هوغو فون هوفمَنْستال Hugo von Hofmannsthal شاعر ومسرحي وكاتب نصوص أوبرالية ومقالات وقاص وأحد مؤسسي مهرجانات زالتسبورغ (أو سالزبورغ) Salzburg المسرحية في النمسا، وأبرز ممثلي أدب «نهاية القرن» Fin du Siècle في اللغة الألمانية ورائد حركة الحداثة في ڤيينا. ولد هوفمَنْستال في ڤيينا وتوفي في ضاحيتها روداون Rodaun، وهو يتحدر من أصول بوهيمية Böhmen (في تشيكيا حالياً) ولومبارديا Lombardia (في إيطاليا حالياً). كان والده كاثوليكياً درس الحقوق وصار مدير مصرف، وكانت والدته ابنة كبير الكتّاب بالعدل في ڤيينا، ولم ينجبا سواه. وقد فقدت عائلته الأرستقراطية جميع ممتلكاتها في انهيار الأسواق المالية عام 1873، واقتصر دخلها على راتب الوالد الذي وفَّر لوحيده تعليماً ممتازاً في «ثانوية ڤيينا الأكاديمية» حيث تعلّم اليونانية واللاتينية والإيطالية والفرنسية والإنكليزية، إلى جانب الألمانية وآدابها طبعاً، وكان تلميذاً نابهاً، غزير المطالعة.بدأ هوفمنتسال ينظم الشعر في سن مبكرة، متأثراً بأفكار نيتشه[ر]. ولما كان النشر محظوراً على التلاميذ استخدم الشاعر اليافع أسماء مستعارة، مثل لوريس مِليكوف Loris Melikow وتيوفيل مورِّن Theophil Morren، وسرعان ما أثارت هذه القصائد اهتمام الوسط الأدبي في النمسا وألمانيا، وصنفه النقاد في حركة «ڤيينا الفتاة» الأدبية إلى جانب هرمَن بار Hermann Bahr وآرتور شنيتسلر[ر] وفِليكس زالتِن Felix Salten وغيرهم. كما تعرف الشاعر حينها أدباء بارزين مثل هنريك إبسن[ر] وغيرهارت هاوبتمن[ر]، والتقى عام 1891 الشاعر شتيفان غيورغِه[ر] الذي صار له كبير الأثر في شعره لاحقاً.ونزولاً عند رغبة والده بدأ هوفمنستال دراسة الحقوق في جامعة ڤيينا في عام 1892، لكنه سرعان ما قطع دراسته بعد الامتحانات الأولى ليتطوع في الجيش مدة عام واحد، سافر بعده إلى ڤينيسيا (البندقية) ثم عاد إلى الجامعة، ولكن إلى كلية الآداب واللغات الرومنسية[ر] حتى حصل على درجة الدكتوراه في عام 1898 بأطروحة عن «التعامل مع اللغة لدى شعراء الثريا» Über den Sprachgebauch bei den Dichtern der Pléiade، ثم قام بعدة رحلات إلى ڤينيسيا وإلى باريس حيث تعرف المسرحي مِترلنك[ر] والنحات رودان[ر]؛ ثم ريلكه[ر] ورودُلف كاسنَر R.Kassner في ڤيينا، وريشارد شتراوس[ر] في برلين عام 1900. وفي عام 1891 قدم هوفمنستال أطروحة الدكتوراه الثانية المؤهِلة للتدريس الأكاديمي Habilitationsschrift بعنوان «دراسات في تطور الأديب ڤكتور هوغو» Studien über die Entwicklung des Dichters Victor Hugo، لكنه سرعان ما قرر التفرغ للكتابة الأدبية وتزوج في العام نفسه غِرترود شليزينغر Gertrud Schlesinger أخت صديقه هانس Hans وابنة مصرفي يهودي، تحولت إلى الكاثوليكية قبيل الزواج، وانتقلا إلى ضاحية روداون حيث أقاما في قصر عتيق من طراز الباروك[ر] وأنجبا ثلاثة أطفال، انتحر أوسطهم وهو في السادسة والعشرين من عمره بسبب إخفاقه حياتياً، وبعد يومين قبيل الخروج إلى المقبرة أصيب الأب بجلطة قلبية أودت بحياته.