المركب الشراعي sailing boat، (الشكل1)، هو سفينة تبحر في الماء بقوة الريح، وباستخدام الأشرعة فقط. تستقبل الأشرعة sails المصنوعة من قماش كتيم، المعلقة على أعمدة خشبية أو معدنية تدعى الصواري Masts، طاقة الريح فتدفعها إلى الأمام أو الخلف بحسب توجيهها. تُستخدم المراكب الشراعية اليوم لأغراض غير تجارية كالنزهة أو السباق أو الصيد. وقد تُجّهز بعض المراكب الشراعية بأماكن للعيش تسمح للبحارة بقضاء مدد طويلة من الوقت في الماء. وقد كانت المراكب الشراعية هي السائدة في البحار حتى القرن التاسع عشر.الشكل (1)لمحة تاريخيةاستُخدمت المراكب الشراعية منذ أن اكتُشفت قوة الريح؛ فظهر النمط الأساسي للسفن باختراع الأشرعة، وبرز هذا الظهور باختراع السفن المصنوعة من الكتل الخشبية السميكة. وركّز بناؤو السفن على تصميم سفن ذات حجوم كبيرة؛ وعلى تطوير أدوات تسييرها: المجاذيف والأشرعة بصواريها وحبالها، فنجحوا ببناء سفن كبيرة ضخمة، لكنّ نجاحهم بتطوير أدوات تسيير السفن كان بدرجة أقل من تطوير السفن نفسها. وقد بدأ التطوير المهم في أدوات السفن في القرن الخامس عشر الميلادي، ووصل إلى درجة عالية مع ظهور السفن البخارية في أواسط القرن التاسع عشر الميلادي.   صنع المصريون القدماء أول مركب شراعي، واستخدموه سنين طويلة، فاستعملوا في دفع السفن الخفيفة شراعاً واحداً ومجاديف على كلٍ من جانبي السفينة، لكنّ السفن الأثقل كان يسيّرها شراع واحد فقط، مستطيل الشكل يسمونه الشراع المربع. وبعد عام 2000ق.م أصبح هذا الشراع أكثر اتساعاً في العرض وأقل طولاً.     يُعدّ الفينيقيون وشعوب البحر ولاسيما سكان جزيرة كريت (عام 2500ق.م) أول من جاب سواحل البحر المتوسط، وفي عام 1450ق.م سيطر الإغريق على شرقي البحر المتوسط، فبنوا سفناً متينة وواسعة ذات شراع واحد مربع. وفي القرن 13ق.م بنى الإغريق والفينيقيون سفن شحن عريضة وواسعة، كما طوروا تجهيزات السفن، فظهرت في القرن السادس قبل الميلاد سفن بصاريين، تسيّرها الأشرعة المربعة، ووضع الإغريق في القرن الرابع قبل الميلاد شراعاً مثلثاً أعلى الشراع الرئيسي.استُخدمت السفن الشراعية في البحر المتوسط لحمل البضائع والركاب، كما استُخدمت سفناً حربية أيضاً، وقد ازداد استخدامها في التجارة. ولم تستخدم المجاديف في السفن الشراعية إلا في حال انعدام الريح أو عند دخول المرفأ ومغادرته. وفي الحالات الأخرى كانت السفن تسير بفعل الريح. ولأغلب السفن الشراعية صاريان، ولبعضها ثلاثة صوار. وفي القرن الثاني قبل الميلاد ورث الرومان عن الإغريق طرائق بناء السفن وفن ملاحتها. وبنى «الڤايكنغ» سفنهم بين القرنين الثامن والحادي عشر الميلاديين في شمال أوربا بحيث يسيّرها شراع مربع الشكل مثبت على صار عال، وفي عام 1200م ظهرت سفن متعددة الشراع. والثابت أن للأشرعة المربعة أداءً جيداً عندما تهب الريح من الخلف، لكنها لا تعمل جيداً عند إبحار السفينة في مواجهة الريح، فاستبدلت بها الأشرعة المثلثة الشكل.