للأدب الإنكليزي English Literature مصدران رئيسيان الأول هو الحضارة اليونانية الرومانية، والثاني هو الكتاب المقدس. وربما كان من الضروري وضع هذين المصدرين في الذهن عند دراسة الأدب الإنكليزي في أي مرحلة من مراحله.ومن المعروف أن أزهى عصور الحضارة الرومانية، الذي يمتد من القرن الأول قبل الميلاد حتى القرن الأول بعد الميلاد، كان انعكاساً لمنجزات الحضارة اليونانية. لذا كانت الحضارة الرومانية جسراً بين الحضارة الغربية ومنها الإنكليزية والحضارة اليونانية التي سادت من القرن الخامس إلى القرن الثالث قبل الميلاد. وقد ورث الأدب الإنكليزي من حضارتي اليونان والرومان عالماً زاخراً من الأساطير والأحداث والصور التي مازالت تغنيه حتى الوقت الحاضر. وظلت الدراسات اليونانية واللاتينية إلى عهد قريب موضع اهتمام الصفوة من رجال العلم في جامعتي أكسفورد وكمبردج بوجه خاص، والجامعات الأوربية بوجه عام. وكم من أديب إنكليزي بدأ حياته الأدبية بدراسة التراث الاتباعي (الكلاسيكي) قبل أن تتفتح موهبته الفنيّة في الأدب المحلي. ومن هنا نشأت الحاجة إلى الرجوع إلى المصادر الاتباعية من أجل تذوق العمل الأدبي. وتكفي، مثالاً من بين عشرات الأمثلة، رواية «أوليس» Ulysses لجيمس جويس[ر] James Joyce وقصيدة «الأرض اليباب» The Waste Land  للشاعر ت.س.إليوت[ر] T.S.Eliot.وقد استفاد الأدب الإنكليزي من المصدر الآخر، وهو الكتاب المقدس، الذي ألهم الكتّاب بما يضمه من قصص ورموز دينية. ومن المعروف أن الترجمة الإنكليزية للكتاب المقدس التي صدرت عام 1611 برعاية ملك إنكلترة  جيمس الأول قد تركت أثراً بيّناً في الأدب الإنكليزي. ومع وجود ترجمات أقدم من تلك فإن الكتّاب الإنكليز تأثروا بترجمة سنة 1611 التي أسهمت كثيراً في تكوين اللغة الأدبية عند الأجيال اللاحقة. ومن أهم ما استمدوه من هذا المصدر الديني ما عُقد على صلة الفرد بربه وبأفراد مجتمعه، تلك العلاقة التي تحدد مكانة الإنسان في هذا العالم، والتي تقضي بأن الفرد إنسان ناقص يحاول جاهداً الوصول إلى الكمال؛ والتقرب من ربه من أجل أن يحقق الخلاص بعد أن كتب عليه أن يعيش بذنب السقوط في هذه الدنيا. وقد استبدت هذه الفكرة بعقول المفكرين والأدباء الأوربيين قاطبة.ويجدر بالذكر هنا أن هذه النظرة إلى الإنسان تناقض نظرة اليونان والرومان إليه، تلك النظرة التي ترى الإنسان مركز هذا الكون وصانع أقداره مع ما يحيط به من قوى خارقة. ويمكن توضيح هذه النظرة من مسرحية  شلي[ر] Shelley «بروميثيوس طليقاً» Prometheus Unbound التي استقاها كما يدل العنوان من الأدب اليوناني. وهكذا فإن صورة الفرد في الأدب الإنكليزي تترجح بين إنسان يشعر بعدم الكمال يسعى للوصول إلى وضع أكمل ليحرر نفسه من هذا الشعور، وإنسان يمتلك قوة خارقة ويبحث عن عالم يكتشفه ويمتلكه بهذه القوة التي يشار إليها في أغلب الأحيان بالخيال.ويمكن من الناحية التاريخية تقسيم الأدب الإنكليزي إلى أربعة عصور رئيسية من غير أن يخضع هذا التقسيم إلى أي ثوابت تجعله نهائياً أو مطلقاً، تحمل أحياناً اسم لغة غالبة أو حاكم مشهور أو كاتب مرموق أو خاصية أدبية معينة أو ما يوجز الخواص الرئيسية لأحد العصور. ويمكن تقسيم هذه العصور الأربعة إلى حقب تاريخية على النحو التالي:1ـ العصور الوسطى (450- 1500م)وتقسم إلى حقبتين بارزتين بحسب اللغة الغالبة في كل منهما، وهما حقبة الأدب الإنكليزي القديم (450- 1066) التي غلبت فيها اللغة الأنكلوسكسونية، وحقبة الأدب الإنكليزي الوسيط (1066- 1500) التي غلبت فيها اللغة الإنكليزية الوسيطة.2ـ عصر النهضة (1500- 1660م)ويمكن تقسيم هذا العصر إلى حقبة آل تيودور (1500- 1557) Tudor Age والحقبة الإليزابيتية Elizabethan، نسبة إلى الملكة إليزابيت الأولى (1558-1603) والحقبة اليعقوبية (1603-1625) Jacobean نسبة إلى الصيغة اللاتينية من اسم الملك جيمس الأول Jacobus. والحقبة الكارولينية (1625- 1649) نسبة إلى الملك شارل الأول Charles I وحقبة الكومنولث التي حكم فيها كرومويل[ر] (1649- 1660) Cromwell والتي تعد نهاية عصر النهضة.3ـ عصر الاتباعية الجديدة (1660- 1798م)ويقسم إلى حقبة إعادة الملكية (1660-1700) والحقبة الأغسطية (1700-1745) ومرحلة التمهيد للإبداعية (الرومنسية) أو عصر جونسون (1745-1798).4ـ العصر الحديث (من 1798 إلى الوقت الحاضر)وينقسم هذا العصر إلى الحقبة الإبداعية (1798 ـ 1832) والعصر الفكتوري (1833-1901) والحقبة الإدوردية (1901-1914) وحقبة الحداثة (1914-1939) والحقبة المعاصرة (1939ـ   ).العصور الوسطى: تؤلف العصور الوسطى حلقة وصل بين سحر العالم القديم والنهضة الأوربية. وترجع أهمية هذه العصور في التراث الأوربي إلى انتشار المسيحية وظهور الإقطاع بين الشعوب التيوتونية Teutonic والكلتية التي قطنت شمالي أوربة وغربيها، مما أدى إلى تحول ملحوظ في قيمها الحضارية. ويتصف أدب هذا العصر بالقصص الإبداعية والمغامرات والبحث عن الروح والحب المثالي؛ تلك الموضوعات التي بدأت تطغى على سيرة الأبطال المحاربين والأساطير الموروثة من العهد القديم.