أوذيّسياس ألِبوذِليس إيليتيس Odhysseas Alepudhelis Elytis شاعر وناقد وأديب يوناني، ولد في مدينة هراكليون Hêraklion في جزيرة كريت لأسرة ميسورة تملك مصانع لإنتاج الصابون. اختار له أهله في مطلع شبابه دراسة القانون لما كانت تتمتع به مهنة المحاماة من سمعة طيبة ولما تضمنه من استقرار ونجاح. لكن أوذيسياس الشاب لم يلبث أن أعلن رفضه لهذا الخيار حين هجر كتب القانون واتجه نحو الأدب وكتابة الشعر، واستبدل باسم أسرته المعروف ألِبوذِليس لقباً آخر عُرف به فيما بعد وهو لقب إيليتيس.كان المناخ الثقافي اليوناني في النصف الأول من القرن العشرين يشهد تفاعلات مهمة ولاسيما في مجال الشعر، فقد تضافرت اتجاهات ثلاثة مهمة، هي اتجاه الشعر الديني ويمثله باباتسوليس Papatsolis، واتجاه الشعر الملتزم، ويمثله يانيس ريتسوس Yanis Ritsos. أما الاتجاه الثالث فكان ينحو نحو السريالية[ر] التي أخذت تلاقي إقبالاً شديداً لدى الشعراء الشباب لما كان من أثر لمجلة «الآداب الجديدة» التي نشرت باليونانية أشعار السرياليين الفرنسيين أمثال بروتون[ر] Breton وإيلوار[ر] Eluard، فكانت بذلك مدرسة لجيل كامل من مثقفي الثلاثينات في اليونان، ومنبراً للشعراء الشباب أمثال إمبيريكوس Embiricos، وإنغونوبولوس Engonopoulos، وسِفِريس Seferis، وإيليتيس. فعلى صفحات هذه المجلة نشر إيليتيس أشعاره الأولى التي تميزت بحرية فائقة في التعبير، وتنوع مدهش في الصور المبتكرة، وبتدفق مثير لتداعي الأفكار التي تنتظم في كتابة تلقائية من غير تكلف على طريقة السرياليين. وأهم قصائد إيليتيس في تلك المرحلة قصيدة «توجهات» (1940) Orientations، وقصيدة «شمس هي الأولى» (1943) Soleil, le premier.ولما اندلعت الحرب العالمية الثانية، انخرط إيليتيس في صفوف المقاومة في مجابهة النازية، فكانت تجربة فريدة ومثمرة له، تعرف فيها حقيقة النضال ولمس منها تطلعات شعب بكامله نحو الحرية، وتوجت هذه التجربة الحيويّة بقصيدة طويلة ومهمة كتبها تحت عنوان «نشيد بطولي وجنائزي لملازم سقط في ألبانية» (1946) Chant héroïque et funèbre pour le sous- lieutenant tombé en Albanie. تلتها مدة طويلة من الصمت كانت حصيلتها ديوانين مهمين هما «المجد له» (1959) Loué soit، و«ستة وواحد من إحساسات ندم للسماء» (1960) Six plus un,remords pour le ciel؛ يتكرر في هذين الديوانين موضوع الضياء والطبيعة بوصفهما مصدرين للحياة، وتُسْتثمر في هذه الأعمال ينابيع اللغة اليونانية كلها، ويظهر في الديوان الأول امتزاج مصير الشاعر بمصير الشعب اليوناني بأكمله بل بمصير الكون كله.أما الدواوين اللاحقة التي نشرها الشاعر وهي: «شجرة النور» (1971) L'arbre de lumière، و«مريم الضباب» (1978) Marie des brumes، و«ثلاث قصائد تحت راية الجنسية المستعارة» (1982) Trois  poémes sous pavillon de complaisance ، وهو يعني بذلك الجنسية التي تمنح للبواخر التجارية بشروط مغرية. فتبرز مدى اهتمام الشاعر بقضايا العالم المعاصر وإحساسه العميق بانتمائه إلى العالم الوسيع وتمثله همومه ومشكلاته مع شعور عميق بالثقة في الحياة والأمل في ضياء يعم الكون. وقد حصل إيليتيس عن مجمل أعماله على جائزة نوبل للآداب عام 1979.