المحاكاة مصطلح يستخدم تقليدياً في ميداني الأدب والفن، وقد دخل في القرن العشرين حقل العلوم ولاسيما علم الحاسوب باستخدام مغاير. يعود المصطلح تاريخياً إلى الأصل اليوناني mimesis الذي استخدمه كل من أفلاطون [ر] وأرسطو [ر] في بعض مؤلفاتهما بصدد الأدب والفن، ولاسيما المسرح [ر]. وقد اختلف المترجمون والباحثون الغربيون في إيجاد المعادل اللغوي المناسب والدقيق في لغاتهم لهذا المصطلح، فتراوحت الاجتهادات ما بين: التقليد والتمثيل والتجسيد والعرض. أما في اللغة  العربية فيبدو - منذ ترجمة كتاب أرسطو «فن الشعر» من قِبل أبي بشر متى بن يونس القنائي عن السريانية [ر] إلى العربية - أنه قد تمّ الاتفاق على معنى المحاكاة معادلاً للأصل اليوناني، إذ تبنَّاه  كل من الفارابي [ر] وابن سينا [ر] وابن رشد [ر] في تعليقاتهم على أرسطو، على الرغم من بعض التباين في التأويل، ولاسيما أن العرب حينذاك لم يعرفوا فن العرض المسرحي الذي تناوله أرسطو في تنظيراته.يشير مصطلح المحاكاة إلى تماثل بنية العمل البشري مع العمليات الطبيعية العضوية من حيث الغائية. والإنسان، الكائن الطبيعي، يتحلى بحسٍ فطري بالانسجام والإيقاع، يؤهله لإعادة خلق (إبداع، صنع) الطبيعة في مختلف مجالات الفن (المسرح، الفنون التشكيلية، الموسيقى). وعند صياغة أرسطو القواعد الناظمة لإنتاج عمل فني ما، انصب اهتمامه في «فن الشعر» على المأساة (التراجيديا)، التي عرَّفها بأنها تجسيد يحاكي حدثاً بهدف تحقيق التطهير katharsis عند المشاهد عن طريق إثارة انفعال الخوف من تورطه في حدث مماثل، وانفعال الشفقة على الذات من التعرض لمثل مصير البطل المأساوي الذي عانى وسقط. وبهذا يستعيد المشاهد توازنه النفسي ويعود إلى حالة السواء الاجتماعي، وهذا في مصلحة النظام والدولة التي كانت تشرف على العروض المسرحية وتمولها، مما يسهم في تحقيق الوظيفة الاجتماعية للمسرح.لقد رأى أفلاطون أن جميع موجودات الطبيعة ما هي إلا تقليد (محاكاة) لعالم المُثُل، والشاعر الذي ينتج فناً يحاكي فيه الطبيعة يوجِد تقليداً من الدرجة الثانية، ومن ثم فإن نتاجه منزاح مرتين، فلا فائدة منه، إن لم يكن ضاراً. كما رأى أن المحاكاة في التمثيل المسرحي خطيرة خوفاً من تقمص الممثل الدورَ؛ مما يولِّد لديه اضطرابات وأوهاماً مؤذية. في حين وجد أرسطو أن الممثل الذي يؤدي (يصنع) الدور يستمتع بعمله، لأنه يعبر عن حس فطري لديه بالإبداع.إن الحدث المحاكى فنياً بحسب أرسطو هو الحبكة التي صنعها المؤلف لربط المعطيات في نسيج متماسك، تمنحه الشخصيات بأفعالها حقيقة فنية أمام المشاهد، علماً أن الحبكة وشخصياتها يشترطان بعضهما بعضاً جدلياً. والمحاكاة بحسب أرسطو لا تعني أبداً نسخ وقائع تاريخية، بل إعادة خلق وقائع محتملة الحدوث بأدوات فنية، وإيهام المشاهد بواقعيتها، مما يحقق التأثير.لا تنحصر المحاكاة بالمسرح وحسب، بل هي جزء لا يتجزأ من عملية الإبداع في الفنون التشكيلية والموسيقى والسينما أيضاً. فالمحاكاة في النحت مثلاً تظهر طواعية الصورة التي يمتلكها المشاهد والتي يمكن أن يتقمصها عاطفياً في حالة معينة، كما في تمثال رودان [ر] «القبلة» الذي يحاكي أي علاقة عاطفية بين ذكر وأنثى في مثل هذه الحالة. وبيكاسو [ر] في لوحته «غيرنيكا» يعيد تمثيل re-present دمار الحياة وما يسببه من ذعر، بأسلوب التكعيبية [ر] ذات التأثير الدرامي العميق هنا. أما بتهوڤن [ر] في سمفونيته السادسة «الريفية» فإنه أيضاً يعيد تمثيل مختلف مراحل الإقامة في الريف وعواطف الأشخاص وأمزجتهم وقد تحولوا إلى حركات موسيقية تظهر هذه الحالة بصدق.شغل موضوع المحاكاة النقاد والباحثين في علم الجمال في مختلف أنحاء العالم منذ أرسطو حتى العصر الحاضر، فظهرت آراء وشروحات وتأويلات تكاد تكون متباينة بين عصر وآخر، بل حتى في العصر نفسه ولاسيما في عصر النهضة الأوربية. ووصلت النقاشات الجمالية إلى ذروتها نحو منتصف القرن الثامن عشر في كتابات الألماني لسينغ [ر] ثم زميله شيلر [ر]. ويعد كتاب «المحاكاة»Mimesis م((1954 للألماني إريش أورباخ Erich Auerbach من أهم ما كتب في الموضوع في القرن العشرين. وقد ترجم هذا الكتاب إلى العربية، وصدر عن وزارة الثقافة السورية في عام 2002.

المراجع

الموسوعة.العربية

التصانيف

الآداب   اللغات وآدابها