وينقسم هذا العصر في بريطانية إلى حقبتين تميزهما اللغة: حقبة الأدب الإنكليزي القديم الذي كتب باللغة الأنكلوسكسونية التي تنتمي في أصلها إلى لهجات الشعوب التيوتونية، وحقبة الأدب الإنكليزي الوسيط الذي كتب بلغة تطورت عن الأنكلوسكسونية، ودخلتها عناصر من الفرنسية الوسيطة ذات الأصل اللاتيني بعد اجتياح النورمنديين Norman لإنكلترة عام 1066. وكان النورمنديون ينتمون إلى الشعوب التيوتونية وحضارتهم فرنجية، وقد حملوا معهم هذه الحضارة المتقدمة آنئذ فأثرت تأثيراً إيجابياً في الأدب الإنكليزي. وقد خضع الأدب الإنكليزي القديم إلى تأثير حضارتين: الحضارة الوثنية التي ارتبطت بالأنكلوسكسونيين، والحضارة المسيحية التي أتى بها المبشران أيدان Aidan وأغسطين Augustine إلى منطقتي نورثمبرية Northumbria وكنت Kent نحو عام 597م. ويظهر هذا التأثير جلياً في ملحمة «بيوولف» Beowulf الشعرية التي تعد أول ملحمة وأول عمل يكتب باللغة الإنكليزية القديمة وتتألف من 3182 سطراً، ويعتقد أنها تعود إلى القرن الثامن الميلادي، إلا أن أحداثها تدور في القرن السادس في اسكندنافية، ويصور فيها الشاعر المجهول قيم الشجاعة والفروسية والخلود المتأثرة بالحضارة الوثنية والقيم الأخلاقية المسيحية أيضاً. وتدور أحداث القصة حول بيوولف البطل الذي خلص ملك الدنمارك هرثغار Hrothgar من وحش يدعى غرندل Grendel بعد معارك دامية مع الوحش وأمه. وهذه الملحمة هي الملحمة الإنكليزية الوحيدة التي وصلت كاملة إضافة إلى بعض الأشعار البطولية والقصائد الغنائية الشعبية Lyrics باللغة الإنكليزية القديمة التي كان ينشدها شعراء أو مغنون في قصور النبلاء على أنغام موسيقى القيثارة في أثناء المآدب الفخمة. ومن أمثال هذه القصائد «نواح الزوجة» The Wife's Lament و«الجوال» The Wanderer و«البحار» The Seafarer. وقد اتصف الشعر آنذاك بالإيقاع الحر وحركة التشديد المنتظمة والأشعار غير المقفاة وغنى الصور. واشتهر في هذا المجال الشاعر كادمن Caedmon الذي عاش في القرن السابع، والشاعر كينوولف Cynewulf الذي عاش في القرن التاسع، وكتب قصائد «الخروج» Exodus و«دانييل» Daniel و«سفر التكوين» Genesis.أما في مجال النثر فقد كُتب الكثير من الحوليات والعظات الدينية باللغة اللاتينية، ولم تبدأ الترجمة إلى اللغة الإنكليزية القديمة حتى القرن التاسع حين ترجم الملك ألفْرِد King Alfred الكثير من الأعمال إلى اللغة الإنكليزية، ولم تتطور كتابة النثر باللغة الإنكليزية حتى القرن الحادي عشر في كتابات إيلفريك Aelfric وولفستان Wulfstan اللذين اشتهرا بكتابة العظات الدينية Homilies.ولكن الإنكليزية التي كتبت بها هذه الأعمال تختلف عن الإنكليزية الوسيطة حتى تكاد تكون لغة أخرى يصعب على قارئ اليوم فهمها. ومع انتصار النورمنديين على الأنكلوسكسون عام 1066 في معركة هيستينغز Hastings انفتح الأدب الإنكليزي على القارة الأوربية فبدأت حقبة جديدة، وصار هناك تأثير واضح في الكتابة وتنوع في استخدام اللغة، فقد بقي البلاط يستخدم الفرنسية وبقيت الكنيسة تستخدم اللاتينية وبقي الشعب يتحدث الإنكليزية فظهرت كتابات في اللاتينية والفرنسية والإنكليزية. ويعد كتاب «تاريخ ملوك بريطانية» (1135) History of the Kings of Britain الذي كتبه الكاهن جفري مونموث Geoffrey of Monmouth في أهم ما كُتب باللاتينية، وهو يصور تاريخ الملوك والأبطال على نهج أسطورة «الملك آرثر»[ر]. واعتماداً على هذا الكتاب نظم بعض الشعراء من أمثال جفري غايمار Geoffrey Gaimar وروبرت ويس Robert Wace أشعاراً بالفرنسية عن الملك آرثر، مثل قصيدة ويس «رومان دو برو» (1205) Roman de Brut التي نقلت إلى الإنكليزية وصارت أول ما كتب بهذه اللغة عن أسطورة الملك آرثر لتظهر روح العصر والنزعة الوطنية لتجسيد أعمال أبطال البلاد الأصليين.واهتم كتّاب آخرون في هذه الحقبة أيضاً، بعد الغزو النورمندي، وهم الكتاب الأنكلو-نورمنديون بالكتابات التعليمية الواعظة، ورأوا فيها مادة للشعر بدلاً من القصص البطولية الدنيوية. وظهرت مجموعة من الكتب تتحدث عن الأخلاق مثل كتابات روبرت مانينغ Robert Mannyng وكتاب «وخز الضمير» The Pricke of Conscience (القرن 14) المجهول المؤلف وهو دليل للمواعظ. وكتبت في هذه الحقبة أيضاً أشعار الحب وقصائد غنائية كثيرة اتجهت لاستخدام اللغة المحكية والجناس. ولعل أهم شاعرين في هذا المجال هما وليم لانغلند (1330-1386) William Langland الذي كتب قصيدته الشعرية الطويلة «رؤية بيرس الحارث» (1367) Vision of Piers Plowman التي تتحدث عن مشكلات الطبقة الفقيرة في القرن الرابع عشر في إنكلترة، وشاعر غوين Gawain Poet المجهول الاسم والذي عُرف بهذا اللقب أخذاً عن أسطورته الشعرية «السير غوين والفارس الأخضر» (1375) Sir Gawain and The Green Knight، وكتب قصائد دينة مثل «اللؤلؤة» The Pearl و«الطهارة» Purity  و«الصبر» Patience. إلا أن هـذا النوع من الشعر لم يتطور إلى مدرسة يقتدي بها الشعراء من بعدهما وذلك لصعوبة اللغة التي استخدماها. وكان للشاعر الكبير جفري تشوسر[ر] Chaucer أن يضع حجر الأساس للغة الإنكليزية وآدابها بعد أن كتب باللغة المحكية التي يفهمها القارئ اليوم مع ما طرأ عليها من تغيرات، وبهذا صار أهم كاتب في هذه الحقبة وصار مدرسة في حد ذاته. إذ كتب الكثير من الأعمال كان أهمها «حكايات كانتربري» Canterbury Tales. وقد حافظ الشعراء والكتاب الذين جاؤوا من بعد تشوسر على ما بدأه بكتاباتهم باللغة المحكية، ويذكر من هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر الكاتب ورجل الدولة توماس مور (1477- 1535) Thomas More  الذي جاء في أوائل عصر النهضة وكتب «يوتوبيا» (أو المدينة الفاضلة) (1516) Utopia وأثر بها في الكثير من الكتاب في عصره وما بعده. وهي مجموعة مقالات صارت فيما بعد مرجعاً للمذهب الإنساني الذي أسسه المفكر الهولندي إراسموس[ر] Erasmus وتابعه فيه المفكرون في القارة الأوربية إبان عصر النهضة.