تعتمد أهمية هوفمنستال في تاريخ الأدب العالمي على تأملاته في نظرية الأدب Poetologie التي مرت في سياق إبداعه بتطورات ملموسة لافتة، بقدر ما تستند أيضاً إلى تجديداته في المسرح والأوبرا وإحيائه تقاليد المأساة اليونانية، ففي حين كان في بداياته مؤمناً بالنزعة الجمالية عند غيورغِه التي تقارب تيار «الفن للفن» l’art pour l’art من حيث استقلالية العمل الأدبي عن أي أهداف مهما كانت سوى إبداع عالم جمالي متكامل في ذاته ولذاته؛ توصل في المرحلة الثانية إلى أن الشعر والحياة مرتبطان بعضهما ببعض بصورة نموذجية، ولاسيما في استخدام الاستعارة المجازية والرمز اللذين يولِّدان في القصيدة تداعيات لا حصر لها نابعة من الخبرة الحياتية ويجعلان كثيراً من الأمور المتعلقة بعضها ببعض في العالم مرئية بجلاء. والشاعر في رأيه أشبه براقص على حبلٍ، بل على خيط رفيع، يجدُلُه من جسده وليس من فكره، ومن ثم فإن مهمة الشاعر لا تكمن في وصفه العالم موضوعياً من موقع المراقب كما في تيار الواقعية البرجوازية، ولا في تكديس الانطباعات الذاتية كما في تيار الانطباعية، وإنما في لغته؛ أي في الحبل الذي يمشي عليه محافظاً على توازنه. وفي نهاية هذه المرحلة تمزق هذا الحبل المشدود بين الذات والموضوع؛ ففي «رسالة كاندوس» Chandos- Brief ت(1902) طالب الشاعر بأن تكون اللغة الجديدة مباشرة، خالية من العلامات والتشبيهات والرموز لأنها يجب أن تكون وحياً وليس بلاغة، ولكن عندما التفت هوفمنستال إلى المسرح كلياً تصالح مع اللغة المنطوقة في العرض بصفتها وسيلة تكثيف وكشف وتواصل، يطوِّعها الممثلون لأغراض العرض على نحو فعال، ولذا فإنها يجب أن تكون أصيلة ومبتكرة في الوقت نفسه، وغنية بالتوريات وازدواج المعاني، وتساعد على تحديد سمات العصر والوضع الاجتماعي. ومن ثم صارت مهمة اللغة في المرحلة الأخيرة عنده تتركز في «الترميم الإبداعي» لمجتمع متخيل شبه أرستقراطي.على الرغم من أن هوفمنستال قد توقف عن نظم الشعر منذ عام 1900، لكنه بقي شاعراً بامتياز في جميع الأجناس الأدبية الأخرى، بما فيها المقالة[ر] الأدبية والسياسية. ففي عقد التسعينيات كتب الشاعر مجموعة من مسرحيات الفصل الواحد ذات الطابع الشعري الرمزي، استخدم فيها الماضي بغرض إضاءة الحاضر، مثل «أمس» Gestern ت(1891)، و«موت تيزيانو» Der Tod des Tiziano ت(1892)، و«الأحمق والموت» Der Tor und der Tod ت(1893)، و«مسرح العالم الصغير» Das Kleine Welttheater جت(1897)، و«المروحة البيضاء» Der weisse Fächer ت(1898)، و«المغامر والمغنية» Der Abenteurer und die Sängerin ت(1899)، و«عرس زبيدة» Die Hochzeit der Sobeide ت(1899)، وقد ترجمت