ولاتقتصر موهبة إيليتيس على كتابة الشعر، فقد أسهم في إغناء الأدب اليوناني بترجمات مهمة لكثير من الشعراء المعاصرين له أمثال لوركا[ر] Lorca، وإيلوار، وجوف[ر] Jouve، ورامبو[ر] Rimbaud، وأونغارِتي[ر] Ungaretti، وهي ترجمات جمعها إيليتيس في كتاب يحمل عنوان «كتابات ثانية»  (1975) Ecritures secondes، إضافة إلى ترجمة مسرحية «أوندين» Ondine لجيرودو[ر] Giraudoux، و«دائرة الطباشير القوقازية» Le cercle de crai Caucasien لبريخت (بريشت)[ر] Brecht.وكتب إيليتيس دراسات أدبية وسيرة ذاتية نشرها تحت عنوان «الأوراق المكشوفة» (1946-1974) Cartes sur table، إضافة إلى كتاب «الطغراء» (1973) Monogramme.لا تقتصر أهمية إيليتيس على كونه شاعراً مبدعاً على النطاق الفردي وإنما كان له أثر مهم في توجيه الكتابة الشعرية في اليونان على الصعيد النظري، إذ كان شاعراً مبدعاً وناقداً منظراً رفض الفصل الجائر بين الشكل والمضمون في الشعر، ورأى أن القصيدة الجيدة هي التي تحقق التوازن بين هذين المكونين الأساسيين. وقد نجح في تحقيق ذلك في قصائده، فكان له أكبر الأثر في إحداث ثورة في الشعر اليوناني الحديث.من جهة أخرى استطاع إيليتيس أن يحقق التوازن بين التقاليد الشعرية الاتباعية (الكلاسيكية) وأسلوب التعبير المغرق في الحداثة الذي تمثله السريالية؛ ذلك أنه، وهو الذي تشرّب بحكم انتمائه إلى الحضارة اليونانية العريقة تلك الصبغة التشكيلية التي تميز الفنون اليونانية عامة، وذلك النَفَس الأسطوري الفريد، استطاع أن يوجد عالماً جديداً يرتكز على أسس اتباعية، ويحمل المضامين الأسطورية نفسها ولكن بأسماء جديدة وشخصيات مبتكرة. فالآلهة في قصائده تحمل أسماء بحر وسماء وجبل وحب وورد، وكلها تدين بالولاء «لشمس هي الأولى» بين مكونات الطبيعة.والسريالية التي تجلت في بيانات بروتون ثورة على العقلانية الغربية التي لم تعزز سوى الحرب والدمار، ودعوة إلى الغوص في أعماق اللاوعي بحثاً عن حقيقة جديدة، صارت عند إيليتيس وسيلة لتحرير الطاقات الإبداعية للأنا عند الشاعر التي تتجاوز نطاق الذاتية الضيقة لتمتزج بعالم واسع رحب. وهذا ماعبر عنه إيليتيس حين قال إن جزر بحر إيجة لم تعد معزولة عديمة الحركة، بل صارت جزراً «تمخر بحار العالم».من هذا المنطلق يعد شعر إيليتيس ثورياً ومتميزاً، لأنه استطاع الاستناد إلى الاتجاهات الشعرية الجديدة في العالم من أجل إبداع شعر يوناني معاصر؛ يستمد من الواقع اليوناني حرارة شمسه وزرقة سمائه وجمال أساطيره من دون أن يفقد تلك النظرة الكونية إلى العالم وذلك الالتزام الأكيد بقضاياه المعاصرة. 

المراجع

الموسوعة.العربية

التصانيف

الآداب   اللغات وآدابها   الآداب الاخرى