توصل بناؤو السفن في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي إلى بناء سفينة كاملة التجهيزات، ظلت تُستخدم ثلاثة قرون تقريباً في كل دول أوربا، فاستُبدلت بالمجاديف دفة توجيه في مؤخرة السفينة وجُعل لها صارٍ رئيسي يتوسطها، وصارٍ آخر في المقدمة وثالث في مؤخرة السفينة. ويحمل كل صارٍ شراعاً أو أكثر. وقد استخدم المستكشفون الأوربيون أمثال هذه السفن في أواخر القرن الخامس عشر وطوال القرن السادس عشر الميلادي. وظهرت في منتصف القرن السادس عشر سفن الغليون ذات الصاريين، كما ظهرت في القرن التاسع عشر السفن المتعددة الأشرعة. حلَّت السفن البخارية في القرن التاسع عشر محلّ السفن الشراعية، واستمر استخدام السفن الشراعية الضخمة الحجم للاستفادة من حجمها وحمولتها وليس من سرعتها. وقد بُنيت في ألمانيا أضخم سفينة شراعية بخمسة صوارٍ في عام 1902، فكانت بطول 132م وعرض 16م وبحمولة 7300 طن (الشكل 1).المبادىء الأساسية للمراكب الشراعيةالشكل (2)تتنوع طرائق الإبحار طبقاً للمعدات التي تُجهّز بها المراكب، لكن المبادئ الأساسية للإبحار هي واحدة لكل السفن. فالمركب يتبع المسار الذي تهب فيه الريح على النحو المبين في المخطط الأول في الشكل 2، حيث تكون الأشرعة بزاوية 90 ْ بالنسبة إلى المحور الطولي للمركب، حيث تستمد الطاقة من دفع الريح للأشرعة.  وحين تأتي الريح من الجانب، كما هو مبين بالمخطط الأوسط من الشكل 2، تُعطى الأشرعة زاوية 45 ْ بالنسبة إلى محور القارب (كأجنحة الطائرة)، فتجر الريح الأشرعة علاوة على دفعها. والمبدأ العام لفعل الرياح، هو أن الريح تنساب بمعدل أكبر من السرعة على طول السطح الأمامي للشراع، مولدة منطقة ذات ضغط منخفض أمام الشراع. القوة الفعلية المتولدة بوساطة الريح تكون بزاوية عمودية على الشراع، كما هو مبين بالخط المنقط أ، تحاول هذه القوة دفع المركب بزاوية مائلة إذا كان بدن القارب مستوياً تماماً؛ لكن كل مركب مزود بقرينة ثابتة fixed keel (لوح مركزي طولي يقع أسفل القارب) تعمل كمستو طولي يمنع المركب من الحركة الجانبية في الماء. إن تأثير هذا المستوي مبين بالخط المنقط ب، ومن ثمّ فان المسار الفعلي للقارب هو محصلة لكل من قوة الريح و القوة المقاومة للقرينة، أي الخط المنقط ج، الذي يمثل الحركة الأمامية للقارب.توجيه المركب Tackingالشكل (3)إذا كانت المراكب الشراعية قادرة على الإبحار مع الريح فقط، فمن غير الممكن لها أن تبحر إلى المكان المقصود بعكس اتجاه الريح. أما عند الإبحار مائلاً عن اتجاه الريح، فيمكن للمركب أن يسير بزاوية 45 ْ بالنسبة إلى اتجاه الريح كما هو مبين بالشكل 2. ولدى الإبحار في مثل هذه المسارات، يتم، أولاً، إدارة الشراع إلى يسار اتجاه الريح ثم إلى يمين اتجاهها، وهذه المناورة تُدعى توجيه المركب. وعلى هذا يمكن أن تبحر المراكب الشراعية في مسار متعرج  عندما تسير بعكس اتجاه الريح، ويقال عن المركب: إنّ وجهة سيره يمينيّة عندما تهب الريح من الجانب الأيمن، ووجهة سيرة يساريّة عندما تهب الريح من الجانب الأيسر (الشكل 3).