وقد بدأ الأدب الإنكليزي يدخل عهداً جديداً ممهداً لعصر النهضة حين أدخل وليم كاكستون William Caxton الطباعة إلى إنكلترة عام 1476، فظهرت الحوليات والترجمات من اللغات الفرنسية واللاتينية وكتبت أعمال نثرية كثيرة منها تعليمية ومنها تاريخية. ومن أبرز المؤرخين في هذه الحقبة الانتقالية إضافة إلى توماس مور جون ستو John Stow ووليم كامدن William Camden. وظهر بعض الشعراء الأوائل الذين اقتبسوا من تشوسر منهجه أمثال وليم دنبار William Dunbar الذي اشتهر بقصيدته الحالمة «الدرع الذهبي» (1503) The Golden Targe، وغافين دوغلاس Gavin Douglas صاحب قصيدة «قصر الشرف» (1501) The Palace of Honour ، وتوماس ويات Thomas Wyatt وهنري هوارد Henry Howard وديفيد ليندسي David Lindsay. وقد كتب ويات قصائد غنائية كثيرة ولكن أهم ما قدمه للأدب الإنكليزي هو استخدامه للشعر الحر المرسل Blank Verse في ترجمته للإنيادة[ر] لفرجيل [ر] (1554). ثم ظهر شعراء اهتموا بشعر الهجاء الذي كان موجهاً إلى البلاط ورجال السياسة، وأبرز الشعراء في هذا المجال جون سكيلتون (1460- 1529) John Skelton الذي كان لا يكف عن هجاء رجال البلاط، وقد اشتهر بقصيدته «فيليب سبارو» Philip Sparrow. وهناك أيضاً جون هييوود John Heywood الذي كتب قصيدة «العنكبوت والذبابة» (1556) The Spider and the Fty ينتقد فيها أحداثاً تاريخية معاصرة في إنكلترة وقد كتب هيود الكثير من المسرحيات القصيرة التي كانت تدعى فصولاً مسرحية Interludes وتعد جزءاً من بدايات المسرح الإنكليزي في نهايات العصور الوسطى وبدايات عصر النهضة التي أفل نجمها بعد ذلك مع ازدهار المسرح الإليزابيتي[ر]. ولعل أهم ما تميزت به العصور الوسطى، وخاصة في النصف الثاني من الحقبة هذه، هو نشوء المسرح الإنكليزي وتطوره الذي ابتدأ في الكنيسة بمشاهد مسرحية مأخوذة من الكتاب المقدس كانت تُمثل في باحة الكنيسة في أثناء القداس أو بعد الصلاة في المناسبات الدينية المهمة التي أطلق عليها اسم المسرحيات الدينية Liturgical وقد تطورت فيما بعد ومهدت السبيل لعدة أنماط من المسرحيات اتخذت طابعاً جماهيرياً أوسع، وصارت وجهاً من وجوه الاحتفالات الدينية العامة، وأطلق على هذه الأنماط مسرحيات المعجزات Miracles والمسرحيات الأخلاقية Moralities وكانت تعرض في ساحات المدن الرئيسية وفي بعض الحانات وبهذا مهدت السبيل لمسرح عصر النهضة الذي اقتبس الكثير من مسرح العصور الوسطى ولكنه فاقه عراقة وعظمة.عصر النهضة: بدأت النهضة الأوربية في إيطالية منذ أوائل القرن الخامس عشر، ولم يتسع انتشارها إلا بعد مضي قرن ونصف عليها، إذ كانت مسيرتها بطيئة في فرنسة وألمانية وإنكلترة، ومع إطلالة عصر النهضة في إنكلترة بلغت اللغة الإنكليزية بداية مرحلة الحداثة؛ وأصبحت لغة مختلفة عن لغة العصر الوسيط، ومع هذا فقد تطورت اللغة الإنكليزية في هذا العصر لتصبح لغة الأدب. ولكن اللاتينية ظلت مهيمنة على الحياة الفكرية. ويدعى هذا العصر في إنكلترة أيضاً بالعصر الإليزابيتي نسبة إلى الملكة إليزابيت الأولى مع أن النهضة في الأدب والفن بدأت قبل توليها العرش واستمرت بعد وفاتها وتولي الملك جيمس الأول العرش من بعدها.يمتد عصر النهضة في إنكلترة على مدى ثلاثة قرون منذ أواخر القرن الخامس عشر حتى القرن السابع عشر. ومع أن المؤرخين يقسمون هذا العصر إلى عدة حقب في إنكلترة بحسب الملوك والحكام الذين توالوا على العرش خلال ثلاثة قرون، إلا أن التيار الأدبي الذي ساد كان واحداً تقريباً وهو العودة إلى الاتباعية القديمة التي تمثلها الحضارة اليونانية والرومانية. وانتشر بهذا مذهب الإنسانية الذي يجد في الإنسان مركزاً للكون وطاقة مستقلة بحد ذاتها. شهد هذا العصر تطوراً ملحوظاً في حياة المدن التي جذبت إليها ما صار يسمى بالطبقة الوسطى، وأدى تحرر الفرد من تبعية الكنيسة والإقطاع التي سادت في العصور الوسطى إلى انطلاقه في هذا العالم بحرية البحث والتفكير، حتى صارت الحرية الفردية موضع الاهتمام الأول عند الأديب، ولم يعد الأدب وقفاً على طبقة النبلاء، بل صار من أولويات الحياة عند أبناء الطبقة الوسطى، ومن هنا بدأ الاتجاه نحو الواقعية والتركيز على النواحي الروحية لدى الأفراد العاديين بدلاً من الاهتمام بسير النبلاء، وصارت الصبغة الإنسانية لدى الفرد العادي هي التي تميز صورة البطل في أدب العصر.