يطلق اسم أوسيتية Ossetia على المنطقة الواقعة بين جمهورية تشتشانية[ر] (الشيشان) في الشرق وجمهورية قبردينة ـ بلقارية[ر] في الغرب. وتضم جمهورية أوسيتية الشمالية المستقلة الداخلة في الاتحاد الروسي ومقاطعة أوسيتية الجنوبية المستقلة ذاتياً من جمهورية جورجية.جمهورية أوسيتية الشمالية: تقع في الوسط الشرقي لجبال القفقاس، وتمتد من الشمال إلى الجنوب نحو 125كم، ومن الغرب إلى الشرق نحو 120كم، ويحدها من الشرق جمهورية تشتشانية. وجمهورية أنغوشية، ومن الجنوب جمهورية جورجية[ر]، أما من الغرب فتحدها جمهورية قبردينة ـ بلقارية الشركسية، ومن الشمال أراضي محافظة ستافروبول في روسية الاتحادية، وتبلغ مساحتها نحو 8000 كم2 وتدخل في الاتحاد الروسي، وعاصمتها فلاديقفقاس Vladikavkas.أوسيتية الجنوبية: وهي مقاطعة ذات حكم ذاتي في جمهورية جورجية وتتصل بأوسيتية الشمالية، تقع في وسط جبال القفقاس في الحوض الأعلى لنهري كورا وريون، وتحيط بها جمهورية جورجية من جميع الجهات إلاّ الجهة الشمالية، إذ تحدها أوسيتية الشمالية التي هي امتدادها الطبيعي والإثني، تبلغ مساحتها نحو 3900كم2، وعاصمتها تسخينفالي Tskhinvali.التكوينات الطبيعية لأوسيتية بشقيها (الجمهورية والمقاطعة) متنوعة للغاية، فهناك القمم الجبلية العالية والسهول الجبلية، إلى جانب عدد كبير من المنخفضات الأرضية الصغيرة. أما أعلى أجزاء الجبال فهي تلك الواقعة بين أوسيتية الشمالية والجنوبية (دجيمارا 4780م، وأويلباتا 4649م، وتيبلي 4431م). ومناخها قاري معتدل، تراوح معدلات الحرارة فيه بين 4 درجات مئوية في كانون الثاني و24 درجة مئوية في تموز. وتراوح معدلات هطل المطر بين 400مم في سهل مزدوك و800مم في منطقة السهول الجبلية. وتغطي الثلوج قمم الجبال دائماً حيث تتكوّن الجليديات.تجري في أراضي أوسيتية الشمالية مجموعة من الأنهار أهمها وأطولها نهر التيرك (600كم) Terk (Terek) منها 110كم في أراضي أوسيتية الشمالية. ومن الأنهار الأخرى أوروخ (104كم) وأردون (101كم) وغيزلدون (81كم) وأرسدون (48كم).أما في أوسيتية الجنوبية فغالبية الأنهار هي روافد الحوض الأعلى لنهري كورا وريون، كما تجري في أراضيها أنهار صغيرة، وتنبع من أراضيها بعض الأنهار التي تجري في أراضي جمهورية جورجية.نبات أوسيتية متنوع للغاية. فهناك الكثير من النباتات البرية والغابات والمروج الألبية التي تغطي 30- 60% من مساحتها. وأهم أشجار غاباتها الزان الذي يشغل 56% منها، وهناك الزيزفون والبلوط والدردار. وحيوانها متنوع أيضاً، مابين أصيل من المنطقة نفسها، أو دخيل عليها من مناطق أوربة أو آسيا الوسطى. فمن الحيوانات التي تعيش في جبال أوسيتية، التيس الجبلي والثور البري (دومباي Dombai)، وقط الغابات البري والخنزير البري والدب والذئب وغيره. وأوسيتية غنية بمعادنها فمن مناجمها يستخرج الزنك والقصدير والنحاس والفضة.بلغ عدد سكان أوسيتية الشمالية عام 1998 نحو 655.000 ألف نسمة وتزيد الكثافة السكانية على 140 ن/كم2. وتعيش في الجمهورية قوميات كثيرة من القفقاس الشمالي (شركس وغيرهم) ومن بلدان الاتحاد السوفييتي السابق. ويؤلف الأوسيتيون 53% من السكان والروس 29.9% والأنغوش 5.2% والأرمن 2.2% والجورجيون 1.9% والأوكرانيون 5،1% والباقي من القفقاسيين الشماليين.وتدين غالبية السكان الأوسيتيين (أو الأستين) بالإسلام الذي وصل إليهم في العهد الأموي، ولكنه لم ينتشر بينهم على نطاق واسع حتى أواخر القرن التاسع عشر، ويعتنق الوافدون من الروس والجورجيين والأرمن والأوكرانيين المسيحية.