يمكن تبديل وجهة سير المركب من اتجاه إلى آخر بطريقتين؛ إذ يمكن أن يُقاد بحيث تكون مقدمته مع الريح ثم يتحول تدريجياً عن اتجاه الريح حتى يصبح مساره معاكساً لها. وعندما تكون مقدمة المركب معاكسة لاتجاه الريح، فإنها تقلل سرعته، وتضغط الأشرعة إلى الخلف مباشرة. وأما إذا كان المركب، مبحراً مع الريح بالاتجاه الآخر، فتمتلىء الأشرعة بالريح  وتأخذ موقعاً على الجانب الآخر للمركب، وفي أثناء تحرك المركب من مسار إلى آخر، لا يتلقى المركب أي قوة دفع من الريح، ويعتمد في سيره على اندفاعه الذاتي محافظاً على سرعة كافية لتوجيهه إلى الوجهة المعاكسة، فإن لم تكن للمركب قوة الاندفاع الكافية، يتوقف وتصبح أشرعته عديمة الفائدة. الطريقة الأخرى المتبعة في تغيير وجهة المركب تبدأ بتوجيهه بعيداً عن مصدر الريح، حتى تُملأ الأشرعة بالريح من الجانب الآخر، فتتغير وجهة المركب.عندما يسير المركب أمام الريح، فإن أي انحراف طفيف في اتجاه الريح يسبّب انحرافاً غير مقصود للمركب، وقد يكون مثل هذا الانحراف خطراً؛ لأن قوة الدفع على العوارض الثقيلة عند قاعدة الأشرعة تجرف سطوح المركب من جانب إلى آخر، وقد تسبّب تحطم قوائم الصاري عند الانحراف الجامح، أو يفقد الملاح قدرته على التحكم بصورة آنية، وعندما يكون البحر هائجاً يمكن أن يستدير المركب الصغير أو ينقلب. وعند الانحراف غير المتعمد في الريح العاتية تتولد قوة كافية لتحطيم  صواري المركب، أما إذا كان الانحراف متعمداً؛ فيحرص البحارة على حرف اتجاه المركب بحذر؛ بحيث تتحرك عارضة الصاري مسافة قصيرة لدى وصول الريح إلى الجانب الآخر من الأشرعة.طيُّ الشراع reefingيعتمد أمان المركب الشراعي على ضبط مساحة الشراع لتناسب حالات الريح؛ فيجب تقليل مساحة الشراع على نحو متتالٍ مع تزايد سرعة الريح، ويتم تقليل المساحة من الشراع المعرَّض للطقس العاصف بطيِّه. لا ينتج من طي الشراع تقليل مساحته فقط، بل تخفيض مركز الجهد على الشراع، ومن ثمّ التقليل من خطر انقلاب المركب أو تعرض الأشرعة للضرر في الرياح القوية، والمحافظة على استقرار المركب أكثر.يُنجز طي الشراع الرئيسي بتخفيض ارتفاعه بنحو 4/1 إلى 3/1 من طوله المعرّض للريح، وربط جزئه السفلي بعارضة الصاري عند نقاط الثني الموجودة في أكثر من صف؛ لتزيد من خيارات مساحة الشراع، أو بلف الشراع حول سلك أو حول عارضة الصاري التي تدور على دحاريج أو كرات معدنية خاصة، أو بطي الشراع بشكل مقاطع أو صفائح على امتداد عارضة الصاري. وفي كل السفن الشراعية، تُنشر الأشرعة إلى الأعلى بحسب شدة الريح، وتُضبط بالتوافق مع اتجاه الريح باستخدام الحبال.