وقد تميزت الحقبة الأولى من هذا العصر، وهي حقبة آل تيودور قبل  مجيء الملكة إليزابيت الأولى، بتأثير أكبر للحضارة الاتباعية وتحرر مفاجئ من تبعية الكنيسة الكاثوليكية، وقد سبب هذا الانفصال المفاجئ عن الكنيسة بعض الفوضى والضياع وعدم الاستقرار، ولكن ما لبثت إنكلترة أن بدأت تنعم بالحرية، وبدأت تتطور إلى بلد تجاري مستقل. وبدأ يظهر تأثير مذهب الإنسانية في الحياة بعيداً عن سيطرة الكنيسة. ولكن في ذلك الوقت كان الاعتماد في الأدب على الاقتباس والترجمة من الأدب الإيطالي والفرنسي، فترجم ويات وهنري هوارد السونيتات الإيطالية، وتميز توماس إليوت[ر] Thomas Elyot وتوماس مور في مجال الكتابة النثرية، وظهرت عدة محاولات لترجمة الكتاب المقدس إلى الإنكليزية أدت في البداية إلى إعدام بعض الكتّاب مثل تيندل Tyndale ومور إذ كانت هذه المحاولات من المحرمات. أما المسرح فكان في البداية امتداداً لمسرح العصور الوسطى، إذ بقيت المسرحيات الدينية والأخلاقية منتشرة حتى الحقبة الإليزابيتية.ومع مجيء الملكة إليزابيت إلى الحكم عام 1855، وصلت إنكلترة قمة ازدهارها الاقتصادي والأدبي وأصبح المسرح والشعر في هذه الحقبة في أوج عظمته. وقد ظهرت في البداية نصوص مسرحية شعرية Poetic Drama تعالج حكايات السحر والفروسية اشتهر بها مجموعة من الكتّاب يُدعون «ظرفاء الجامعة» University Wits من أمثال روبرت غرين[ر] Robert Green وتوماس لودج[ر] Thomas Lodge وجورج بيل[ر] George Peele وتوماس ناش Thomas Nash، ولكن مسرحياتهم لم تتميز بالنضج المسرحي ولم تكن ملائمة للعرض المسرحي حتى تطور المسرح الإليزابيتي لاحقاً بعد بناء المسارح وقدم توماس كيد Thomas Kyd الذي عُرف بولعه بالمسرح مسرحيته المشهورة «المأساة الإسبانية» (1587) The Spanish Tragedy وهي مأساة تدور حول موضوع الانتقام الشائع آنذاك، إذ أثرت مسرحيته هذه في جميع الكتّاب الذين جاؤوا من بعده مثل كريستوفر مارلو[ر] Christopher Marlowe وشكسبير [ر] وبن جونسون[ر] Ben Jonson.ومع أن المأساة كانت أكثر انتشاراً من الملهاة  فقد ظهر في البداية نوع من الملهاة المبكرة التي كانت تدين بشيء ما للكتاب المسرحيين الرومان، واتخذت هذه المسرحيات صبغة ريفية، واعتمدت على أنماط من الشخصيات المضحكة المكررة. وتطور بعد هذا  نوع أكثر صقلاً من الملهاة في البلاط الملكي نفسه كان يقدمها أمام الملكة تلامذة المدارس الثانوية  Grammar Schools التي كانت تدرّس اليونانية واللاتينية، وامتازت هذه المسرحيات بأسلوب نثري متقن ومتأنق بلاغياً، وأهم الكتاب في هذا المجال هو جون ليلي[ر] John Lyly ومسرحياته التي اشتهر بها مثل مسرحية «أوفيوس» (1579) Euphues.وقد كان مارلو أول من استخدم الشعر الحر في مسرحياته فحرر بذلك المسرح من قيود القوافي الشعرية والبلاغة المتأنقة ومهد الطريق أمام شكسبير الذي يعد إلى اليوم أهم الشعراء والكتاب المسرحيين الإنكليز والعالميين، وما تزال نصوصه المسرحية التي تبلغ أكثر من ست وثلاثين مسرحية تسحر القراء ورجال المسرح. وقد تميز عصر شكسبير أو العصر الإليزابيتي بتشييد الكثير من المسارح العامة بعد أن كان الممثلون يقدمون عروضهم في الفنادق والحانات التي كانت منتشرة على الطرق المؤدية إلى لندن. وبازدياد عدد المسارح تزايد عدد النصوص المسرحية لتجعل من العصر الإليزابيتي من أغنى عصور إنكلترة مسرحياً.وتميز العصر أيضاً بظهور بعض الشعراء الذين كتبوا الكثير من الأشعار الغنائية ومن أهمهم والتر رالي[ر] Walter Raleig وصموئيل دانييل[ر] Samuel Daniel وإدموند سبنسر[ر] Edmund Spenser وفيليب سيدني[ر] Philip Sidney ومايكل دريتون Michael Drayton وتعد رائعة سبنسر «ملكة الجن» The Faerie Queene  (1590) في أهم ما كتب في الشعر الإنكليزي.أما في الحقبة الثالثة من عصر النهضة، وهي الحقبة اليعقوبية خلال حكم الملك جيمس الأول، فقد كانت في بدايتها امتداداً لازدهار الحقبة الإليزابيتية إذ كتب شكسبير أهم مسرحياته في أواخر حياته، وكذلك جون ويبستر John Webster وبومونت وفليتشر[ر] وبن جونسون وتوماس ميدلتون Thomas Middleton. ولكن انتشرت بعد هذا الروح السوداوية للانحطاط السياسي واتساع هوة الخلاف بين البيوريتانيين [ر] (التطهريين) Puritans والنبلاء. وطغت الواقعية الساخرة في الأعمال الأدبية وظهرت بشكل واضح في أعمال توماس ميدلتون و ويبستر و بن جونسون وفي أعمال شكسبير الأخيرة، وظهرت أيضاً في بدايات شعر جون دَن[ر] John Donne ودرايتون واستمرت هذه الروح السوداوية الساخرة في عصر الملك شارل الأول الذي كان امتداداً لما سبقه أيضاً، ولكن بدأ البيوريتانيون فرض سيطرتهم على إنكلترة وأغلقت المسارح عام 1642 بسبب الحرب الأهلية التي كانت نتيجتها أن استولى الجنرال كرومويل على السلطة بعد أن أقصى الملك شارل الأول عن الحكم وحكم بريطانية من عام 1653 حتى 1658. ووضع البيوريتانيون قيودهم على النشاط الأدبي وأغلقوا المسارح خلال حقبة الكومنولث حتى عام 1660. فأفل نجم أدب عصر النهضة ومسرحه تاركاً وراءه تأثير الاتباعية ليمهد لمولد اتباعية جديدة Neo-Classicism في العصر الذي تلاه مباشرة، ولم يظهر في الأدب ما يستحق الاهتمام سوى ملحمة جون ميلتون[ر] John Milton الشعرية «الفردوس المفقود» Paradise Lost وغيرها من الكتابات السياسية التي كتبها في أثناء عمله مساعداً لكرومويل.