اللوجستية logistics كلمة معربة من اليونانية، وتعني فن حساب الجرايات المقننة rations من المؤن والسلاح والعتاد والتجهيزات دعماً لنشاط أفراد مقاتلين أو قطعة عسكرية في وحدة من الزمن. والمصطلح المقابل بالعربية هو «الشؤون الإدارية» و«المؤخرة» rear.لمحة تاريخيةظهرت الحاجة إلى الشؤون الإدارية (اللوجستية) في جيوش المصريين القدماء وبلاد الرافدين والفرس واليونان والرومان، وعند العرب المسلمين منذ قيام دولتهم الأولى؛ وذلك لتأمين الغزوات التي كان الرسولr يقودها بنفسه والسرايا التي كان يوكل قيادتها إلى أحد مقدمي الصحابة.وقد لجأ العرب في عصر الفتوحات، وفي مجال الشؤون الإدارية اللوجستية، إلى تكوين ما سُمي بالساقة بمعنى مؤخرة الجيش التي تسير وتتوضع خلف تراتيب القتال، وتضم الحرفيين والمكلفين بالإطعام والسقاية وجلب التعيينات الغذائية والأعتدة وإصلاح الأسلحة وتقديم الخدمات البيطرية، إضافة إلى نساء المقاتلين اللواتي يقمن بالتضميد وتقديم العون الطبي وإعداد الطعام.وكثيراً ما كان المقاتلون يتدبرون أمورهم اللوجستية بأنفسهم، ويتبادلون التضميد والإخلاء مع رفاق السلاح، وقد يستفيدون في غذائهم من المصادر المحلية والتعيينات المخصصة لهم. وكانت الصفة المدنية تغلب على الشؤون الإدارية اللوجستية. ثم اكتسبت الشؤون الإدارية اللوجستية الصفة العسكرية في زمن لاحق، وخاصة في جيوش عصر النهضة وما بعده. وقد اشتهر عن نابليون بونابرت قوله: «إن الجيوش تزحف على بطونها»، وأَوْلى التموين وجاهزية العتاد والسلاح، وخصوصاً المدفعية والإمداد بالذخيرة والإخلاء والإصلاح والطبابة عنايةً فائقة.الجراياتتطورت الجراية المخصصة للمقاتل ومقدارها مع الزمن حتى بلغت أرقاماً خيالية، فقد كان جندي الفيلق الروماني Roman  legion يحتاج إلى 0.5 ـ 1كغ من المؤن والأعتدة يومياً حسب نوع النشاط الحربي، لذلك كان الفيلق الذي يبلغ تعداده 4000 رجل، يحتاج وسطياً إلى نحو 120طناً في الشهر، وقد تدرَّج هذا المعدل ليراوح في الحرب العالمية الثانية بين 30 و100كغ للجندي الواحد في اليوم بحسب طبيعة القطعة العسكرية ونوع الأعمال القتالية، أي أن فرقة المشاة (نحو 20000رجل) تحتاج إلى 280طناً من المؤن والأعتدة شهرياً، موزعة على النحو الآتي: 47% ذخيرة وأسلحة، 25% محروقات، 15% قطع غيار، 7% تجهيزات وألبسة، 5% مؤن غذائية، 1% أدوات طبية. وما زال حجم الجرايات في تزايد إلى اليوم، ومثاله: أن جراية الجندي الأمريكي في حرب فيتنام بلغت 90كغ، أي 15 ضعفاً مقارنةً بمثيله في الحرب العالمية الأولى و4.5 ضعفاً مقارنةً بمثيله في الحرب العالمية الثانية، وذلك بسبب المناخ الاستوائي ورطوبة الجو العالية.مفهوم الشؤون الإدارية (اللوجستية) في مسارح الحرب الحديثةالشؤون الإدارية اللوجستية مظهرٌ من مظاهر فن الحرب، وتشمل تخطيط وتنفيذ إمداد قطعات القوات المسلحة وصنوفها باحتياجاتها من التعيينات الغذائية والسلاح والعتاد والذخائر والوقود والتجهيزات والمهمات وقطع التبديل، إضافة إلى إخلاء السلاح والعتاد المعطل وإصلاحهما، وتقديم العون الطبي في الميدان، وإخلاء الجرحى والمرضى ومعالجتهم[ر: الخدمات الطبية]، كما يُضاف إلى ذلك تكوين المخزونات الاحتياطية reserves المختلفة ونشرها، وإنشاء طرق المواصلات ومهابط الطائرات ومراسي السفن، وكل ما يتعلق بإسكان القوات وتمويلها وفق الخطط المرسومة وحفاظاً على جاهزيتها القتالية وفقاً لتطورات الموقف في ميادين القتال، واتساع رقعة الأعمال القتالية التي غدت تشمل العمق الاستراتيجي والفضاء الخارجي أيضاً.