أجزاء الشراعللأشرعة شكل مثلث أو مربع، لكن ّمعظم الأشرعة اليوم مثلثة الشكل. للشراع المثلث ثلاث زوايا وثلاثة أطراف، ولكل زاوية أو طرف من الشراع مصطلح خاص به، وهذه المصطلحات مبينة على الشكل 4.1ـ الزوايا: لكل شراع مثلثي ثلاث زوايا، هي:- الرأس head، هو الركن (الزاوية) العلوي من الشراع، ويتصل به الحبل الذي يرفع الشراع.- مربط الشراع tack، هو نقطة متوضعة في مقدمة القاعدة السفلية للشراع، ومقيّد بنقطة ثابتة على المركب.- فك (حل) الشراع clew، هو نقطة في مؤخرة القاعدة السفلية للشراع، وتتحرك مع التجهيزات الدوارة، و من خلالها يتم التحكم بزاوية الشراع بالنسبة إلى الريح، كما يمكن أن يضبط شكل الشراع.2- الأطراف: لكل شراع مثلثي ثلاثة أطراف، هي:- القاعدة foot، هي الطرف السفلي للشراع، وهي محاطة بمربط الشراع وبالركن الذي يفك الشراع وفي بعض الأشرعة تحاط بركنين للفك.- الطرف المعرض للريح luff، هو الطرف الأمامي للشراع الذي يتموج بسبب الريح التي تعبره من الجانب الأمامي والخلفي بتزامن؛ بسبب إخفاق الزاوية التي يصنعها الشراع مع الريح والتي تسمح للشراع بالمحافظة على شكل إيروديناميكي جيد.- الحافة الخلفية للشراع leech، هي الطرف المعرض للخفقان والضجة إذا لم تشدّ بطريقة صحيحة.الشكل (4)وبالرغم من أن معظم الأشرعة المستخدمة حالياً هي من النوع المثلثي، لكن الأشرعة المستطيلة مازالت تُستخدم في بعض المراكب. وتتألف الأشرعة المستطيلة من أربعة أجزاء كما هو مبين بالشكل 4، هي: الرأس، وهو زاوية وحافة، وحافتان جانبيتان لأن الشراع المستطيل متناظر، وركنان حرّان لحلّ الشراع، والطرف السفلي للشراع.الاتجاهات الحديثة للإبحار بالمراكب الشراعية modern sailing شهدت السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر والعقود الأولى من القرن العشرين بداية اليخوت yachts الضخمة التي تدفعها محركات. وأنتج بناؤو اليخوت أعداداً متزايدة من القوارب المزودة بمحركات احتراق داخلي بأسعار مقبولة. وعلى الرغم من الرواج المتزايد للمراكب التي تعتمد على الطاقة، فإن المراكب الشراعية ما تزال تسيطر على المجال الرياضي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتلقى رواجاً مرتفعاً بين الهواة، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا. لقد أسهمت عوامل كثيرة في زيادة أعداد هواة المراكب الشراعية، مثل ارتفاع المعدل العام للدخل الشخصي، وانخفاض أسعار المراكب، وإنتاج العديد من أنواع الخدمات. وقد قلّل استخدام ألياف الزجاج fiberglass والألمنيوم في صناعة أبدان المراكب واستخدام النايلون في صناعة الأشرعة والحبال من تكاليف الإصلاح. ينقل العديد من مالكي القوارب الصغيرة قواربهم بمقطورات تجرها العربات من مكان بحري إلى آخر. وما يزال أكثر الناس الذين يستخدمون المراكب الشراعية من الهواة، فالرياضة باستخدام المراكب الشراعية هي الأكثر مغامرة في العالم، وتتطلب هذه الرياضة خبرة ومهارة إلى جانب تطبيق القواعد الأساسية لتجنب انقلاب المراكب في البحر.

المراجع

الموسوعة.العربية

التصانيف

العلوم التطبيقية  الصناعة