عصر الاتباعية الجديدة: اتخذت هذه الاتباعية اتجاهاً مغايراً لروح النهضة وانطلاقها الحر؛ إذ تبنت النماذج الاتباعية في الأدب أسلوباً ومضموناً مما أسهم في إخماد الروح التجريبية التي سادت عصر النهضة. وقد ظهر تحول مهم في النظرة إلى الفرد، فبعد أن كان في عصر النهضة إنسان العواطف والأفكار التي لا حد لسبر غورها، صار في هذا العصر إنساناً اجتماعياً يقدم نفسه بأنماط سلوكية معروفة ومتفق عليها. وهكذا تغيرت صورة الفرد في الأدب الإنكليزي من الصورة التي كانت تحيي خياله وانطلاقه في الأفق الرحب إلى صورة تراه في حجمه الاجتماعي، مما جعل  الملهاة والهجاء من أهم طرق التعبير في هذا العصر، وعدَّت أساليب التعبير التي كانت سائدة في عصر النهضة مفعمة بالمبالغة. واهتم الأدب في هذا العصر بكشف النقاب عن العيوب الاجتماعية للطبقة الوسطى التي بدأت تسيطر تدريجياً على الحكم. وأهم مظاهر هذا التعبير العودة إلى الاتباعية، وإنتاج نماذج أدبية معاصرة لا تزيد في واقع الأمر على كونها تقليداً للنماذج الاتباعية، وهكذا استبد العقل بالأدب بعد أن كانت العاطفة مهيمنة عليه، لذلك جاءت تسمية هذا العصر بعصر العقل وامتدت سيطرة العقل إلى الشعر الذي حظي بمكانة مرموقة في أدب العصر. ومن أهم ممثلي هذه الحقبة جون دَن وجون درايدن[ر] John Dryden وألكسندر بوب[ر] Alexander Pope وجوناثان سويفت Jonathan Swift وصموئيل جونسون[ر] Samuel Johnson والروائيان صموئيل ريتشاردسن[ر] Samuel Richardson وهنري فيلدينغ[ر] Henry Fielding . الإبداعية والعصر الحديث: تعد العودة إلى العاطفة في أواخر القرن الثامن عشر بداية تقريبية للعصر الحديث، وتؤرخ هذه البداية عادة بنشر «الأغاني الشعبية» Lyrical Ballads التي كتبها كل من صموئيل تيلر كولردج[ر] Samuel Taylor Coleridge ووليم وردزْوُرث[ر] William Wordsworth وجمعت في كتاب عام 1798. ويسمى هذا العصر عصر الإبداعية  Romanticism، وأهم أعلامه وردزورث، وكولردج، وشلي وجون كيتس[ر] John  Keats  وجورج غوردون بايرون[ر] George Gordon Byron الذين اتخذوا العاطفة لا العقل منطلقاً لشعرهم الذي مجدوا فيه عظمة الخيال وتفوقه على العقل في نظرته إلى الكون. ومن هنا جاءت النظرة المثالية إلى الحياة، تلك النظرة التي تعد مظهراً رئيسياً من مظاهر الإبداعية، والتي تخالف الواقع المحسوس في تصورها للحقيقة. وهذه هي أول مرة في تاريخ الأدب الإنكليزي يشترك فيها الأدباء ولاسيما الشعراء منهم، في توكيد دور الخيال مصدراً للإبداع، وربما كان هذا هو السبب في عد الإبداعية بداية مناسبة للحداثة التي مازالت تؤكد هذا الدور.ومع كل ما في الإبداعية من قوة وأصالة فإنها لم تصمد في وجه الحركة الصناعية التي أثرت في أدب العصر الفكتوري تأثيراً كبيراً، ولم يعد الكاتب في هذه المرحلة، التي بدأت في ثلاثينات القرن التاسع عشر، قادراً على الهروب من الواقع المحسوس إلى منطقة البحيرات الجميلة؛ ليكتب شعراً مثل ما فعل وردزورث وكولردج، أو ليبوح بآلامه مثل ما فعل بايرون في المنفى، أو ليتغنى بجمال الطبيعة مثل معظم الكتاب الإبداعيين، بل أخذ ينظر إلى ما يحيط به من واقع مادي على أنه قدر لا مفرَّ منه، وكان لابد من أن ينشغل بال الكتَّاب بمعالجة هذا الواقع كل بحسب نظرته الخاصة إليه: فهذا ماثيو أرنولد[ر] Matthew Arnold يعرض طغيان المادة على الروح، ويذكِّر بحضارة اليونان التي كان يحمي الجمال فيها المجتمع من شرور المادية ويعقد مقارنة من الأدب الاتباعي بين الحضارة والفوضى المادية في مقولته المشهورة التي جعلها عنواناً لواحد من أهم كتبه هو «الثقافة والفوضى» Culture and Anarchy، وهذا أيضاً توماس كارلايل[ر] Thomas Carlyle يرجع إلى الأدب الألماني ليستخرج منه صورة البطل الفيلسوف الذي يستطيع أن يكون مصدر إلهام روحي لعصره الذي طغت فيه المادة على الروح، وهذا الشاعر روبرت براوننغ[ر] Robert Browning يبحث في شعره عن المثل العليا في تحليل عميق لشخصيات قصائده المسرحية لإيجاد الحقيقة النفسية للدوافع الإنسانية التي تؤدي إلى الشر. أما تنيسون[ر] Tennyson فقد عبر عن أساه بسبب فقدان العصر لعقيدة الإيمان؛ وأشار إلى الماضي السعيد الذي كان الإيمان فيه عقيدة تبارك الحياة، وإلى الحاضر الذي طغى فيه الشك على كل عقيدة، وأصبح الفراغ الروحي يؤرق أفراد المجتمع، وجاء هذا كله في مرثية كتبها لوفاة صديقه الحميم آرثر هالام Arthur Hallam. هذا في ميدان الشعر والنثر. أما الرواية فقد ازدهرت في هذا العصر أكثر من أي عصر مضى وعبرت عن روح العصر أكثر من أي جنس أدبي آخر. وأبرز روائيي العصر الفكتوري هو تشارلز ديكنز[ر] Charles Dickens الذي اشتهر بتصوير واقع المجتمع الصناعي بين مآسي الفقر والحرمان التي لحقت بأبناء الطبقة العاملة وظهرت مِن التضخم الصناعي؛ وأكثر ما تظهر هذه الصورة وضوحاً في روايتيه «البيت الكئيب» Bleak House و«الأزمنة الصعبة» Hard Times. ومع أن ديكنز لم يكن ناقداً اجتماعياً فإنه استطاع أن يقدم صورة تتسم بأبعاد الواقعية الصلبة التي صارت من أهم مظاهر الأدب الروائي في العصر الفكتوري.