جميعها في سنوات قليلة وعرضت في كثير من المسارح الأوربية. وبعد منقلب القرن خطا هوفمنستال خطوة مهمة - مازالت آثارها ملموسة حتى اليوم - في إحياء المأساة والملهاة الكلاسيكيتين[ر. الاتباعية] من منظور معاصر يعيد تأويل موضوعاتهما، فكتب «إلكترا» Elektra ت(1903)، و«أوديب والهولة» Ödipus und die Sphinx ت(1906)، و«أوديب ملكاً» König Ödipus، و«ألكِـسْـتيس» Alkestis ت(1910)، وقد تحقق هذا المشروع مسرحياً بالتعاون مع المخرج التجريبي المجدد ماكس راينهارت[ر]، بالاستناد إلى دراسات زيغموند فرويد[ر] في التحليل النفسي. لكن جهود الشاعر كانت أكثر نجاحاً على صعيد اقتباس الملهاة، كما في «البرجوازي النبيل» Der Bürger als Edelman ت(1918) من موليير[ر]، و«روح الأرض» Dame Kobold ت(1920) من كالدرون[ر]، إضافة إلى «كوميدياته» المبتكرة حول مجتمع ڤيينا، مثل «عودة كريستينا إلى الوطن» Christinas Heimreise ت(1909)، و«الصعب» Der Schwierige ت(1918)، و«النزيه» Der Unbechtechliche. وفي الوقت نفسه أدى التعاون الإبداعي بين الشاعر المسرحي هوفمنستال والموسيقار ريشارد شتراوس إلى إنتاج مجموعة من النصوص الأوبرالية Libretto التي لاقت نجاحاً عالمياً، مثل «فارس الورود» Der Rosenkavalier ت(1911)، و«أريادنِه في ناكسوس» Ariadne auf Naxos ت(1912)، و«امرأة بلا ظل» Die Frau ohne Schatten ت(1919)، و«هيلينا المصرية» Die ägyptische Helena ت(1928)، و«آرابِلا» Arabella ت(1929).أطلق هوفمنستال في عام 1920 فكرة «مهرجان زالتسبورغ للفنون المسرحية» السنوي، وبالتعاون مع راينهارت وشتراوس وغيرهم من المبدعين سرعان ما وُضعت الفكرة قيد التنفيذ مع مصادر تمويلها الحكومية والخاصة، وافتتحت دورة المهرجان الأولى في العام نفسه، ومازالت مستمرة حتى اليوم بمشاركة دولية واسعة. وإسهاماً في إغناء العروض وعصرنتها أعدَّ هوفمنستال من مسرحيات الأسرار الدينية القروسطية نص «كل إنسان» Jedermann الذي سبق أن عرض صيغته الأولى في عام 1911، وأعدَّ لدورة عام 1922 نص «مسرح العالم العظيم في زالتسبورغ» Das Salzburger grosse Welttheater عن كالدرون، فأحيا بهذا تقاليد العروض الجماهيرية الضخمة التي كانت تقام في الساحات العامة بمشاركة شعبية واسعة، فعزز بذلك وظيفة المسرح اجتماعياً. أما آخر نصوصه فكان بعنوان «البرج» Der Turm الذي أعد صيغته الأولى في عام 1924 والثانية عام 1927 عن نص كالدرون «الحياة حلم»، وتعبر مقولتها الجديدة عن موقف الكاتب حيال انتشار العنف عقب ثورتي 1917 و1918 فيما يشبه الوصية إلى الأجيال القادمة. وفي سنواته الأخيرة اشتغل هوفمنستال في رواية تربوية[ر] بعنوان «أندرياس أو المتَحدون» Andreas oder die Vereinigten التي صدرت في صيغتها غير الكاملة عام 1932.
المراجع
الموسوعة.العربية
التصانيف
الآداب اللغات وآدابها الآداب الجرمانية