثم أُجلى الطرفان عن سورية ولبنان.وفي سنة 1945، هُزم حزب المحافظين في الانتخابات البريطانية، فقدم تشرشل استقالته كرئيس للوزراء، وأسس سنة 1947 اللجنة المؤقتة لأوربة المتحدة، التي عقدت مؤتمراً لها في لاهاي في هولندة بين 7-10/5/1947، واقترحت إنشاء اتحاد أوربي، ونادى تشرشل بإنشاء جيش أوربي، وكان يحذر من الاتحاد السوفييتي ويحرض ضده، حتى شبهه ستالين بهتلر وجماعته، وقد شُغل في 1945-1950 بمؤلف ثمين عن الحرب العالمية الثانية (6مجلدات).بعد فوز المحافظين في انتخابات 1950، عاد تشرشل إلى الحكم رئيساً للوزارة البريطانية وبقي حتى 1955، واقترح في 20/4/1953 عقد مؤتمر سري دولي لبت المشكلات العالمية العالقة (ألمانية، النمسة، الصين... الخ)، وكان ستالين قد توفي في 5/3/1953، مما سهل عقد المؤتمر، وفي السنة نفسها مُنح تشرشل لقب «سير» Sir، كما مُنح تلك السنة أيضاً جائزة نوبل (لمواهبه المتميزة بوصفه قائداً سياسياً ونيابياً نشيطاً وخطيباً مفوهاً ومؤرخاً متتبعاً وكاتباً بارعاً). وفي سنة 1955، سُلم عبء الوزارة إلى خليفته أنطوني إيدن Antony Eden بسبب تقدمه في السن.وفي الرابع والعشرين من كانون الثاني شيع الشعب البريطاني في لندن السير ونستون تشرشل، السياسي الحاذق الذي قلب هزيمة بريطانية إلى نصر.من مؤلفاته أيضاً، «لورد راندولف تشرشل» (1906) وهو ملخص سيرة أبيه، و«الأزمة العالمية» (4 مجلدات، 1923-1927)، و«تاريخ الأمم الناطقة بالإنكليزية» 4مجلدات، و«الحرب العالمية الأولى» 6مجلدات.كان تشرشل ضخم الجثة بعيد النظر، يُكثر من تدخين الغليون حتى غدا من صفاته المميزة، حاد الذكاء، يجيد اغتنام الفرص، يؤمن بـ«الامبراطورية» إلى أبعد الحدود. لم ينقطع عن العمل الفكري حتى آخر حياته. 

المراجع

الموسوعة.العربية

التصانيف

العلوم الإنسانية   التاريخ   جغرافيا