ومن الكتاب المعروفين في ميدان الرواية الذين اتسمت كتاباتهم بالواقعية ثاكري[ر] Thackeray وغاسكل Gaskell وجورج إليوت[ر] George Eliot، إلا أن هذه الواقعية جاءت خالية من المنظور الاجتماعي والسياسي؛ إذ إن صدقها لم يتعدَّ كشف النقاب عن الواقع كما هو، واكتفى الكتاب في أغلب الأحيان بالوقوف عند هذا الحد. وربما يرجع السبب في ذلك إلى أن الكاتب في هذا العصر كان مبهوراً بفكرة التقدم العلمي ومنجزات العصر الصناعية. ففي أحيان كثيرة يكافح البطل في الرواية الفكتورية من أجل الارتقاء في المجتمع، والنمط المتكرر هو نمط البطل الذي يجد نفسه في بداية حياته فقيراً فيبدأ التسلق لينال ما حرمه المجتمع من مال وجاه.ويبدو أن إنجازات العصر هذه أوجدت بعض الأفكار والقيم التي كان من شأنها أن تهيمن حتى على الأدباء المعاصرين الذين سيطرت عليهم فكرة التقدم. كان الاعتقاد السائد أن هذا التقدم حصيلة مؤثرات كتلك التي رافقت فكرة النشوء والارتقاء التي جاء بها داروين[ر] Darwin عام 1859، وأن الشرور التي جلبتها الثورة الصناعية ستزول مع الزمن الذي اعتقد الناس أنه سيكفل السعادة للبشر، ويمكن القول إن الأمل في المستقبل كان من أبرز المعتقدات التي سادت روح العصر.غير أن قيم العصر الفكتوري ومعتقداته انقلبت رأساً على عقب بعد الحرب العالمية الأولى، إذ دلّ نشوب الحرب على الوهم الذي بنيت عليه تلك القيم والمعتقدات التي أدت في النهاية إلى الدمار والخراب فظهر شعراء الحرب War Poets أمثال روبرت بروك[ر] Rupert Brooke الذين عبروا عن خيبة أمل كبيرة. وفقد الأديب بعد هذا كل ثقة بمجتمعه ومؤسساته، ولم يعد للمجتمع أي هيمنة عليه، وأصبح همّه الرئيسي تعرّف مكنون النفس البشرية في حياة الفرد بمعزل عن حياة الجماعة. وقد أنتجت الحقبة التي تلت تلك الحرب ولاسيما العشرينات منها عمالقة الأدب في هذا القرن مثل جيمس جويس و ت.س.إليوت وديفيد هربرت لورنس[ر] D.H.Lawrence  وفرجينيا وولف[ر] Virginia Woolf. ولهذا التغير كان من الطبيعي أن يتخلى الأدباء عن الأساليب التقليدية التي كان من روادها الكاتب فورستر[ر] Forster. ففي الرواية مثلاً طغى ما يعرف بتيار الوعي على الحبكة والتتابع الزمني في السرد القصصي. وصار الأديب في عزلة عن المجتمع تكاد تكون تامة، وغير مقيد بإرضاء أي رغبة من رغبات الجمهور كما كانت الحال في الماضي. وقد مثَّل هذا التيار الروائي الأيرلندي جيمس جويس الذي حقق بروايته المشهورة «أوليس» (1922) ثورة في الأسلوب النثري فهي سرد لأحداث يوم واحد فقط استخدم فيه جويس بجرأة أسلوب المونولوغ الداخلي. وقد استخدمت أيضاً الروائية فيرجينيا وولف أسلوباً مشابهاً بتركيزها على تحليل الشخصيات تحليلاً عميقاً من دون اهتمام بالحبكة أو الحدث، كما فعلت في روايتيها «السيدة دالووي» (1925) Mrs.Dalloway و«إلى المنار» (1927) To the Lighthouse. ويعد ديفيد لورنس أيضاً أحد أعلام تيار الوعي هذا، إلا أنه كان يميل إلى رسم صور أكثر واقعية كما في روايته «أبناء وعشاق» (1913) Sons and Lovers، وقد نادى بالعودة إلى الأحاسيس والمعتقدات البدائية بل الغريزية من أجل خلاص العالم الحديث من الدمار والضياع النفسي الذي صوره الشاعر ت.س.إليوت بقصيدته المشهورة «الأرض اليباب». وفي مجال المسرح اتجه الكتّاب في هذه الحقبة اتجاهاً آخر نحو نقد النفاق الاجتماعي عند الطبقة الأرستقراطية في المجتمع البريطاني وتمسكها بالمظاهر الفارغة، من خلال تقديم صورة ساخرة لاذعة عنها، كما في أعمال الكاتب الكبير برناردشو[ر] وأوسكار وايلد[ر] Oscar Wilde.أما التحول الرئيسي في الأدب الحديث فيكمن في النظرة الجديدة إلى اللغة التي صارت جزءاً لا يتجزأ من المضمون؛ وانصب جل اهتمام المحدثين على كيفية تطويع اللغة لتناسب هذه النظرة. كل هذا أدى إلى هجر الأساليب التقليدية في التعبير. ويمكن تلخيص هذا الموقف بصرخة وليم باتلر ييتس[ر] William Butler Yeats، التي نادى بها في بداية القرن العشرين، ومضمونها ضرورة تنقية الشعر من كل ما هو غير شعر، ولاسيما الخطابة التي عرف بها شعر تنيسون. وجاءت حركة الشعر التصويرية Imagism في العقد الثاني من القرن العشرين لتؤكد هذه الصرخة. وأكدت هذه الحركة ضرورة التعبير بالصورة التي تقتضي التزام أقصى درجات الاختصار اللغوي؛ والابتعاد عن استعمال أي كلمة لا تسهم في بناء الصورة. وقد ضمت هذه الحركة مجموعة من الشعراء تعاهدوا على تهذيب اللغة الشعرية من شوائب الخطابة، ومنهم باوند وهيلدا دولتل Hilda Doolittle و ريتشارد ألدنغتون Richard Aldington. ويعد عقد العشرينات مرحلة الخلود إلى الراحة، وينظر إليها مؤرخو الأدب على أنها صيف عابر يفصل بين الحلم المزعج الذي خلفته الحرب واليقظة من هذا الحلم في الثلاثينات؛ التي قربت شبح ذلك الحلم المزعج وهول تلك الحرب. وفي أحيان كثيرة تسمى هذه الحقبة بحقبة أودن[ر] Auden، الشاعر الذي عبر صوته أصدق تعبير عن المشكلات التي عاشها أبناء جيله في الثلاثينات، إذ تردى الوضع الاقتصادي ولاح شبح حرب جديدة على الأبواب. وفي هذه الأحوال القاسية رأى أودن ومعاصروه أن لا مفر للأديب من التزام القضايا الملحة التي تؤثر في حياة المواطن اليومية. وهذه أول مرة في تاريخ الشعر الإنكليزي يعيش فيها الشاعر مشكلات مجتمعه. ومع كل ما في شعر أودن من خطابة فإنها خطابة تختلف في نوعها عن خطابة تنيسون لأنها تعالج قضية ملحة، وهي مملوءة بالصور الجديدة التي لم يسبق لها أن كانت أنموذجاً في الشعر من قبل، ومن رواد هذا الاتجاه أيضاً إيدث سيتويل[ر] Edith Sitwell وستيفن سبيندر[ر] Stephen Spender وسيسيل دي لويس[ر] Cecil Day-Lewis ولويس مكنيس[ر] Louis MacNeice وديلان توماس[ر] Dylan Thomas.