أما مقاطعة أوسيتية الجنوبية التي يبلغ عدد سكانها 127.000نسمة (1998) وكثافتهم 32ن/كم2، فيؤلف الأوسيتيون 66.2% منهم والجورجيون 29% والروس 2.2% والبقية من قوميات قفقاسية مختلفة. ويدين أغلب هؤلاء بالمسيحية (أرثوذكس) عدا قلة من الوثنيين. ويبلغ عدد سكان عاصمتها تسخينفالي نحو 34000نسمة.يتركز النشاط الاقتصادي الصناعي في أوسيتية عامة في مجال الصناعة التعدينية وصناعة السيارات والصناعات الكيمياوية وغيرها من الصناعات التي تغلب عليها الصناعات الخفيفة. وتتركز أغلب الصناعات في مدن فلاديقفقاس وبيسلان ومزدوك وأردون وتسخينفالي. أما في المجال الزراعي فقد بلغت مساحة الأراضي الزراعية في أوسيتية الشمالية عام 1974 نحو 409 آلاف هكتار، وهي اليوم نحو 415 ألف هكتار (1995) منها 51.6% حقول وبساتين و8.5% مروج جبلية و39.9% مراع، وأهم الزراعات القمح والذرة والبطاطا.الشعب الأوسيتي نتاج امتزاج مجموعات من الشعوب الهندية ـ الأوربية التي دخلت منطقة القفقاس الشمالي، وامتزجت مع السكان القفقاسيين القدماء. ففي القرن السابع ق.م دخلت إلى القفقاس[ر] قبائل السكيت (الاسكيف). وتبعتها في القرن الرابع ق.م قبائل السارمات، التي انفصلت عنها في حدود القرن الأول الميلادي قبائل الألان. وتعد هذه القبائل السلف المباشر للشعب الأوسيتي بحسب أغلب الآراء، كما يمت الأوسيتيون بصلات وثيقة إلى الشعب الأديغيي (الشركسي). واسم الألان يظهر في أعمال مؤلفي القرن الأول الميلادي من أمثال بليني ويوسف فلافيوس وديونيس وغيرهم. وقد عثر الأثريون على آثار ألانية تعود إلى القرن الخامس الميلادي في مناطق الكورا ـ أورسدون، على نهر أورسدون، وكذلك عند ملتقى نهري سكوميدون وسواردون وغيرهما. وفي هذه المرحلة كان الألان قد سيطروا على منطقة وسط القفقاس التي كان يمر منها أقصر الطرق الواصلة بين شمالي القفقاس وجنوبيه، وهو ممر جبلي عرف في التاريخ باسم «ممر اللان»، وعند التراثيين العرب باسم «باب اللان» أي المؤدي إلى بلاد اللان. إذ تحفل آثار الجغرافيين والمؤرخين العرب المسلمين بذكرهم تحت تسمية «اللان» وأما اسم «ممر دريال» المعاصر الذي يُطلق على هذا الممر فهو تحريف عن الفارسية «دار اللان».تأثر الألان بتحركات الهون والفاندال، ورافق قسم منهم تحركات الهون والفاندال إلى إيبرية والشمال الإفريقي. وانتقل من بقي منهم للسكن بين نهري بشيز (الكوبان) والتيرك، وألفوا مجموعتين سياسيتين كبيرتين: غربية مركزها في أعالي الكوبان، وشرقية قريبة من منطقة دريال، ثم اتحدتا في القرن العاشر الميلادي في مملكة واحدة كان لها أثر مهم في تاريخ القفقاس، وكان من أبرز ملوكها دورغوليل Durgulel في النصف الأول من القرن الحادي عشر. وقُضي على مملكة الألان جراء الغزو المغولي التتاري على القفقاس (1222 -1239)، وانتقل سكانها على أثر الغزو للسكن في المناطق الجبلية العصية. ودُمرت كثير من الآثار الحضارية لهذه المملكة. وبدءاً من القرن السادس عشر الميلادي خضعت المقاطعات الغربية من أوسيتية لحكم الأمراء الشركس (الأديغة) من قبيلة القَبَرتْاي أو (القَبَردي) (وإليها نسب الشق الأول من اسم جمهورية قبردينة ـ بلقارية). وحين بدأ التوسع الروسي نحو مناطق القفقاس احتلت الجيوش الروسية أوسيتية الشمالية في عام 1774 في حين تأخر احتلال أوسيتية الجنوبية حتى عام 1801. وفي مطلع القرن التاسع عشر الميلادي بدأ الأوسيتيون بالانتقال إلى السكن مجدداً في المناطق