عناصر الشؤون الإدارية اللوجستية1 ـ تقسم الشؤون الإدارية اللوجستية أفقياً من حيث التنظيم إلى مصالح مختلفة منها:ـ خدمات الإمداد والتموين quarter  master corps التي تشرف على التخطيط والميزانية وتكون مسؤولة عن توفير المواد الغذائية والألبسة والتجهيزات واستلامها وخزنها وتوزيعها، كما تشرف على وسائل النقل بالسكك الحديدية وطرق المواصلات غير المخصصة لوحدات القتال.ـ الخدمات الطبية medical services مع المخزونات الطبية والسنيّة والبيطرية، ووسائط تقديم العون الطبي ميدانياً، وإجلاء الجرحى والمصابين وشؤون حفظ الصحة العامة، وإدارة مشافي الميدان والقاعدة.ـ خدمات الإمداد بالوقود المسؤولة عن التزويد بالوقود والزيوت والشحوم.ـ خدمات الهندسة العسكرية لتجديد وشق طرق المواصلات والمساعدة في أعمال التحكيمات، وإنشاء المهابط والمراسي.ـ الإدارة المالية.وقد يضاف إلى هذه الخدمات العضوية في الميدان خدمات أخرى منها:ـ الشؤون الفنية vehicles’ maintenance المسؤولة عن صيانة المزنجرات والمدولبات وإخلاء العتاد وإصلاحه.ـ شؤون التسليح ordnance المسؤولة عن الإمداد بالسلاح وإخلائه وإصلاحه.2 ـ تقسم الشؤون الإدارية اللوجستية شاقولياً من حيث الانتشار في ميدان المعركة إلى:ـ نسق إداري أول ونقاط طبية وورشات إصلاح نقالة ومخزونات محدودة من الذخيرة والمواد التموينية ووسائط الإخلاء، ويلازم مقرات القيادة.ـ نسق إداري ثان ويتوضع في مؤخرة القوات بإمكانيات مناسبة لمستواها.يتفاوت بعد كل من النسقين الإداريين الأول والثاني عن الحد الأمامي للقتال بحسب مستوى الوحدة أو القطعة ونوع المعركة وتراتيب القتال وتنقلها.تلي هذه الأنساق الإدارية للقطعات أنساق المستوى الأعلى في منطقة المواصلات التي تتألف من قطاع متقدم وقطاع متوسط وقطاعات القاعدة. وتتوزع وحدات الخدمات الطبية والتأمين الفني على هذا الشكل أيضاً وصولاً إلى مشافي ورحبات القاعدة والعمق الاستراتيجي.تتسع مؤخرة القوات في الحرب لتبلغ عمق البلاد بأكمله (العمق اللوجستي) بما فيه من سكان وموارد اقتصادية، باستثناء منطقة الأعمال القتالية، وبذلك تصبح همزة وصل بين اقتصاد الدولة والقوات.الآفاق المستقبليةأخذت الملامح الجديدة للشؤون الإدارية اللوجستية بالظهور منذ نهاية القرن العشرين، وذلك لازدياد حجم القوى الاستراتيجية ومسافات الإمداد والإخلاء. فظهرت طائرات النقل العملاقة التي تطير إلى مسافات بعيدة تزيد على 6000كم. كما ظهرت إمكانية تزويد الطائرات بالوقود في الجو، وتوسع استخدام الطائرات لإسقاط الحمولات اللوجستية في المؤخرات ومناطق الإنزال، واستخدام السفن والحوامات والطائرات نقاطاً طبية، إضافة إلى توفير تجهيزات جديدة للجنود للرؤية الليلية تعمل بالأشعة تحت الحمراء وغيرها، وسترات واقية من الرصاص، وكذلك التجهيزات الإلكترونية المختلفة، وزيادة القيمة الغذائية للتعيينات مع تخفيف وزنها، وزيادة فعالية الذخائر والإقلال من وزنها. ناهيك عن ديمومة الإمداد بالوسائط التقنية والإلكترونية الخاصة ووسائط السيطرة والاتصالات. وتظل الشؤون الإدارية اللوجستية في تطور مستمر مادامت التقانة في تطور.

المراجع

الموسوعة.العربية

التصانيف

العلوم التطبيقية  الصناعة