لم تكن الحرب العالمية الثانية مفاجئة كالتي سبقتها، ولهذا لم يكن رد الفعل عند الأديب عنيفاً إزاء المجتمع ومؤسساته كما حصل من قبل. وتركزت نظرة الأديب على عنصر الدمار الذي يصنعه الإنسان بيده بعد أن أثبت قدرته على ذلك في هيروشيما وناغازاكي كما جاء في روايات جورج أورويل[ر] George Orwell ووليم غولدنغ[ر] William Golding ودوريس ليسينغ[ر] Dorris Lessing. وصارت الرواية في الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين تصور مدى ما يمكن أن يلحق بالعالم في المستقبل من خراب من تفوقه العلمي. وهكذا برزت رواية الخيال العلمي science fiction [ر.أدب الخيال العلمي] وصارت لسان حال العصر. ولكن ما يسترعي الانتباه هو أن الشعور بالإحباط والضياع الذي خلفته الحرب أثّر تأثيراً مختلفاً في كلٍّ من كتّاب هذه المرحلة؛ ففي حين غرق بعضهم في التأمل والتصوف والهروب من الواقع كما في روايات ألدوس هكسلي[ر] Aldous Huxley وكريستوفر إشيروود[ر] Christopher Isherwood، وجد بعضهم الآخر أن تجربة الحرب وضعت حداً للحداثة والتجديد وأوجدت رغبة في العودة إلى القيم الأخلاقية السابقة والأساليب التقليدية في الأدب كما جاء في أعمال إيدث سيتويل و إيفلين وو[ر] Evelyn Waugh وأودن وغراهام غرين[ر] Graham Greene، وروايات أنتوني بويل Anthony Powell وجويس كاري Joyce Cary وهنري غرين Henry Greene، وكذلك في مسرحيات إليوت و كريستوفر فراي Christopher Fry الشعرية.وهكذا تجدد الاهتمام بالحبكة التقليدية التي أعرض عنها كتاب الرواية في العشرينات من القرن العشرين، ولكنها لم تكن حبكة الرواية الفكتورية نفسها، إذ حاول هؤلاء الكتاب تفريغ الرواية من الهدف الذي كان ينشده البطل التقليدي في الرواية، حين كان يسعد بالوصول إليه أو يشقى لعدم تحقيقه. فبطل الرواية الحديثة يظل تعساً حتى لو صار غنياً بعد فقر، أو زوجاً لابنة مدير الشركة الذي كان يحلم بالوصول إليه أو التقرب منه في أبسط الأحوال. إذن لم يعد الاهتمام بالربط بين المعنى وتحقيق الهدف أو معرفة الخلاف بين الواقع و«الآمال العراض» Great Expectations (رواية ديكنز المشهورة) لم يعد ذلك الاهتمام عنصراً رئيسياً في الأدب الحديث، وقد تركزت الرواية وكذلك المسرحية على فقدان المعنى والهدف في الحياة. ومسرح صموئيل بيكيت[ر] Beckett وتأثيره في الأدب الحديث بعد الخمسينات يدلّ على ذلك.وقد عُرفت حقبة ما بعد الخمسينات من القرن العشرين بحقبة التغيرات الكبيرة في المجتمع البريطاني ولاسيما في تحطيم الفروق بين الطبقات في جميع المجالات وخاصة في الأدب، وظهر في المسرح والرواية تيار «الشباب الغاضبين» Angry young men الذين رفعوا أصواتهم عالياً احتجاجاً على النفاق الاجتماعي والسياسي بين أفراد الطبقة الحاكمة منادين بالنزاهة والصدق في مواجهة الحقيقة. ويتضح تأثير هذا التيار الغاضب في المسرح أكثر منه في مجال الرواية والشعر، وذلك بالتخلي عن الأسلوب التقليدي في كتابة النص المسرحي الذي يعتمد على بنية المسرحية التقليدية المؤلفة من خمسة فصول أو ثلاثة وحبكة متينة ذات بداية تقليدية تقود إلى نهاية واضحة ومتوقعة. ومن أهم رواد هذا المجال الكاتب المسرحي جون أوزبورن [ر] John Osborne الذي اشتهر بمسرحيته الرائدة «انظر إلى ما فات بغضب» (1956) Look Back in Anger إلا أن ثورة أوزبورن على الأسلوب التقليدي للنص المسرحي بقيت ثورة على مضمون النص ولم تحدث ثورة شاملة في الأسلوب المسرحي من حيث النص والإخراج المسرحي وهي التي أتى بها في الحقبة ذاتها الكاتب المسرحي الأيرلندي صموئيل بيكيت في مسرحيته الشهيرة «في انتظار غودو» (1954) Waiting For Godot فحقق بهذا تجديداً جذرياً في النص والتقنيات المسرحية. فقد أظهر بيكيت مكنونات الروح الإنسانية وسط عبثية الحياة بأبسط وسائل الإخراج المسرحي وبتبادل أقل ما يمكن من الحوار من قبل الشخصيات. وقد سار على خطاه أيضاً الكاتب المسرحي هارولد بنتر[ر] Harold Pinter ولكنه أضاف إلى ما أسسه بيكيت بعداً نفسياً آخر وأعمق بمعالجته للصراع النفسي العصابي الذي يعانيه الإنسان في العصر الحديث كما في مسرحيتيه «حفلة عيد الميلاد» (1958) The Birthday Party و«العودة إلى الوطن» (1965) Homecoming. وظهر أيضاً هذا التجديد في الأسلوب في مسرحيات كلٍ من إدوارد بوند[ر] Edward Bond «عرس البابا» (1962) The Pope's Wedding و«لير» (1971) Lear و مسرحيات توم ستوبارد[ر] Tom Stoppard مثل «موت روزينكرانتس وغيلدنشتيرن» (1967) Rosencrantz and Guildenstern are Dead.