السهلية، ولاسيما في سهول مزدوك الشركسية وفلاديقفقاس. وفي عام 1917 تأسست «جمهورية شمالي القفقاس» وانضمت أوسيتية الشمالية إلى هذه الجمهورية إلى جانب شعوب القفقاس الشركسية، لكن الجيش الأحمر البلشفي قضى على هذه الجمهورية المستقلة عام 1921، وأعلنت أوسيتية الشمالية في تموز عام 1924 مقاطعة ذات حكم ذاتي في عداد جمهورية روسية الاشتراكية الاتحادية وعاصمتها فلاديقفقاس. وفي شهر كانون الأول عام 1936 حولت أوسيتية إلى جمهورية ذات استقلال ذاتي وبُدِّل اسم العاصمة إلى أورجونيكيدزه. لكنها في عام 1991 أصبحت جمهورية في الاتحاد الروسي وأُعيد الاسم القديم للعاصمة (فلاديقفقاس). وفي الجمهورية اليوم ست مدن رئيسية هي: فلاديقفقاس وبيسلان ومزدوك وألاغير وأردون وديغور.أما أوسيتية الجنوبية فكانت مقاطعة ذات حكم ذاتي في نطاق جمهورية جورجية السوفييتية السابقة وذلك منذ نيسان عام 1922، وعاصمتها تسخينفالي. وفي عام 1989 ومع بدء انهيار الاتحاد السوفييتي حاولت السلطات الجورجية إلغاء هذه المقاطعة وماتتمتع به من حكم ذاتي، فأدى ذلك إلى نشوب حرب بين الأوسيتيين والجورجيين كانت نتيجتها تدمير كل البنى التحتية في المقاطعة ودخول قوات روسية للفصل بين الطرفين المتحاربين.تنتمي اللغة الأوسيتية إلى الفرع الشمالي الشرقي من اللغة الإيرانية. وتقسم هذه اللغة إلى لهجتين أساسيتين هما الإيرونية والديغورية. أما الأوسيتيون الجنوبيون فيتكلمون اللهجة التوالية التي يعدها المختصون فرعاً من الإيرونية. واللهجة الإيرونية هي اللغة الأدبية للشعب الأوسيتي، في حين تعد الديغورية الأقدم، وتحتفظ في معجمها بالكلمات التي يمكن أن تعد الكلمات الأصل للغة الأوسيتية. وقد تأثرت اللغة الأوسيتية باللغات القفقاسية، وحديثاً بالروسية.يتجاوز عمر الألفباء الأوسيتية المكتوبة بالأحرف الكيريلية اليوم مئة عام. ومع أن بعض الآراء تقول إن أسلاف الأوسيتيين من الألان كانت لهم حروف كتابة خاصة بهم فإن التنقيبات الأثرية لم تؤد إلى الكشف عن آثار مكتوبة بها.إن أقدم الآثار الحضارية التي عُثر عليها في أوسيتية تعود إلى مطلع الألف الثالث ق.م، وهي أوان فخارية حمراء تشابه المنسوبة إلى حضارة مايكوب الأديغية. وتوجد من عصر البرونز مجموعة من المقابر عُثر فيها على مجموعة من الجرار تضم شرائط تزيينية بزخارف متنوعة، كما حوت هذه المقابر مجموعة من الأواني البرونزية المزينة بالصور أهمها صور الوحوش. ومن العصر السكيتي (القرن السابع ق.م) وُجدت مجموعة من القطع البرونزية المزينة بصور مختلفة. وأما من العصر الألاني (القرن الأول الميلادي) فتوجد مجموعة كبيرة من الآثار المختلفة التي مازالت حية في الفنون الأوسيتية.ومع انتشار المسيحية بدءاً من القرن العاشر الميلادي ظهرت الكنائس في أوسيتية وكانت في أغلبها بسيطة في مخططها. وعثر في مدينة تتارتوب التي بناها المغول التتار على بقايا مسجد ومئذنة تعود إلى القرن الرابع عشر الميلادي. أما في المناطق الجبلية فقد كانت القرى محصنة بأسوار حجرية تحيط بها. كما بُنيت الأبراج الدفاعية التي كانت تؤلف أحياناً سلسلة متصلة. ويلاحظ التأثير القفقاسي المحلي ولاسيما الأديغيي في تاريخ الأوسيتيين وحياتهم الاجتماعية، وعاداتهم وتقاليدهم وآدابهم وأزيائهم الشعبية ولغتهم ولاسيما في ملاحم النارتيين المنتشرة بين شعوب القفقاس الشمالي، وترجع بدايات نشأتها إلى القرنين التاسع والثامن قبل الميلاد.
المراجع
الموسوعة.العربية
التصانيف
العلوم الإنسانية التاريخ جغرافيا