شودراكا Sudraka أو Shidraka ملك من جنوب الهند، ليس ثمة معلومات حول تاريخ حكمه، لكنه اشتهر بصفته كاتباً مسرحياً مجدداً ومهماً في النوعين الدراميين السنسكريتيين: براكارانا Prakarana (المسرحية الكثيرة الفصول التي تنتمي شخصياتها المتعددة إلى مختلف الطبقات الاجتماعية في حبكة ذات خطين متداخلين) وبهانا Bhana (مسرحية ساخرة بممثل واحد يلعب دور النذل أو الطفيلي الذي يمتِّع جمهوره بحكايات عن أشخاص آخرين). وينسب إلى هذا الملك الغامض مسرحيتان شهيرتان، هما «عربة الصلصال الصغيرة» Mrahakatika و«أخبار برابرتاكا» Padma-Prabhrtaka، وتمتاز كلتاهما عن سائر المسرحيات السنسكريتية بخروجهما على تقاليد التأليف المسرحي الكلاسيكية، وبغلبة الموضوعة الشعبية ذات الصبغة الواقعية المغلفة بمسحة فكاهية وروح فطنة طريفة. وهما تنتميان إلى مرحلة ما بعد كلاسيكية Post-Classic، تخلص فيها الأدب المسرحي من شعر البلاط المصطنع، لصالح العناصر الشعبية على صعيد الموضوعات واللغة واللهجة النابعة من الواقع. وهنا يتخطى شودراكا النماذج النمطية لمسرح البلاط، متجاوزاً قواعده النظرية المكبِّلة ملتفتاً نحو الفكاهة والنكتة الناقدة، ليخلق مسافة بين المتلقي والواقع المعروض.في مسرحية «عربة الصلصال الصغيرة» اقتبس شودراكا حبكة الفصول الخمسة الأولى من مسرحية الكاتب بهاسا[ر] «شاروداتا الفقير» Daridracarudatta. ولما كانت مسرحية بهاسا غير مكتملة، فمن المتعذر تبيان مدى الاقتباس بصورة كاملة. في مدخل المسرحية يصف المؤلف شودراكا نفسه بأنه ملك. وثمة إشارات متعددة من كتاب آخرين إليه كملك. واستناداً إلى قوة اقتباس الحبكة ومتابعتها في الفصول الخمسة التالية، وإلى اعتبارات أدبية أخرى، يمكن وضع شودراكا زمنياً بعد بهاسا بمدة معقولة، وربما قبل كاليداسا[ر]. ويشير عنوان المسرحية«عربة الصلصال الصغيرة» إلى اللعبة الوحيدة التي بقيت لابن بطلها شاروداتا، التاجر البراهمي الذي فقد ثروته.تجمع قصة المسرحية بين المصائر الشخصية لشاروداتا وحبه للمحظية فاسَنتاسينا Vasantasena (أي الربيع) التي تبادله الحب العميق، وبين انتفاضة سياسية تؤدي إلى الإطاحة بالملك مغتصب العرش، وإعادة الوريث الشرعي العادل إلى سدة الحكم. أما ممارسات شقيق الملكة الفظة والمؤامراتية لامتلاك فاسنتاسينا عنوة، فإنها تقابل بازدراء الأخيرة من دون حساب للعواقب. وقد جاءت هذه الممارسات الكيدية موزعة هنا وهناك في سياق المسرحية الطويلة بشكل مدروس بنائياً، بغية تصعيد درجة التوتر والتشويق. وبعد سلسلة من الأحداث المتباينة الوقع والتأثير، والتي تكاد أن توصل فاسَنتاسينا إلى حافة الموت، وشاروداتا محكوم بالإعدام بجريمة قتلها، تنتهي الحالة الدرامية متوجة بالسعادة، وذلك بتدخل وريث العرش الشرعي الذي ينقذ شاروداتا من حبل المشنقة ويمنح المحظية مرتبة طبقية اجتماعية تسمح للبراهمي شاروداتا بالزواج منها.يعالج شودراكا هذا الموضوع المعقد بكثير من المهارة الفنية، وينجح في تقديم المشاهد الممتعة والمثيرة على الرغم من وجود عدد كبير من الشخوص الثانوية والتعقيدات الناجمة عن الأحداث السياسية ذات المساس المباشر بالعلاقات الشخصية للشخصيات الرئيسية المرسومة بذائقة رفيعة. فشخصية شاروداتا مثلاً تبقى مفعمة بالنبل الأصيل والكرم سواء في حالة الفقر المدقع أو في قمة النجاح والانتصار، إذ يظهر قدراً عالياً من الشهامة والسمو عند عفوه عن شقيق الملكة، الذي تطالب الجماهير بموته. أما فاسَنتاسينا ذات الجمال الأخاذ، فتبدو متفانية في الحب، مزدرية وضعها بوصفها محظية رغم ما يحققه لها هذا من ثروة، متحدية أشكال التملق والمداهنة والإغراء كافة، مستعدة للتضحية بحياتها ثمناً لقناعتها. كما أن الشخوص الثانوية مرسومة بشكل فني واضح. إن بساطة الأسلوب تجعل شودراكا أقرب إلى بهاسا منه إلى الكتاب المسرحيين السنسكريتيين الآخرين. ولا شك في أن مثل هذا المزيج من الحب والمكائد السياسية والهزل الممتاز واللصوصية الشريفة تشكل عامل جذب كبير إلى هذا العمل الفني عبر القرون، ولاسيما أن القصة مستمدة من الواقع المعيش، وليس من الملاحم كالمهابهاراتا والرامايانا، كعادة معظم المسرحيين، فهي بهذا تقدم صورة تفصيلية دقيقة، معيشياً وأخلاقياً، عن الطبقات الاجتماعية المختلفة التي سادت الهند آنذاك، وتقدم نماذج متباينة ومشوقة في آن معاً عن رجال الدين والحرفيين والتجار والخدم واللصوص ورجال القضاء. ويعد مشهد محاكمة شاروداتا الأول من نوعه في تاريخ المسرح العالمي.ويبدو أن شودراكا قد كتب مسرحية «أخبار برابرتاكا» خصيصاً لأحد الممثلين المعروفين كي يظهر تفرده في تنوع الأداء، ولاسيما وأنها تقوم على ممثل واحد يحاكي أدواراً متعددة بالحركات والصوت.

المراجع

الموسوعة.العربية

التصانيف

الآداب   اللغات وآدابها   الآداب الاخرى