أما في مجال الرواية فلم يكن هناك تجديد يُذكر، بل اتجه اهتمام الكتّاب إلى كتابة رواية ذات بنية منسجمة في عالم يخلو من الانسجام والتوازن، وهكذا قدَّم الروائيون ومنهم جون برين John Braine وجون وين John Wain وإيريس مردوخ Iris Murdoch وأنغس ويلسون[ر] Angus Wilson، نماذج متنوعة من الروايات لا تقع ضمن تيار معين جديد بل تركز فقط على الشخصية في الرواية بهدف الاقتراب من الحياة ومن الواقع، فخصص الكاتب مخيلته وقدرته اللغوية لتصوير شخصيات من الحياة، ويعد كينغسلي إيميس[ر] Kingsley Amis من رواد هذه الحقبة واشتهر بروايته «جيم المحظوظ» (1953) Lucky Jim. وقد نجح الروائيون في إنكلترة أكثر من غيرهم من الأوربيين في إبعاد الرواية عن نظريات النقد والأدب الكثيرة التي ظهرت في الآونة الأخيرة وخاصة البنيوية[ر]، أو ربما في التوفيق بين رواية الشخصية الواقعية وهذه النظريات [ر. النقد الأدبي]. ويذكر أيضاً من رواد هذا الاتجاه إليزابيت بوين[ر] Elizabeth Bowen وريبيكا ويست[ر] Rebecca West. وهناك أيضاً وليم غولدنغ وأنتوني بيرجس Antony Burgess ودوريس ليسينغ وتعد روايتها الأخيرة  «المفكرة الذهبية»  (1962) The Golden Notebook أفضل مثال على هذا الاتجاه.وفي الشعر كانت الحال مشابهة لحال الرواية فلم يأت الشعراء بجديد إلا في تأكيدهم أن الشاعر إنسان عادي يصور الواقع بصدق، مع ما يتصف به من الضياع وفقدان المعنى، وذلك بأسلوب سهل وبليغ. وقد ألف الشعراء الذين كان بعضهم روائيين أيضاً من أمثال إيميس وجون وين وفيليب لاركين Philip Larkin، نواة جماعة من الشعراء دعيت «شعراء الحركة» The Movement [ر.إيميس]، وكان من أهم ما سعى إليه هؤلاء الشعراء هو تصوير واقع مثقفي الطبقة الوسطى بأسلوب ساخر بعيد عن الرومنسية. مع انتماء هؤلاء الشعراء لحركة واحدة فإنهم تميزوا أيضاً بالتنوع في الموضوعات والأسلوب مما جعل الشعر في هذه المرحلة غير مقيد بتيار واحد أو أسلوب واحد، بل كان الشعار الوحيد له هو «الحقيقة هي الجمال و الجمال هو الحقيقة». ولكن الشعراء الذين ظهروا بعد الستينات والسبعينات من القرن العشرين وجدوا أن الشعر بات محدوداً جداً ومحصوراً في تصوير سطحي للواقع فأخذوا يخرجون من هذا الإطار ليسبروا أغوار النفس البشرية سبراً عميقاً بارعاً، ويعد تيد هيوز[ر] Ted Hughes وجيفري هيل Geoffery Hill وتوم غَن Thom Gunn في أهم شعراء هذه المرحلة. أما الشاعر الإيرلندي شيمُس هيني[ر] Seamus Heaney فقد حاول في السنوات الأخيرة الجمع بين الاتجاهين وحصد شهرة واسعة وعُد في رواد الشعر الإنكليزي، ومن أهم قصائده «الشمال» (1975) North و«جزيرة المحطة» (1984) Station Island.وتميزت حقبة ما بعد السبعينات حتى التسعينات عامة بانفتاح واسع على عدة تيارات وأساليب في الكتابة وعلى عدة نظريات ورؤى للواقع راوحت بين التقليد والابتكار، ففي المسرح، الذي بقي من أهم الأجناس الأدبية ذات الطابع السياسي والاجتماعي، حاول بعض كتّاب المسرح مثل تريفر غريفيث Trevor Griffiths وهوارد برنتون Howard Brenton، وديفيد هير David Hare أن يخرجوا من الإطار المسرحي في كتابة النص باستخدامهم تقنيات السينما والتلفزيون وإدخالها في صميم النص وواقع الأحداث، وتبعهم في هذا توم ستوبارد وآلان إيكبورن Alan Ayckbourn وآلان بينيت Alan Bennett وسيمون غراي Simon Gray. وفي الرواية اجتهد بعضهم في تطوير أساليب نثرية جديدة ومبتكرة في محاولة منهم لخوض تجارب حديثة في الكتابة النثرية، ومن هؤلاء دونالد مايكل توماس Donald Michael Thomas في روايته «الفندق الأبيض» (1981) White Hotel. ولكن لم يمنع هذا من استمرار تيار الروايات التقليدية الخالية من التعقيد والغرابة، بل من استمرار شعبيتها لدى القرّاء، ويدلّ على هذا الشهرة التي نالتها الروائية أنيتا بروكنر Anita Brookner برواياتها التقليدية السهلة الخالية من التصنع ومحاولات الابتكار والتجديد مثل روايتها «بداية في الحياة» (1981) A Start in Life.إن هذا التنوع والتفاوت في أنماط الأعمال الأدبية الإنكليزية في السنوات الأخيرة من القرن العشرين قد جعل من غير الممكن تصنيفها تحت تيار أو مدرسة أدبية واحدة، ولكن كان هناك اتجاه واضح وعام لمدة وجيزة نحو الاهتمام بموضوعات لا تتعلق فقط بالطبقة الوسطى المثقفة وإنما بالشباب الضائع والطبقة العاملة الفقيرة، بل فئة المشردين والخارجين على القانون، وبدا وكأن فن كتابة الأدب سيشهد تحولاً لا في موضوعاته فحسب بل سينتقل من كتّاب الطبقة الوسطى المثقفة والأكاديمية إلى كتّاب ينتمون إلى هذه الطبقات الفقيرة في المجتمع، وبهذا يحصل تحول كبير في الأدب الإنكليزي ليفقد جذوره التقليدية. وقد اتضح هذا الاتجاه الجديد في «شعر الاحتجاج» Protest Poetry الذي كتبه توني هاريسون Tony Harrison ودوغلاس دن Douglas Dunn. ولكن هذا التحول لم يدم إلا مدة قصيرة وعادت الكتابة من جديد إلى برجها العاجي لتبقى حصراً نشاطاً برجوازياً ليبرالياً يمارسه من هم مؤهلون لها من الكتّاب المثقفين. وظهر شعراء مثل كريغ رين Craig Raine وروائيون مثل مارتن أميس Martin Amis. ولكن الكتابة والإبداع الأدبي باتا مهددين بالركود في المملكة المتحدة بسبب انحدار مستويات التعليم وعدم إقبال الجيل الجديد على المطالعة. ولكن المحاولات والأعمال تستمر في الظهور لتدل على استمرار عراقة الأدب الإنكليزي وديمومته.

المراجع

الموسوعة.العربية

التصانيف

الآداب   اللغات وآدابها   الآداب الجرمانية